الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

مجلة «فالير اكتويل» الفرنسية تجرى حوارًا شاملًا مع عبد الرحيم على حول الإخوان فى أوروبا وكتابه الأخير «الأفكار الشيطانية للإخوان»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

السياسيون الأوروبيون لا يدركون خطورة الظاهرة ويتعاملون معها بمحاولات سن قوانين لا تسمن ولا تغنى من جوع

التنظيم الأخطبوطى يتأسس على اختراق المجتمع المدنى بجمعياته وأحزابه وإعلامه وصحفه وشركاته واقتصاده بشكل عام.. إنه نوع من السرطان يتسرب إلى الجسد الأوروبى ليخنقه فى النهاية ويستبدله بمجتمع آخر 
لن أكف عن التحذير إلا عندما يستيقظ السياسيون الغربيون لمواجهة هذا الخطر الأشد من هتلر والنازية
الحل الوحيد أمام أوروبا: إعلان حرب شاملة بلا طلقة نار واحدة أو ممارسة للعنف.. ضد هذا التنظيم الأخطبوطي لوقف تغلغله الناعم وانتشاره داخل المجتمعات والمؤسسات السياسية والمالية والتعليمية فى أنحاء القارة
تذكروا ما أحذر منه: قد نشهد بعد ٢٥ عامًا من الآن وصول عناصر من الجيل الرابع أو الخامس من الإخوان كراسى السلطة فى أكثر من بلد أوروبى.. وقد تكون البداية فى فرنسا
ضرورة تفكيك بنية تنظيم الإخوان وحصار أفكاره وفضح مخططاته ووقف انتشاره وتجفيف منابع تمويله

لابد من وجود عقل أوروبى يعى خطورة هذا التنظيم ويرتكن إلى مفاهيم حديثة تنطلق من القيم الأخلاقية الأوروبية وحقوق الإنسان والديمقراطية فى مواجهتهم.. وللأسف هذا النوع من العقل السياسى شبه غائب عن الساحة الأوروبية


أجرت مجلة «فالير اكتويل» الفرنسية، حوارًا شاملًا مع الكاتب الصحفى عبد الرحيم على رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، ورئيس مجلسى إدارة وتحرير «البوابة»، أجاب خلاله على العديد من الأسئلة حول واقع الإخوان فى أوروبا وكتابه الأخير «الأفكار الشيطانية للإخوان»، وحذر من «غفوة» السياسيين فى أوروبا عن خطورة هذا التنظيم الأخطبوطى.. العدد الأسبوعى من البوابة، ينشر الحوار كاملًا، والذى كان عنوانه الرئيسى: «على فرنسا أن تستمع إلى دروس مصر».

■ عام ٢٠١٣، نددتم بتنظيم الإخوان وشاركتم فى إسقاط حكم الإخوان المسلمين والرئيس المصرى الأسبق محمد مرسى. كيف كان ذلك وهل يمكنك أن تشرح لنا جهودكم فى هذا المجال؟. 
- هى حكاية طويلة ومعقدة لكن يمكن اختصارها فى أننى كنت واحدًا من عدد من الأشخاص لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة الذين كانوا يحذرون منذ ثمانينيات القرن الماضى من خطورة تنظيم الإخوان المسلمين. 
هذا التنظيم الذى يتعامل مع العالم كله وليس مصر فقط أو أوروبا وفقًا لمفهوم (الاستعلاء بالإيمان). بمعنى أنهم يعتقدون أنهم الوحيدون الذين يمتلكون إيمانًا خالصًا بالله. وينطلقون من هذه الفكرة الإقصائية العنصرية إلى ضرورة التحكم فى العالم كله عبر ست خطوات أقرها مؤسس الجماعة حسن البنا عندما أكد على ضرورة إيجاد الفرد المسلم ثم الأسرة المسلمة ثم المجتمع المسلم ثم الدولة الإسلامية ثم الخلافة الإسلامية. وأخيرًا الخطوة السادسة والأخيرة وهى ما يسمى (أستاذية العالم). وهذه الأفكار لا تبعد كثيرا عن أفكار هتلر الذي كان يعتقد بتفوق الجنس الآري وضرورة السيادة على العالم أجمع. 
الفرق بين الرجلين هو أن هتلر كان يعتمد الجنس. وحسن البنا كان يعتمد الدين أو الفكرة.
