الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

«الطهطاوي».. رائد الاستنارة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

- تتلمذ على يد الشيخ حسن العطار بالأزهر واختير إمامًا للبعثة العلمية فى فرنسا عام 1826

- عاد من فرنسا يمتلك مصباح الغرب بإحدى يديه ومفتاح الشرق باليد الأخرى

- حمل على عاتقه مهمة بناء الجهاز الإداري للدولة.. وإصلاح وتحديث التعليم وضرورة تعليم المرأة

 

مائة وخمسون عامًا بالتمام، مرت على رحيل رائد الاستنارة الأول فى تاريخ مصر الحديث رفاعة رافع الطهطاوي (ولد في أكتوبر عام ١٨٠١ وتوفي مايو في ١٨٧٣).

رفاعة الفتى الصعيدي جاء إلى القاهرة وهو ابن الـ١٦ عامًا ليدرس فى الأزهر، وبعد خمس سنوات أصبح مؤهلًا للتدريس، فكان معلمًا بارعًا، حسن الأسلوب، سهل التعبير، مدققًا محققًا، يفهم درسه الصغير والكبير بلا مشقة – حسب وصف تلميذه ومؤرخ حياته صالح مجدي. 

وفى فترة دراسته فى الأزهر تتلمذ على يد الشيخ حسن العطار، الذي قربه منه وشجعه على الإطلاع على كتب وعلوم لم يكن مسموحًا وقتها بدراستها فى الأزهر (التاريخ والجغرافيا والطب والرياضة والفلك والأدب)، فهي علوم بعيدة عن علوم السلف، ولا يليق أن يلتفت لها رجل الدين!!.

وبسبب انفتاح عقل رفاعة وبدعم وترشيح من أستاذه الشيخ العطار، وبناءً على رغبة الوالي محمد على وطلبه من الشيخ العطار أن ينتخب من علماء الأزهر إماما للبعثة العلمية التى ستسافر لفرنسا عام ١٨٢٦ تم اختيار رفاعة الطهطاوي لتلك المهمة. 

ويذكر الدكتور جمال الدين الشيال فى كتابة عن رفاعة فى سلسلة نوابغ الفكر العربى الصادر عن دار المعارف: «ذهب الفتى للأستاذ الشيخ يودعه ويشكره ويسأله النصيحة فدعا له وزوده بما يزود به الأستاذ المستنير تلميذه النابغ، وطلب منه أن يعنى منذ اللحظة الأولى بتقييد مشاهداته فى رحلته، وقد بر التلميذ بوعده، فبدأ يسجل ملاحظاته منذ مغادرة البعثة الإسكندرية، وبعد عودته قدم لأستاذه مخطوطة كتابه «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز» فأعجب به وامتدح المخطوطة للوالى محمد على، فحازت رضاه وأمر أن تترجم إلى اللغة التركية، وأن تطبع فى مطبعة بولاق بالعربية والتركية، وأن توزع نسخ من الطبعتين على موظفى حكومته». 

أرسل رفاعة ليكون إماما لطلاب البعثة، ولكن هناك سمح له بالدراسة، على أن يوجه إلى إتقان الترجمة، وذلك لأن إجادته للغة العربية تؤهله لذلك.

وبتعبير الدكتور رفعت السعيد: إن الحرف الأول فى كتاب الليبرالية المصرية هو الشيخ رفاعة الطهطاوي.

مسيرة التنوير

كثيرة هى الكتابات عن رفاعة، وهو يستحق أكثر من ذلك، فهو الأب الحقيقي لحركة التنوير فى مصر الحديثة، ومعركة رفاعة لم تكن سهلة ولا يسيرة، فالشيخ الأزهرى يخوض بكلماته وأفكاره عبر أمواج الفكر الأزهرى المنغلق- آنذاك- على النقل.. والحواشى، والعازف أو العاجز عن التجديد، أو الخروج من إسار القديم. وهو موظف عند حاكم مخيف هو محمد على باشا. وكان محمد على يقبل بالتجديد فى الصناعة والتجارة والتعليم، لكنه لم يكن ليقبل حرفًا واحدًا من نقد، أو حديث عن تحرير المصريين، أو حقهم فى مواجهة الاستبداد. والحاكم لم يكن مجرد قبضة متشددة مخيفة، لكنه كان أيضًا يدًا مبسوطة بالمنح والعطاء.

