- السودانيون مسيحيون ومسلمون عيدوا فى منازلهم.. وإغلاق 90% من دور العبادة فى الخرطوم
- الكنيسة تلغي احتفالات عيد القيامة.. وإيبارشية الأقباط الأرثوذكس بأم درمان وعطبرة تلغى صلوات قداس عيد القيامة
الكنائس في العالم تصلي من أجل سلام السودان؛ وفيما أعلن مجمع الفقه السوداني في بيان له أن يوم الجمعة 21 أبريل هو أول أيام عيد الفطر في البلاد التي تشهد معارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، سقط فيها مئات القتلى وسط المدنيين.
وقال في البيان: «نسأل الله أن يهل علينا العيد وقد توقف الاحتراب في بلادنا، وعم الأمن والأمان والسلم والسلام، وذهب عنها لباس الجوع والخوف نوجه نداء لجميع الأطراف بالسعي لوقف الحرب ندعو جميع المسلمين إلى التضرع بالدعاء إلى الله ليرفع عنا البلاء، وسبق ذلك أن أعلنت الكنيسة إلغاء احتفالات عيد القيامة بالسودان».
وقررت الكنيسة المصرية بالسودان إيبارشية الأقباط الأرثوذكس أم درمان وعطبرة، إلغاء صلوات قداس عيد القيامة بكنائسها بالسودان بسبب الحرب، وطالبت الكنيسة رعاياها عدم مغادرة المنازل للحفاظ على حياتهم، ووفق المعلومات الإعلامية، فإن الاحتراب أدي إلي إغلاق 90% من دور العبادة، وهاجر معظم سكان العاصمة الخرطوم وأم درمان من الأقباط إلي أماكن أخري بعيدا عن أماكن الاقتتال، وأعلنت كنائس العالم الصلاة من أجل السلام في السودان.
نكسة جديدة
الحقيقة كلما عانى الشعب السوداني من أزمة كان أشد المتضررين هم المسيحيون والنساء والأطفال بعد سنوات من الغياب القسري عن الوضع السياسي في السودان، جراء نظام عمر البشير والإخوان، كان المسيحيون قد عادوا للساحة السياسية، وفي أعلى هياكل السلطة الانتقالية بعد ثورة 2019، وتم تعيين رجاء نيكولا عبدالمسيح، عضوًا بالمجلس السيادي الذى كان من المفترض أنه سيدير البلاد لمدة 3 أعوام، ولكن ما حدث صباح الاثنين الماضي وضع السودان كله، خاصة المسيحيين في حالة قلق.
كانت قوى إعلان الحرية والتغيير قد خصصت المقعد رقم 11 في تشكيلة أعضاء المجلس السيادي إلى طائفة الأقباط بالسودان اعترافًا بوجودها التاريخي بالبلاد، وإشارة إلى أهمية التسامح الديني بعد سنوات من حكم نظام الجبهة الإسلامية السياسية يأتي تعيين مقعد قبطي في مجلس السيادة، غداة مشاركة فاعلة للأقباط في الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس السوداني، عمر البشير، في 2019، في مشهدية لن ينساها السودانيون حينما عمد المتظاهرون الأقباط إلى تغطية رؤوس المعتصمين بالأقمشة لحمايتهم من أشعة الشمس، خلال تأديتهم صلاة الجمعة في ساحات الاعتصام.
ويرى مراقبون أن مشاركة الأقباط في الحراك، جاء ردًا على إعدام البشير للطيار جرجس يسطس العام 1989 بتهمة حيازة نقد أجنبي، وهى التهمة نفسها التي يحاكم بها البشير أمام القضاء هجرة أقباط السودان إلى مصر: حالة أقباط السودان في عهد البشير كانت مزرية، حيث فضل كثيرون من أقباط السودان، الهجرة إلى مصر التي ينحدر منها أجدادهم.