وليس مستغربًا أن حسن البنا كان من المعجبين والداعمين لهتلر، خاصةً فى الحرب العالمية الثانية ضد قوات الحلفاء. وهذه قصة طويلة قد نرويها بتفاصيلها فى حوارات أو دراسات قادمة. من هذا المنطلق، كان إحساسنا بخطر هذه الجماعة على البنية الحضارية والسكانية (الديموغرافية) للمصريين. 
كانت مواجهتنا مع تنظيم الإخوان منذ عام ٨١ عقب اغتيال الرئيس الأسبق السادات وحتى وصولهم للسلطة عام ٢٠١٢ عندما استطاعوا خداع الشعب المصرى وزوروا انتخابات الرئاسة فى يونيو ٢٠١٢. 
خلال تلك السنوات أنتجنا ١٥ كتابًا يفند أفكار الجماعة واستراتيجيتها وطرق تمويلها. وأظهرنا فى مئات الحلقات التلفزيونية فى كافة الفضائيات العالمية والعربية والمصرية. تارةً فى مواجهة مباشرة معهم، وتارة أخرى بالحديث عن مخططاتهم حتى باتوا يطلقون على شخصى (عدو الاسلام)، بدلًا من أن يقولوا الكلمة الصحيحة وهى عدو (تنظيم الإخوان). الأمر الذي عرضنى بالطبع إلى عدد من محاولات الاغتيال التى تم كشفها عبر جهاز الأمن المصري آنذاك وعشرات من بيانات التهديد وإهدار الدم التى نقلتها أجهزة الإعلام فى حينها. 
وعلى الجانب المهنى، وصل بهم الأمر فيما بين ٢٠١١ و٢٠١٣ إلى اقصائي تمامًا من الحياة السياسية والإعلامية والصحفية فى مصر، حيث قاموا بفصلى على الهواء مباشرة من قناة العربية السعودية التي كنت أعمل بها مستشارًا لشؤون حركات الإسلام السياسي. وباتوا يشترطون على الصحف العربية والمصرية ألا يتعاملون معها فى حال ما إذا قامت بنشر كتاباتى أو استضافتني، الأمر الذى جعلني أنقل المعركة معهم إلى الشارع. حيث قمت بقيادة المظاهرات والاعتصامات ضدهم. وكذلك داخل أروقة المثقفين والكتاب وعدد من مؤسسات الدولة التى كانت مخدوعة بأفكارهم. حتى وصولنا إلى ثورة ٣٠/٦ التى أطحنا فيها بحكم جماعة الإخوان فى تظاهرات مشهودة بلغ تعدادها ٣٣ مليون مصرى. سبقتها بالطبع مواجهات عديدة ضد الرئيس مرسى أمام قصر الرئاسة وضد مقر مكتب الإرشاد بمنطقة جبل المقطم وفى مدن عديدة فى مصر، سقط خلالها العشرات من المدنيين الشهداء على أيدى مليشيات الإخوان المسلمين.
 


■ تقوم استراتيجية الإخوان كما أوضحت ذلك فى دراساتك على مفهوم التمكين (أى الهيمنة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية)، مما يؤدى فى النهاية إلى التمكين من الدولة (أى الهيمنة السياسية الكاملة) على مؤسسات الدولة. هل تعتقد أن السياسيين الأوروبيين، وخاصة السياسيين الفرنسيين، على دراية بهذه الإيديولوجية الشمولية للإخوان المسلمين؟
- دعنى أوضح لك أن هذه الاستراتيجية فى أوروبا بدأت منذ خمسينيات القرن الماضى. بعد صدام الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر بجماعه الإخوان المسلمين بمصر عام ١٩٥٤عقب محاولة اغتياله. فى هذا التوقيت خرج عدد كبير من قياداتهم ليستقروا فى أوروبا وبالتحديد فى ألمانيا نظرًا لعداء النظام الألمانى آنذاك لجمال عبد الناصر بسبب اعتراف عبد الناصر باستقلال ألمانيا الشرقية. فى هذا التوقيت فهم الإخوان أن التنظيم القائم على مفهوم الهرمية، أى وجود رأس لهذا التنظيم وجسد تتمثل فيه بنيه التنظيم، يمثل خطورة كبيرة على التنظيم حينما يصطدم بالسلطه السياسية الحاكمة. حيث يتم ببساطة اعتقال رأس التنظيم والمعاونين الفاعلين وقطع سبل الاتصال بين القيادة والقاعدة، فيفقد التنظيم قوته. 
من ناحية أخرى، فإن الاكتفاء بوجود التنظيم فى دول تحكمها تقلبات سياسية مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو مخاطرة بحياة التنظيم. 
