الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

السودان والحرب الضروس| خبراء يكشفون لـ«البوابة نيوز» أسباب اشتعال شرارة العنف في السودان.. وخريطة السيناريوهات الأخطر على البلاد

البرهان و حميدتي
البرهان و حميدتي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

- الفحل: الدعم السريع حاول الانقلاب على السلطة.. وحميدتي حليف لـ إثيوبيا 

- أبو الجوخ: شبح الانهيار والحرب الأهلية يلوح في الأفق.. و"دمج" الدعم في الجيش "هرم الخلاف"

- مجذوب: نخشى الصراع القبلي واحتضان البلاد لمجموعات نشر الرعب.. والتفكك دراماتيكي للمنطقة

- خبير اقتصادي: الصراع أدى لنقص الغذاء واختفاء الخدمات.. وينذر بزيادة البطالة والفقر

 

اشتدت الاشتباك المسلح العنيف في عاصمة السودان الخرطوم؛ بين القوات المسلحة السودانية (النظامية) بقيادة الفريق أول عبدالفتارح البرهان؛ وقوات الدعم السريع (شبه النظامية) بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)؛ مُخلفًا 185 قتيلًا وأكثر 1800 مصاب - حسب الحصيلة الأولى للأمم المتحدة- يأتي ذلك بعد 5 أشهر من الاتفاق الإطاري المُوقع في الـ 5 من ديسمبر 2022؛ سعيًا لحل الأزمة المُستفحلة في السودان؛ مُنذ خلع نظام عمر البشير الذي أسقطته ثورة شعبية في أبريل 2019. 

وما إن أوشكت الأمور السياسية في السودان على الانفراجة؛ بالولوج إلى الاتفاق الإطاري الذي حظي بمُباركة ودعم دولي وإقليمي، حتى انقطع حبل الود بين أقوى رجلين عسكريين في البلاد واشتدت الهجمات العسكرية؛ وسط مخاوف كبُرى من تضاؤل فرص احتواء الأزمة وانزلاق البلاد في نفق مُظلم من الحروب والصراعات؛ رُبما تصل إلى الانقسامات والتشرذم والدخول في حرب أهلية أو التدخلات الخارجية. 

البرهان و حميدتي

كواليس وبداية الصراع في السودان 

وبدأت الأزمة السودانية الأخيرة؛ بتصاعد التوترات السياسية بين الجيش وقوات الدعم السريع؛ قبل أشهر معدودة من التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، والذي كان مُقرر في الأول من أبريل 2023؛ على أن يتم التوقيع على الدستور السوداني الانتقالي في الـ 6 الشهر ذاته.

ولكن السبت 15 أبريل 2023 اندلعت الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم. وقال الجيش: إن القتال اندلع بعد مُحاولت الدعم السريع مُهاجمة قواته جنوب العاصمة وبمحاولة السيطرة على مواقع استراتيجية في الخرطوم. وفي المقابل، قالت قوات الدعم السريع: إن الجيش هاجم قواته في إحدى قواعدها جنوب الخرطوم. 

"البوابة" تواصلت مع عدد من الخبراء السياسيين والعسكريين في السودان؛ للوقف على الأسباب الرئيسية لأزمة التصعيد المسلح؛ وبيان ما إذا كان حسم الأزمة سيكون سياسيًا أم عسكريًا.. ومعرفة أكبر المخاطر التي تواجه السودان حاليًا ومستقبليًا؟ 

السودان والحرب الضروس

الفحل: الدعم السريع حاول الانقلاب على السلطة.. وحميدتي حليف لـ إثيوبيا 

الكاتب والمحلل السياسي السوداني المثني عبدالقادر الفحل؛ كشف في حديثه لـ"البوابة" عن الأسباب الرئيسية للتصعيد المُسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؛ قائلًا إن  محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع فشل في التواصل لاتفاق بين المُكونات السياسية السودانية؛ فقرر القيام بمُحاولة انقلابية للاستيلاء على السلطة، طمعًا في أن يُصبح رئيسًا للبلاد؛ وذلك بالتحالف مع قوى المجلس المركز للحرية والتغيير المٌوقع على الاتفاق الاطاري؛ وهي مجموعة تضم 4 أحزاب يُريدون أن يُكونوا حاضنين لـ حميدتي عندما يتولى رئاسة البلاد. 

