الفتوى تتغير بتغير ملابساتها وزمانها ولكل عصر مفاهيمه التي ينبغي على الفقيه أن يراعيها
حول التنوير وعلاقته بالفقه الإسلامي، وتجديد الخطاب الديني، والتعايش والمواطنة والقضايا الملتهبة التي تشغل الرأي العام كقضية تعدد الزوجات.. كان لـ»البوابة» هذا الحوار مع الشيخ طارق نصر الذي تخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر «قسم تفسير» وعمل بالوعظ والإرشاد وبعث إلى دولة اليمن لمدة أربع سنوات ثم عاد لعمله بالقاهرة وكان كبير باحثين بالأزهر الشريف، قبل الإحالة على المعاش.
■ السنة قائمة في العالم الإسلامي على أحاديث الرسول بينما هناك من يقول إن المرجع هو فقط القرآن، وليس حديث الرسول.. ما رأيكم في هذه المقولة؟
- رايى فى هذه المقولة أنه حينما نعرف السنة تعريفًا صحيحًا، نقول إن السنة هي التطبيق العملي للقرآن الكريم لقول الله تعالى {فَاستَقِم كَمَآ أُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِير} [هود: ١١٢] وللحديث عن الحسن قال: سُئلتْ عائشة عن خُلقُ رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم، فقالت: كان خُلُقُه القرآن.
لكن المشكلة فى من يزعم أن السنة ناسخة للقرآن وأن حاجة القرآن إلى السنة أشد من حاجة السنة إلى القرآن. وهذا ما رواه فيديو على اليوتيوب عن أحد أعمدة السلفية المصرية محمد حسان مع إن علماء وعقلاء المسلمين متفقون على أن الكتاب هو الأساس والمرجع وأن يد التحريف لم ولن تصل إليه أما السنة ففيها ما يصح وما لا يصح.. وصحيح السنة هو ما يتفق مع القرآن والعقل فإن خالف الحديث الكتاب أو العقل فهو غير صحيح حتى وإن ورد فى الصحيحين، فقد ورد فيهما مثلًا أن النبى سحر وهذا مخالف لصريح القرآن لقوله تعالى {نَّحنُ أَعلَمُ بِمَا يَستَمِعُونَ بِهِ إِذ يَستَمِعُونَ إِلَيكَ وَإِذ هُم نَجوَى إِذ يَقُولُ الظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلا مَّسحُورًا} [الإسراء: ٤٧] وورد فيهما أن من تصبح بسبع تمرات لا يضره سم ولا سحر وهو مخالف للعقل كما أن الواقع يكذبه وبناءً عليه فبتدبرنا للقرآن يمكن أن نميز بين الصدق والكذب فى الحديث قال تعالى{وَيَقُولُونَ طَاعَة فَإِذَا بَرَزُواْ مِن عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَة مِّنهُم غَيرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعرِض عَنهُم وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرءَانَ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اختِلَٰفا كَثِيرا} [النساء: ٨١-٨٢] فالأحاديث المخالفة للقرآن وللعقل ينبغى أن نعرض عنها وعن أصحابها فنحن لا نهمل السنة الصحيحة باسم القرآن.
