الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

خاص.. صورة محمد رسول الله في أعين المستشرقين «2»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

برتلمى سنت هيلار: محمد أكثر عرب أهل زمانه ذكاءً.. وأشدهم تدينًا.. وأعظمهم رأفة.. وقد نال سلطانه الكبير بفضل تفوقه

يا شاعِرَ الحُسنِ هَذي رَوعَةُ العيدِ
فَاِستَنجِدِ الوَحي وَاِهتُف بِالأَناشيدِ
هَذا النَعيمُ الَّذي كُنتَ تُنشِدُهُ 
لا تَلهُ عَنهُ بِشَئي غَيرِ مَوجودِ
مَحاسِنُ الصَيفِ في سَهل وَفي جَبَلٍ 
وَنَشوَةُ الصَيفِ حَتّى في الجَلاميدِ
وَلَستَ تُبصِرُ وَجهًا غَيرَ مُؤتَلِقٍ 
وَلَستَ تَسمَعُ إِلّا صَوتَ غِرّيدِ

تنوعت أعمال المستشرقين الذين جابوا منطقتنا العربية، تنوعًا كبيرًا وساهمت هذه الأعمال في المكتبة العالمية أيما إسهام، ومن بين هذه الأعمال المهمة للمستشرقين جهودهم الفكرية والبحثية عن سيرة رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وكانت منطلقاتهم الموضوعية العلمية حينًا، ومنطلقاتهم المغرضة المشبوهة أحيانًا كثيرة تدفعهم للاستزادة من البحث المتواصل، في جوانب السيرة النبوية جميعها، وعلى المستويات الفكرية المتعددة التي تقدمت بها إلى الإنسانية.
ولا شك أن معظم هذه الدراسات اهتمت كثيرا بالجوانب الإنسانية والبشرية عند الرسول كالبطولة والعبقرية والعظمة.
ولقد تميزت شخصية الرسول محمد- عليه الصلاة والسلام- في نظر المستشرقين بمزايا عديدة. وقد درس كل منهم هذه المزايا أو بعضها من وجهة نظره الخاصة، فبعضهم عد محمدًا صلى الله عليه وسلم قائدًا وزعيمًا، وبعضهم جعله في مصاف المصلحين الاجتماعيين ورائدًا من روادهم، وآخرون رأوا أنه أحد عباقرة العالم الذين يندر أن يحظى العالم بمثله، ولكن القلة منهم من أبرز شخصيته كرسول، وأقل منهم من وصفه على أنه نبي أوحي إليه بالإسلام. ولكن اصطفاء الله له رحمة للعالمين يستوعب السمات الأخرى التي أعده الله لها.
وهؤلاء- ولا شك- متأثرون بمواقف المسلمين من نبوة الرسول من ناحية، ومقتنعون برسالته حسب الروايات التاريخية الصحيحة من ناحية ثانية، ومقبلون على الإيمان بنبوته والدعوة إلى رسالته في بعض الأحيان من ناحية ثالثة.
وتعدد وجهات النظر الاستشراقية هذه لا تدل على عظمة هذه الشخصية في نظرهم وحسب وإنما تدل أيضًا على تكامل.


الشخصية المحمدية الإنسانية المتفوقة
لقد اعتاد الفكر الاستشراقي خاصة والغربي عامة أن يتلقى أحداث العظماء والقادة ورواد الإنسانية، وأن يرسم تفصيلات حياتهم بالبذخ والاستعلاء وتغيير المبادئ وفق الظروف الطارئة. كما أن آخرين منهم كانوا يقنعون بأن أي عظيم من هؤلاء يتخذ شكلين لحياته: حياة خاصة يشبع فيها ميوله ويروي غرائزه ويتحرر من أقواله ومبادئه المعلنة، وحياة عامة يحاول فيها أن يكسب ثقة الجماهير وألفتهم بما يتظاهر أمامهم من السمو في الفكر والسلوك، وهم يقولون: أليس من الطبيعي أن يحيا الإنسان حياته الخاصة؟، وهل يخدش المبادئ أو يزورها حين يتخلى عن ارتباطاته الأخلاقية بالآخرين؟، ثم أليس من حق المنتصر أن ينعم بانتصاره فيلهو ويبذخ؟.
