الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

صلاح سالم يكشف في مذكراته أسباب الوضع الراهن في السودان

..
..
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بدأت الأزمة السودانية الأخيرة بتصاعد التوترات السياسية بين الجيش وقوات الدعم السريع، قبل أشهر معدودة من التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، والذي كان مُقرر في الأول من أبريل 2023؛ على أن يتم التوقيع على الدستور السوداني الانتقالي في الـ 6 الشهر ذاته، ولكن السبت 15 أبريل 2023 اندلعت الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم.

وقالت الباحثة ميادة حسن مدير المكتب الإعلامي بدار الكتب والوثائق القومية، إن هناك كتابا بعنوان "مذكرات صلاح سالم عن ثورة يوليو والسودان" دراسة وتحقيق أحمد زكريا الشلق، يجعلنا نقرأ بوضوح الحرب الأهلية التي تحدث في السودان إلى جانب معرفة الجذور التاريخية للشقاق بين حمدتي والبرهان.

بينت حسن أن صلاح سالم ولد بالسودان وكان أبوه موظفا هناك، فقبل ثورة 1952 كان هناك عدد كبير من المصريين يعيشون بالسودان ويعملون هناك وما زال حتى الآن ذلك موجود، وانضم سالم إلى الكلية الحربية، ثم تنظيم الضباط الأحرار الذين نفذوا وقاموا بثورة يوليو، وتولى صلاح سالم وزارتين وهما الإرشاد القومي وكانت تُعنى بالإعلام ووزارة شئون السودان.

وأشارت إلى مقدمة الكتاب للدكتور أحمد زكريا الشلق، أن السودان تعتبر هي الصخرة التي تتحطم عليها جميع المفاوضات بين الحكومات المصرية المتعاقبة وبين حكومات الاحتلال البريطاني، حتى حكومة الوفد كانت بدأت تبدي شيئا من المرونة فيما يتعلق بقضية السودان فعلى سبيل المثال كان وزير الخارجية في حكومة الوفد الدكتور محمد صلاح الدين طرح فكرة قبول استفتاء الشعب السوداني في تقرير مصيره إذا ما خرج الانجليز من السودان وقتها التي باءت بالفشل ولم تلق أي قبول وبعدها جاءت حكومة الضباط الأحرار التي وافقت على الفصل بين قضية السودان قضية الجلاء عن مصر في سابقة من نوعها.

وتبدأ في قضية السودان محررين أنفسهم من قيود الماضي ونظرياته المستبدة من معطيات التاريخ وأحكام القانون الدولي كحقوق السيادة والتملك ولم يلزموا أنفسهم بشعارات الحكومات السابقة المتعلقة بوحدة مصر والسودان تحت التاج، المشترك خاصة وأنهم ثاروا على صاحب التاج فقد كان يعنيهم بالدرجة الأولى إجلاء المستعمر البريطاني عن جنوب الوادي تمهيدا لإقصائه عن شمال الوادي وهو مصر وتم الاتفاق لأول مرة بين قادة الإنجليز ومصر على أن السيادة على السودانيين ليست لمصر وإنما للسودانيين أنفسهم وحدهم.

وبعد أن تباحثت الأحزاب السودانية مع الوفد المصري برئاسة محمد نجيب، وعلي ماهر، وصلاح سالم، وحسين ذو الفقار في أكتوبر 1950 ووصلوا إلى اتفاق وهو قبول نتيجة استفتاء تقرير المصير وتوصلوا إلى توحيد الاحزاب السودانية عدا حزب الأمة الذي كان حزبا انفصاليا قائما ومبنيا على فكرة الدعوة إلى الانفصال عن مصر  وعدم الوحدة معها بأي شكل من الاشكال، ما نص حزب الوطني الاتحادي التي آمنت بضرورة الوحدة مع مصر ونص على جلاء الإنجليز عن مصر وقيام اتحاد مع مصر وأعلن حزب الأمة قبول نتيجة الاستفتاء أي ما كانت نتيجته.

وأوضح الدكتور الشلق، أن  صلاح سالم اعترف  في مذكراته بالخطأ الذي ارتكبه الضباط الأحرار وهي قبول النص على الاستفتاء يخير السودانيين ما بين خيارين لا ثالث لهما الاستقلال في مجابهة أو مقابلة الاتحاد مع مصر وكأن الاستقلال يتعارض مع الوحدة مع مصر وهذا ربما كان ناتجا من نتيجة ذريعة بعض المندسين داخل السودان بتصوير الجانب المصري وكأنه محتل أو كأنه جانب خارجي .

