على الرغم من احتدام الصراع العسكري في السودان بين قوتين فقط؛ هما: الجيش السوداني وميلشيا الدعم السريع، إلا أن هاتين القوتين ليستا هما القوى العسكرية الوحيدة صاحبة السطوة والمكانة السياسية والعسكرية على الأراضي السودانية، إذ تزاحمهما قوى سياسية أخرى لها أذرع عسكرية كان من أبرزها «حركة تمازج»، والتي ينبثق عنها تنظيم عسكري مسلح، شارك في اتفاق جوبا للسلام بين الأطراف السودانية في وقت سابق، وتسعى حاليًا ببياناتها المتزنة لحل الصراع العسكري المسلح بين الجيش السوداني والدعم السريع.
«البوابة» أجرت حوارًا مع رئيس حركة «تمازج» السودانية، الفريق محمد علي قرشي، والذي أكد أن موقف الحركة من الصراع الحالي واضح؛ معتبرًا أن هذا الصراع لا يمكن أن يحسم عسكريًا، وإنما عبر التفاوض والجلوس على مائدة حوار عسكرية مغلقة، يكون فيها أهل الدراية وجهات الاختصاص من الخبراء العسكريين لحسم ملف الدمج ومسألة القيادة والسيطرة. مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
■ البعض لا يعرف الكثير عن حركة "تمازج" السودانية.. فما أبرز المعلومات عنها؟
حركة تمازج هي حركة عسكرية سياسية قومية التكوين والنشأة وطنية التوجه تتكون من ١٢ فصيلا مسلحا منتشرة في كل من ولايات كردفان ودارفور والنيل الأبيض مع الأخذ في عين الاعتبار تنوع العنصر القبلي فيها فهي الحركة التي وحدت وجمعت قبائل الشريط الحدودي دونما تمييز والدليل على ذلك أنها جمعت كافة الألسن واللهجات في مكون واحد.
أما على الصعيد الأيديولوجي فهي حركة لا تحمل في ثناياها أي أجندة خارجية وإنما تستند إلى قيم ومثل وصفات الشعب السوداني السمحة، وتاريخيًا لديها ارتباط قوي بالحركة الشعبية الأم التي كان يتزعمها الراحل الدكتور جون قرنق وبالطبع كانت إحدى فصائل الحركة الشعبية خاضت معها العديد من المعارك في الشريط الحدودي ما بين ولايات كردفان ودارفور.
وبعد انفصال جنوب السودان قررت الحركة وكانت فصيلا من الحركة الشعبية آنذاك اختيار طريق مغاير للحركة الشعبية الأم بحجة أن كل قياداتها هي من مكونات الشمال، وأعني بذلك بعد أن تم إعلان دولة جنوب السودان بصورة رسمية، وبعد سقوط نظام الإنقاذ رأت الحركة أنها لابد من أن تلتحق بركب السلام فسرعان ما أرسلت ممثلين لها إلى جوبا.
والغريب في الأمر أن هذه الحركة وجدت تحديات كثيرة كادت أن تجعلها خارج الاتفاق وتمثلت في ظهور بعض الحركات الأخرى والتي رفضت أن نكون جزء من إتفاق السلام بحجة أننا وبهذا التنوع سنكون خصمًا عليهم ولكن الوساطة في دولة جنوب السودان أقرت بأهمية وجودنا ضمن الاتفاق لأنه بدون دخول هذه الحركة لن يعم السلام الشريط الحدودي على الإطلاق.
وفي نهاية المطاف وقعنا ضمن المسار الأمني (بروتوكول الترتيبات الأمنية) ونشترك مع بقية الحركات الأخرى في بروتوكول القضايا القومية والذي يشمل الترتيبات السياسية وتمثيل أطراف السلام في أجهزة الدولة على المستوى السيادي وهياكل السلطة الأخرى وفقًا للاتفاق.
■ وما دور الحركة في وأد الصراع المسلح بين القوات المسلحة والدعم السريع في السودان؟
دورنا يأتي ضمن سلسلة من التحذيرات التي أطلقت من جانبنا كحركة منذ ظهور الاتفاق الإطاري المشؤوم والذي نعتبره جزء من الأزمة التي نشبت بين الجيش والدعم السريع بجانب محاور الشر التي تقف خلفها بعض الجهات الإقليمية والدولية.
وموقفنا أن هذا الصراع أنه لا يمكن أن يحسم عسكريًا وإنما يحسم عبر التفاوض والجلوس في مائدة حوار عسكرية مغلقة يكون فيها أهل الدراية وجهات الاختصاص من الخبراء العسكريين لحسم ملف الدمج ومسألة القيادة والسيطرة، لذلك من هذا المنبر نجدد النداء والمناشدة للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع بوقف إطلاق النار وتحكيم صوت العقل.