وأوضح "الفحل"، أن المُخطط الانقلابي فشل؛ بتصدي القوات المسلحة لهجمات الدعم السريع القيادة العامة للجيش السوداني ومُحاولة اغتيال رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان؛ مشيرًا إلى أن قوات "حميدتي" لم تتوقع أن يقوم الجيش بالتصدي لهم بهذه القوة. وفي الوقت ذاته تحولت عمليات الجيش من الدفاع للجهوم على القوة المُتمردة والتي تُريد الاستيلاء على السلطة والجيش وتحويل قوات الدعم السريع إلى الجيش الجديد للسودان. 

الكاتب والمحلل السياسي السوداني المثنى عبدالقادر الفحل

وأضاف أن قوى الحُرية والتغيير المُوقعة على الاتفاق الإطاري كان لها دورٌ كبير في دعم قوات الدعم السريع واصفًا إياها بـ "ميليشيا مُسلحة مُرتزقة مُتهمة بارتكاب الجرائم في إقليم دارفور وقتل المتظاهرين في 2019، ومُتورطة في أعمال نهب وسرقة، إلى جانب اتهامها في أعمال تصدير الذهب بطرق غير شرعية لدول خارجية.. مستغلة عدم جود حكومة انتقالية في البلاد". 

وأشار إلى أن الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير كانا يُعدوون هذه المحاولة الانقلابية للسيطرة على البلاد بعد فشلهم في الاتفاق مع الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق الإطاري لتأييد الانقلاب؛ لافتًا إلى "حميدتي" كان لديه حلمًا أن يُصبح رئيسًا للسودان وتبدد هذا الحلم، بفقد تأييد الثوار من الشباب السوداني وفشله في تحقيق حلمهم وفض الاعتصام وقتل المتظاهرين؛ وتهرب "حميدتي" من حضور جلسات مُحاكمة قتل المتظاهرين والتي كانت ستُدينه هو وشقيقه القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم حمدان دقلو؛ والقائد الثالث حمدان حمدان دقلو. 

وأوضح المحلل السياسي السوداني، أنه إذا كانت حاولت قوات الدعم السريع الوصول إلى السلطة عبر الطرق الرسمية والانتخابات كان مُمكن أن يكُون هذا مقبولًا؛ ولكن المُحاولة الانقلابية وضرب الجيش في العمق، يُؤكد المُؤامرة التي تحدث عنها القائد الثاني للدعم السريع عبد الرحيم دقلو نائب حميدتي؛ حين صرح قبل أسابيع من اندلاع الاشتباكات قائلًا: "إن هناك حائطا كبيرا أمام القيادة العسكرية وهذا الحائط الأسمنتي يجعل رئيس مجلس القيادة - البرهان - بعيدًا من الأوضاع في السودان"؛ ما يُشير إلى نية حميدتي المُبيتة للسيادة على القيادة العسكرية في السودان. 

وحول بيان ما إذا كان حسم الأزمة في السودان سيكون سياسيًا أم عسكريًا في الفترة المقبلة، يرى "الفحل" أن الحسم سيكون عسكريًا لصالح الجيش؛ خاصة وأن الأوضاع قيد السيطرة للقوات المُسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان؛ وذلك بعد السيطرة على العديد من المواقع العسكرية لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي في عدد من الولايات السودانية وأطراف العاصمة الخرطوم؛ مُشيرًا إلى أن الجيش يُجرى عمليات تمشيطية لقوات حميدتي والتي هربت للاحتماء في الشوارع الداخلية للمدن والأحياء السكنية حتى يصعُب ضربها من قبل الجيش حفاظًا على حياة المدنيين.

وعن جدية الحلول الخارجية المطروحة لإنهاء الأزمة في السودان، يرى المُحلل السياسي السوداني المثنى عبدالقادر الفحل أن الحلول الإقليمية المطروحة الآن تُحاول إيجاد مخرجًا لـ حميدتي؛ خاصة وأنه ترك زيه العسكري وأصحب مختبئًا في العاصمة السودانية الخرطوم؛ خشية رصده. مُشيرًا إلى أن هذه المُحاولات بالتأكيد يقف خلفها حليفه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد؛ والذي يستخدم أذرعه في الاتحاد الأفريقي بعد أن أصبح مقره أديس أبابا وامتلاكه نفوذًا كبيرًا في الاتحاد الأفريقي ويستطيع دفع الاتحاد لمُحاولة إنقاذ حليفه حميدتي في السودان؛ مؤكدًا أنه إذا قفد أبي أحمد حليفه حميدتي قائد الدعم السريع لن يكون له أي حليف مستقبلًا في السودان. خاصة وأن علاقة العلاقة السودانية الإثيوبية ساءت منذ زمن طويل بسبب مُواصلة إثيوبيا في عمليات ملئ سد النهضة والإضرار بمصالح مصر والسودان المائية والقومية.

