أصدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، اليوم الاثنين، عددا خاصا عن تقرير مستقبل الوظائف العالمي لعام 2023 الذى أطلقه المنتدى الاقتصادى العالمى صباح اليوم، والذي يُعد الرابع من نوعه على مستوى العالم، والإطلاق الأول لمصر ضمن سلسلة من التقارير التي بدأ المنتدى نشرها لأول مرة في عام 2016، وذلك بهدف تقييم الوضع الحالي لأسواق العمل العالمية، والتنبؤ بالتحولات المتوقع حدوثها على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ويأتي إطلاق هذا التقرير في مصر بالتعاون مع المركز المصري للدراسات الاقتصادية، وهو الشريك البحثي الوحيد للمنتدى في مصر، والذي تولى جمع البيانات الخاصة بسوق العمل فيها.
ويتضمن التقرير لهذا العام 45 دولة من مختلف الأقاليم، وتتنوع نتائجه بين 27 قطاعا في عدة مجالات فرعية من خلال 803 شركات مختلفة الأحجام بالقطاع الخاص، يعمل بها نحو 11.3 مليون موظف، ويلقي الضوء على أهم الاتجاهات العالمية لسوق العمل، والتي جاءت بشكل أساسي على أثر التحولات الاقتصادية، والصحية (أزمة كوفيد-19)، والتطورات السياسية الجغرافية (حرب روسيا وأوكرانيا)، بالإضافة إلى التحولات التكنولوجية التي أثرت بشكل مباشر على منظومة الوظائف والمهارات من ناحية، واستراتيجيات التشغيل التي تعتزم الشركات اتباعها خلال الفترة 2023-2027، من ناحية أخرى.
كما يتناول التقرير اتجاهات خلق الوظائف، وتطوير المهارات في أسواق العمل بكل من الاقتصادات التي شملها، فضلا عن بعض المؤشرات التي تم الاستعانة فيها بمصادر أخرى مثل linked in، Coursera، وIndeed في جمع البيانات الخاصة بخصائص سوق العمل من حيث البحث عن الوظائف ومعايير التشغيل وغيرها.
وحول أهم اتجاهات أسواق العمل العالمية، أشار التقرير إلى توقعات أصحاب العمل بحدوث تحولات هيكلية فى العمل بنحو 23%، وتمثل هذه النسبة التأثير الصافي لخلق واختفاء الوظائف، بمعدل 69 مليون وظيفة جديدة وتراجع نحو 83 مليون وظيفة في المقابل، وذلك خلال السنوات الخمسة المُقبلة، لافتا إلى أن التكنولوجيات البيئية تسهم بالنسبة الأكبر في خلق فرص العمل وتشتت المسارات الوظيفية، بحيث يعد التحول الأخضر أحد أهم محركات نمو الوظائف، بمعدل 30 مليون وظيفة جديدة يمكن أن يولدها على مستوى العالم في مجالات الطاقة النظيفة وتقنيات الانبعاثات المنخفضة بحلول عام 2030.
وأوضح التقرير أن التكنولوجيا وظهور التقنيات الحديثة من الميكنة والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وغيرها، تلعب دورا رئيسيا في تسارع وتيرة خلق الوظائف الجديدة وإحلال الوظائف البشرية، في حين تقع الوظائف التي يتسارع تلاشيها من سوق العمل تحت تصنيف الوظائف الإدارية التقليدية، أما بالنسبة للمهارات، فيقدر أصحاب العمل نسبة الإرباك في مهارات العمال بنحو 44٪ خلال السنوات الخمس المُقبلة، مع تزايد أهمية المهارات المعرفية بوتيرة أسرع، وعلى رأسها مهارات التفكير الإبداعي والتفكير التحليلي.
وأشار التقرير إلى أن الاستثمار في التعلم والتدريب خلال العمل والإسراع من وتيرة التحول التكنولوجي هي الأساليب الاستراتيجية الأكثر شيوعا بين شركات العالم بحوالي 80% نحو تطوير القوة العاملة، وبين أن الشركات أفادت أن أهم التدخلات الحكومية التي قد تسهم في رفع مستوى المهارات وتطويرها تتمثل في تمويل التدريب (45%)، مرونة ممارسات التشغيل والفصل من العمل (33.3٪)، الضرائب والحوافز الأخرى للشركات لتحسين الأجور (32.9٪)، رفع كفاءة المنظومة التعليمية بالمدارس (30.5٪)، وتغيير قوانين الهجرة الخاصة بالمهارات الأجنبية (27.6%).
وفيم يتعلق باتجاهات سوق العمل فى مصر، أوضح التقرير أن أهم الاتجاهات التي تلعب دورا أكبر في خلق الوظائف في سوق العمل المصري يأتي على رأسها تطبيق المعايير البيئية والاجتماعية والمعايير الخاصة بالحوكمة على نطاق أوسع، وتوطين سلاسل الإمداد والتي تعد مجالا حديثا تتضاءل به نسبة إحلال الوظائف، في حين يسهم تباطؤ النمو الاقتصادي بالنسبة الأكبر في إحلال الوظائف، كما يُلاحظ أن هناك بعض الاتجاهات التي يصل صافي أثر الوظائف بها إلى صفر، أي أنها تخلق من الوظائف ما يعادل ما تحله من وظائف مثل الإرشادات الحكومية الخاصة باستخدامات البيانات والتكنولوجيا في مصر.
