الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ألكسندر ديل فال يكتب: الإسلاموية «العالمية» والإرهاب.. تحدٍ حضارى للعالم الإسلامى وليس للغرب فقط!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعيدًا عن قمع صراعات الهوية، فإن العولمة هى المحرك الرئيسى للصراعات القائمة على الهوية حيث يعتبر الإسلام الراديكالى أكثر أمثلتها الصارخة. ويعتبر مشروع الوحدة الإسلامية، بحكم تعريفه، معاديًا للحدود وللأمم، كما أنه يشكل أحد الوجوه المظلمة للعولمة التى تقوض أيضًا أسس وشرعية الدول ذات السيادة والهويات الوطنية وذلك تحت مسمى دولة ذات سيادة.. إنه مشروع العالم الفاضل (اليوتوبى). فى عام ٢٠١٤، عندما تم القضاء على مقاتلى تنظيم الدولة الإسلامية بمنطقة الحفارين، تم اعتبار الحدود السورية العراقية إرثًا غير مقدس لاتفاقيات سايكس بيكو حيث كانت فى الواقع جزءً من نفس المشروع الداعم للعولمة والمناهض للحدود الذى أعلنه توماس فريدمان، مؤلف كتاب الأرض مسطحة. كما تم فك رموز هذه المفارقة الظاهرة بشكل خاص من قبل بنيامين باربر فى كتابه «الجهاد مقابل العالم الأكبر».
من أجل فهم أفضل لمكان الإسلاموية والإرهاب الجهادى فى عملية العولمة وبالتالى تدمير التنوع الثقافى للعالم، من الضرورى أولًا تعريف هذه الظاهرة من وجهة نظر جيوسياسية. وفى الحقيقة يعد المنظور «المجتمعى» للعلاقات الدولية، الذى نظّره بارى هيوز، والذى يعترف بمجموعات الهوية العرقية والدينية الراديكالية باعتبارها جهات فاعلة فى السياسة الدولية، يجعل من الممكن فهم الإسلاموية كظاهرة جيوسياسية بحد ذاتها، وإرهابها مكون من مجموعة أقلية.
ومن المعتاد داخل الأمم المتحدة والدوائر الدبلوماسية الغربية والدول الإسلامية تصنيف الإرهاب الإسلامى، فى فئة عامة هى «التطرف العنيف»، دون ربط الإسلاميين بالإرهاب، من منطلق الاهتمام الدبلوماسى واحترام الوعى والمعتقدات. ومع ذلك، من وجهة نظر الدراسات الأمنية وعلم الجدل، يجب تحليل الجهادية على أنها مشروع سياسى دينى يهدف إلى فرض الشريعة فى مفهومها الشمولى على جميع المسلمين ومن ثم إعادة تأسيس الخلافة الساعية للهيمنة، عن طيب خاطر أو بالقوة، على كل البشرية.. هذه المعايير، التى تتطابق أيضًا مع التعريفات التى قدمها برونو إتيان وعالم الإسلام الأنجلو أمريكى برنارد لويس، تبرر اختيار تعبير الشمولية الإسلامية، وهو عنوان كتابنا حول هذا الموضوع الذى نُشر عام ٢٠٠٢، مع العلم أن مشروعًا شموليًا قائمًا حول الإرهاب كوسيلة للغزو والحكم، ولكن له أيضًا بعد دعائى، مثل الأنظمة الشمولية الأخرى، فى إطار استراتيجيات الاستيلاء على السلطة والتعبئة الأيديولوجية.
فى ضوء ذلك، لا ينبغى اختزال الإرهاب الجهادى إلى ظاهرة نفسية أو انحراف وأنها منفصلة تمامًا عن الأيديولوجية الدينية، ولكنه يمثل عنصر العنف فى هذا المشروع السياسى الدينى الذى يهدف إلى الخضوع طوعيًا أو بإجبارالبشرية على الخضوع لقوانين الشريعة ونظام الخلافة العالمية (أى الإرهاب). وهذه السلسلة الأيديولوجية - الدينية، التى تخلق الجسور بين الإسلام السياسى المؤسسى والإسلام الجهادى، لا يمكن تجاهلها من قبل أولئك الذين يواجهون هذا التهديد - الذى يعد متعدد الأشكال وغير متكافئ- سواء كانوا مسلمين واتبعوا «المرتدين» أو من غير المسلمين وبالتالى كفار.