■ هناك من يقول إن الإسلام يستحيل أن يتعايش مع غيره ومع المفاهيم الغربية أو مع العلمانية.. بالتالي العودة إلى النص القرآني... ما رأيكم في مثل هذه المقولات؟
- الذين يقولون إن الإسلام يستحيل أن يتعايش مع غيره من المفاهيم الغربية أو مع العلمانية يقدمون الإسلام ويظلمونه ويخرجونه من كونه دينًا عالميًا إلى أيديولوجية عربية أو قبلية.. والسبب فيما ذهبوا إليه سيطرة الفكر السلفى التكفيرى والذى يرى مثلًا أن آية السيف نسخت كل آيات السلم الاجتماعي ولا يزال ذلك الافتراء يدرس فى كل المعاهد الدينية فى شتى بقاع العالم الإسلامى على أنه دين الله لكن الإسلام الصحيح يتعايش مع كل المسالمين من العالمين حتى وإن كانوا كافرين أو مشركين ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى {لَّا يَنهَاٰكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقَٰتِلُوكُم فِي الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُم أَن تَبَرُّوهُم وَتُقسِطُواْ إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ، إِنَّمَا يَنهَاٰكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَٰتَلُوكُم فِي الدِّينِ وَأَخرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُم وَظَٰهَرُواْ عَلَى إِخرَاجِكُم أَن تَوَلَّوهُم وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّٰلِمُونَ} [الممتحنة: ٨-٩] وقوله تعالى فى ختام الزخرف {يارَبِّ إِنَّ هَؤُلَآءِ قَوم لَّا يُؤمِنُونَ فَاصفَح عَنهُم وَقُل سَلَٰم فَسَوفَ يَعلَمُونَ} فكيف صارت فاصفح عنهم إلى فاذبح منهم؟.. صارت كذلك بادعاء باطل يقول أصحابه إن آية السيف نسخت وألغت وأبطلت كل آيات السلم الاجتماعى، مع أنه يجب ألا نكفر بشىء من الذكر وأنه ليس بالقرآن باطل.. قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكرِ لَمَّا جَآءَهُم وَإِنَّهُ لَكِتَٰبٌ عَزِيز.. لَّا يَأتِيهِ البَٰاطِلُ مِنۢ بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِن خَلفِهِۦ تَنزِيل مِّن حَكِيمٍ حَمِيدٖ} [فصلت: ٤١-٤٢]
■ جوهر العلمانية هو فصل الدين عن الدولة، بمعنى أن يترك الدين لرجال الدين وأن تترك الدولة لرجالها، وألا يتدخل رجال الدين في شئون الدولة.. هناك من يقول إن الإسلام دين ودولة ويجب أن يتدخل رجال الدين في شئون الدولة.... ما هو رأيك؟
- معلوم أن جوهر العلمانية هو فصل الدين عن الدولة وذلك قد يكون مفيدًا، وقد يكون مضرًا.. يكون مفيدًا إذا كان حامل الدين جاهلًا فتجده مثلًا يبيح دماء الكافرين والمشركين والمثليين واللوطيين ويبيح رجم الزناة المحصنين وقتل غير المصلين إلى غير ذلك مما لا علاقة له بالدين، لكن إذا كان حامل الدين يرى أن مهمة الدين رعاية مصالح الناس فى العاجل والآجل، وأن الدين إنما يأمر بكل فضيلة وينهى عن كل رذيلة و{إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَٰنِ وَإِيتَآيِ ذِي القُربَىٰ وَيَنهَىٰ عَنِ الفَحشَآءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ} [النحل: ٩٠] فذلك الدين لا يستغنى عنه بحال من الأحوال بل الانسلاخ منه يضيع مصالح الدنيا والآخرة فتجد المهندس الذى لا دين له يبنى بيوتا تقع على أصحابها والتاجر الذى لا دين له يغش الناس وفى الحديث من غش فليس منا وقس على ذلك كل المهن فالدين الحق عاصم للإنسان من كل الرذائل.
■ هل آراء الفقهاء التي تم إنتاجها في المدونة الفقهية منذ القرنين الثاني والثالث الهجريين ملزمة لنا الآن ولا يجوز لنا مناقشتها أو الخروج عليها؟
- بالطبع آراء الفقهاء الذين عاشوا فى زمان غير زماننا غير ملزمة لنا وذلك بناء على قول الفقهاء إن الفتوى تتغير بتغير ملابساتها.. وعلى سبيل المثال فقد قرأ أحدهم فى كتب الفقه أنه يحرم كشف العورة فى الحمام فأخذ ينصح الناس بالتستر فى الحمام بقدر المستطاع فسأله أحد العقلاء إذا لم تكشف العورة فى الحمام فأين تكشف؟ فلما قرأ ما هو مسطر فى الكتاب وجد أن الفتوى كتبت فى وقت كان العرف بين الناس أن الحمام يراد به الحمام السوقى أو الحمام العام وهو الذى يطلق عليه فى عصرنا «البلاج» بمعنى أن لكل عصر مفاهيمه التى ينبغى على الفقيه أن يراعيها وألا يكون مجرد ناقل أو مقلد.