وحول التطور التكنولوجي، أفادت النسبة الأكبر من الشركات أن تقنيات تطوير التعليم ورفع كفاءة القوة العاملة في مصر هي الأهم لتوليد مزيد من فرص العمل، مما يعكس انخفاض جودة الخريجين في مصر وفجوة المهارات بسوق العمل؛ يليها تقنيات التشفير والأمن السيبراني، والذي تقل فيه نسبة إحلال الوظائف نظرا لكونه تقنية حديثة، في حين تقل فرصة إحلال الوظائف مقابل خلق وظائف جديدة بفعل التكنولوجيات الحديثة، إلا أن بعضها يسهم بنسبة معقولة في إرباك الوظائف واستبدالها بأخرى مثل تقنيات التجارة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي بأشكاله المختلفة.
وبالنسبة للأدوار الوظيفية، فيبلغ صافي الأثر المتوقع خلال السنوات الخمسة المقبلة بين خلق وإحلال الوظائف في سوق العمل المصري نحو 20% وهو ما يقترب إلى حد كبير من المتوسط العالمي (23%). ويعد مجال المحاسبة والمكتبات وإدارة العلاقات العامة المجال الذي سيشهد التحول الأكبر خلال نفس الفترة، بينما سيشهد مجال إدارة التشغيل تحولات هيكلية بسيطة.
وعن أهم المهارات اللازمة من وجهة نظر القطاع الخاص لتأدية المهام الوظيفية الرئيسية بسوق العمل المصري، قال التقرير أن هناك اتفاق عالمي حول أهم هذه المهارات، حيث تقترب النسب من المتوسط العالمي تقريبا في جميع المهارات والسلوكيات، مع تصدر المهارات المعرفية كأهم نوع من وجهة نظر القطاع الخاص حتى أنها تسبق المهارات الخاصة باستخدام التكنولوجيا. كما يُلاحظ إفادة نسبة ضئيلة جدا حول أهمية الأخلاق المهنية والقدرات البدنية في تأدية المهام الوظيفية.
كما يتضح أيضا تعطش القطاع الخاص بسوق العمل المصري إلى معظم المهارات التي تتطلبها الوظائف، وهو ما تبرزه النسبة المرتفعة لإفاداتهم تقريبا في كافة المهارات اللازم إعادة تدريب القوة العاملة لاكتسابها، خاصة وأن التقرير يتوقع أن نحو 59% من المهارات المطلوبة بسوق العمل المصري ستظل مطلوبة خلال السنوات الخمسة المقبلة.
وبالنسبة لاستراتيجيات التدريب والتشغيل بالشركات، فقد أفاد نحو 64% منها بأن الفرصة الأقوى للتدريب بسوق العمل المصري تُتاح من خلال رفع الأجور للموظفين، مقابل 35% فقط بالنسبة للمتوسط العالمي، والذي يتجه بشكل أكبر (48%) نحو تطوير المهارات والمواهب وبرامج الترقي الوظيفي كفرصة أكبر لرفع مستوى المهارات.
وبناء على نتائج التقرير وتوقعات ديناميكيات سوق العمل خلال الخمس سنوات المقبلة، أكد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية وجود إشارات واضحة لابد أن ينتبه لها صانعو السياسات فى مصر خاصة سياسات التشغيل، ويأتى فى مقدمتها ضرورة مواكبة منظومة التعليم والتدريب في مصر لمتطلبات سوق العمل وضرورة إشراك القطاع الخاص في هذه العملية لتتم بشكل فعال على أرض الواقع، بالإضافة إلى تقديم حوافز من الحكومة للقطاع الخاص لإعادة تدريب وتأهيل القوى العاملة الحالية ورفع قدرته على زيادة أجورها، خاصة وأن غالبيتهم يفضلون تمويل برامج التدريب من خلال شركاتهم عن المصادر الأخرى.
وأكد المركز على ضرورة تحديث منظومة التعليم بالتكنولوجيات الحديثة وتنمية المهارات المعرفية والفكرية التي اتفق العالم على أنها الأهم حاليا ولمدة 5 سنوات قادمة، بجانب أخذ المسارات الوظيفية المتوقع خلقها للوظائف والاتجاهات المحركة لها في الاعتبار عند صياغة سياسات التشغيل والقواعد التنظيمية لسوق العمل.
وطالب المركز بضرورة التنسيق بين الحكومة والقطاع الخاص لتيسير الاتجاه نحو الوظائف الجديدة وتسهيل عملية انتقال العمالة بين الوظائف أو إحلالها، بجانب الاهتمام بالفئات الهشة بسوق العمل خاصة فئتي النساء والشباب اللتين أجمع العالم على دمجهما ضمن برامج خاصة للتنوع، الشمول والمساواة كأولوية قصوى.