ويسجل التاريخ أن أول دخول للأقباط إلى السودان من مصر كان في القرن الرابع الميلادي، عندما انتشرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في دولة النوبة في الشمال، ليعيشوا عقودًا أخرى من الاستقرار اقتربوا فيها من دواوين الدولة، ولمع نجمهم في مجال الصيرفة والإدارة والتعليم والرياضة.
ولعب أقباط السودان دورًا سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا وتعليميًا في تاريخ البلاد الحديث، إذ أنشأوا أول مدرسة أهلية للبنات عام 1902، ثم المكتبة القبطية في 1908، الزاخرة بأهم الكتب التاريخية والمخطوطات، كما أنشأوا الكلية القبطية للبنات 1924 والكلية القبطية للأولاد 1919، فضلا عن إسهامهم في تأسيس ناديي المريخ والهلال الرياضيين، ومجموعة من مؤسسات المجتمع المدني، والحركات التحررية التي انخرطت في النضال ضد الاحتلال البريطاني للسودان.
وفى ستينيات القرن الماضي، بدأت رحلة جديدة للأقباط السودان من عدم الاستقرار، تتمثل بقوانين تمييزية وقانون التأميم الذى صودرت بموجبه ممتلكات للأقباط عام 1970، وفى العام 1983، دفع إعلان الرئيس السوداني السابق جعفر النميري إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، الأقباط للانضمام إلى معارضة شعبية تواصلت حتى أيام البشير. لا يوجد تقدير رسمي لعدد الأقباط في السودان اليوم، إلا أن آخر دراسة نشرها مركز بيو الأمريكي للأبحاث، في العام 2012، أشارت إلى أن عددهم بلغ 1.4 مليون نسمة، منتشرون في معظم مدن السودان الرئيسة، وأكبر تجمع لهم في مدينة عطبرة شمالا، كما يوجد تجمع كبير آخر في أم درمان، غربي العاصمة الخرطوم.
ووفق ما قال الدكتور عباس التجاني، الطبيب والمحلل السياسي البارز حينذاك، إن عودة الأقباط للمشهد السياسي لها عدد من الدلالات على رأسها ضرورة سيادة التسامح الديني في مستقبل السودان، مضيفًا أن الأقباط لعبوا دورًا كبيرًا في الثورة السودانية، ولهم مساهمات واضحة في حركة الاقتصاد السوداني.
وأكمل: «النظام السابق خلق تشوهات نفسية كبيرة لتثبيت أيديولوجيته، وصبغ الحرب في الجنوب بالصبغة الدينية، وتمت مصادرة عدد من مساحات الكنائس، واعتقل قساوسة مسيحيين من جبال النوبة وقام بمحاكمتهم كما هدم الكنائس».
المسيحية في السودان
بدأت المسيحية في نحو عام 350 ميلاديًا، غزت مملكة أكسوم النوبة، وانهارت مملكة كوش في النهاية، حلّت مكانها ثلاث ممالك مسيحية صغيرة: أقصى الشمال كانت «نوباتيا» والذى امتدت حدودها بين الشلال الأول والثاني لنهر النيل، وكانت عاصمتها في باتشوراس «فاراس الحديثة»؛ وفى الوسط كانت مملكة المقرة، وعاصمتها دنقلا العجوز، وامتدت مملكة المقرة بمحاذاة نهر النيل من الشلال الثالث حتى الشلال الخامس أو السادس، وسيطرت على طرق التجارة والمناجم والواحات غربًا وشرقًا.
وفى أقصى الجنوب ظهرت مملكة علوة، وكانت عاصمتها في سوبا «بالقرب من الخرطوم»، وكما تؤكد الأدلة الكتابية والأثرية، كانت المسيحية موجودة بالفعل بين أجزاء من المجتمع في نوباتيا حتى قبل التحول الرسمي عام 543، وربما تكون النخبة النوبية قد بدأت التفكير في التحول إلى المسيحية خلال عقد 530، بالتوازي مع وقت إغلاق معبد إيزيس.