من هذين المنطلقين، قرر الإخوان إنشاء تنظيمات فى دول ذات استقرار سياسى (أوروبا وأمريكا). ومن الناحية التنظيمية قرروا اعتماد مفهوم الأخطبوط ذى الأذرع المتعددة حيث أن فقد ذراع أو إثنين لا يؤثر على الإطلاق على التنظيم الذى يمكنه العيش بالأذرع المتبقية.
ومن هنا جاءت فكرة التوغل والسيطرة على مؤسسات المجتمع المدنى فى أوروبا بداية من الجمعيات إلى الشركات الوطنية، وصولًا إلى الشركات المتعددة القوميات، ومرورًا بإنشاء المساجد والمراكز الإسلامية الكبرى والمدارس والجامعات. ثم تطور الأمر إلى اختراق الأحزاب الاشتراكية والديموقراطية وأحزاب الخضر (البيئة) وأحزاب اليسار بشكل عام. مقدمين أنفسهم لهذه الأحزاب باعتبارهم مناضلين من أجل الحرية جاؤوا لممارسة الديموقراطية التى افتقدوها فى بلادهم!. 
وانطلت الفكرة على معظم تلك الأحزاب وهؤلاء السياسيين طوال أربع عقود على الأقل. فى هذه الفترة توغل التنظيم وامتد واتسع من تنظيم متواجد فى بلدين أوروبيين هما ألمانيا وإنجلترا، إلى تنظيم لا تخلو من وجوده مدينة أوروبية ودولة أوروبية. 
منذ ٢٠ عامًا مضت تقريبًا استيقظت أوروبا بعد عدد من الهجمات الإرهابية التى طالت أراضيها لتكتشف أنها وقعت بين براثن هذا التنظيم الأخطبوطى. فانقسم السياسيون الأوروبيون إلى قسمين: قسم هادن تنظيم الإخوان وبدأ يستفيد منه فى الانتخابات، وهم بكل وضوح اليسار وأحزاب البيئة. وقسم أدرك خطورة التنظيم فقرر مواجهته. ولكن للأسف انطلاقا من مفهوم عنصرى (أحزاب اليمين واليمين المتطرف). بين هؤلاء وهؤلاء كان لابد من وجود عقل واعٍ يعرف خطورة هذه التنظيم ويرتكن إلى مفاهيم حديثة تنطلق من القيم الأخلاقية الأوروبية وحقوق الإنسان والديمقراطية فى مواجهتهم. وللأسف هذا النوع من العقل السياسى شبه غائب عن الساحة الأوروبية.
■ تعرض فى كتابك وثائق الإخوان المسلمين حول الديمقراطية وحول المرأة والفنون وغير ذلك. وهى الوثائق التى تتضمن ما تسميه بـ"الأفكار الشيطانية». ألا يقودنا ذلك إلى حد ما إلى طرح إشكالية العلاقة بين الإسلام وبين هذه الموضوعات (الإشكاليات) على وجه الخصوص؟.
- أعتقد أن هذا الكلام غير صحيح من وجهة نظرى. لماذا؟ لأن عددًا كبيرًا من مفكرى الإسلام فهموا هذه القضايا الخلافية من خلال قراءة القرآن وتتبع سنة النبى محمد بشكل مغاير تمامًا لما فهمه الإخوان المسلمون ومفكروهم. 
أضرب لكم أمثلة على سبيل التذكرة وليس الحصر: ابن رشد والفارابى وابن سينا قدموا للفكر الإسلامى وللفكر الإنسانى الكثير مما جعلهم فى مصاف الفلاسفة الأوائل الذين ساهموا فى تقدم الإنسانية بشكل عام وأخذ عنهم من جاء بعدهم. وإذا نظرنا للعصر الحديث قبل وبعد ميلاد فكرة الإخوان المسلمين، نجد الشيخ الدمشقى عبد الغنى النابلسى الذى عاش فى نهايات القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر وقدم أيضًا ما يعتبر فى الفكر الإسلامى الحديث فكرًا تنويريًا جديداَ. وفى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين نجد الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الجامع الأزهر والإمام محمد عبده مفتى الديار المصرية آنذاك. ونجد الشيخ على عبد الرازق صاحب كتاب «الإسلام وأصول الحكم». الذى أثبت فيه عدم وجوب نظام الخلافة على الإطلاق. وكذلك الشيخ مصطفى عبد الرازق والشيخ أمين الخولى صاحب كتاب «المجددون فى الإسلام» والشيخ عبد المتعال الصعيدى صاحب كتاب «حريه العقيدة والفكر فى الإسلام» الذى أشار فيه إلى عدم وجود حكم ضد المرتد (الذى يغير دينه) فى الشريعة الإسلامية. ولدينا أيضا الشيخ محمود شلتوت. هذا بالإضافة إلى مفكرين عظام فى النصف الثانى من القرن العشرين. مثل الدكتور نصر حامد أبو زيد والشيخ خليل عبد الكريم والدكتور محمود إسماعيل صاحب كتاب «سوسيولوجيا الفكر الإسلامى» وعشرات غيرهم فهموا الإسلام فهمًا مغايرًا تمامًا لفهم الإخوان المسلمين وأنتجوا أفكارًا مضادة تمامًا لما أنتجته عقول كوادر مفكرى الإخوان المسلمين. 