لكن رفاعة لم يكن مجرد وافد منبهر بما حوله.. محاولًا تقلید کل ما يراه، بل نظر إلى باريس وإلى ما يردده أساتذته الفرنسيين نظرة انتقادية. واختلف معهم كثيرًا، وسجل خلافه معهم كتابه. وعندما ألح إليه واحدا منهم بأن يغير زيه المصرى ويلبس كما يلبس الفرنسيون، رفض مؤكدًا أن: «التمدن ليس فى زينة الملابس بعرف مجهول متخيل استحسانه، لاسيما إذا كان لا يمكن لمن تزيا به إحسانه، فحاجة الوطن إلى المتعة الحقيقية أشد من حاجته إلى تقليد العرف الذى هو منفعة ظاهرية»، ثم يؤكد فى صراحة «لو أننى اتبعت كل ما قاله الإفرنج، ووافقت آراءهم للحياء أو غيره لكان ذلك محض موالسة».

وهكذا عاد رفاعة إلى مصر مصريًا كما ذهب.. لكنه مصری مستنير، عاد «ومصباح الغرب بإحدى يديه، ومفتاح الشرق باليد الأخرى».

ولعل رفاعة كان حسن الحظ، فالوالى الذى أرسله إلى باريس، والذى عاد إلى رحابه، كان واليًا مستنيرًا إلى حد كبير، «مع التحفظ بأن استنارته انحصرت وفقط فى مجال تحديث مصر، ولم تمتد إلى تحرير المصريين» وكان راغبًا فى تحديث مصر.. ومن ثم أفسح صدره إلى تطلعات رفاعة، فمحمد على كان يتطلع إلى أن يجعل من مصر بلدًا متقدمًا.. وكان شديد التعلق بمصر.. «إن مصر جنة الله فى الأرض، ولو وهبنى الله مائة حياة فوق حياتى هذه لبذلتها من أجل الاحتفاظ بحكم مصر»، هكذا كان يردد محمد على أمام ضيوفه الأجانب. وقد نهض محمد على بالتعليم الحديث نهضة عظيمة وضعت الأساس لمصر الحديثة ولمثقفيها، متعلميها العصريين من الأفندية «أى غير الأزهريين».. «كان عدد طلاب مدرسة الطب البشرى ٧٠٠ طالب، والبيطری ٣٥٠ طالبًا، ومدرسة الفنون والصناعات ٦٠٠، ومدرسة الهندسة والمعادن ١٥٠، وكان مجموع طلاب المدارس الخصوصية أى المتخصصة ٤٥٠٠ طالب».

ويعود رفاعة من باريس ليعيّنه الوالى مدرسًا فى مدرسة طرة وكانت مدرسة عسكرية، لكنه وقد أتيحت له مقابلة محمد علی انتهز فرصة هذا اللقاء فى أن يقنع الوالى بأمرين كانا بالغى الأثر فى مستقبل مصر.. الأول إنشاء صحيفة على نمط «الجرنالات» الفرنسية، والثانى الاهتمام بتعليم اللغات الأجنبية، واقتنع الوالى بالأمرين، وجعله رئيسًا لتحرير «الوقائع المصرية»، وناظرًا لمدرسة الألسن.

وتبدأ رحلة رفاعة، لم تكن رحلة كاتب مستنير، ولا رجل دين منفتح على العصر، بل كانت وببساطة رحلة بناء جيل من المثقفين العصريين. جیل حمل على عاتقه مهمة بناء الجهاز الإدارى لمصر الحديثة.. وبناء صرح الثقافة المصرية عبر حركة غير مسبوقة بل لم تشهد لها مصر مثيلًا حتى الآن.