وبينت ميادة حسن: أن صلاح سالم ذكر أنه كانت هناك صدفة بحتة هي التي قادت إلى تولي وزارة شئون السودان لمجرد أن هناك مسؤولين سودانيين كانوا يريدون أن يلتقوا بجمال عبدالناصر، فكان يقابل المئات من السفراء والفنانيين وعدد كبير من التجار السودانيين وكل منهم كان يؤمن بأن له الحق في مقابلتي ليس مرة واحدة وإنما مرات عديدة وهذا مكتسب بالنسبة له كما في اعتقاده وسرد قصة أن هناك تاجرا مصريا قد اختلف مع تاجر سوداني في صفقة بينهم وعلى هذا اعتبر التاجر السوداني أن صلاح سالم مسئولا عن حل هذه المشكلة.

إلى جانب المطربة ملك التي أرسلت أكثر من تلغرافا تفصح فيه عن مشكلة بينها وبين حماد مسئول الإذاعة تشكوه أنه يمنعها من الإذاعة وهذا يوضح معاناة صلاح سالم في هذه الوزارة وما ذكره أنه كان يعاني بشدة بعد تكليفه بهذه الوزارة.

ويقول صلاح سالم أيضا في مذكراته عن السودان: من الأميال المربعة في قلب القارة الأفريقية وفي مساحة القارة الهندية ويقطنها 8 ملايين من البشر أو عشرة ملايين وفي رواية أخرى خمسة عشر مليونا ولا أدري ولا أحد يدري التعداد الحقيقي في تاريخ هذا البشر، بالنسبة لشعب السودان فبعضهم يقطن السهول والوديان وبعدهم يحب العيش على سفوح سلاسل شاسعة من الجبال.

والبعض الآخر يهيمون على وجوههم بإبلهم وأغنامهم بحثا عن الكلأ والعشب وآخرين يستظلون بأشجار غابات كثيفة تتخللها مستنقعات واسعة حياتهم على سطح حيوانات هذه الغابات بين أليف وديع ومفترس لا يرحم وهذه حياة شعب جنوب السودان بعضهم عربيا يدين بالإسلام ويتعصب له وبعضهم حتى وإن كان من اصل عربي ويدين بالإسلام إلا أنهم لا ينطقون بحرف عربي واحد نتيجة الاستعمار البريطاني .

وأشارت حسن إلى أن صلاح سالم أثناء توليه وزارة شئون السودان حاول ان يطلَع على اوراق قضية السودان ورأى أن رؤساء الوزارات على التعاقب يتولون الاشراف على هذه القضية ويقومون باتصالاتهم التي تسجل في الأوراق التي يأخذونها معهم عقب استقالتهم دون أن يتركوا حرفا واحدا مما توصلوا إليه في اتصالاتهم  والمباحثات التي قاموا بها وهذا كان يحدث لأنهم كانوا يتخوفون من أن يُحاسبوا على أخطائهم أو ظنا بجهودهم ان يستفيد بها من يخلفونهم.

وأشار صلاح سالم أيضا في مذكراته في جذور ما نراه الآن من الكراهية والعنف غير المبررين على الاطلاق: تجتاح شطري وادي النيل مصره وسودانه منذ زمن ليس بالقصير انفعالات عديدة وأشكال مختلفة من الحساسية تجاه بعضهم عن بعض وللتعمق قليلا في تحليل هذه العقد النفسية نجد أن الإنجليز قد احتلوا وادي النيل من أواخر القرن التاسع عشر، فحكمنا الإنجليز كما حكم السودان طويلا وتفننوا في ضروب التفرقة وفي بذر بذور الكراهية والحقد في كل مكان حتى تفتت قوى الوادي الضخم وجهوده فيتصارع المسلمون والأقباط في مصر والشمال والجنوب في السودان وطائفة الختمية مع طائفة الأنصار في السودان وكلهم مسلمون.

بينما أشار صلاح نصر، إلى توقيع وفاق 1899، فكانت مصر محتلة في هذا التاريخ وكانت السودان محتلة كذلك، ولكن هذا الشيء أصبح حقيقة في تاريخ الوادي نتج عنه كل الأذى الذي حل على ضفاف نهر النيل، فقد اعترفت به حكومات مصر كلها منذ توقيعه حتى عام 1951 ونشأ جيل جديد لا يفقه شيئا عن هذا الوفاق رغم أنه أكبر اسفين دكه الغزاة في قلب الوادي وحدث كل هذا منذ أن وقع بطرس غالي مع اللورد كرومر الخاص بالسودان آنذاك، وقد نص هذا الوفاق على تسلق العلم البريطاني إلى جانب العلم المصري في البر والبحر، وتقلد الرئاسة المدنية والعسكرية في السودان بريطاني وتعطل سريان القوانين المصرية كلها على أرض السودان، ووضع السودان في يد الحاكم تحت حكم عرفي مطلق له أن يفعل ما يريد دون نقد أو إبرام ومن هنا بدأ الانفصال الحقيقي بين مصر والسودان. 

images (13)
images (13)