كل هذا يجعلنى أقول إن هذه الأفكار الشيطانية ليست نبتة طبيعية للإسلام كدين. لكنها نبتة شيطانية لعقول هؤلاء الذين أنتجوا تلك الأفكار. وهو ما يعطى لمعركتنا معهم شرعية. فنحن نقيم معركتنا معهم بناءً على ما فهمناه من أعمال وأفكار كل هذه الأسماء التى ذكرناها سابقًا. وبالتالى بناءً على ما نعتقد أنه الحق ضد الباطل الذى تمثله أفكار تلك الجماعة.
■ أعلن يوسف القرضاوى، الرأس المفكر لجماعة الإخوان المسلمين فى عام ٢٠٠٢ على قناة الجزيرة: «سيعود الإسلام إلى أوروبا فاتحًا منتصرًا بعد طرده (إقصائه من الأندلس).. وأضاف: هذه المرة أنا أرى وأؤكد أن الفتح الإسلامى لأوروبا لن يكون بالسيف ولكن بالتبشير والدعوة الأيديولوجية».. اليوم وبعد عشرين عامًا، ما هو فى رأيك الوضع الراهن والنتيجة والحال؟.
- دعنى أقول لك أولًا أن مقولة القرضاوى جاءت من نظرة الاستعلاء بالإيمان التى ذكرتها فى إجابتى عن سؤالك الأول. وهو كغيره من كوادر التنظيم الدولى للإخوان يعتقد (خطأً) بضرورة سيادة الإسلام على الإنسانية جمعاء. وهو مفهوم لم تقره ولم تقل به الشريعة الإسلامية ولم يقل به مفكرو الإسلام عبر عصورهم المختلفة. فجميعهم (بما فيهم شيخ الأزهر الحالى الدكتور أحمد الطيب) يؤكدون على ظاهرة الاختلاف. فقد خلقنا الله مختلفين فى الدين والاعتقاد الفكرى واللون والجنس واللغة. وفى هذا التنوع حكمة الله الكبرى. فقد خلق الإنسان لكى يتعاون مع أخيه الانسان فى صنع السلام وبناء وتعمير الأرض بالتعاون والحب وليس بالحرب والكراهية. 
أما ماذا تحقق من مقولة القرضاوى فيؤسفننى أن أقول لكم بأن كثيرًا مما تنبأ به القرضاوى قد تحقق خلال العشرين عامًا الماضية. فقد قويت وتوسعت وتشعبت جماعه الإخوان المسلمين فى أوروبا بمقدار خمسة أضعاف بالقياس بما كانت عليه عندما أطلق القرضاوى هذه المقولة. ويؤسفنى أن أقول أن هذا كله حدث بسبب غباء النخبة السياسية التى تحكم وتتحكم فى القرار السياسى فى أوروبا بشكل عام. وأخيرًا يؤسفننى أن أؤكد لكم أنه إذا استمر الأمر كما هو عليه فى التعامل مع هذه الظاهرة المسماة: الإسلام السياسى فى أوروبا، وفى القلب من هذه الظاهرة التنظيم الدولى للإخوان، فقد نشهد بعد ٢٥ عامًا من الآن (تذكروا مقولتى هذه جيدًا) عندما يعتلى رجال من الجيل الرابع أو الخامس من الإخوان كراسى السلطة فى أكثر من بلد أوروبية.. وقد تكون البداية فى فرنسا.
■ لماذا تدق أجراس الخطر وتحذر أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص من الخطر الذى يشكله الإخوان المسلمون؟ وعلى الاتحاد الأوروبى أيضًا؟.