نعم: تلك افتراضات أو حالات يمكن أن يتصف بها إنسان يخضع لنزواته الخاصة كما يمكن أن تشده إصلاحات مجتمعه إليها وإذا يمكن أن يتمتع بحياتين لا يرى تناقضًا فيما بينهما فلا يرى هذا التنافس بين الفكرة والتطبيق أو بين المبدأ والميادين العملية الخاصة والعامة، وقد يظهر هذا في إنسان - وإن كان قائدًا أو مصلحًا، هذا فإن مثل هذا الإنسان يأخذ مكانه المرموق بين رواد الإنسانية ومصلحيها وقادتها.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفانا الله الحديث في هذا حين وصف الله نبيه بالشخصية الإنسانية الكاملة حين قال في محكم التزيل: «وإنَّكَ لَعَلَى خُلقِ عظيم».
ومن هنا يعجب المستشرقون أشد الإعجاب حين لا يجدون في شخصية الرسول ما وجدوه في شخصيات أخرى امتلأ التاريخ الحديث عنها إكبارًا وتقديرًا، ومن ثم فقد دفعهم هذا إلى إبراز مثل هذه النواحي الإنسانية المتفوقة.
فنجد برتلمي سنت هيلار (١٨٠٥ - ١٨٩٥ م) وهو فيلسوف، وسياسي، وصحفي، ومستشرق فرنسي، له كتابات في أديان الشرق حيث كتب عن دين بوذا الهندي (١٨٥٩م) وعن محمّد والقرآن (١٨٦٥م)، يصف الرسول بأنه: أكثر عرب أهل زمانه ذكاء وأشدهم تدينًا، وأعظمهم رأفة، وأنه نال سلطانه الكبير بفضل تفوقه وأن دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده كان له جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته.
وفي كتاب الرسول: حياة محمد للمستشرق "ر.ف.بودلي" والذي طُبِع عام ١٩٦٩؛ ونقل هذا الكتاب إلى العربية محمد محمد فرج وعبدالحميد جودة السحار عام ١٩٤٥م. فقد صرّح بودلي في كتابه قائلا: «وقد تراكمت معلوماتي عن محمد على مر الشهور والسنين، ولم يكن هذا نتيجة دراسة متبصرة، فإني لا أعتقد ذلك، ففي خلال هذه الفترة جميعها التي عشتها في الصحراء لم أقرأ أية كلمة مطبوعة عن رسول الله، ما عدا القرآن؛ ولقد حصلت على معلوماتي من مناقشاتي حول نيران العسكر، وفي خلال رحلاتي الطويلة مع القوافل، وبينما كنت أرقب القطعان في الليل.
ومما جاء في كتاب ر. ف. س. بودلي، الرسول - حياة محمد: يوجد مسيحيون يعلنون إيمانهم في العالم أكثر من المسلمين الذين يعلنون إيمانهم، ولكن هناك مسلمون يطبقون الإسلام في العالم أكثر من المسيحيين الذين يطبقون المسيحية، لقد كان محمد على نقيض من سبقه من الأنبياء فإنه لم يكتف بالمسائل الإلهية بل تكشفت له الدنيا ومشاكلها فلم يغفل الناحية العملية الدنيوية في دينه فوفق بين دنيا الناس ودينهم، لذلك تفادى أخطاء من سبقوه من المعلمين الذين حاولوا خلاص الناس من طريق غير عملي، لقد شبه الحياة بقافلة مسافرة يرعاها الله، وأن الجنة هي المطاف.
ويقول بودلي في تصدير كتابه: عرفت قدر محمد أول مرة بين جبال كشمير الشامخة، قبل الحرب العالمية الأولى، وما كان ينظر إلى التواد بين البيض والوطنيين بعين الرضا، وما كانت تروقنى طريقة تابعى فى ترك ما كان يفعله، ليستقبل مكة، ويصلى صلاته. كان يعرف قليلا من الإنجليزية، فابتدأت أسأله عن ربه الذي يعبده دواما، فكانت دهشتي عظيمة لما كشفت أنه نفس الإله الذى أعتقد فيه وأعبده؛ وازداد عجبي لما سمعت ذلك الصياد الممزق الثياب، يتكلم في عدم تكلف، عن إبراهيم وموسى وعيسى ويحيى (يوحنا المعمدان)، على أنهم جميعا أنبياء دينه. كان هذا كل ما وصلت إليه إلى تلك اللحظة، وقد حولنى عن متابعة دراستي تحامل زملائى الغربيين على كل شيء لا يألفونه، كعقائد سكان البلاد التي تحكمها: واندلاع لهيب الحرب العالمية الأولى.