كانت مدرسة الألسن مصنعًا لهذا الجيل. تجول رفاعة بنفسه عبر قری مصر فى رحلة نيلية، يدخل الكتاتيب يمتحن التلاميذ، يختار أكثرهم ذكاءً ونجابة ويأخذهم معه. «فى البداية كان عدد التلاميذ ٥٠ تلميذًا ثم ارتفع العدد إلى ١٥٠»، المدرسة داخلية، ورفاعة مقیم مع تلاميذه ليلًا ونهارًا.. فهو معهم باستمرار يناقش، يحاضر، يصحح الترجمات. 

إصلاح وتحديث التعليم 

التعليم.. معركة رفاعة الأساسية.. «التعليم يجب أن يكون عامًا لجميع الناس، يتمتع به الأغنياء والفقراء على السواء.. فهو ضروری لسائر الناس يحتاج إليه كل إنسان كاحتياجه إلى الخبز والماء».. قالها رفاعة قبل طه حسين بأكثر من مائة عام. 

والتعليم الذى يقصده رفاعة هو التعليم العصري.. وليس ذلك التعليم الذى عرفه الأزهريون على زمانه.. إغراق فى كتب السلف، والاعتماد على النقل.. دون إعمال العقل.. فيقول: «إن مدار سلوك جادة الرشاد والإصابة، منوط بأولى الأمر فى هذه العصابة (كان يتحدث عن شيوخ الأزهر) التى ينبغى أن تضيف إلى ما يجب عليها من نشر السنة الشريفة، ورفع أعلام الشريعة المنيفة، معرفة سائر المعارف البشرية المدنية التى لها مدخل فى تقديم الوطنية، لاسيما وأن هذه العلوم الحكمية العلمية التى يظهر الآن أنها أجنبية، هى علوم إسلامية نقلها الأجانب إلى لغاتهم من الكتب العربية،»

وعندما تم تعيينه عضوا دائما فى «قومسيون المدارس» الذى كان يخطط للسياسة العليا للتعليم، ويضع القوانين والمناهج للمدارس، قام بجهد فائق فى إصلاح العملية التعليمية، وكان يزور المدارس لاختبار كفاءة المعلمين، ولاحظ أن أغلب الكتب الدراسية غير صالحة، فشرع يضع بنفسه كتبا بمناهج جديدة، كانت بمثابة اللبنة الأولى فى نهضة وتحديث الكتب المدرسية. 

ومن أبرز الأمثلة على دور الطهطاوى فى تحديث و«عصرنة» الكتب المدرسية، قيامه بتأليف كتاب «مباهج الألباب المصرية فى مناهج الآداب العصرية» حيث قصد دفع وتشجيع التلاميذ على الاهتمام بالشأن العام لبلادهم،- اسماه المنافع العامة – أى الاهتمام بأحوال وشئون «الوطن «. وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن رفاعة الطهطاوى كان السابق فى استخدام مصطلح «الوطن » والوطنية، ودور أبناء «الوطن الشريف» فى نهضته، وهو أول من استخدم تعبير «الأمة المصرية» و«مصر أم الدنيا».

الرائد الأول فى الدعوة لتعليم المرأة

سبق الطهطاوى قاسم أمين بما يقارب النصف قرن فى الدعوة لضرورة تعليم المرأة المصرية، ففى عام ١٨٣٦ اقترح من خلال عضويته فى لجنة تنظيم التعليم العمل على تعليم البنات فى مصر، ولكن المجتمع والحاكم وقتها لم يتحمس للفكرة، واكتفى الوالى بإنشاء مدرسة «المولدات والقابلات».. وفى عام ١٨٧٢يعود الشيخ رفاعة للإلحاح على فكرة ضرورة تعليم المرأة فى كتابه الرائد «المرشد الأمين للبنات والبنين» ويؤكد على أهمية تعليم البنات والصبيان معا حسب تعبيره «وقد اقتضت التجربة فى كثير من البلدان أن نفع تعليم البنات أكثر من ضرره، بل لا ضرر فيه أصلًا».

ويأتى إنشاء أول مدرسة لتعليم البنات عقب صدور كتاب الطهطاوى بأقل من عام، عندما أنشأتها «جشم آفت هانم» عام ١٨٧٣. 