- لقد ذكرت فى معرض إجابتى عن الأسئلة السابقة أن الإخوان ابتدأوا فى التحول من التنظيم الهرمى فى خمسينات القرن الماضى إلى التنظيم الأخطبوطى ذى الأذرع المتعددة فى نهايات القرن الماضى. 
هذا التنظيم الأخطبوطى يتأسس على اختراق المجتمع المدنى بجمعياته وأحزابه وإعلامه وصحفه وشركاته واقتصاده بشكل عام. وهذا نوع من السرطان يتسرب إلى الجسد الأوروبى ليخنقه فى النهاية ويستبدله بمجتمع آخر يحمل قيمًا أخرى غير التى ناضل من أجلها أجداد هؤلاء الأوروبيين من قبل. 
فتنظيم الإخوان يسعى بكل قوه إلى استبدال قيم حرية الرأى والعقيدة واحترام المرأة وتقديس النظرة إلى الفن والموسيقى والأدب إلى قيم عكسية تمامًا. وعندما ينجح هذا التنظيم فى أن يجعل هذه القضايا محل جدل، سيكون قد نجح فى وضع اللبنة الأولى فى طريق الانتصار. ناهيك عن اختراقه لأحزاب اليسار كما قلنا وأحزاب البيئة ووصول الجيل الثالث منهم إلى مفاصل تلك الأحزاب. وهو جيل يحمل جنسية البلد المعنى فى أوروبا ويتكلم لغة البلد ويتعلم فى مدارسه. 
وهنا تكمن خطورة هذا الجيل الذى يعول عليه قادة الإخوان كثيرًا. أضف إلى ذلك كم الأموال التى يملكها الإخوان والتى صنعوها خلال ٧٠ عامًا فى أوروبا. فقد بنوا فيها شركات ومساجد ومدارس وجمعيات ثقافيه تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات. كل هذا فى مواجهة سياسيين غير مدركين خطورة تلك الظاهرة التى يتعاملون معها عن طريق محاولات سن بعض القوانين التى لا تسمن ولا تغنى من جوع. فنحن إذن أمام خطر كبير يجب التحذير منه مرارًا وتكرارًا. ولن أكف عن التحذير إلا عندما يستيقظ السياسيون الغربيون ويتحدون فى مواجهة هذا الخطر الأشد عليهم من خطر هتلر والنازية.
■ هل تعتقد أن قانون «محاربة الانفصالية» فى فرنسا لن يكون ناجعًا وكافيًا لوقف نفوذ الإخوان المسلمين؟ ولماذا؟.
- ذكرت فى مقالات سابقه نشرت لديكم فى موقع «فالير أكتوال» أن قانون مواجهة الانفصالية وحده لا يكفى، خاصةً بعدما تم تخفيف وتغيير اسمه إلى (قانون حماية واحترام القيم الجمهورية). فهى كلمات مطاطة لا تسمح بمحاكمة الأشخاص الذين لا يحترمون الحريات ولا يعرفون معانى الأخوة والمساوة. 
فهذه كلمات يعرف الإخوان جيدًا الاحتيال عليها والالتفاف حولها. إن الحل الوحيد الذى أكدت عليه فى أكثر من مقال ودراسة هو تفكيك بنية هذا التنظيم وحصار أفكاره وفضح مخططاته ووقف انتشاره وتجفيف منابع تمويله. باختصار إعلان حرب شاملة لا طلقة نار واحدة فيها ولا ممارسة للعنف فيها ضد هذا التنظيم الأخطبوطى لوقف تغلغله الناعم وانتشاره داخل المجتمعات والمؤسسات السياسية والمالية والتعليمية فى كافة أنحاء أوروبا. وهذا يحتاج إلى جهد منظم وتحديد دقيق للأهداف. لذلك أعلنت فى مركز دراسات الشرق الأوسط عن تبنى فكرة إنشاء لجنة فى فرنسا من المثقفين والصحفيين والكتاب والمفكرين السياسيين الذين يدركون مخاطر هذا التنظيم لوضع خطة محكمة لمواجهته، والضغط على السلطات الحاكمة للسماح لهذه اللجنة بالعمل المنظم لوقف اختراق وتمدد هذا التنظيم فى المجتمع الفرنسى، وذلك بهدف تقديم نموذج يحتذى به فى أوروبا بالكامل بعد ذلك.
كل هذا بالطبع يأخذ وقتًا ومجهودًا، ويحتاج إلى رجال يؤمنون بما يفعلون، لكنه سيظل الطريق الوحيد لمواجهة ذلك التنظيم الأخطبوطى.