واستمر هذا التحول مدة طويلة، وقد مر أكثر من عشر سنين دون أن أكون فكرة واحدة عن المسلمين والإسلام، ثم ذهبت لأعيش بين عرب الصحراء، لما كنت ضجرا من التعقيدات التافهة التي جاءت عقب الحرب الأولى، وبقيت معهم سبع سنين أصبحت الخيمة المصنعة من وبر الجمل داري، والبدو أصدقائي، والصحراء المترامية بلادي، وان ما أعطاني الكشميري عنه لمحة، أصبح الأن أمامي تفصيلا، سمعت القرآن باللغة العربية المكية العظيمة وأحسست دون أن أصبح مسلما روعة هذا الدين الذي يخلي بين العبد وخالقه في الصحراء، وسمعت عن محمد الرجل الذي وحد حفنة من القبائل المتنافرة المتنافسة، وجعلهم دعامة إمبراطورية من أعظم إمبراطوريات العالم قوة، وسمعت عنه أنه  الرجل ذو القلب الحار، الذى حول الوثنيين وعبدة الأصنام إلى مؤمنين صادقين، يؤمنون بإله واحد، وباليقين بالموت والبعث في الحياة الأخرى. لقد رأيت أناسا، تسعين في المائة منهم يقومون بشعائر دينهم، لإيمانهم به. تراكمت معلوماتي عن محمد، على مر الشهور والسنين، ولم يكن ذلك نتيجة دراسة واسعة، فإننى لم أقرأ أية كلمة مطبوعة عن رسول الله، ما عدا القرآن، في خلال هذه الفترة ؛ ولقد حصلت على معلوماتي من مناقشاتي حول نيران العسكر وفى خلال رحلاتي الطويلة مع القوافل، وبينما كنت أرقب قطعان الإبل في الليل. لم أبدأ القراءة عن محمد إلا بعد انقضاء أيام الصحراء، بمدة طويلة، فلما فعلت ذلك أحسنت خيبة أمل عظيمة، تبين لي أن بساطة تعاليم محمد، ومثله العليا الموقرة في الصحراء، قد غمرت تحت فيض من الروايات والفقه والأحاديث، فكان ذلك أشبه بقراءة ترجمة حياة صديق كتبها كتاب لم يعرفوه عن كتب.
أما رينهارت بيتر آن دُوزِي ١٨٢٠ - ١٨٨٣ م، المشتشرق الهولندي، من أصل فرنسي وكان من أعضاء عدة مجامع علميّة. فقرأ الآداب الهولندية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية، وتعلم البرتغالية ثم الإسبانية فالعربية. وانصرفت عنايته إلى الأخيرة، فاطلع على كثير من كتبها في الأدب والتاريخ. أشهر آثاره (معجم دوزي - ط) في مجلدين كبيرين بالعربية والفرنسية، ملحق بالمعاجم العربية.
وله (كلام كتّاب العرب في دولة العبّاديين- ط) ثلاثة أجزاء، بالألمانية (تاريخ المسلمين في إسبانية) ترجم كامل الكيلاني فصولا منه إلى العربية في كتاب (ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام - ط) وله (الألفاظ الإسبانية والبرتغالية المنحدرة من أصول عربية) بالألمانية. ومما نشر بالعربية (تقويم سنة ٩٦١ ميلادية لقرطبة) المنسوب إلى عريب ابن سعد القرطبي وربيع بن زيد، ومعه ترجمة لاتينية، و(البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب) لابن عذاري، وقسم من (نزهة المشتاق) للإدريسي، و(منتخبات من كتاب الحلة السيراء) لابن الأبار، و(شرح قصيدة ابن عبدون) لابن بدرون.