وفقًا للنهج المجتمعى لبارى هيوز، فإن المجتمعات التى تعتبر نفسها متفوقة (سواء بالعرق أو الدين أو الثقافة واللغة) تميل إلى عزل نفسها عن طريق إنشاء حدود محكمة، رسمية أو افتراضية، ويمكن أن تصبح ذات دور مؤثر فى السياسة الدولية عندما تكون مجموعتهم تسعى لرفض هيمنتها على الكيانات الأخرى عن طريق التبشير التفوقى أو الوحدوى. وباعتباره أحد أتباع النهج التحليلى الذى يحلل الحقيقة الحضارية، سلط محمد رضا جليلى الضوء بشكل جيد للغاية على المفهوم الإسلامى الجيوسياسى الأصلى، الذى تشير إليه جميع الحركات الإسلامية، من خلال التذكير بأن الإسلام السياسى (وليس الإرهاب الإسلامى فقط) يقسم الإنسانية بشكل أساسى إلى قسمين متناقضين أو بالأحرى عالمين متناقضين: الأول دار الإسلام؛ وهو كيان يقوم على الوحدانية الثلاثية مكون من مجتمع وإيمان وقانون.. أما الثانى فهو دار الحرب (عالم غير إسلامى أو دار حرب، للقتال).. وبهذه الطريقة يهدف هؤلاء إلى تكوين مجتمع واحد منفصل ومتفوق.
فى هذه الرؤية، الدين هو الأساس الوحيد للمواطنة وللمجتمع والأمة وكل ذلك سيتحد فى نهاية المطاف تحت دولة الخلافة. لا يُنظر إلى مشروع الخلافة الجديد - القائم على الحركات الإسلامية المؤسسية (الإخوان المسلمون، جماعة نصرة الإسلام، ملى جوروس، إلخ) أو الإرهابيين (السلفيين الجهاديين) - على أنه مؤسسة فوق وطنية فقط تسعى للسيطرة على البشرية جمعاء (التمكين العالمى)؛ لكنها تشكل «الأمة» الوحيدة التى لها حق الوجود على الأرض. ولا تعترف الشريعة الإسلامية الكلاسيكية بأى أمة أخرى غير الأمة الإسلامية حيث تعارض هذه النظرية الإمبريالية الجديدة للدولة الإسلامية العالمية التعايش بين تعددية الدول المتساوية وذات السيادة، ولهذا السبب على وجه الخصوص، فإن الإسلاموية الراديكالية ليست مجرد تهديد إرهابى ولكن قبل كل شيء تمثل تحديًا جيوسياسيًا واستراتيجيًا لجميع الدول القومية المرتبطة بسيادتها واستمراريتها، والتى ترى فى الإسلام السياسى مشروعًا تخريبيًا انفصاليًا (داخليًا) ومتفوقًا (على المستوى الخارجي). كما يشرح جليلى أيضا: «طالما أن البشرية جمعاء لا تخضع لهذه الدولة الإسلامية المثالية «دار الإسلام» فلا يزال هناك جزء من العالم يهرب من القانون الإلهى وهنا نذكر «دار الحرب» ويجب احتلال هذه الأراضى، لذلك فإن استخدام القوة (الحرب) مشروع من حيث المبدأ «حتى يتم تحقيق النصر النهائى للإسلام على غير المؤمنين».
بتأثير قوى من الداعية الإسلامى الباكستانى أبو الأعلى المودودى، المفكر الرئيسى للإخوان المسلمين - بعد البنا وسيد قطب الملهم لفكرة الجهاد - خاصةً أن المودودى يؤكد هذه الفكرة الدينية القائلة بأن «الإسلام يعرف نوعين فقط من المجتمعات: مسلم أو جاهلى وأن المجتمع الإسلامى هو الذى يتم فيه تطبيق الإسلام. أما المجتمع الجاهلى مجتمع لا يطبق فيه الإسلام.. وطبقًا لهذا المفهوم؛ فإن الجاهلية تحدد كل ما يبتعد فى العالم المعاصر عن الإسلام، سواء كان من بقايا المجتمع الوثنى الفرعونى أو المجتمعات غير الإسلامية فى الوقت الحاضر. وفى الخطاب الإسلامى التقليدى، فإن أوروبا أو الهند أو البلدان الإسلامية التى تحكمها أنظمة علمانية إلى حد ما (العراق، سوريا، تونس، تركيا)، هى بالتالى مجتمعات جاهلية.
الأقطاب الرئيسية للاستبداد 
هذا الفكر الشمولى، المشترك بين الإسلاميين الهنود والباكستانيين، والسلفية الثورية والجهادية والإخوان المسلمين، يمثله دولتان وتحمى هاتان الدولتان هذا الفكر الذى يعد الملهم الرئيسى للإسلام الراديكالى. الاختلاف الوحيد هو أن الجهاديين يريدون تحقيق الهدف النهائى للخلافة العالمية من خلال الحرب وفى إطار «استراتيجية الدهشة» العنيفة، فى حين أن أتباع الإسلاموية المؤسسية (الإخوان المسلمون؛ الإسلاميون الأتراك حزب العدالة والتنمية / ملى جوروس)، يريدون تحقيق ذلك بوسائل تخريبية، من خلال السيطرة على الدول الإسلامية التى تعد من الدول القومية العلمانية والتى يُنظر إليها على أنها طابور خامس من العالم «غير المؤمن». 
