توقف البابا فرنسيس خلال لقائه أعدادا كبيرة من الفقراء واللاجئين في بودابست اليوم السبت، وانطلاقا من الشهادات التي تم الاستماع إليها، عند أهمية لغة المحبة والحاجة إلى التكلم بها بطلاقة في الحياة وفي إطار برنامج ثاني أيام زيارته الرسولية إلى المجر التقى البابا فرنسيس اليوم السبت ٢٩ أبريل في كنيسة القديسة اليصابات في العاصمة بودابست حوالي ٦٠٠ من الفقراء واللاجئين، بينما تَجمَّع حوالي ألف آخرين في باحة الكنيسة. وتحدث الأب الأقدس إلى الحضور . معربا عن سعادته لوجوده بينهم، كما شكر المطران أنتال سباني أسقف سيكيشفيهيرفار ورئيس كاريتاس المجر على كلمات الترحيب وعلى تذكيره بما تقوم به الكنيسة في المجر من خدمة سخية إلى الفقراء ومعهم. وشدد البابا هنا على ضرورة ألا ننسى أبدا كون الفقراء والمعوزين في قلب الإنجيل، وأن يسوع قد جاء ليبشر الفقراء.
وأضاف أن الفقراء يدلوننا على تحدٍ شغوف، وهو ألا يكون إيماننا حبيس طقس بعيد عن الحياة وألا يصبح ما يمكن اعتباره أنانية روحية، أي روحانية ترضي ارتياحنا الشخصي. الإيمان الحقيقي، قال البابا فرنسيس، هو على العكس ذلك غير المريح الذي يجازف ويدفعنا إلى الخروج للقاء الفقراء ويجعلنا قادرين على التكلم إلى الحياة بلغة المحبة. وذكَّر قداسته هنا بكلمات القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس والتي شدد فيها على أننا لسنا بشيء إن لم تكن لنا المحبة حتى وإن تكلمنا لغات كثيرة وامتلكنا المعرفة والغنى.
وواصل البابا فرنسيس مذكرا بأن هذه اللغة، لغة المحبة، كانت تتكلم بها القديسة اليصابات، وأضاف أنه وخلال توجهه إلى الكنيسة التي تحمل اسمها رأى التمثال الذي يصورها وهي تتلقى الحبل الذي يرتديه الرهبان الفرنسيسكان بينما تمنح الفقراء الماء لسد عطشهم، وهذه صورة جميلة.
وتابع البابا "من يربط نفسه بالله ينفتح على المحبة إزاء الفقراء، لأنه وكما كتب القديس يوحنا في رسالته الأولى "إذا قالَ أَحَد: "إِنِّي أُحِبُّ الله" وهو يُبغِضُ أَخاه كانَ كاذِبًا، لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه" (٤، ٢٠)".
وأردف الأب الأقدس مذكرا بأن القديسة اليصابات كانت ابنة مَلك وقد نمت في وسط يتسم بالثراء والرفاهية، إلا أنها وما أن حولها اللقاء بيسوع شعرت سريعا بنفور إزاء الثراء وبرغبة في التجرد والعناية بمن هم في عوز. وهكذا أنفقت ما لديها بل ووهبت حياتها لصالح الأخيرين وصولا إلى علاج المرضى بنفسها وحملهم على كتفيها، هذه هي لغة المحبة، أضاف الأب الأقدس.
ثم انطلق قداسة البابا من الشهادات التي تم الاستماع إليها متوقفا عند شهادة امرأة عما واجهت من مصاعب ومشقة كي توفر لأبنائها ما يحتاجون إليه، وقد أغاثها الرب، فهو يستمع إلى صرخات الفقراء، "يُجري الحكم للمظلومين ويرزق الجياع خبزا" و"يُنهض الرازحين" (راجع مزمور ١٤٦، ٧-٨). وتابع البابا أن الله لا يحل مشاكلنا من الأعلى بل يقترب بعناق حنانه محفزا شفقة الأخوة والاخوات الذين ينتبهون إلى هذه المشاكل ولا يظلون غير مبالين. وعاد قداسته إلى شهادة السيدة فقال إنها شهادة لقرب الرب بفضل كنيسة الروم الكاثوليك وأشخاص كُثر هبّوا لمساعدتها وتشجيعها ووجدوا لها عملا وساعدوها لسد احتياجاتها المادية وأيضا في مسيرة إيمانها.