يقول  دوزي: لو صح ما قاله القساوسة من أن محمدًا نبي منافق كذاب فكيف نعلل انتصاره؟ وما بال فتوحات أتباعه تثرى، وتتلو إحداها الأخرى، وما بال انتصارهم على الشعوب لا يقف عند حد، وكيف لا يدل ذلك على معجزة الرسول. 
أما  المستشرق الفرنسي إرنست رينان (١٨٢٣- ١٨٩٢)، قد هاجم في كتاباته الأخيرة موقف (فولتير) من الرسول بقوله: دلتني تجربتي العلمية والتاريخية أنه لا صحة لما أريد إلصاقه بالنبي محمد من كذب وافتراء مصدره بعض العادات القومية التي أراد بعض المتحاملين كفولتير، أن يتوجهوا بها إلى الناحية التي تشفي سقام ذهنيتهم الوقحة وتعصبهم الذميم، كقوله: إنه يميل إلى التسيد والسيطرة، مع أن محمدًا - كما أثبتت الوقائع التاريخية وشهادات أكابر علماء التاريخ - كان على العكس من ذلك، بريئًا من روح الكبرياء متواضعًا، صادقًا أمينًا لا يحمل المقت لأحد، وكانت طباعه نبيلة وقلبه طاهرًا، رقيق الشعور.
وقال جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: كان محمد (صلى الله عليه وسلم) شديد الضبط لنفسه، كثير التفكير، صموتًا، حازمًا، سليم الطوية، وكان صبورًا قادرًا على احتمال المشاق، بعيد الهمة، لين الطبع، وديعًا، وكان مقاتلا ماهرًا، فكان لا يهرب أمام الأخطار، ولا يلقي بيديه إلى التهلكة، وكان يعمل ما في الطاقة لإنماء خلق الشجاعة والإقدام في بني قومه. 
ويركز كارليل الحديث حول حياة الرسول قائلا: لقد كان زاهدًا متقشفًا في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه، وسائر أموره وأحواله، كان طعامه مادة الخبز والماء، وربما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار، وإنهم ليذكرون ونعم ما يذكرون إنه كان يصلح ويرفو ثوبه بيده، فهل بعد ذلك مكرمة ومفخرة.
وعن تعاليمه الأخلاقية، النظرية منها والتطبيقية: يقول إميل در منغم: في قضية الأسرة والمجتمع: كان للدعوة المحمدية في جزيرة العرب أثر عظيم ثابت في تقدم الأسرة والمجتمع، فحرم الزنا والمتعة، وحياة الغرام، ومنع إكراه القيان على البغاء لإثراء سادتهن.. هذا ضمن كتابه المعنون "حياة محمد في عيون مستشرق"؛ ترجمة عادل زعيتر؛ مراجعة وتدقيق معتز حسن أبوقاسم.
فقد انطلق درمنغم في كتابه من موقف الإعجاب بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وما تقدمه حياته من نموذج وقيم، محاولًا الاقتراب من الروايات الصادقة، مبتعدًا عما ترسمه كتابات بعض الغربيين من خيالات وافتراءات عن السيرة العطرة وصاحبها الأكرم. فيقول: “أردتُ بهذا الكتاب أن أؤلف سيرة نطقة صادقة للنبي مستندًا إلى أقدم المصادر العربية غير غافل عما جاء في المؤلفات الحديثة، وقد شئتُ أن أرسم للنبي صورة مطابقة لِمَا وُصف به في كتب السيرة ولما يجول في نفوس أتباعه ما استطعتُ إلى ذلك سبيلًا.
ويضيف: وإذا كانت كل نفس بشرية تنطوي على عبرة، وإذا كان كل موجود يشتمل على عظة؛ فما أعظم ما تثيره فينا حياة رجل يؤمن برسالته فريق كبير من بني الإنسان.  ويوضح أنه، في منهجه، سلك “طريقًا وسطًا بين رواية المتقدمين ومغالاة بعض المستشرقين المعاصرين في النقد”. مبيِّنًا أنّ “من المحزن أنْ كانت النتائج التي انتهى إليه المستشرقون سلبيةً ناقصة.
