الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

أينما تكونوا تحرُسكم مصر| محمد ماهر: الحرب أمامنا واللصوص خلفنا.. ويد "المحروسة" كانت العون والسند

محمد ماهر الطالب
محمد ماهر الطالب بالفرقة الثالثة بكلية الطب في السودان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قُبيل ساعة تقريبًا من أذان مغرب يوم الخامس عشر من أبريل الماضي؛ استيقظ محمد ماهر الطالب بالفرقة الثالثة بكلية الطب والجراحة بالجامعة الوطنية في السودان، على دوي أصوات الرصاص ومروحيات الطائرات التي كانت تحلق فوق مسكنه الكائن في تقاطع شارعي "جوبا والستين" وسط العاصمة السودانية الخرطوم؛ قائلًا: فتحت النافذة تفاجأت بحالة فزع كبيرة.. فأصوات الرصاص تخرق الآذان والفوضى العارمة تملأ الشوارع ودخان الحرائق يحجب رؤية السماء". فأغلقت نافذة غرفتي مُسرعًا واستقر بي الحال "تحت السرير". 

ويُضيف صاحب الـ 22 ربيعًا في حديثه لـ "البوابة نيوز" عن أهوال حرب السودان التي عاصرها، أمسكت هاتفي المحمول متصفحًا مواقع السوشيال ميديا؛ فإذا بكم كبير من الأخبار والمنشورات ومقاطع الفيديو تؤكد اندلاع الاشتباكات العسكرية بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية؛ صدمة كبيرة وتجربة مُخيفة ومفاجأة؛ ولكن تمالكت أعصابي مُعتقدًا أن هذه الأمور ستنتهي بعد 3 أيام على الأقصى؛ مثلما عاصرت سابقًا بعض التظاهرات في السودان. 

ولكن في اليوم الثاني؛ ازدادت الأوضاع سوءً؛ فالطائرات الحربية لا تتوقف عن التحليق في السماء؛ والدبابات تملأ الشوارع والقصف يستهدف المباني وألسنة النيران تخرج في كل مكان؛ يأتي هذا إلى جانب الأخبار السيئة والمخيفة التي يتناولها المواطنين والطلاب المصريين في السودان بشأن تعرضهم للقصف؛ كما أن المقطاع المصورة كانت توثق أهوال الحرب.. هنا تخلل الخوف والرعب لقلبي؛ خاصة وأنني وحيدًا أسكن بمُفردي في بلادٍ غربية جئت إليها طالبًا العلم... فماذا أفعل وكيف أنجوا؟. 

 الحرب أمامنا واللصوص خلفنا والموت يطوف فوق رؤوسنا

يكمل طالب الطب، حديثه، مكثت مختبئًا بين جدران منزلي لـ 3 أيام منذ بدء اندلاع الاشتباكات؛ بلا ماء ولاغذاء ولا كهرباء وانقطاع شبه مستمر لخدمات الإنترنت والاتصالات تزامنًا مع ارتفاع شديد في درجات الحرارة وصيام رمضان؛ فكان الطعام المُتاح "فتات الخبز.. والبيبسي بديلًا للماء"؛ بعد أن صفدت كل أبواب المحالات التجارية بالجنازير والأقفال، خشية أعمال النهب. تلك الأيام الثلاثة بلاليها ذُقت فيما مرارة الحاجة وفزع الموت حتى تمكنت من التواصل مع زملاء مصريين في الجامعة؛ اتفقنا على الهروب سويًا من أهول حرب ضروس لا تفرق بين مدني وعسكري. 

اقرأ أيضًا: 

أينما تكونوا تحرُسكم مصر| شاذلي: الخارجية طمأنتني.. وجيشنا أنقذ ابني من بركان حرب السودان

 

أتممنا الاتفاق فيما بيننا على مُحاولات الاتفاق مع أحد "باص النقل" لتسيير رحلة للفرار من الحرب في الخرطوم إلى القاهرة؛ مُقابل 125 ألف جنيهًا سودانيًا؛ ما يوازي 200 دولار للفرد؛ واتفقنا على نقطة تلاقي تقاطع شارع "مشتل والستين" وقد تجمع 15 طالب وطالبة (6 طالبات-9 طلاب) في نقطة التلاقي وسط انتشار مُكثف لدوريات الدعم السريع؛ فاختبئنا في الشوارع الجانبية في نقطة التجمع المتفق عليها، وأصبحنا مُحاصرين فـ "الحرب أمامنا.. واللصوص من خلفنا.. والموت يطوف فوق رؤوسنا". 