ويواصل رفاعة معركة الدفاع عن المرأة.. ويسبق فى ذلك قاسم أمين كما أشرنا: «إن وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتى من كشفهن أو سترهن، بل ينشأ ذلك من التربية الجيدة أو الخسيسة، والتعود على محبة واحد دون غيره، وعدم التشريك فى المحبة، والالتئام بين الزوجين».

ولا مجال عند رفاعة للتفريق بين الرجل والمرأة: «فإذا أمعنا النظر فى هيئة المرأة والرجل فى أى وجه من الوجوه لم نجد إلا فرقًا يسيرًا يظهر فى الذكورة والأنوثة وما يتعلق بهما.. ثم إن للمرأة، بغض النظر عن تباين الجنس، صفات أخرى تتميز بها عن الرجل». 

والعمل حق المرأة، وهو ضرورة لحمايتها اجتماعيًا وأخلاقيًا «فكل ما تطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن، وهذا من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة، فإن فراغ أيديهن من العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل، وقلوبهن بالأهواء وافتعال الأقاويل»، ثم «إن العمل يصون المرأة عمَّا لا يليق بها، ويقربها من الفضيلة».. «فإن اليد الفارغة تسارع إلى الشر.. والقلب الفارغ يسارع إلى الإثم».

الطهطاوى يلزم نفسه بما ينادى به 

ويعرض الدكتور رفعت السعيد فى كتابه «التنوير من ثقب إبرة» فى سياق حديثه عن الطهطاوى، لموقف - قد يبدو طريفا والأكيد أنه غير مسبوق – للرجل يكشف عن مدى قناعاته بأفكاره. «والقول عند رفاعة مبدأ يلتزم به. فهو ليس مثل الكثير من الرجال الشرقيين يتحدثون عن المساواة بين الرجل والمرأة، مجرد قول بلا فعل، بل وفى كثير من الأحيان يكون الفعل عكس القول».

فعندما يتزوج رفاعة يمنح زوجته تعهدًا مكتوبًا «أليس هذا أمرًا نادرًا؟». والتعهد مكتوب بخطه.. ومختوم بخاتمه وأودع فى أرشيفات عهد محمد على بالقلعة «التزم كاتب هذه الأحرف رفاعة بدوی رافع لبنت خالته المصونة الحاجة كريمة بنت العلامة الشيخ محمد الفرغلى الأنصارى، أنه يبقى معها وحدها على الزوجية دون غيرها من زوجة أخرى ولا جارية أيًا كانت، وعلق عصمتها على أخذ غيرها من نساء، أو تمتع بجارية أخرى، فإن تزوج بزوجة أيًا ما كانت.. كانت بنت خاله بمجرد العقد طالقة بالثلاثة، وكذلك إذا تمتع بجارية ملك يمين.. ولكنه أوعدها وعدًا صحيحًا لا ينتقض ولا يحل، أنها ما دامت معه على المحبة المعهودة، مقيمة على الأمانة والعهد لبيتها ولأولادها ولخدمها وجواريها، ساكنة معه فى محل سكناه لا يتزوج بغيرها أصلًا، ولا يتمتع بجوارٍ أصلًا، ولا يخرجها من عصمته حتى يقضي الله لأحدهما بقضاه». ووثيقة كهذه –والكلام للسعيد لا تحتاج إلى أى تعليق.. فقط نحنى رأسنا احترامًا.

موقف ورؤية الطهطاوى للحضارة المصرية الفرعونية 

وفيما كان مشايخ الأزهر يسبون الفراعنة ويعتبرونهم رمزًا للكفر، وكانوا هم وتلاميذهم وتابعوهم ينظرون فى احتقار- يرتدى ثيابًا دينية- إلى الآثار الفرعونية ويسمونها «المساخيط»، «فالتماثيل الحجرية كانت رجالًا ونساء نزل عليهم سخط الله لكفرهم فجعلهم أحجارًا.. فإن رفاعة يقول «إنه لم يكن بين الأمم مثل قدماء مصر فى قوتهم، وكانت خيولهم تسبق سالفًا خيول سائر المالك فى الركض فى ميادين الفخار والعلم»، ويتجاسر رفاعة فينتقد سماح محمد علی بنقل إحدى المسلات المصرية إلى باريس ويقول «حيث إن مصر أخذت الآن بأسباب التمدن والتعلم على منوال أوروبا، فهى أولى وأحق بما تركه لها سلفها من أنواع الزينة والصناعة».

