رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إبراهيم نوار يكتب: السلاح ومرْبِكات السلام.. نيران مشتعلة وأُخَرى تحت الرماد فى السودان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نزع البندقية من السياسية هو صمام الأمان الرئيسى، لمرحلة انتقال سياسى، إلى مجتمع مدنى، ديمقراطى، وفق الصيغة الملائمة التى يتم التوافق عليها فى كل بلد. ليست هناك صيغة مقدسة، ولا صيغة ذات مقاس واحد يصلح لكل الحالات. فى تونس حيث لم يكن للقوات المسلحة دور أساسى فى عملية التحرير الوطنى، التى قادها الحزب الدستورى الحر بقيادة الحبيب بورقيبة، لم يشارك الجيش فى السياسة على النحو الذى شاركت به جيوش أخرى فى بلادها. كذلك فإن نشأة وتبلور الحركة القومية العربية من خلال العمل المسلح ضد القوات التركية، وتأثير حركة تركيا الفتاة على الروح السياسية فى بلاد الشام والعراق، أدى إلى تجذر نزعة عسكرية لدى تنظيمات حزب البعث العربى الاشتراكى، بأجنحته وتياراته المختلفة. وتختلف هذه النزعة جوهريا عن مسار السياسة فى بلدان الخليج العربية، التى نشأت أنظمة الحكم فيها على قواعد حكم العائلة ودولة الرفاهية مستفيدة من الوفرة النفطية. كما تختلف التجربة السياسية فى المغرب عنها فى الجزائر بسبب الظروف التى أحاطت بحرب التحرير الوطنى، فى كل من البلدين. وطالما أن التجربة السياسية هى جسم حى يتأثر بالظروف المحيطة به ويؤثر فيها، فإن تطوير التجارب السياسية ونشاط محركات التغيير السياسى فى العالم العربى، هو ضرورة موضوعية، لا يجب فرض القيود عليها، أو مصادرتها، لأن ذلك قد يسفر عن تداعيات منها نضوب الروح المجتمعية، أو حدوث انفجارات سياسية واجتماعية خارج نطاق السيطرة، أو إفساح المجال لتدخلات خارجية تؤدى إلى تشويه المصلحة القومية، وإهدار فرص النمو الحقيقى، لصالح نمو مشوه أو انهيار صريح أو ضمنى. هذا المنظور يمثل المستوى التحليلى، الأول لفهم ما يحدث فى السودان منذ يوم السبت ١٥ من شهر أبريل. 
المنظور الثانى، أو المستوى التحليلى الثانى، لما يحدث فى السودان يرتبط بالتطورات التى تمر بها دول الشرق الأوسط، وسط موجة تحولات عالمية قوية، تمهد للانتقال من عصر الأحادية القطبية إلى عصر ينهض فيه نظام عالمى جديد يقوم على التعديل والعلاقات الديمقراطية بين دول العالم. 
وتجيئ منطقة الشرق الأوسط حاليًا فى المركز الثالث من حيث درجة الخطورة، وتهديد السلام العالمى، بعد كل من أوكرانيا وتايوان، حيث أن الأولى تشهد حربًا فعلية مشتعلة بين حلف الأطلسى، من ناحية وروسيا من الناحية المقابلة، وتمثل أوكرانيا مسرح العمليات أو الدولة التى تتحمل الحرب بالوكالة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وبقية دول حلف الأطلنطى. أما تايوان فإنها مسرح العمليات الذى تسعى الولايات المتحدة إلى إشعاله بطرق الاستفزاز والاستعداء المختلفة للصين. فماذا يعنى، ذلك بالنسبة لمعادلة التغيير السياسى فى الشرق الأوسط؟ 
إن وجود بلدان المنطقة فى مهب رياح التغيير العالمى، يرفع أولوية ضمان الأمن والاستقرار إلى مكانة عليا بين أولويات الأمن القومى للدول العربية. لكن مكانة أو أولوية تحقيق الأمن والاستقرار يجب أن تتحقق بما لا يصادر بقية أولويات الأمن القومى، التى تتضمن تحقيق الديمقراطية والعدالة والتنمية جنبًا إلى جنب مع تحقيق الأمن. وقد تعلمنا من تجارب الدول المجاورة أن انهيار الأمن يؤدى إلى انهيار بقية أولويات الأمن القومى. ونحن نلخص أهداف الأمن القومى لأى دولة داخل نظام عالمى ديمقراطى، متعدد الأطراف، فى ثلاث كلمات بسيطة جدًا، تمثل كل منها مرحلة أو مستوى من مستويات الأمن القومى. هذه الكلمات الثلاث هى البقاء، والنماء، والارتقاء. ومن هنا ونظرًا لهشاشة الأوضاع السياسية التى تمر بها بعض دول المنطقة، ونظرًا لوقوع المنطقة بأكملها فى مهب رياح تغيير عالمى واسع النطاق، فقد أصبح من الضرورى، أن تلعب المؤسسة العسكرية والأمنية دورًا رئيسيًا من أجل تحقيق أهداف الأمن القومى، التى تتمثل فى أربعة أهداف رئيسية فى الدول العربية، على اختلاف مستويات تماسكها وقوتها المجتمعية والمؤسسية، وهى الديمقراطية والتنمية والعدالة والأمن. وربما يكون ذلك هو أحد أسباب الأزمة الهيكلية التى تمر بها عملية التغيير السياسى فى بلد مثل السودان، حيث تعتبر القوى العسكرية نفسها بديلًا للقوى المدنية، وتنظر القوى المدنية إلى القوى العسكرية باعتبارها خصمًا وليس شريكًا لها، كما يغيب أيضًا إدراك درجة الترابط والتكامل بين أهداف الأمن القومى الأربعة فى المرحلة الحالية. 
أما المنظور الثالث أو المستوى التحليلى الثالث لما يجرى فى السودان وفى الدول العربية الهشة فى المرحلة الحالية، فإنه يرتبط بالمصالح المباشرة للقوى العالمية المتصارعة، التى توجد فى تلك الدول أو فى منطقة الشرق الأوسط ككل. ويمثل السودان على وجه الخصوص حلقة رئيسية من حلقات الوصل بين العالم وكل من البحر الأحمر وقارة أفريقيا. روسيا على سبيل المثال تحاول منذ سنوات الحصول على قاعدة بحرية لوجيستية على البحر الأحمر، لخدمة قوتها البحرية، ولها مصالح مباشرة فى السودان فيما يتعلق بالمساهمة فى استثمار ثرواته الطبيعية الضخمة، وأيضًا للوصول إلى مخزون الثروات المعدنية فى بلدان مثل تشاد وأفريقيا الوسطى.. الصين أيضًا لها مصالح مباشرة فى جنوب السودان، وفى دول منطقة القرن الافريقى، وهى منطقة تتزايد أهميتها للصين يومًا بعد يوم من الناحية الإستراتيجية. وهناك مصالح متنوعة لدول الاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة. ومن الضرورى أن يكون فى السودان حكومة قوية مستقرة تستطيع إدارة علاقاتها بمهارة مع كل تلك القوى المتنافسة أو المتصارعة، بما يصون المصلحة القومية للدولة. ولتحقيق ذلك فى مجتمعات هشة، ودول فاشلة، لا مفر من تطوير صيغة تؤسس لتعايش مدنى - عسكرى، على أسس واضحة.. تعايش يستند إلى عوامل الثقة والتفاهم، بعيدًا عن العداء والتخوين. وربما كان ذلك أيضًا أحد أسباب عدم الثقة بين أطراف العملية السياسية فى السودان، بما فى ذلك قوى مدنية وعسكرية، تسبب قصور إدراكها لطبيعة المرحلة الراهنة فى استنزاف قدر كبير من طاقة التغيير فى متاهات ومسارات جانبية عقيمة. 