ويرصد درمنغم تاريخ هذا التشويه، فيقول: “وقد ظلت الأحقاد والخرافات تحاك حول الإسلام؛ فقد وُصف منذ زمن رودولف دولودهيم إلى يومنا هذا، من قِبَل نيقولا دوكوز وفيفيز ومراتشي وهوتنجر وبيلياندر وبريدو وغيرهم، بأنه دجال، ووُصف الإسلام بأنه مجموعة إلحاد وضلالات، وبأنه من عمل الشيطان، وبأن المسلمين من الوحوش، وبأن القرآن نسيج من الأباطيل.  ثم ينفي درمنغم هذه الكاذيب، متخذًا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم دليلًا على صدق رسالته واستقامة شخصيته، فيقول: “حياة محمد شاهدةٌ على اعتقاده صدقَ رسالته التى حمل أمانتها الثقيلة ببطولة. وإن قوة إبداعه، وعبقريته الواسعة، وذكاءه العظيم، وبصره النافذ الحديد، وقدرته على ضبط نفسه، وعزمه المكين، وحذره، وحسن تدبيره، ونشاطه، وطراز عيشه؛ مما يمنع عَدَّ ذلك الموحَى إليه الموهوبَ الجليَّ مبتلًى بالصَّرع.
وإذا كان درمنغم يقرر أن “تاريخ البشرية مجموعة من الوحي والإلهامات”؛ أي مليء بسير الأنبياء.. وأن “ظهور محمد كان في دور من أشد أدوار التاريخ ظلامًا، وكانت الحضارات التي قامت في البلدان الممتدة من بلاد المغول إلى بلاد الهند، مضطربة متداعية”.. فإنه يوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غيَّر هذا المشهد، وأرسل أشعة النور في الأرجاء المظلمة؛ فيقول: “نهض محمد ليدعو قومه إلى دين الواحد الأحد، ولينبِّه غافل بعض آسية وإفريقية، وليحرر من رق التقليد جميع الذين يدركون حقيقة رسالته، وليجدد بلاد فارس الناعسة، وليحثَّ نصرانية الشرق التي أفسدتها التأملات الفاترة.
ويتابع بقوله: وهذا الأثر الذي أحدثه النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو امتداد لحياة من سبقه من الأنبياء؛ الذين جاءوا ليغيروا العالم ويهدوا الناس إلى طريق الله تعالى. فشأن الأنبياء- بعبارة درمنغم البليغة البديعة- في العالم كشأن قُوى الطبيعة الهائلة النافعة، كشأن الشمس والمطر، كشأن عواصف الشتاء التي تَهُزُّ الأرض وتثيرها لتتزين ببساط أخضر في بضعة أيام. وأحسنُ شهادة لهم، ما يورثونه من راحة العقول، وسكينة القلوب، وشدِّ العزائم، والصبر على الشدائد، وشفاء الأخلاق المريضة، والأدعية والصلوات التي تَصَّعَّدُ في السماء.
ويشير درمنغم إلى ما أحدثه النبي صلى الله عليه وسلم من إصلاح في الناحية الاجتماعية، فيقول: “كان للدعوة المحمدية في جزيرة العرب أثر عظيم ثابت في تقدم الأسرة والمجتمع والصحة؛ فقد حَسُنَ بها مصير المرأة، وحُرِّم بها الزنا والمتعة وحياةُ الغرام،، ومُنع بها إکراه القِيَان على البِغاء لإثراء سادتهن. والإسلام، وإنْ أباح الرق، نظَّم أحكامه؛ فَعدَّ فكَّ الرقاب من الحسنات ومكفِّر لبعض السيئات. وإذا كان الأنبياء يؤيَّدون بالمعجرات، التي تكون عند المخاطَبين دليلَ الصدق في دعوى الرسالة؛ أي “لابد لكل نبي من دليل على رسالته، ولا بد من معجزةٍ يَتحدَّى بها مختلفةٍ عن كرامات الأولياء؛ فقد تحدى موسى سحرة فرعون بأن يأتوا بمثل ما أتى به من معجزات”.