وقال البابا إن هذه هي الشهادة التي تُطلب منا، الشفقة إزاء الجميع وخاصة إزاء من يعانون من الفقر والمرض والألم. وتابع قداسته متحدثا عن الحاجة إلى كنيسة تتحدث بطلاقة لغة المحبة، تلك اللغة التي يستمع إليها الجميع ويفهمونها، حتى أولئك البعيدون وغير المؤمنين.
وتابع البابا فرنسيس معربا عن الشكر للكنيسة في المجر على نشاطها الكبير في مجال أعمال المحبة، وتحدث عن التزام متشعب حيث تم تأسيس شبكة تجمع الكثير من العاملين الرعويين والمتطوعين وجماعات المؤمنين ومنظمات من طوائف أخرى تجمعها تلك الشركة المسكونية التي تنبع من المحبة تحديدا.
وأراد البابا توجيه الشكر أيضا على استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الأوكرانيين، وعاد قداسته هنا إلى شهادة أوليغ الأوكراني وعائلته فقال إن رحلتهم نحو مستقبل مختلف بعيدا عن أهوال الحرب قد بدأت برحلة في الذاكرة، وذلك في إشارة إلى حديث الأوكراني أوليغ عن استقباله في المجر بترحيب قبل سنوات حين جاء إل هذا البلد للعمل. فقد شجعته ذكرى هذه الخبرة، قال الأب الأقدس، على أن يتوجه مع عائلته إلى بودابست حيث تَلَقى استقبالا سخيا.
وشدد البابا فرنسيس هنا على ان ذكرى ما نتلقى من محبة توقد الرجاء مجدَّدا وتُشجع على القيام بمسارات حياة جديدة.
وأضاف أنه حتى في لحظات الألم والمعاناة يتم العثور على الشجاعة للسير قدما حين نتلقى بلسم المحبة، هذه هي القوة التي تساعدنا على الإيمان بأنه لم يتم فقدان كل شيء وبأن مستقبلا مختلفا هو ممكن. وواصل البابا أن محبة يسوع تساهم في انتزاع شرور اللامبالاة والأنانية من مجتمعاتنا والأماكن التي نعيش فيها، وتوقد مجدَّدا الرجاء في إنسانية جديدة أكثر عدالة.
وتوقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند معاناة أشخاص كثيرين في المجر أيضا من عدم توفر مسكن، وهو ما يشمل أخوة وأخوات يعانون من الوحدة ومن مشاكل جسدية ونفسية، إلى جانب مَن دمرهم سم المخدرات ومَن خرجوا من السجون، وأيضا مَن تُركوا بمفردهم لكونهم مسنين. وعاد البابا إلى شهادة أخرى تم الاستماع إليها حيث تحدث شخصان من جماعة تأسست لاستقبال الأشخاص الذين لا ملجأ لهم، وأعرب عن تقديره لحديثهما عن توفير لا فقط الاحتياجات المادية بل وأيضا الاهتمام بقصص الأشخاص ومعاناتهم من الوحدة. وأضاف البابا أن هذا ينطبق على الكنيسة أيضا، فلا يكفي توفير الخبز للجياع، بل يجب أيضا تغذية قلوب الأشخاص. وشدد قداسته على أن المحبة ليست مجرد خدمة مادية أو اجتماعية، بل هي تعني شجاعة النظر إلى عيون الأشخاص ولمسهم والسير معهم، فهذا يجعلنا ندرك كم هم في عوز كما نحن في عوز إلى نظرة الرب ويديه.
وفي ختام كلمته شجع البابا فرنسيس الجميع على التكلم بلغة المحبة، وذكَّر بتمثال القديسة اليصابات الذي يصور تحوُّل ما تحمل من خبز للفقراء إلى زهرة، وقال قداسته: حين ستحملون الخبز إلى الجياع سيُزهر الرب الفرح ويعطِّر حياتكم بما تهبون من محبة. ثم أعرب البابا للجميع عن تمنياته أن يحملوا دائما عطر المحبة في الكنيسة وفي بلدهم، وسألهم أن يُصلوا من أجله.