تدخل الأطراف الخارجية أكبر المخاطر التي تواجه السودان

وأكد المُحلل السياسي السوداني أن تدخل الأطراف الخارجية هي أكبر المخاطر التي تواجه السودان في الوقت الحالي؛ فقائد الدعم السريع حليفًا لرئيس الوزراء الإثيوبي؛ ويخشى الشعب السوداني التدخل الإثيوبي في الأراضي السودانية؛ خاصة وأن السودان كان لديه سجلًا طويلًا من النزاع مع إثيوبيا واستطاع السودان أن يستعيد أراضيه من إثيوبيا خلال السنوات الماضية؛ ولكن إثيوبيا لا تزال تُريد إعادة هذه الأراضي مرة أخرى لها. مضيفًا أن حميدتي يمتلك استثمارات كبيرة لدى إثيوبيا ومنزلًا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ منحه له أبى أحمد؛ كما أن حميدتي لديه علاقات قوة بـ"مجموعة فاغنر العسكرية الروسية" والتي كانت تتولى تدريب عناصر قوات الدعم السريع وذلك مُقابل الذهب السوداني. 

وعن قدرة الأطراف السياسية والحزبية بشأن التوسط لحل الأزمة التي يمر بها السودان؛ أكد "الفحل" أن الأطراف السودانية فشلت فشلًا ذريعاً في التواصل لاحتواء وحل الأزمة؛ ولكن الكتلة الديمقراطية لقوى الحرية والتغيير قامت بمواقف مُشرفة خلال الفترة الماضية وهو الفصيل الثاني من قوى الحرية والتغيير والموازي للمجلس العسكري الداعم للمتمرد حمدتي؛ وقدمت الكتلة الديمقراطية الكثير من الأطروحات والوساطات وحديث الحكماء لـ حميدتي ومُحاولين إثناء نيته في الهجوم على الجيش السوداني؛ وأبلغوا حميدتي بخسارته بالهجوم العسكري على الجيش السوداني لأنه لم يعرف قوة الجيش السوداني من قبل. 

وحول استمرار الاشتباكات؛ أوضح الخبير السياسي أن الاشتباكات المسلحة سوف تتوقف بعد حسم الجيش لها والسيطرة على قوات الدعم السريع؛ مشيرًا إلى أن الجيش أصدر قراراته بعدم التراجع ورفض كل التدخلات من قبل الاتحاد الأفريقي وقرر الاستمرار في العمليات العسكرية ضد المتمردين؛ لافتًا إلى أنه بعد السيطرة على التمرد سوف يجمع السودان جميع الأطياف السياسية للجلوس على مائدة حوار مُستديرة لإقامة حكومة تكنوقراط مؤهلة لفترة عام؛ وبعدها سوف يدخل السودان إلى الانتخابات بعد هذه الفترة الانتقالية تمهيدًا لحكومة مدنية تحت حماية الجيش السوداني باعتباره هو المؤسسة القومية الوحيدة للبلاد. 

أبو الجوخ: شبح الانهيار والحرب الأهلية يلوح في الأفق.. و"دمج" الدعم في الجيش "هرم الخلاف"

من جانبه؛ أسهب المحلل السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ ومُدير الإدارة العامة للشؤون السياسية والأخبار بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوداني في حكومة حمدوك، خلال حديثه لـ "البوابة" كواليس الصراع المسلح في بلاده؛ مُشيرًا إلى أن السبب الرئيسي للصراع مُرتبطُ في الأساس في التباين السياسي بين قائد الجيش البرهان وقائد الدعم السريع حميدتي؛ والذي بدأ مُبكرًا بعد أحداث أكتوبر 2021؛ ثم تطور الصراع بسبب تقارب وتحالف حميدتي مع روسيا؛ إلى جانب تباين الأفكار في ملف الحرب الإثيوبية بين الحكومة وجبهة تيجراي إذ ساند الدعم السريع الحكومة الإثيوبية فيما تعاطف البرهان مع تيجراي. 