■ وهل توسطم لدى الأطراف السودانية لإنهاء الأزمة بناءً على حل سلمي أم لم يحدث أي اتصال مع الجيش أو الدعم السريع؟
- نحن جزء من تحالف الكتلة الديمقراطية وبالتأكيد كانت لنا ككتلة مجهودات مقدرة قبيل اندلاع هذه الاشتباكات من خلال الدفع بوفد لرأب الصراع والقضاء على نذر المواجهات وبالطبع وجدت تأييدًا وقبولًا من الطرفان.
وفي مرحلة ما بعد اندلاع الاشتباكات واجهنا صعوبة في التواصل مع الطرفان فيما واصلنا في اتجاه خفض التصعيد من خلال وسائل الإعلام وبعض الرفاق في الحركات المسلحة اتجهوا في تأمين المواطنين خاصة بإقليم دارفور والفصل بين المتنازعين ولن يهدأ لنا بال حتى نجد حلول سلمية لهذه الأزمة من خلال طرق جميع الأبواب.
قواتنا في دارفور تلاحمت مع الإدارات الأهلية وقواعدها الشعبية، وهذا إذ يؤكد مدى تجذر هذه الجبهة في جميع ولايات دارفور وكردفان، وذلك لأننا ننظر إلى أن هذا الاحتراب يمكن خفضه بالتواصل مع الشرائح المؤثرة في المجتمع مع ضمان عدم الزج بالإدارة الأهلية في هذه الحرب وإنما التعاون معها في تقديم مبادرات سلمية لرأب الصراع وهذا ما حدث بالفعل فالحركة متمثلة في قواتها المنتشرة في ولايتي دارفور وكردفان اتخذت موقف محايد واستفادت من قواعدها الجماهيرية في سبيل إنهاء الصراع بين الأطراف.
■ وكيف تفسرون ما يقال حول كونكم جماعة مسلحة يمكنها أن تسلك في يوم من الأيام مسلك قوات الدعم السريع؟
- بالتأكيد لا، فالوضع هنا يختلف نحن جئنا بإتفاق سلام متقن لم يتعرض لاختراق من القوى السياسية والدليل على ذلك رفضنا في كثير من المؤتمرات أن يتم فتح هذا الاتفاق بواسطة القوى السياسية وحرصنا أن تكون أطرافه مغلقة ومحددة ما بين الموقعين وأقصد بذلك الحركات المسلحة والضامنون والشهود والمانحين حرصًا منا على عدم اختراقه بصورة تؤثر على مستقبله.
الأمر الثاني نحن لم ولن نرفض الدمج ونعتبره المدخل الأساسي للوصول إلى جيش قومي موحد فقط ما نطلبه من الحكومة أن تسارع في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية بما يحقق مقاصد اتفاق السلام لذلك لن نواجه أي مخاطر في ذلك.
■ وهل طبيعة المجتمع السوداني تشي بضرورة وجود حكومة وجيش وعدد من الجماعات المسلحة الأخرى التي قد تتسبب في سيناريوهات متشابهة مع ما يحدث الآن؟
- السودان بحاجة ماسة لحكومة مدنية كاملة الصلاحيات ونحن نفضل أن تكون حكومة كفاءات مستقلة وذلك حفاظًا على واجباتها وضمان حيادية الأداء، لأن الحكومات الإنتقالية عادة محدودة الصلاحيات فهي تختلف في مهامها من الحكومات المنتخبة ولكل منذ سقوط النظام حدث العكس، القوى السياسية قفزت على السلطة بنية الإصلاح وانحرفت كليا وراء قضايا ليست من صميم الانتقال وتناست تمامًا معاش الناس بل بعض القوى السياسية ذهبت إلى أكثر من ذلك واتخذت مؤسسات الدولة سبيل خيري تغذي منها مؤسساتها الحزبية، لذلك نحن نؤمن على أهمية وجود حكومة كفاءات مستقلة على أن تتفرغ الأحزاب إلى الانتخابات.
أما وجود أكثر من جيش بالتأكيد يضر بالأمن القومي ويؤثر على ميزان القوة للقوات الرسمية في الدولة ويمكن معالجة ذلك عبر آليات الدمج على أساس واضح حتى لا تسلك البلاد مسلك الاحتراب.