سوداني ففتح لنا منزله لنحتمي من الرصاص وأكرمنا 

مكثنا ننتظر وصول"الباص" منذ الساعة السابعة وحتى الحادية عشر من مساء اليوم الخامس للاشتباكات؛ ولم يأتي "الباص" رغم سدادنا إلكتورنيًا جزءً من ثمن الرحلة المُتفق عليه، وهنا علمنا أننا وقعنا في "فخ النص" وأصبحنا في حيرة شديدة من أمرنا فالموت أقرب ما يكون لنا؛ ولكن يد العون مُدت إلينا من صحاب منزل كان يراقبنا في كاميرات منزله؛ فخرج متسائلًا: عن سبب تواجدنا لأكثر من 5 ساعات أمام منزله وبصحبتنا حقائب السفر؛ أخبرناه بأننا طلبة مصريين وننتظر "باص" للسفر إلى القاهرة، ففتح لنا منزله وأدخلنا لنحتمي من الرصاص الطائش الذي كان لا يتوقف؛ رغم أنباء عن هدنة 3 أيام بسبب عيد الفطر؛ وقدم لنا الطعام والشراب وكرم الضيافة. 

اقرأ أيضًا: 

أينما تكونوا تحرُسكم مصر| نور سمير: الأشقاء في السودان ساعدونا للهروب.. والجيش حملنا لبر الأمان


مرت الساعات دون قدوم الباص، ووصلتنا أنباء تشير لمقتل السائق.. واستقر الرأي على المكوث يوما آخر في سكن مؤقت يأوي البنات ويحفظ حقائب السفر من النهب؛ وبالفعل هذا ما حدث حتى تمكنا من الاتفاق مع "باص" آخر سينقلنا من الخرطوم للقاهرة؛ ولكن مُقابل 140 ألف جنيهًا سودانيًا.. وأخيرًا استقلينا الحافلة التي كانت تحمل 55 طالبًا وطالبة مصرية حتى وصلنا إلى منطقة قندهار والتي تبعد عن الخرطوم بـ 31 كيلو مترًا؛ ولكن توقف السائق وحدثنا بشأن رفع ثمن الرحلة لـ 15 ألف جنيه للفرد فوافقنا ودفعنا الثمن؛ ولكن لم يتحرك "الباص" لمدة ساعة كاملة وإذ بالسائق يطلب رفع الأجرة مرة ثالثة لـ 180 ألف جنيهًا سودانيًا وسيتم إيصالنا إلى أسوان وليس القاهرة كما كان متفق عليه سابقًا، فرفضنا وذلك بسبب نفاذ الأموال، فقام السائق بطردنا من الأتوبيس وإلقاء كافة الحقائب في الشارع ورفض رد أموالنا. 

حيرة وخيبة أمل وحسرة غير مُنقطعة النظير

موقف مُخزي وحيرة لا تتوقف وخيبة أمل وحسرة غير منقطعة النظير؛ فقد أصبحنا في الشارع وترافقنا طالبات وسط مخاوف من السرقة أوالاعتداء علينا؛ لكن لم يكن أمامنا سوى المبيت على الأرصفة ليلة كاملة؛ بعدها تمكنا من الاتفاق مع "ميكروباص" على نقل الـ 55 طالب على دفعتين إلى منطقة دنجلا مقابل 100 ألف جنيهًا للشخص؛ وبينما كان السائق ينتهي من عملية تحميل الحقائب أعلى السيارة؛ أخبرنا زميل مصري بالعثور على "باص" كبير يمكنه نقلنا جميعًا دفعة واحدة لـ منطقة وادي حلفة مُقابل 52 ألف شخص (يُوازي تقريبًا 100 دولار) فكان العرض الأخير فرصة. وهنا دب الخلاف مع سائق "الميكروباص" والذي رفض تسليمنا الحقائب حتى الحصول على المبلغ كاملًا وفي النهاية أعطيناه 600 دولارًا مقابل تسليمنا الحقائب فقط. 

صعدت الحقائب التي تم تحريرها من السائق الآخر إلى "الباص" صاحب العرض المُغري، وبينما نحن في الطريق وصلتنا أنباء بضرورة تحويل مسار الرحلة من الوصل إلى وادي حلفة والنزل بمطار دنقلا فهناك طائرة مصرية ستنقلنا جميعًا إلى مصر. 

اقرأ أيضًا: 

أينما تكونوا تحرُسكم مصر| السيد: أهالي رام الله السودانية خاطروا بأنفسهم من أجلنا.. والسفير المصري لم يتأخر في المساعدة


 

وبعد عناء سفر 3 أيام من وسط الخرطوم وصلنا أخيرًا إلى مطار دنجلا؛ وهنا لمسنا حقًا جهود مصر التي لا تغيب عن أبنائها، فكانت الأمور تسير بكل سهولة وبساطة وسرعة كبيرة؛ فخلال ساعتين فقط منذ وصولنا لمطار دنجلا أقلعت طائرة حربية وعلى متنها نحو 110  فردًا إلى مطار شرق القاهرة؛ وقدموا لنا عصائر ومياه على متن الطائرة؛ وفور وصولنا مطار شرق القاهرة واستُقبلنا استقبال الأبطال العائدون من الحرب.