لكن على المستوى الداخلي؛ فإن  نقاط الخلاف التي قصمت ظهر التعايش بين طرفي الأزمة؛ كان حول إجراءات وسنوات دمج قوات الدعم السريع في الجيش؛ فالجيش كان يرى اقتصارها على عامين ونصف؛ ولكن الدعم السريع اشترط إصلاح القوات النظامية وأن يتم الدمج خلال 10 أعوام؛ بالإضافة إلى الخلاف حول قيادة الجسم القيادي المُشترك.. هل سيكون للجيش أم للرئيس المدني؟.

وبشأن رؤيته حسم الأزمة في السودان عسكريًا أم سياسيًا؟ يقول "أبو الجوخ" إن تاريخيًا فالوضع في السودان يختلف عن غيرها؛ فالحروب والمواجهات المسلحة لا تنتهي عسكريًا ولكن تنتهي عبر المُفاوضات؛ لأن مُسببات تلك الحروب هي سياسية؛ ولكن قد تؤثر المُواجهات العسكرية على موازين القوة بين الأطراف؛ لكنها لا تحسم الصراع بشكل نهائي، مثلما حدث في حربين جنوب السودان الأولى والثانية وصراعات دارفور؛ مؤكدًا أن المُعضلة الحالية تحتاج لإجراءات سياسية سريعة لمُعالجتها بشكل نهائي.

شبح الانهيار والحرب الأهلية في السودان يلوح في الأفق

وفند مُدير الإدارة العامة للشؤون السياسية والأخبار بالهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون السوداني؛ في حديثه لـ "البوابة" أبرز المخاطر التي تواجه بلاده في الوقت الحالي؛ وهي قابلية الدولة للانهيار نظرًا لتراكم عوامل ضعفها، وتدهور الأداء العام، وضعف سيطرتها وإمكانية تحول الصراع الحالي بين الجيش والدعم لصراع أهلي، بسبب إمكانية حدوث تداخلات وتحالفات على أسس قبلية، إلى جانب صعوبة إقرار نظام حكم شمولي أو عسكري على الناس سواء كان مُعبرًا عن النظام السابق أو نظام جديد؛ يأتي ذلك بالإضافة إلى وجود مشاكل اقتصادية أساسية جراء تراجع الإنتاج الاقتصادي وزيادة نسبة الفقر وتنامي الفساد التي قادت لزيادة نسبة الفقر وهروب الاستثمارات بسبب التقلبات السياسية. 

وأوضح "أبو الجوخ" أن تلك المُهددات يُمكن تلخيصها في "شبح انهيار الدولة كُليًا" بسبب ضعف الثقة في المؤسسات العامة، وعدم القبول بها، وعجزها في تحقيق مطالب الناس وفقدانها لإرادة مكافحة ومحاربة الفساد واحتماء الناس بحواضنهم الاجتماعية، مما يؤدي لتنامي وتمد سلطة القبيلة على حساب الدولة في مسار عكسي للتطور بالعودة للخلف عوضًا عن التقدم نحو الأمام.

ماهر أبو الجوخ 

ويرى المحلل السياسي، أن تصاعد الأحداث الحالية يمكن أن ينتقل لمرحلة حرب الشوارع في ظل الظرف الراهن، وذلك من واقع وجود المُنشآت الاستراتيجية علي مقربة من الأحياء السكنية وداخلها؛ إلى جانب تمركز أطراف النزاع وانتشارها داخل المناطق السكنية، وهو الأمر الذي يجعل المرحلة القادمة لهذا الصراع إذا استمر؛ هو خوض حرب الشوارع؛ ولكن ستكون أبرز نتائجها سقوط ضحايا كبيرة من المدنيين وتعرضهم لأضرار اقتصادية بالغة في الممتلكات؛ ومع ذلك يعتقد "أبو الخوخ" أن هذا السيناريو المُخيف يعتبر أحد أبرز الأسباب لإيقاف هذه الحرب قبل زيادة وتنامي خسائرها وتقليل الآثار المُترتبة عليها والاستفادة من دروسها وعدم تكرارها.