■ ما رأيكم في مقولة تجديد الخطاب الديني وما هو الفارق بين تجديد الخطاب الديني وتجديد الفكر الديني كما أشار الدكتور حمدي زقزوق فى كتابات كثيرة له؟
- الدكتور زقزوق يرى أن تجديد الفكر الدينى يجب أن يسبق تجديد الخطاب الدينى، وأنا أتفق معه فى ذلك لأن الفكر هو إعمال العقل والنظر فى مسألة ما.. أما الخطاب فهو إخراج تلك الأفكار إلى العلن وبعد ذلك إلى التطبيق العملى تمامًا مثل العدل والقسط، فالعدل هو الحكم بالعدل، أما القيام بالقسط فهو التطبيق العملى لذلك العدل، ومما يمتاز به الإسلام أو القرآن على وجه الخصوص ثبات النص مع ديناميكية المعنى مثال ذلك قوله تعالى {الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخضَرِ نَارا فَإِذَآ أَنتُم مِّنهُ تُوقِدُونَ} [يس] فقديما فهمها البدوى على أنه يجفف الشجر الأخضر ويتخذ منه نارًا وفهمها البعض الآخر من نفس العصر على أنه يوقد النار من احتكاك شجرتين معينتين ببعضهما، ثم جاء عصر البترول فعلم الإنسان أنه عبارة عن تراكم الأشجار القديمة التى تحللت فى التربة ومع مر الزمن صارت بترولًا لا يستغنى عنه فى الوقود، وفى عصر اكتشاف الغازات تبين للعلماء أن الشجر الأخضر ككائن حى يتنفس يمتص ثانى أكسيد الكربون ويخرج الأكسجين اللازم لأى عملية احتراق ولتوليد الطاقة.. وبناءً عليه فالمجدد يتلقى النص القرآنى كما لو كان قد نزل اليوم مستأنسًا باللغة التى نزل بها مع معطيات عصره الحديث.
وفرق بين التجديد والتبديد في التجديد هو الإبقاء على الأصل مع إزالة الأتربة التى لحقت به مع مرور الزمن كالسيارة التى يتعهدها صاحبها فيجددها أما التى يهملها صاحبها فإنها تتبدد ومما أشار إليه القرآن الكريم بهذا الصدد قوله تعالى {أَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ آمَنُوٓاْ أَن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَٰبَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَت قُلُوبُهُم وَكَثِير مِّنهُم فَٰاسِقُونَ} [الحديد: ١٦-١٧] وبسبب قلة المجددين من المسلمين فقد حلت القسوة محل الرحمة فى كثير من مناحي الحياة.
■ هل هناك إسلام واحد أم إسلاميات متعددة بتعدد المذاهب والفرق... وما هي ملامح الإسلام المعتدل؟
- لاشك أن الأصل إنما هو إسلام واحد أما المذاهب فهى مدارس اختلفت بسبب اختلاف الفهم، وهذه المذاهب لا تزعج العقلاء من المفكرين لأنها تتيح لهم كثرة الخيارات والباحث مطالب باختيار أفضلها.. قال تعالى {وَالَّذِينَ اجتَنَبُواْ الطَّٰغُوتَ أَن يَعبُدُوهَا وَأَنَابُوٓاْ إِلَى اللَّهِ لَهُمُ البُشرَىٰ فَبَشِّر عِبَادِ الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُٓ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاٰهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُم أُوْلُواْ الأَلبَٰابِ} [الزمر: ١٧-١٨] لكن مما يؤسف له أن كل شخص من أصحاب المذاهب يريد أن ينصر مذهبه بالحق أو بالباطل.. ولذا إذا تخلصنا من العصبية المذهبية فسنجد فى غير المذاهب التى نقلدها علمًا كثيرًا.
■ تعرض الإمام محمد عبده لموضوع تعدد الزوجات، وقال إنه إذا كان القرآن نص على التعدد، إلا أن ذلك لا يكون بشكل فوضوى، بل أن يكون محددًا، وفى حالات معينة، وللضرورات، إذا كانت الزوجة عاقرًا، أما إذا تزوج بشكل فوضوى، فهو يتزوج لإشباع رغبة بهيمية، ولا يكون استبدال زوجة بزوجة، وقد قال الله تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً»، وفى آية أخرى: «وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ»، كما يؤكد أن هناك العديد من الرجال أكثر نقصانًا فى العقل والدين من المرأة؟.
- أتفق مع الإمام محمد عبده فيما ذهب إليه فى موضوع تعدد الزوجات.