 


وعلى الرغم من الاختلافات والتضارب بين الإسلام المؤسسى الذى يعتمد على استراتيجية الدخول والإسلام الجهادى المبنى على استراتيجية التخويف من خلال العنف.. كل ذلك يساهم فى تحقيق نفس الأهداف المتمثلة فى تفكيك سلطة الكفار التى يندد بها حسن البنا أو سيد قطب أو أبو الأعلى المودودى، وبناء إمبراطورية خلافة، وصفها برونو إتيان بأنها تحمل نفس الشعار الخاص بالإسلام الراديكالى.
هذه الأيديولوجية القائمة على حكم الشريعة والخلافة العالمية التى دعت إلى خضوع الإنسانية، ظلت على مدى عقود من قبل أقطاب الدولة الرئيسية: الوهابية - السلفية؛ القطب الديوبندى الهندى الباكستانى والجماعة الإسلامية؛ وطالبان والقاعدة. وتلك الدولة راعية حماس والإخوان المسلمين وتستخدم الإعلام. وأيضا القطب التركى العثمانى الجديد الذى أعيد تأهيله من قبل تركيا؛ والثورة الإسلامية الشيعية الإيرانية، متأثرة فى أصولها بالإخوان المسلمين على الرغم من كونها شيعية؛ دون أن ننسى المؤسسات والمنظمات الدولية الإسلامية القوية مثل منظمة التعاون الإسلامى والتى تضم ٥٧ دولة إسلامية ترغب فى إنشاء نظام دولى بديل قائم على الشريعة الإسلامية ومنظمة العالم الإسلامى للعلوم والثقافة (الإيسيسكو، نوع من «اليونسكو» الإسلامية، وهى متأثرة بالإخوان المسلمين)؛ وأخيرًا، المراكز الإرهابية الكبرى مثل القاعدة أو داعش، والجماعات المرتبطة بها مثل القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، بوكو حرام، شباب الصومال، إلخ.
وترتبط هذه الأقطاب بشكل أو بآخر بجسور مختلفة، غير رسمية أو رسمية مؤقتة أو دائمة حيث تدعم دول معينة رسميًا الجهاد الإسلامى وحركة حماس الفلسطينية، فى حين أن دولًا بعينها تدعم أو حتى تشارك فى بعض الأحيان فى إنشاء مراكز إرهابية مثل القاعدة أو داعش.
ونتيجة لذلك، فإن الاختلاف بين الإسلام السياسى لجماعة الإخوان المسلمين من جهة، والإسلاموية الجهادية المنبثقة عن جماعة الإخوان، من جهة أخرى، هو اختلاف فى الدرجة أكثر منه فى النوع، وهذا هو فى الواقع الأساس الحقيقى، الأيديولوجى السياسى والدينى للمشكلة. 
وبالتالى، فإن المنظمات الإرهابية ليست سوى «غيض» من فيض جماعة الإخوان المسلمين الإسلامية الشمولية التى أعلنت الحرب على أعدائها «الكفار» و«المرتدين». وفى الواقع، يتجسد التهديد الإسلامى الشمولى أيضًا فى دول وحركات يتم تعريفها أحيانًا بكونها «أصدقاء» للغرب، وبعضها تمتلك جيوشًا نظامية، وأحيانًا نووية، أو دول أخرى يتم دعمها من قبل حلف الأطلسى. وهذا التهديد الإسلامى الشمولى يتغذى ماليًا ودبلوماسيًا وأيديولوجيًا من قبل دول محددة ويتم نقله - تحت غطاء الحق فى الحرية الدينية - إلى قلب مجتمعاتنا المفتوحة أو الأمم المتحدة، من قبل المنظمات والجمعيات المدعومة فى المؤسسات من قبل هذه الدول والمراكز التى تم ذكرها (الإيسيسكو ورابطة العالم الإسلامى وغيرها).. ومن المفارقات أن الغرب يعتزم بالتالى محاربة الجهادية على أراضيه دون إبطال مفعول هذه الأقطاب التخريبية «المتحالفة» والتى تسعى إلى تحقيق نفس الأهداف وأسلمة العالم مثل هؤلاء الإرهابيين، وبالتأكيد بطريقة أكثر «سلمية».
معلومات عن الكاتب:
ألكسندر ديل فال.. كاتب وصحفى ومحلل سياسى فرنسى. مدير تحرير موقع «أتالنتيكو». تركزت مجالات اهتمامه على التطرف الإسلامى، التهديدات الجيوسياسية الجديدة، الصراعات الحضارية، والإرهاب، بالإضافة إلى قضايا البحر المتوسط إلى جانب اهتمامه بالعلاقات الدولية.. يقدم لنا تحليلًا متكاملًا، يستحق قراءته وتأمل ما بين سطوره بعناية، لظاهرة الإسلاموية وما تمثله من خطر على العالم.