وبدأت المسيحية في الانتشار عبر «نوباتيا» على مستويات مختلفة وبسرعات مختلفة، وكانت المدن على سبيل المثال سريعة في تبني الديانة الجديدة، بينما لم يتم إنجاز عملية التنصير في القرى حتى القرن السابع إلى القرن التاسع، إلى الجنوب من إعتام الواقعة على الشلال الثاني لنهر النيل، يبدو أن المسيحية بدأت في الانتشار في وقت متأخر بالمقارنة مع الشمال، وربما بدأت المسيحية في الانتشار منذ أواخر القرن السادس أو أوائل القرن السابع.
تشير السجلات إلى قيام الأسقف أثناسيوس في الإسكندرية بتكريس ماركوس أسقفًا في الفيلة قبل وفاته عام 373، مما يدل على أن المسيحية قد اخترقت المنطقة بحلول القرن الرابع، وفى سجل سعيد بن البطريق، والذى ينص على أنه في عام 719 نقلت كنيسة النوبة ولاءها من الخلقيدونية إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
تاريخ الأقباط في السودان: بعد انهيار الدولة المهدية «1885-1898» أي تزامنًا مع بدء الاحتلال الإنجليزي لمصر «1898-1955» بدأ تدفق الأقباط للبلاد بأعداد كبيرة، وأدَّى ذلك في نهاية القرن التاسع عشر إلى جعل أقباط السودان يتنفسون الصعداء ويعودون إلى إعلان ديانتهم المسيحية الأصلية التي مارسوها بشكل سرى لسنين عدة.
خلال هذه الحقبة أصبح الأقباط من الصفوة المقربة للحاكم في الدوائر الرسميَّة تاركين بصمتهم في الصيرفة والإدارة والتعليم وأصبح للمسيحيين عامة في عام 1898 والأقباط خصوصًا حرية دينية واقتصادية أكبر، وعمل الأقباط كحرفيين وتجار إلى التجارة والبنوك والهندسة والطب والخدمة المدنية، وخلال القرن التاسع عشر، قام المبشرون البريطانيون بنشر المسيحية في جنوب السودان.
حددت السلطات الاستعمارية البريطانية النشاط التبشيري في المنطقة الجنوبية المتعددة الأعراق. واستمرت الكنيسة الأنجليكانية في إرسال المبشرين وغيرها من المساعدات الخيرية بعد استقلال البلاد في عام 1956.
أدَّت ضيق المساحات الآخر التي تعرض لها الأقباط مع تولى ثورة الإنقاذ للسلطة بالسودان عام 1989 إلى أن تكون أقسى الفترات التي مرت على الأقباط في البلاد حيث هاجر عشرات الآلاف من أبنائها الذين آثروا بيع أملاكهم والرحيل بصمت ليحل بهم الرحال في أنحاء أوروبا الغربية والولايات المتحدة وأستراليا وكندا.
جعلت الكفاءة القبطية في الأعمال والإدارة إلى وضعهم كأقلية مميزة. ودفعت عودة المتشددين الإسلاميين في منتصف عقد 1960 والمطالب اللاحقة بدستور إسلامي، الأقباط إلى الانضمام إلى معارضة شعبية للحكم الديني، وتعرض المسيحيين في السودان لاضطهادات في ظل الأنظمة العسكرية المختلفة، ومع وصول العقيد جعفر النميري إلى الحكم عبر ما عرف بانقلاب مايو عام 1969، أعلن في عام 1970 سياسة التأميم التي صادر بموجبها ممتلكات للأقباط.
منذ أن أعلن الرئيس السوداني السابق جعفر نميري تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية عام 1983، ارتبكت بنية الحياة المدنية السلمية المبنية على التعايش بين الثقافات والأعراق والديانات، وشعر الأقباط بالتهديد الكافي للانضمام إلى الحملة ضد القوانين الجديدة. وقلل نظام نميري من مكانة الأقباط كشهود في المحكمة وألغى البيع القانوني للكحول، مما أثر على وضع الأقباط بصفتهم تجارًا غير مسلمين.
