الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

الرمال بدل السجاد.. مساجد الجزائر تحيي سنة رسول الله

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في صحراء الجزائر، هناك مساجد لا تشبه غيرها في العالم. قد تندهش حين تدخل لتصلي فتجد نفسك واقفا فوق كثبان رملية متساوية تشعر ببرودتها على قدميك رغم حرارة الجو، وتعيش جوا من اللحظات الإيمانية تشبه تلك التي عاشها الرسول في مكة كما يصفها المرتادين لتلك المساجد.

 ففي هذه المساجد، ليس هناك سجاد فقط رمال نظيفة وناعمة فهؤلاء المسلمون يختارون الصلاة على الرمل، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على التراب. فمن أين جاءت هذه العادة؟ وما هي معانيها وفوائدها؟ وكيف يتعامل أهل هذه المنطقة مع هذه العادة في زمن الحداثة؟ 

 الرمل بدل السجاد .. كيف حاولت بعض مساجد الحزائر محاكاة صلاة الرسول

تذكرنا بالصحراء

عندما يدخل المصلي إلى مسجد سيدي عبد القادر في بلدية تقروت، لا يجد أمامه سجادة ملونة أو مزخرفة، بل يجد أرضية مغطاة بالرمل الناعم والنظيف. يخلع حذاءه ويمشي على الرمل بحذر، ويشعر ببرودته على قدميه. يجلس في مكانه وينتظر الأذان، ويستمتع بالهدوء والسكينة التي ينشرها الرمل في المكان.

هذا المشهد ليس غريبا على أهل وادي سوف، وهي ولاية تقع في جنوب شرق الجزائر، وتشتهر بكثبانها الرملية ومناخها الصحراوي الحار.

 ففي هذه المنطقة، توجد عادة قديمة ومميزة في بعض المساجد، حيث يفرش الرمل داخل المسجد بدل السجاد. وتحمل هذه العادة معاني روحية ومنافع عملية لأهل المنطقة.

“الصلاة على الرمل تذكرنا بالصحراء التي عشنا فيها طوال حياتنا، وبالتواضع والتقرب من الله”، هكذا يردد المصلين حين تسألهم عن السبب معربين “كما أن الرمل يوفر راحة أثناء الصلاة، خاصة لكبار السن، ويتكيف مع درجات الحرارة المختلفة، فهو بارد صيفا ودافئ في الشتاء”.

لا تخالف الشرع

ويؤكد الحاضرين  أن هذه العادة لا تخالف الشرع، بل تتفق مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي صلى على التراب. والذي قال: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل”.

 الرمل بدل السجاد .. كيف حاولت بعض مساجد الحزائر محاكاة صلاة الرسول

وتعود هذه العادة إلى قرون، ومن أشهر المساجد التي تتبع هذه العادة مسجد سيدي عبد القادر في بلدية تقروت، الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر. ويقول مؤذن المسجد إن الرمل يغير كل شهر، وأنه يستخدم رمل نظيف من مكان محدد.

ويضيف أن المصلين يحبون هذه الطريقة، وأنهم يشعرون بالانتعاش والطمأنينة عندما يصلون على الرمل. ويؤكد أن هذه العادة لا تخالف الشرع، بل تتفق مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي صلى على التراب.

وتعبر هذه العادة عن تمسك أهل وادي سوف بتراثهم وثقافتهم، وعن احترامهم لبيوت الله. كما تعبر عن تنوع الموروثات الدينية في الجزائر، التي تجمع بين التقاليد المحلية والأصول الإسلامية.

وللرمال  فوائد عديدة في المساجد حيث أنه يبرد الأرضية في فصل الصيف، ويحافظ على النظافة، ويسهل تغييره وتجديده. كما أنه يعطي شعورا بالتواضع والبساطة، ويذكر بالحج إلى مكة المكرمة.

ولكن هناك تحديات من نوع خاص تواجه القائمين على المسحد فالرمل يحتاج إلى رعاية خاصة لمنع تطايره أو تلوثه. كما أن بعض المصلين قد يفضلون السجاد لأسباب راحة أو جمالية أو عصرية.

ولذلك، تختلف المساجد في وادي سوف في درجة اعتمادها على الرمل: فبعضها يستخدمه بشكل كامل، وبعضها يستخدمه جزئيا، وبعضها يستخدم السجاد بشكل كامل. وفي كل حال، تظل هذه العادة جزءا من هوية المنطقة وتاريخها وثقافتها.

 الرمل بدل السجاد .. كيف حاولت بعض مساجد الحزائر محاكاة صلاة الرسول

رمال نظيفة ومنخولة

ويعد الرمل المستخدم في المسجد هو رمل نظيف ومغسول ومنخول، يأتى به من الكثبان الرملية المحيطة بالمسجد. يتم تغيير الرمل بشكل دوري كل شهر أو شهرين، أو حسب الحاجة. ويتولى هذه المهمة مجموعة من المتطوعين من أهالي البلدة، الذين يحملون الرمل في جرارات أو حقائب، ويفرشونه في المسجد بعد إزالة الرمل القديم. كما يتم تنظيف الرمل من أي شوائب أو قذارات قبل كل صلاة، بواسطة مكانس خاصة. 

هناك مساجد أخرى تستخدم الرمل في الجزائر، ولكنها قليلة جداً. منها، مسجد أغادير في ولاية تمنراست، وهو مسجد قديم يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي، ويتميز ببنائه من الطين والحجارة، وأرضيته من الرمل. ومسجد سيدي علي الذيب في ولاية باتنة، وهو مسجد تاريخي يعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي، ويتميز ببنائه من الطوب الأحمر، وأرضيته من الرمل. 

ومسجد سيدي عقبة في ولاية بسكرة، وهو مسجد عتيق يعود إلى القرن الأول للهجرة، ويتميز ببنائه من الطوب المجفف، وأرضيته من الرمل. 

 الرمل بدل السجاد .. كيف حاولت بعض مساجد الحزائر محاكاة صلاة الرسول