وهكذا يعتبره المؤرخون المحدثون «أول مؤرخ مصری عرف تاريخ مصر القديم على حقيقته فى ضوء ما وصلت إليه الكشوف الأثرية وما كتبه المؤرخون الأوروبيون فى عصره، وهو أول مؤرخ مصرى آمن بأمجاد هذا التاريخ المصرى الفرعونى القديم، ولم يلعنه، ولم ينقص من قدره.»

بل يعلنها رفاعة بكل فخر وإعزاز«مصر أم الدنيا، وكانت شوکة سلاحها قوية، وهيبتها فى القلوب متمكنة عليه» و«مصر أم الحضارات لم تسبقها أمة فى ميدان المدنية ولا فى حرفة تقنين القوانين وتشريع الأحكام، ولم تجحد نعمة اقتباس علومها أمة عاقلة».

الطهطاوى شاعرًا ومترجمًا وصحفيًا

ولرفاعة رافع الطهطاوى نصيب من الكتابات الأدبية والمقالات الصحفية والكتابات التاريخية، ففى مجال الكتابة التاريخية التوثيقية كتب «نهاية الإيجاز فى سيرة ساكن الحجاز» عن سيرة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. وله كتاب فى تاريخ مصر القديم وحتى عصر الخديو إسماعيل «أنوار توفيق الجليل فى أخبار مصر وتوثيق بنى إسماعيل» صدر عنه الجزء الأول فقط فى حياته. 

وفى المجال الصحفى عهد إليه على مبارك برئاسة تحرير أول مجلة علمية تهتم بنشر الأبحاث باللغة العربية «مجلة روضة المدارس» وصدر العدد الأول منها فى عام ١٨٧٠ وظل الطهطاوى رئيسا لتحريرها حتى وفاته.

كما كانت للطهطاوى إسهامات فى ترجمة أعمال أدبية أشهرها «مواقع الأفلاك فى وقائع تليماك» ترجمها عن الفرنسية. 

وله أيضا نصيب من الإبداع الشعري – قد لا يضعه فى مقدمة الصفوف كشاعر مرموق بحسب المقاييس النقدية – ولكن يكفيه تميزا كشاعر أنه كان الرائد الأول فى تاريخ مصر الحديث، فى كتابة القصائد التى تبرز قيم ومعانى الوطن والوطنية. 

ومما كتب فى هذا الإطار: 

ياصاح حب الوطن حلية كل فطن

محبة الأوطان من شُعب الإيمان

***

مصر أبهى مولد لنا وأزهى محتد

ومربع ومعهد للروح والبدن

****

مصر لها أيادي عليا على البلاد 

وفخرها ينادى ما المجد إلا ديدنى

**** 

كل فتى جليل يعشق وادى النيل 

كم فيه من نزيل يقول: مصر موطنى 

مصر تودع الطهطاوى 

فى ٢٩ مايو سنة ١٨٧٣ توفي ابن مصر البار رفاعة رافع الطهطاوى، ويشير الدكتور جمال الدين الشيال لما كتبه أحمد أمين واصفا وداع المصريين للطهطاوى: «اهتزت مصر لموته، واحتشد لتشييع جنازته الألوف المؤلفة من رجال المعارف والأمراء والنبلاء وتلاميذ المدارس، وازدحمت الشوارع بالناس يرددون بعض جميله: يذكره الأزهريون على أنه ابنهم، والمتعلمون المدنيون على أنه أبوهم، والجالية الفرنسية على أنه أخوهم، والمصريون كلهم على أنه مؤسس نهضتهم.. وانطلقت فى رثائه القصائد والخطب.. وحمل إلى قبره حيث طويت صفحته.. وبقيت آثاره خالدة تعظم وتتزايد وتتوالد.. رحمه الله فقد صنع لأمته الكثير».