■ حسب رأيك، يجب أن نستخدم كل أدوات وإمكانيات الترسانة القانونية (مصادر التمويل والمراقبة، إلخ) لإضعاف الإخوان المسلمين ومهاجمة أيديولوجيتهم فى نهاية المطاف.. ماذا عن حصاد ذلك كله فى مصر منذ ٢٠١٣؟.
- لقد استخدمت أجهزه الدولة المصرية كل ما ذكرته آنفا فى مواجهة تنظيم الإخوان بعد عام ٢٠١٣. فعندما تم إقصاء الإخوان عن السلطة بدأوا فى استخدام القوة ومواجهة قوات الشرطة والجيش وتشكيل خلايا مسلحة فى سيناء وحرق الكنائس وقتل الأقباط لتركيع الدولة المصرية وإجبارها على التراجع وإعادة الإخوان إلى السلطة. لكن الدولة المصرية استنفرت فى مواجهة ذلك بكل ما تملكه من أجهزة الشرطة والجيش والقضاء والإعلام إيمانًا منها بشرعية هذه المعركة. 
على الصعيد القانوني، تم إصدار سلسلة من القوانين كان أهمها قانون الكيانات الإرهابية وتعديل قانون الإجراءات الجنائية (وقد كنت واحدًا من الذين ساهموا فى إصدار هذين القانونين عندما كنت نائبًا بالبرلمان المصرى ما بين أعوام ٢٠١٥-٢٠٢١). 
وتلك القوانين هى التى ساعدت على تجريم تنظيم الإخوان والمنظمات التابعة له واعتبارها تنظيمات إرهابية. فضلًا عن الإسراع فى الإجراءات الجنائية لتقديم المتهمين بالإرهاب الى المحاكمة، والحد من مدة المحاكمة التى كانت تصل قبل ذلك إلى عشرات السنوات بسبب الألاعيب القانونية لمحاميى تلك الجماعات. 
على الصعيد الأمنى، تمت مواجهة التنظيمات العسكرية التابعة للإخوان. مثل (حسم) وغيرها فى سيناء وفى مدن عديدة فى مصر، حتى تم القضاء عليها واعتقال عشرات من كوادرها وتقديمهم إلى المحاكمة، مما أجهض العمليات الكبرى التى كانوا يخططون لها. وقد دفع المجتمع المصرى ثمنًا باهظًا فى تلك المواجهة بلغ أكثر من ٣٢٠٠ شهيدًا ما بين ضابط وجندى وقاضٍ ومدنيين أقباطًا ومسلمين. 
وعلى صعيد التمويل، تم تجفيف كل منابع التنظيم ومصادرة أموال كل الشركات التابعة له باعتبارها تابعة لكيان إرهابى تم حظره. كما تم القبض على كل القيادات الوسيطة التى كانت تمثل همزة الوصل بين القيادة والقواعد، الأمر الذى أجهض التنظيم وأضعفه ودفع مئات من أعضائه إلى الهروب إلى خارج مصر، إلى تركيا والسودان وبعض البلدان الأوروبية وقطر. والآن أصبح التنظيم فى أدنى فاعليته فى مصر. فهناك خلايا نائمة لكن لا يوجد للتنظيم أى فاعلية على الأرض.
■ لماذا تطالب بتفكيك تنظيم الإخوان فى فرنسا؟
- كما ذكرت لك فى السابق: إن محاصرة هذا التنظيم الأخطبوطى التى ستأخذ وقتًا كبيرًا من وجهة نظرى هى ما سوف يمنعهم من النمو والانتشار والتوغل وتحقيق الأهداف التى يصبون إليها خلال السنوات القادمة. 
باختصار هذه عملية لإيقاف النمو تمهيدًا لإجراء عملية تفكيك طويلة الأمد تضمن محاصرة التمويل وتجفيف منابعه والمواجهة القانونية لأنشطة التنظيم المشبوهة، ووضع آليات وأطر يعمل من خلالها التنظيم ويخضع لإجراءتها وتفعيل الإشراف على مؤسساته الاجتماعية والمالية والدعوية تمهيدًا لاجتثاث كل مقومات نموه واختراقه لتلك المجتمعات. بدون ذلك وبالاعتماد فقط على قوانين شكلية مثل قانون احترام القيم الجمهورية أو ما يطلق عليه بإعادة تنظيم الإسلام الفرنسى سنكون كمن يدور فى حلقة مفرغة.