■ سبق أن جرت ترتيبات لدمج قوات تمازج ضمن صفوف الجيش السوداني بالتحديد في عام ٢٠٢١.. على ماذا انتهت المناقشات في هذا الأمر؟
- حتى هذه اللحظة التي أتحدث فيها لكم لم يتم دمج ولا جندي واحد من الحركة وإذا كنتم تتحدثون عن قوة حماية المدنيين بدارفور والتي تم تخريجها مؤخرًا فكانت لدينا محاولات للحاق بها لأن قواتنا منتشرة في جميع ولايات دارفور لذلك مشاركتنا في هذه القوة نعتبرها ضرورة حتمية وسنطرق الباب مجددا بعد انفراج الأوضاع الأمنية.
■ وكيف تردون على الاتهامات الموجهة للحركة بأنها تسعى إلى عرقلة الترتيبات الأمنية المنبثقة عن اتفاق جوبا للسلام؟
- هذه كلها اتهامات باطلة تأتي في إطار النيل من مشروع الحركة لأنها وبحكم الواقع الحركة المسلحة الوحيدة التي جمعت أبناء الشريط الحدودي ونقصد به المناطق التي تقع في دارفور وكردفان مرورا بولاية النيل الأبيض والمناطق الحدودية في كل من كردفان ودارفور والتي تطل على دولة تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وكل ما يشاع بأن الحركة تعرقل اتفاق السلام نعتبره إرهاصات سياسية لن تؤثر على مسيرة ومستقبل الحركة بل ستزيدنا عزيمة وإصرار للحفاظ على مكتسبات شعبنا على الصعيد العام ومنبع الحركة على وجه الخصوص.
■ لماذا تنشط قوات الحركة بالتحديد في المناطق الحدودية بين السودان والجنوب وتشاد؟
- نشط القوات في هذه المنطقة لأنها مناطق نزاع إن لم يكن نزاع بين السودان ودول الجوار يمكن أن نقول نزاع بين حكومة السودان نفسه والحركة الشعبية آنذاك اي قبيل التوقيع على اتفاق السلام.
■ وبم تفسر تزايد أعداد الحركات المسلحة في السودان؟
- أكثر الحركات في السودان وإن تعددت أسمائها إلا أنها تفرعت من الحركة الشعبية الأم ويأتي ذلك نسبة لوجود خلافات لربما في القيادة والسيطرة ونجد أن الحكومات السابقة لعبت دورًا في تقسيم الحركات المسلحة من خلال تقديم بعض العروض التي تساهم في تفتيت القوة وبالرغم من تعدد الحركات المسلحة إلا أنها تتفق في القضايا والمطالب فكل هذه الحركات حملت السلاح لأسباب عديدة في مقدمتها التهميش ونقص الخدمات في كل من إقليمي دارفور وكردفان.
■ لكن ألا يفسر تزايد عدد الحركات المسلحة على أنه انفلات أمني ويجب أن تندمج تلك الحركات مع مؤسسات الدولة الوطنية سواء الجيش أو الشرطة؟
- أغلب الحركات المسلحة لها قدرة عالية في القيادة والسيطرة على قواتها والاتفاقية التي وقعت بعاصمة دولة جنوب السودان "جوبا" حددت مناطق تجميع وارتكاز وهي بالطبع بعيدة عن المدن الكبرى وكونت لجان مقرها العاصمة لمتابعة آليات تنفيذ الاتفاق مع الحكومة ولا نرى ممانعة من رفاقنا في أطراف السلام بدمج قواتها في الأجهزة النظامية.
■ برأيكم.. هل ترون أن الأزمة السودانية يمكن أن يتم حلها في القريب العاجل أم أن بوادر الأزمة تشير إلى استمرارها لفترة من الزمن؟
- حقيقة عدم الالتزام بالهدنة مؤشر خطير ومعول على تزايد وتيرة الحرب وإطالة أمدها لكننا نعتقد بأن تمديدها أيضا من حين لآخر وفي فترات متقاربة مؤشر لربما ينذر بأن الحل قد قاب قوسين أو أدنى.
■ كيف تقيمون الموقف المصري من الأزمة السودانية خاصة وأن مصر دولة جوار للسودان وعمق استراتيجي لها؟
- مصر قدمت إسهامات كبيرة وجبارة منذ بداية نشوب الصراع السياسي من خلال ورش القاهرة والتي كنا جزء منها ككتلة ديمقراطية وكانت تهدف من خلال هذه المبادرة إلى توسيع قاعدة المشاركة بين الفرقاء السودانيين ولكن سرعان ما وجدت هذه الخطوة هجوما من مجموعة المجلس المركزي ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، لذلك مصر لم تخذل السودان وظلت تقف معه في السراء والضراء فهو حتى الآن موقف مشرف.