الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

على الدين هلال يكتب: الحرب فى السودان.. الرأى العام يستمع إلى الخبر ونقيضه مما أدى للغموض حول مسار الأحداث

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مع بدء إطلاق الرصاص وسماع دوى المدافع وأزيز الطائرات فى الخرطوم يوم السبت ١٥ إبريل ٢٠٢٣، انتهى التنافس المكتوم الذى تجلت مظاهره على مدى شهور عدة، وانطلق قتال عنيف بين حلفاء الأمس عبد الفتاح البرهان قائد القوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة، ومحمد حمدان دقلو ولقبه «حميدتى» قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة. وتبادلت بيانات الطرفين الاتهامات، فوصف الجيش خصومه بالمتمردين بينما اتهمت بيانات الدعم السريع الجيش بالانقلابيين وفلول نظام عُمر البشير. 
بدأت مواجهة ثانية ساحتها شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعى، فطرح أنصار كل طرف السردية الخاصة به، بشأن أسباب الخلاف ومسار العمليات العسكرية. أكد كل طرف على عناصر قوته وشرعية موقفه، مشيرًا إلى قوة مركزه الميدانى وسيطرته على عديد من المراكز العسكرية والأمنية داخل الخرطوم وخارجها. وكان الرأى العام يستمع إلى الخبر ونقيضه طول الوقت مما أوجد حالة من الغموض حول مسار الحرب فى أيامها الأولى.
ومع هذا وذاك كان هناك مواجهة ثالثة أبطالها هم المحللون والمعلقون حول تفسير ما يحدث، كان من الواضح أن الكثير منهم وخاصة المقيمين خارج السودان انطلقوا فى تحليلاتهم من خلفياتهم السياسية أكثر من اعتمادهم على حقائق ما كان يجرى على الأرض، وامتلك بعضهم شجاعة إبداء الآراء وإصدار الأحكام فى قضايا عديدة دون سند أو دليل. وارتبط ذلك باختلافات وتناقضات كبيرة فى المعلومات الواردة فى التعليقات. وهكذا فقد كان لهؤلاء المعلقين دورهم فى زيادة الغموض فى تفسير ما يحدث فى السودان.
وبدلًا من اللهث وراء أحداث سريعة ومتغيرة، فمن الأفضل العودة إلى أصول الموضوع. فنقطة البدء فى فهم ما يحدث فى السودان، هو إدراك طبيعة المجتمع والدولة، فنحن إزاء مجتمع منقسم إثنيًا وقبائليًا وسياسيًا، مما جعله يشغل المركز السابع على مؤشر «الدول الهشة» حسب تقرير عام ٢٠٢٢.
 


وتاريخ السودان المعاصر شاهد على ذلك، فمنذ استقلاله فى يناير ١٩٥٦، شهد العديد من الحروب الأهلية كان أبرزها قتال الحركة الشعبية لتحرير السودان التى أدخلت البلاد فى حربين ممتدتين الأولى من ١٩٥٥-١٩٧٢، والثانية من ١٩٨٣-٢٠٠٥، والتى انتهت باستقلال جنوب السودان عام ٢٠١١. والحرب البائسة فى ولايات دافور منذ ٢٠٠٣، التى انتهك المشاركون فيها كل قواعد القانون الدولى الإنسانى، مما أدى إلى وصفها «بحرب الإبادة الجماعية الأولى فى القرن الواحد والعشرين»، وتوجيه المحكمة الجنائية الدولية لوائح اتهام إلى عدد من القيادات السودانية كان منهم الرئيس السابق البشير. والحرب فى ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ عام ٢٠١١.
شهد السودان أيضًا ثلاثة انقلابات عسكرية فى أعوام ١٩٥٨، و١٩٦٩، و١٩٨٩ أقامت نظم حكم عسكرية استمرت لمدة ٥٢ سنة. كما شهد ٩ محاولات انقلاب عسكرى تم إحباطها والقبض على المشاركين فيها فى أعوام ١٩٥٧، ١٩٧١، ١٩٧٣، ١٩٧٥، ١٩٧٦، ١٩٩٠، ١٩٩٢، وكل من يوليو وسبتمبر ٢٠٢١.
وشهد السودان تدخلين للجيش لدعم الحركة الشعبية المطالبة بإسقاط نظام الحكم القائم: الأول فى ١٩٨٥ بقيادة عبد الرحمن سوار الذهب ضد نظام النميرى. والثانى فى ٢٠١٩ الذى قاده المجلس العسكرى للقوات المسلحة لإسقاط نظام البشير وفتح الباب للعملية السياسية المتعثرة للانتقال إلى حكم مدنى.
وهكذا، فمنذ استقلال السودان لم يخضع لحكم مدنى سوى لمدة ١٠ سنوات من أصل ٦٧ عامًا. 
تعود جذور الأزمة الراهنة إلى ما حدث بعد نجاح الثورة الشعبية فى ٢٠١٩ بتأييد من الجيش. ففى أغسطس من هذا العام، اتفق الجيش مع قوى الحرية والتغيير على إنشاء مجلس للسيادة ليكون أعلى سلطة فى الدولة لمدة ٣٩ شهرًا، ويتولى رئاسته فى المرحلة الأولى التى تمتد ٢١ شهرًا شخصية عسكرية، على أن يعقبها فى المرحلة التالية شخصية مدنية، ولكن توتر العلاقات بين المكونين العسكرى والمدنى أدى إلى امتناع البرهان فى أكتوبر ٢٠٢١ عن التخلى عن منصبه بعد انتهاء المدة المقررة له. فاندلعت المظاهرات الشعبية، وأدت فى النهاية إلى توقيع اتفاق إطارى فى ديسمبر ٢٠٢٢ يقضى بتسليم الحكم إلى المدنيين بعد فترة انتقالية. انتقل الخلاف إلى داخل المكون العسكرى حول مستقبل قوات التدخل السريع، وعما إذا كان يتم إدماجها ضمن وحدات الجيش والمدة التى تستغرقها لذلك، أم تبقى كقوة مستقلة خاضعة لرئيس الوزراء. وأيًا كانت التفاصيل، فجوهر هذا الصراع يدور أساسا حول السلطة والثروة. هناك مفارقة كبيرة فى تاريخ السودان المعاصر بين تطلع القوى المدنية إلى إقامة نظام حكم ديمقراطى، وبين استمرار نظم الحكم التى يسيطر عليها العسكريون. ويبدو أن هناك دورة حياة لنظم الحكم فى السودان تبدأ بمرحلة حكم مدنى عادة ما يسودها عدم الاستقرار السياسى والاجتماعى، تنتهى بتدخل الجيش وإقامة نظام حكم عسكرى ممتد يعقبه اندلاع المظاهرات الشعبية التى تدعو لإسقاطه والعودة إلى الحكم المدنى، وتبدأ الدورة من جديد.
الجديد فى هذه المرة أننا إزاء صراع يدور بين قوتين عسكريتين، وكل السيناريوهات المحتملة مزعجة وتدعو إلى القلق. ففى حالة انتصار أحد الطرفين، فإنه سوف يواجه برفض القوى المدنية للحكم العسكرى، وإذا تفاوض الطرفان لإنهاء الخلاف بينهما فإنه سوف يكون على حساب الانتقال إلى حكم ديمقراطى، وإذا استمر الاقتتال وتوسعت مساحته فقد يتحول إلى حرب أهلية ويتعرض السودان للتقسيم مرة ثانية.