يسمح لنا تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأن نحدد بدقة ما يعنيه حياد الكربون وحياد المناخ بدقة، وهو أمر مهم للغاية. إذ أنه من الضرورى أن نعرف السبب فى ارتفاع درجة حرارة الأرض ليس تدفق الانبعاثات بل هو مخزون غازات الاحتباس الحرارى المتراكمة فى الغلاف الجوى.
وللوصول الى حالة «حياد المناخ»، يجب الوصول إلى حالة يكون فيها التدفق الداخل إلى مخزون انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى مساويًا أو أقل من التدفق الخارج من الغلاف الجوى، ذلك أن هذا التدفق الخارج من الغلاف الجوى، إما بسبب وصول غازات الدفيئة إلى نهاية حياتها، أو بسبب مصارف الكربون، والمحيطات، والغلاف الحيوى، يقوم بامتصاص الكربون الموجود فى الغلاف الجوى. وللعمل على حياد الكربون يجب أن يكون التوجه عالميًا. إذ أننا لن نصل إليه من خلال عمليات تعويض الكربون التى يمكن تنفيذها على مستوى الاقتصاد الجزئى.
يضعنا تقرير التقييم السادس (AR٦) الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة أمام خمسة دروس من حيث حياد المناخ وحياد الكربون. ذلك ان هذين المفهومين لا يعنيان معنى واحدًا.
يضع هذا التقرير الأمور فى نصابها. إذ يتضمن ميزانية شاملة للكربون تمثل جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى المتوافقة مع المستويات المستهدفة للمناخ. فللوصول إلى ١.٥ درجة مئوية، أمامنا تسع سنوات من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، بمعدل عام ٢٠١٩. وللوصول إلى درجتين مئويتين، أمامنا ما يزيد على عشرين عامًا لاستنفاد ميزانية الكربون، على مستوى انبعاثات عام ٢٠١٩.
نستنتج من هذه الميزانية أن الوقت يمر بسرعة وساعة المناخ تتذبذب ومازال ضخ ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى مستمرًا بمعدل أكبر من قدرة امتصاص مصارف الكربون. وهذا هو الدرس الأول لهذا التقرير.
أما الدرس الثانى: فهو أن حياد الكربون ليس هو الهدف النهائى. وفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من المرجح أن يصل الاحترار الحرارى بمقدار ١.٥ درجة مع حلول عام ٢٠٣٠. لذلك، إذا أردنا أن نتجنب ارتفاع درجة حرارة أعلى من ١.٥ درجة مع نهاية القرن فسيتعين علينا تقليل المخزون الذى سيتراكم فى منتصف القرن. لذلك سيكون من الضرورى أن يكون لديك مجتمع ليس محايدًا للكربون، ولكنه سالب للكربون. بعبارة أخرى، حياد الكربون ليس نهاية الطريق. إن تحقيق هذا الهدف ليس سوى خطوة واحدة. وبالتالى، يضع التقرير تصورًا لسيناريو متشائم بشكل خاص حيث لم يعد هناك عمليا أى سيناريو ١.٥ درجة يتوافق مع مجتمع لا نمر فيه بمرحلة الكربون السلبى هذه.
الدرس الثالث وهو الأكثر تشاؤمًا. ذلك أن مصارف الكربون الأرضية فى طريقها إلى الضعف. ففى الوقت الحالى، عندما نرسل ١٠٠ طن من ثانى أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوى، يمتص المحيط أو الغابات واستخدام الأراضى حوالى ٥٦٪ منها ويذهب الباقى إلى الغلاف الجوى. ولسوء الحظ، فان الاحتباس الحرارى من شأنه أن يؤدى إلى فقدان كفاءة مصارف الكربون الطبيعية هذه. تتوقع الهيئة أن مصارف الكربون لن تكون ٥٦٪ من ثانى أكسيد الكربون قادرة على امتصاص الكربون بل فى حدود ٣٠٪ إلى ٣٣٪. بعبارة أخرى، يجب بذل المزيد من الجهود لتقليل إجمالى الانبعاثات أو مزيد من الابتكار لمواجهة هذا الفقد فى قوة مصارف الكربون.
والدرس الرابع هو أن الأمر لا يخص فقط ثانى أكسيد الكربون، ذلك أن هناك غازات دفيئة أخرى وملوثات محلية، مثل غاز الميثان الذى يساهم فى ارتفاع درجة حرارة ٠.٥ درجة مئوية، وهو ثلثا ما يساهم به ثانى أكسيد الكربون فى الاحترار. لا توجد خريطة تخص الحياد الكربونى إذا لم تتسع جهود الحد من غازات الاحتباس الحرارى لتشمل غاز الميثان.
جزء من هذا الغاز هو منتج ثانوى للوقود الأحفورى، والجزء الأكبر يأتى من الزراعة ومعالجة النفايات، وبالتالى من الكربون الحى. وهذا يعنى أن انتقال الطاقة الناتج من الوقود الأحفورى يجعل من الصعب تحقيق الحياد المناخى. يجب علينا أيضًا العمل على ما يسمى «بالكربون الحي»، أى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى المرتبطة باستخدام الأراضى والزراعة وإزالة الغابات.
الدرس الخامس ينطوى على الإجابة عن هذا السؤال: هل الهدف الأوروبى والمتمثل فى حياد الكربون بحلول عام ٢٠٥٠ متوافق مع سيناريوهات الكربون المنخفض للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ؟. هذه هى ما يسمى بـ"الزوايا الميتة للسياسة الأوروبية». هل يمكن لجميع دول العالم تحقيق حياد الكربون فى نفس الوقت فى عام ٢٠٥٠؟ الإجابة: لا. فمن الواضح أن الدول المتقدمة لديها المزيد من الوسائل للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى. بعبارة أخرى، لكى تتمكن من تحقيق الحياد الكربونى العالمى بحلول عام ٢٠٥٠، سيتعين على بعض البلدان التحرك بشكل أسرع من غيرها. ومن الواضح أن حيادية الكربون بحلول عام ٢٠٥٠ ليست كافية لقوة اقتصادية ترغب فى أن تكون فى طليعة الجهود ضد تغير المناخ.
معلومات عن الكاتب:
كريستيان دى بيرثوس أستاذ مشارك فى الاقتصاد بجامعة باريس دوفين، والمدير العلمى لكرسى اقتصاديات المناخ وعضو فى المجلس الاقتصادى للتنمية المستدامة بفرنسا، وأحد المتخصصين المعتمدين دوليًا فى اقتصاديات تغير المناخ. له العديد من المؤلفات، من بينها كتاب «المناخ 30 كلمة للفهم والعمل»، ورواية «لقد أرادوا تبريد الأرض».. يستعرض التقرير السادس للهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ.