لمن لا يصدق أن "ثورات الربيع العربي" صنيعة بعض المخابرات الغربية.. وسقوط ليبيا يدخل في مصلحة الغرب، خرج عميل سري فرنسي من الظل إلى العلن من دوائر الاستخبارات السرية، وهو ليس كأي شخص، إنه المقدم جان فرانسوا لولييه الذي كان الجاسوس الأول للمخابرات الفرنسية في ليبيا في عهد القائد الليبي معمر القذافي.
وكشف عميل المخابرات الفرنسية لمدة خمسة وعشرين عامًا، باسمه الحقيقي، كل تفاصيل عمله في كتاب رجل طرابلس( L’homme de Tripoli) الذي سيُنشر في 3 مايو عن مهمته التي استمرت قرابة ثلاث سنوات في ليبيا، من يوليو 2009 إلى مارس 2012 حتى سقوط نظام معمر القذافي. ونفى تورط جواسيس فرنسا في اغتيال القائد الليبي على يد المخابرات الفرنسية، وإنما على يد الثوار الذين عثروا عليه، دون أن يذكر من أوحى لهم بمكانه.
الكتاب مهم ومثير لأن جان فرانسوا لولييه عمل في جهاز الاستخبارات الفرنسية (مديرية الأمن العام الداخلي) بطرابلس خلال "الربيع العربي"، قبل سقوط العقيد القذافي لم يكن شاهد عيان بل فاعل ومؤثر في أحداث سقوط النظام الليبي، وكشف عن مهمته البالغة السرية بكل وضوح الأمر الذي يطرح تساؤلات أبرزها لماذا تريد المخابرات الفرنسية كشف لعبتها في ليبيا ولماذا هذا التوقيت؟.
يقول الجاسوس الفرنسي في كتابه "إن إسقاط القذافي كانت هي المهمة التي أوكلها قصر الإليزيه بأوامر من الرئيس نيكولا ساركوزي إلى المديرية العامة للأمن السري ومن أجل ذلك كان لابد لنا من: البحث عن عيوب في الشخصيات الليبية التي يمكن أن تنقلب على القذافي لإضعاف نظامه فبدأ يبحث عن رموز النظام ودفعهم للإنشقاق عن زعيمهم.
وقال: "كنت أدفع الناس لخيانة ليس فقط زعيمهم ووطنهم بل خيانة حتى معتقداتهم وأفكارهم السائدة وقناعاتهم أيضا".
في هذا السياق، وضع جان فرانسوا لولييه لنفسه هدفًا: إضعاف القذافي شخصيا على وجه الخصوص وكانت أول مهامه تسهيل هروب وزير خارجيته موسى كوسا الذي كان مدير المخابرات الليبية بعد تجنيده ولإزالة الشكوك هربه الى لندن وليس باريس.. في القوت الذي شن سلاح الجو الفرنسي والبريطاني ضربات شرسة ضد القوات العسكرية الليبية لتسهيل مهمة الثوار والمتمردين، كما كان من مهامه التقرب من الثوار ومساعدتهم ودعمهم وقال "بعضهم كان يوجهه لاستهداف بعض مراكز الوحدات العسكرية التي كانت تقصفهم وتقصف قراهم وكانوا يطلبون من فرنسا مساعدتهم فكنت ارسل للإدارة في باريس تقارير بمواقع وحدات القذافي ويتم قصفها بدقة متناهية".
تحدث الجاسوس الفرنسي عن مهمته في ليبيا في كتابه بكل التفاصيل في 400 صفحة وروى طريقة إسقاط العقيد القذافي.
يجعلنا الجاسوس الفرنسي نتابع، يوما بيوم تقريبًا، مناوراته العديدة في تجنيد المصادر والتلاعب برموز النظام وأيضًا دعم التمرد ضد القذافي، وهي المهمة التي أوكلها الإليزيه إلى المديرية العامة للأمن الداخلي. يوضح الجاسوس السابق: "نجحت مهمتي في دفع اللليبيين إلى خيانة بلادهم".
كما يسرد نشاط الاستخبارات الفرنسية في ليبيا عبر الغوص وراء كواليس المخابرات الفرنسية، وإدارتها ( DGSE)، قسم العمليات، من خلال وصف دقيق للغاية لأعمال فرنسا في ليبيا لنحو ثلاثة سنوات من قبل الضابط والعميل السري المسؤول إدارة المصادر البشرية في منشأ المعلومات والملفات المتعلقة بالعمليات الخاصة.
وصل طرابلس، في منتصف فبراير 2011. منذ الاضطرابات الأولى في البلاد، وحينها قررت السلطات الفرنسية، رغم كل الصعاب، إجلاء رعاياها وإغلاق التمثيل الدبلوماسي بداخلها، وأوقفت محطة الأبحاث والمعلومات الخارجية التابعة للمديرية العامة للأبحاث أنشطتها وتولت إتلاف معداتها ومحفوظاتها والملفات الدبلوماسية قبل أن يعهد بمفاتيح السفارة الفرنسية... إلى الروس!
كما يكون بنا المؤلف وضابط المخابرات في جولته عبر التاريخ عن تجربته الليبية التي بدأت في ظل نظام العقيد القذافي وبداية الفوضى.
بعد الحديث عن إخلائه السفارة وإجراء الرعايا الفرنسيين، يخبرنا عن عودته إلى الميدان بعد الضربات التي نفذها سلاح الجو الفرنسي في مارس 2011. وطموحه الشخصي الذي لم يكن بالضرورة بأوامر قادته هو الاحتكاك بقوى العصيان والتمرد على الزعيم الليبي.
كان في البداية يقيس مدى ولائهم وتنظيمهم وقدرتهم على قلب النظام. واستخدم المؤلف هذه التجربة غير المسبوقة لتوضيح مكانة ودور المديرية العامة للأمن الداخلي في السياسة الخارجية لفرنسا. بعيدًا عن الكليشيهات وبنظرة لا هوادة فيها، يشاركنا شغفه بالعمل السري حيث يختلط التجنيد والتلاعب بالمصادر البشرية السرية أحيانًا بالتنافسات الداخلية في الخدمة، مما يعقد مهمته.