دور الأطراف السياسية يقتصر حتى الآن على المناداة بوقف الحرب 

وعن الوساطة السياسية لإنهاء الأزمة؛ يقول المحلل السياسي السوداني: حتى اللحظة فإن دور الأطراف السياسية والحزبية يقتصر على المناداة بوقف الحرب والوصول لهدنة؛ ولكنها فعليا لا تمتلك أي أدوات ضغط فعلية على أرض الواقع لإجبار أي طرف على الالتزام بوقف إطلاق النار أو الوصول لهدنة؛ مشيرًا إلى أن ورقة الضغط الأقوى لدى الهيئات المدنية تكمن في "الحركة الجماهيرية والشعبية" ولكن في ظل المُوجهات العسكرية الحالية فإن المُطالبة بتنظيم أي فعاليات جماهيرية؛ يعني تعريض المشاركين للمخاطر. 

وأوضح أنه رغم انحسار دور القوى السياسية والحزبية في كبح جماح الصراع المسلح، منذ الساعات الأولى من اندلاعه؛ ولكن سيكون لديها تأثيرات أساسية في مسألة تضميد الآثار الناتجة عن الصراع؛ مُعتقدًا "أن بيان الجيش الصادر فجر ١٧ أبريل ولغته المُتسامحة والبعيدة من العدائية تجاه منسوبي الدعم السريع هو فعليا نتاج ارتفاع الأصوات الداعية لوقف الحرب والتي كبحت جماح الأصوات المتطرفة المُحرضة للحرب"، مشيرًا إلى وجود دور أكبر للقوى السياسية بعد وضع المُواجهات أوزارها، ومن الواضح أن خطابها المُنادي بحل الأزمة والوصول لحل سياسي سلمي قائم على التسامح والقبول بالآخر هو الذي سيسود في خاتمة المطاف وحينما تضع المواجهات أوزارها. 

مخاطر استمرار الصراع المسلح في السودان 

على الجانب الآخر؛ يرى "أبو الجوخ" إذا استمر الصراع المسلح دون جلوس على طاوله الحوار فقد يشهد السودان حركة نزوح كبيرة جدًا من مناطق الحرب ويعني ذلك تنامي وتزايد ضجر الناس؛ وخاصة مع طول أمدها دون حل وهو ما سينتج ضغوطًا أكبر على أطراف النزاع لإيقافها والبحث عن حل، إذا ارتفعت الأغصان في وجه البنادق واعتقاد الناس بأن الحياة رغم قسوتها أفضل من الموت المجاني، وهذا سيفتح الطريق أمام تأسيس جديد للوطن.

ولكن على الجانب السلبي إذا استمرت الحرب؛ يرى "أبو الجوخ" أنه ستكون هناك زيادة في التباينات الإثنية والثقافية وتكريسها لمطالب انفصالية؛ لتعيد تكرار تجربة جنوب السودان التي انتهت بعد عقود من الحروب لتعزيز وتحقيق خيار الانقسام والانفصال من الدولة الأم وتكوين دولة جديدة؛  ولكن خطورة هذا السيناريو أنه لن ينتهي بانفصال بقعة واحدة؛ ولكن سيُكرس هذا المنهج ليفتح الباب أمام انقسامات انشطارية وتفتيت ما تبقي من السودان لدويلات مُتعددة. 

 

مجذوب: نخشى الصراع القبلي واحتضان البلاد لمجموعات نشر الرعب.. والتفكك دراماتيكي للمنطقة

وفي خضم التحليلات من الناحية السياسية والعسكرية للنزاع المُسلح الدائر في السودان حاليًا؛ يقول الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء أمين إسماعيل مجذوب في حديثه لـ "البوابة"، إن أصل الصراع المسلح بين القوات المسلحة والدعم السريع؛ يعود للاختلاف في التسوية السياسية بين الطرفين وفقًا للاتفاق الاطاري؛ وكان من المُفترض أن يتم دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة بجانب كل المجموعات التي وقعت على اتفاق جوبا للسلام. 

 الأمني والاستراتيجي اللواء أمين إسماعيل مجذوب

وجود جيشيين في السودان يُشكل سابقة خطيرة ويُؤثر على الأمن الوطني للبلاد

وأكد "مجذوب" أن الدعم السريع يُحاول المُماطلة في عمليات الدمج باقتراح 10 سنوات مدة للدمج؛ وهذا يُؤثر على الأمن الوطني السوداني؛ لأن الانتقال السياسي وتسليم السلطة للمدنيين في ظل وجود جيشيين يُشكل سابقة خطيرة ويُؤثر على الأمن الوطني السوداني؛ ومن هنا كانت اشتراطات القوات المسلحة السودانية بأن يتم الدمج أولًا؛ فوقع الخلاف بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية؛ وعلى إثره عُقدت عدة ورش للإصلاح والهيكلة وإكمال عمليات الدمج داخل القوات المسلحة.