ويبين درمنغم أن “القرآن هو معجزة محمد الوحيدة؛ فأسلوبه المعجزُ وقوةُ إيحائه التي لا تزال لغزًا إلى يومنا، يُثِيران ساكنَ من يتلونه، ولو لم يكونوا من الاتقياء العابدين. وكان محمد يتحدَّى الإنس والجن بان يأتوا بمثله، وكان هذا التحدي أقومَ دليل لمحمد على صدق رسالته. كما يلفت درمنغم إلى ما يتميز به الإسلام من وسيطة واعتدال، خاصة في الجانب الروحي والموقف من الدنيا وما بها من زينة ومتاع، فيقول: “كان الكثير من المسلمين يُكثرون من التوبة والاستغفار والصلاة والصوم؛ فرأى محمد أن القَصْدَ أولى من الإفراط؛ فأمر بألا يزيد الصومُ عن يوم من يومين، وأشار بالاعتدال في التقشف، وبترك كل ما يميت النفس. وحدث أن بعضهم كانوا قد قادوا أنفسهم إلى الحج بربط أنوفهم بأرسان الجمال، فقطع محمد هذه الأرسان؛ لأن الله ليست له حاجة بِجَدْعِ الأنوف.
وإذا كان البعض يستسهل أن يرمي المسلمين بالعنف، وبعدم قبول المختلفين عنهم في الدين؛ فإن درمنغم يفند هذه المزاعم، متخِذًا من تاريخ الإسلام، ومن مقارنته بتاريخ الغرب، دليلًا على تهافتها؛ فيقول: “كُتب الفوز للعرب؛ لأنهم كانوا أهلًا للفوز، وتم النصر للإسلام لأنه عنوانُ رسالةٍ كان الشرق كثيرَ الاحتياج إليها. والمسلمون قد احتملوا ضروب العذاب قبل الهجرة، ولم يستطيعوا لها ردًّا؛ فلما كانت الهجرة وكان لهم من النصر ما علمتَ، اتخذوا التسامح الواسع دستورًا لهم. أجل، لم يبق للمشركين مقامٌ في دار الإسلام، ولكنه أصبح لأهل الكتاب من اليهود والنصارى فيها حق الحماية وحرية العبادة وما إليها إذا أعطوا الجزية.
ويضيف: “وما أكثر ما في القرآن والحديث من الأمر بالتسامح، ولم يَروِ التاريخ أن العرب قتلوا شعبًا بأجمعه، وما دخول الناس أفواجًا في الإسلام إلا عن رغبة فيه. وهنا نذكر أن عمر بن الخطاب لما دخل القدس فاتحًا أمر بألا يُمَسَّ النصارى بسوء، وبأن تترك لهم كنائسُهم، وشَمَلَ البطركَ بكل رعاية، ورفض الصلاة في الكنيسة خوفًا من أن يتخذ المسلمون ذلك ذريعةً لتحويلها إلى مسجد.
وهنا نقول ما أعظم الفرق بين دخول المسلمين القدس فاتحين، ودخول الصليبيين الذين ضربوا رقاب المسلمين؛ فسار فرسانهم في نهر من الدماء، التي كانت من الغزارة ما بلغت معه رُكَبَهُم ولُجُمَ خيولهم، وعقدوا النية على قتل المسلمين الذين تفلَّتوا من المذبحة الأولى.
وفي نهاية كتابه، يختم درمنغم ببيان حقيقة مهمة، وهي قدرة المسلمين، رغم ما أصابهم، على تقديم النافع للعالم المعاصر.

لوبون: محمد (صلى الله عليه وسلم) كان شديد الضبط لنفسه، كثير التفكير
برتلمي سنت هيلار
ر. ف. بودلى: كان  على نقيض من سبقه من الأنبياء.. فلم يغفل الناحية العملية الدنيوية فى دينه فوفق بين دنيا الناس ودينهم

ر. رينهارت بيتر آن دُوزِى: لو صح ما قاله القساوسة من أن محمدا نبى منافق كذاب فكيف نعلل انتصاره؟ وما بال فتوحات أتباعه تثرى
درمنغم: كان للدعوة المحمدية أثر ثابت عظيم فى تقدم الأسرة والمجتمع

إرنست رينان: كان بريئا من روح الكبرياء.. متواضعا صادقا أمينا..لا يحمل المقت لأحد.. وطباعه نبيلة.. وقلبه طاهرا رقيق الشعور