بعد الإطاحة بجعفر نميري، شجع القادة الأقباط دعم مرشح علماني في انتخابات عام 1986. عندما استولت الجبهة الإسلامية الوطنية على السلطة في عام 1989، عاد التمييز بشكل جدي. وأتمّ هذا الشرخ بين السودانيين خلال حكم عمر البشير، الذى لا يعترف بالتعددية.
الأقباط خلال حكم البشير
تعرض المسيحيون خلال حقبة عمر البشير إلى التمييز والتهميش، ولم يكن سهلا الحصول على ترخيص لبناء كنيسة مسيحية، وقامت السلطات السودانية بالتضييق على عمل الكنائس والجمعيات الخيرية المسيحية خوفًا من دعمها لاستقلال جنوب السودان، وفرضت الدولة في عهد الرئيس البشير الثقافة الإسلامية التامة في المدارس وأماكن العمل، وتم طرد بعض الجمعيات الخيرية الأجنبية التي تساعد مسيحيي السودان في خطوة اتخذت منحى تصعيديًا في أعقاب انفصال الجنوب ذي الغالبية المسيحية عام 2011.
أدت الاحتجاجات السودانية 2018 إلى 2019 إلى سقوط نظام عمر البشير. وفى مايو عام 2019 أعلن المجلس العسكري الانتقالي أن حكم الشريعة الإسلامية سيستمر، وفى أغسطس عام 2019 اختيرت رجاء نيقولا عبدالمسيح عضوة بالمجلس السيادي الجديد، وكان شمول المجلس الحالي القبطية رجاء نيقولا عبدالمسيح من شمال السودان، سابقة في تاريخ البلاد.
دور الأقباط في الحياة السياسية بالسودان
لعب الأقباط دورًا سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا وتعليميًا في تاريخ السودان الحديث، إذ أنشأوا أول مدرسة أهلية للبنات عام 1902، ثم المكتبة القبطية في 1908، وهى حافلة بأهم الكتب التاريخية، والمخطوطات، وكانت تقام فيها المسرحيات والندوات.
مساهمة الأقباط في الحياة السياسية في السودان واضحة وجلية، تولى الأقباط عادة وظائف الصرافة والحسابات والبنوك. عمل عدد بلا حصر داخل الخدمة المدنية وفى هيئة السكك الحديدية، وفى التجارة والطب.
ونجح أقباط السودان في مجال الصناعة والتجارة بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى، مثل الأبيض وود مدنى وشندي، وارتبطت مجموعات صناعية وتجارية كبرى بالأقباط والمسيحيين الأرثوذكس، مثل حجار وأيلي وبيطار.
في عام 2011 صوت سكان جنوب السودان ذات الغالبية المسيحية لصالح الانفصال عن الشمال، مع انفصال جنوب السودان في عام 2012 أصبحت نسبة المسلمين نحو 90.7% من سكان السودان، واستؤنفت اضطهادات المسيحيين في شمال السودان.
وكانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بمرور أربعة وعشرين عاما في أبرشية الخرطوم على تجليس الأنبا إيليا على كرسي الأبرشية خلفًا للراحل الأنبا دانيال الذى قضى 43 عامًا في خدمة شعب الأبرشية، وكان تم رسامته أسقفًا بيد الراحل البابا شنودة الثالث في 3 يونيو 2000.
وشارك ممثلا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في حدث تاريخي هو الإعلان الدستوري للسودان يوم 17 أغسطس 2019 وضم الوفد وكيل المطرانية الأب أنطونيوس فاكيوس وكيل مطرانية الخرطوم والقمص فيلثأؤس فرج كاهن كنيسة الشهيدين بالخرطوم وافتتح الحفل بآيات من القرآن الكريم.
وآيات من الإنجيل وكانت كلمة الكنيسة آية واحدة «هذا هو اليوم الذى صنعه الرب فلنفرح ونبتهج فيه». لكن الآن الشعب السوداني مسيحيين ومسلمين بين حجري رحي المتقاتلين ويصلون في منازلهم أن يزيل الله الكرب عنهم.