المنظور الرابع والأخير، أو المستوى التحليلى الرابع لفهم ما يحدث فى السودان حاليًا، تكشف عنه التجربة المصرية الرائعة فى إنهاء أزمة الضباط والجنود المصريين. وكانت القوة المصرية موجودة بمقتضى بروتوكول للتعاون العسكرى بين البلدين، ولا علاقة لها بالصراع الداخلى فى السودان. وقد اتخذت القيادة المصرية موقفًا عاقلًا ومسؤولًا، يهدف بالأساس إلى عدم الإساءة لعلاقة مصر بالسودان، باعتبار أن البلدين تربطهما علاقة مصير مشترك بصرف النظر عن طبيعة النظام السياسى فى كل منهما، والتزام مصر بمبدأ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية. وكان البيان الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى هذا الخصوص شديد الوضوح، ولا يحتمل الإلتباس، حيث أكد المجلس على أن مصر تعتبر الخلافات بين السودانيين شأنًا داخليًا، عليهم السعى لحلها فيما بينهم مع المحافظة على مصالح الشعب السودانى، وأمن وسلامة المواطنين، وأن مصر تعتبر الاقتتال الحالى أمرا داخليًا، وأنها لا تنحاز لأى طرف من طرفى القتال. كما انطوى الموقف المصرى، بوضوح، على إطلاق مبادرة عملية من أجل وقف إطلاق النار، واقتراح نظام لإدارة ومراقبة وقف إطلاق النار، بما يساعد على تحويله إلى هدنة، على الأقل لعدة أيام، خصوصًا مع اقتراب عيد الفطر المبارك. وانطلاقًا مما سبق، فإن الدبلوماسية المصرية بدأت نشاطًا كثيفًا لترويج موقفها وتحويل هذا الموقف إلى محرك من المحركات الإيجابية، وذلك من خلال اتصالات مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة وجامعة الدول العربية، والمجموعة الدولية الرباعية التى، تضم بين أعضائها السعودية والإمارات. 
ونستطيع القول بأن مصر بهذا الموقف السياسى العاقل والدبلوماسية النشطة، استطاعت التغلب على السلاح، وأثمرت دبلوماسيتها نتائج طيبة، أولها وأهمها كان إعادة الجنود والضباط المصريين المحتجزين إلى مصر، حيث تم إرسال أربع طائرات عسكرية مصرية إلى مطار «دنقلا» فى الشمال الغربى من قاعدة «مَرَوي»، مساء الأربعاء ١٩ أبريل، تولت نقل ١٧٧ عسكريًا مصريًا وإعادتهم إلى بلدهم. ومن الملفت للنظر أن نجاح الدبلوماسية المصرية فى تحقيق هذا الاختراق الكبير فى الحالة السودانية خلق روحًا جديدة من التعاون فى الخرطوم من أجل تخفيف حدة المعاناة التى يتعرض لها الشعب السودانى، خصوصا فى مجال توفير الأدوية وخدمات الرعاية الصحية، على الرغم من استمرار القتال وخرق الهدنة. وقد أعلنت نقابة الأطباء أن إمدادات المياه والكهرباء عادت إلى المستشفيات، مما سمح لعودتها للعمل بنسبة ١٠٠٪ بعد أن كانت نسبة ٨٠٪ منها قد خرجت من الخدمة فى اليوم السابق. وإذا استطاعت الدبلوماسية المصرية مواصلة دورها فى هذا الطريق، فلا شك أن ذلك سيضع السودان على الطريق الصحيح إلى وقف سريع لإطلاق النار والالتزام بهدنة عسكرية، تفتح الباب للتهدئة وافساح الطريق لحل سلمى. ومن الواضح أن مصر من أجل إعادة أبنائها أجرت اتصالات مع الطرفين، الجيش وقوات الدعم السريع. وأن عملية هبوط الطائرات المصرية وإجلاء العسكريين المصريين، واقلاع الطائرات تمت فى ظل احترام كامل للهدنة من كل من الطرفين، وهو ما يعنى احترام الدور المصرى وتقديره من كل من الجيش وقوات الدعم السريع.