ولكن للأسف حدثت بعض الخلافات فتحولت لتحركات عسكرية من جانب الدعم السريع رفضتها القوات المسلحة؛ ولكن حتى الآن لم يتم الوصول إلى الطرف الذي أطلق الطلقة الأولى؛ ولا تزال تتصاعد الاشتباكات لليوم الرابع على التوالي نتج عنها خسائر كبيرة في الطرفين؛ إلى جانب نقص في الخدمات الأساسية؛ وهو الأمر الذي يتطلب تحكيم صوت العقل ووقف إطلاق النار وجلوس الأطراف على طاولة المفاوضات لحل جزور المُشكلة السياسية التي أدت إلى هذا التصعيد.

وأوضح الخبير الأمني والاستراتيجي؛ الحل العسكري لا يمكن أبدًا أن يحل أي قضايا سياسية وإنما يؤدي لاحتقانات مُستقبلية ودمور في الساحة السياسية وافتقار للحكمة ووفق طرق التفاهمات؛ مؤكدًا أن الخلاف في السودان لابُد أن ينتهي سياسيًا مثلما بدأ سياسيًا؛ لافتًا إلى أن لتجربة الصراع المسلح مسيرة طويلة في السودان ولابد أن يتم الاستفادة منها واستخراج الدروس والعبر حتى لا تتكرر مرة أخرى؛ لافتًا إلى أنه يُجرى في الوقت الراهن محاولات مُكثفة محليًا ودوليًا للتوصل إلى وقف إطلاق النار ومُعالجة الأمر سياسيًا وإنهاء اللجوء للقوى المسلحة في السودان. 

نخشى انتقال الصراع خارج الخرطوم ودخول الأطراف القبلية 

ويرى "مجذوب" أن أكبر المخاطر التي تواجه الأزمة السودانية حاليا؛ هو انتقال الصراع خارج العاصمة السودانية الخرطوم بين الدعم السريع والقوات المسلحة ودخول بعض الأطراف القبلية؛ لافتًا إلى أن للدعم السريع امتدادات قبلية وتجاور جُغرافي مع بعض القبائل؛ وربما تتدخل لإسناد بعضها البعض؛ أما التهديد الثاني للأزمة السودانية هو تدخل بعض العناصر من دول الجوار الغربي والشرقي للسودان فهناك مجموعات تريد إحياء الفرص لوجود أزمات في دول جنوب الصحراء فالمجموعات الراديكالية التي خرجت من العراق من سوريا يُمكن أن تستفيد من الأزمة للدخول إلى الأراضي السودانية وبالتالي يصبح السودان حاضن لمجموعات نشر الرعب والاضطرابات الأمنية في المنطقة بكاملها في دول جنوب الصحراء ودول القرن الأفريقي. 

وحول قدرة الأطراف السياسية والحزبية على التوسط لحلحلة الأزمة، أوضح الخبير الأمني أن القوى السياسية في السودان مُنقسمة على الاتفاق الاطاري والتسوية السياسية لمجموعات عديدة؛ وباتت هذه القوى في الأساس جزءًا من الأزمة التي أدت للصراع المسلح ولم يسمع لها صوت منذ الساعات الأولى لاندلاع الأزمة؛ بالتالي لايمكن أن تكون وسيطا في أزمة الصراع الحالي الذي يشهده السودان؛ ولكن يمكن أن تكون جزءًا في التسوية القادمة بعد دخول أطراف جديدة على مسار الأزمة السودانية؛ مُؤكدًا أنه تم التحذير بشدة من الحل الخارجي وأن تنتهي الأزمة داخليًا؛ ولكن في الوقت الحالي يمكن أن يكون الحل خارجيًا وفقًا للبند السابع  في ميثاق الأمم المتحدة. 

كل الاحتمالات مفتوحة إذا لم تتوقف الحرب 

واستطرد العسكري السابق بالقوات المسلحة، أنه من الصعب التنبؤ بسيناريوهات مستقبل السودان في الوقت الراهن، إذا لم تتوقف الاشتباكات المسلحة ولم يجلس الأطراف على طاولة الحوار؛ فكل الاحتمالات مفتوحة فربما يتأجج الصراع ويصل إلى حرب أهلية وربما تنتقل تنهار الدولة؛ وربما نشهد تشرذم وتفكك الدولة السودانية والتي في الأصل تُعاني من القبلية والتفرقة العنصرية؛ وبالتالي فإن التفكك سيؤثر على دول الجوار ذات القومية؛ أما دول الجوار الشرقي والغربي تُحاول إيجاد حاضنة ولو مساحات قليلة في السودان؛ وبالتالي يحدث التفكك بطريقة دراماتيكية للمنطقة بأكملها وهو ما تخشاه دول الجوار الآن وتحاول التوسط في السودان لإنهاء الأزمة.

البرهان 

وأثنى الخبير الأمني على قرار الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالعفو عن كل من يضع السلاح؛ قائلًا: إن الخطاب مُوجهًا لضباط وجنود الدعم السريع وهم بالأساس مُمكن أن يكونوا أفرادًا في القوات المسلحة؛ مشيرًا إلى أن قرار "البرهان" جاء ليرفع عنهم الحرج والمسئولية القانونية بشأن تورطهم في الأحداث؛ باعتبار أن إنشاء الدعم السريع كان على أسس خاصة وكلفت بمهام خاصة في دارفور؛ ولكن دارت الدوائر وجاء إلى الخرطوم وتم اختيار قائد الدعم السريع نائبًا لرئيس مجلس السيادة السوداني، ومن هنا اختلطت السياسة بالعسكرية. موضحًا أن هذا النداء لأبناء الدعم السريع يُحاول الفصل ما بين الطموحات السياسية والعسكرية وإنهاء وجود الدعم السريع كقوى مُسلحة؛ ولكن تبقى الإشكالية فيما حدث والمسئولية وكيفية المُحاسبة وإدارة الصراع؟ إذا لم يتم الجلوس على طاولة المفاوضات. 

خبير اقتصادي: الصراع أدى لنقص الغذاء واختفاء الخدمات.. وينذر بزيادة البطالة والفقر

في السياق ذاته؛ قال الخبير الاقتصادي السوداني الدكتور عادل عبد العزيز الفكي: إن هناك آثار مُباشرة وسريعة على الاقتصاد السوداني؛ وذلك بسبب اندلاع المعارك العسكرية بالخرطوم ومدن أخرى، لعل أبرزها انقطاع كبير لخدمات الكهرباء والمياه؛ مما أدى لتوقف عدد كبير من المصانع وخروج عدد من المستشفيات من الخدمة.

الدكتور عادل عبد العزيز الفكي

وأضاف "الفكي"، لـ "البوابة" أن المعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع ألقت بظلال وخيمة على الخدمات البنكية بسبب إقفال البنوك أبوابها، بسبب تأثر خدماتها الإلكترونية بانقطاع الكهرباء لمدة طويلة؛ مشيرًا إلى أنه في حال استمرار المعارك سوف تتفاقم الآثار الاقتصادية سلبًا وذلك لأن استمرار إغلاق المصانع ومرافق الخدمات وسيترتب عليه زيادة نسب البطالة وزيادة نسب السكان تحت خط الفقر.

وأوضح أن انتقال المعارك لمواقع الإنتاج الزراعي والحيواني بولايات الجزيرة والقضارف ونهر النيل والنيل الأبيض والشمالية؛ سوف يترتب عليه توقف الإنتاج مما يُنذر بإنخفاض الصادرات بصورة مؤثرة؛ وانتشار نقص الغذاء والمجاعة في أجزاء واسعة من البلاد؛ وهو ما يترتب عليه حركة نزوح داخلي للسكان ولجؤ لدول أخرى.

الأوضاع في السودان بالأرقام
 

نقابة أطباء السودان 

  • توقف 39 مستشفى من أصل 59 في الخرطوم
  • قصف 9 مستشفيات وإخلاء 16 قسريًا

تقرير الأمم المتحدة عن السودان 

  • 16 مليون بحاجة للمساعدات الإنسانية 
  • 3.7 مليون إجمالي النازحين داخليًا 
  • 4 ملايين طفل وامرأة يعانون سوء التغذية 
  • 1.7 مليار دولار مناشدة لتقديم المساعدات
  • 6.9 مليون طفل بين 6-18 عام خارج التعليم 
  • 12.5 مليون مساعدات للأشخاص الأكثر ضعفًا