في خضم التحليلات السياسية والعسكرية للنزاع المُسلح الدائر في السودان حاليًا؛ التي تجريها البوابة نيوز، كشف الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء أمين إسماعيل مجذوب عن كواليس الأزمة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والتي دبت في العاصمة السودانية الخرطوم السبت 15 أبريل 2023.
وقال مجذوب لـ "البوابة نيوز" : إن أصل الصراع المسلح بين القوات المسلحة والدعم السريع؛ يعود للاختلاف في التسوية السياسية بين الطرفين وفقًا للاتفاق الإطاري؛ وكان من المُفترض أن يتم دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة بجانب كل المجموعات التي وقعت على اتفاق جوبا للسلام.
وجود جيشيين في السودان يُشكل سابقة خطيرة ويُؤثر على الأمن الوطني للبلاد
وأكد أن الدعم السريع يُحاول المُماطلة في عمليات الدمج باقتراح 10 سنوات مدة للدمج؛ وهذا يُؤثر على الأمن الوطني السوداني؛ لأن الانتقال السياسي وتسليم السلطة للمدنيين في ظل وجود جيشيين يُشكل سابقة خطيرة ويُؤثر على الأمن الوطني السوداني؛ ومن هنا كانت اشتراطات القوات المسلحة السودانية بأن يتم الدمج أولًا؛ فوقع الخلاف بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية؛ وعلى إثره عُقدت عدة ورش للإصلاح والهيكلة وإكمال عمليات الدمج داخل القوات المسلحة؛ ولكن للأسف حدثت بعض الخلافات فتحولت لتحركات عسكرية من جانب الدعم السريع رفضتها القوات المسلحة.
لم يتم الوصول إلى الطرف الذي أطلق الطلقة الأولى
وأوضح "مجذوب" أنه حتى الآن لم يتم الوصول إلى الطرف الذي أطلق الطلقة الأولى؛ ولا تزال تتصاعد الاشتباكات بشكل مستمر ونتج عنها خسائر كبيرة في الطرفين؛ إلى جانب نقص في الخدمات الأساسية ؛ وهو الأمر الذي يتطلب تحكيم صوت العقل ووقف إطلاق النار وجلوس الأطراف على طاولة المفاوضات لحل جذور المُشكلة السياسية التي أدت إلى هذا التصعيد.
الخلاف في السودان لابُد أن ينتهي سياسيًا مثلما بدأ سياسيًا
وأوضح الخبير الأمني والاستراتيجي؛ ان الحل العسكري لا يمكن أبدًا أن يحل أي قضايا سياسية وإنما يؤدي لإحتقانات مُستقبلية ودمور في الساحة السياسية وافتقار للحكمة ووفق طرق التفهمات؛ وشدد على أن الخلاف في السودان لابُد أن ينتهي سياسيًا مثلما بدأ سياسيًا؛ لافتًا إلى أن لتجربة الصراع المسلح مسيرة طويلة في السودان ولابد أن يتم الاستفادة منها واستخراج الدروس والعبر حتى لا تتكرر مرة أخرى؛ وكشف أنه يُجرى في الوقت الراهن محاولات مُكثفة محليًا ودوليًا للتوصل إلى وقف إطلاق النار ومُعالجة الأمر سياسيًا وإنهاء اللجوء للقوى المسلحة في السودان.
نخشى انتقال الصراع خارج الخرطوم ودخول الأطراف القبلية
ويرى "مجذوب" أن أكبر المخاطر التي تواجه الأزمة السودانية حاليا؛ هو انتقال الصراع خارج العاصمة السودانية الخرطوم بين الدعم السريع والقوات المسلحة ودخول بعض الأطراف القبلية؛ لافتًا إلى أن للدعم السريع امتدادات قبلية وتجاور جُغرافي مع بعض القبائل؛ وربما تتدخل لإسناد بعضها البعض؛ أما التهديد الثاني للأزمة السودانية هو تدخل بعض العناطر من دول الجوار الغربي والشرقي للسودان فهناك مجموعات تريد إحياء الفرص لوجود أزمات في دول جنوب الصحراء فالمجموعات الراديكالية التي خرجت من العراق ومن سوريا يُمكن أن تستفيد من الأزمة للدخول إلى الأراضي السودانية وبالتالي يصبح السودان حاضن لمجموعات نشر الرعب والإضطرابات الأمنية في المنطقة بكاملها في دول جنوب الصراح ودول القرن الأفرقي.
وحول قدرة الأطراف السياسية والحزبية على التوسط لحلحلة الأزمة، أوضح الخبير الأمني أن القوى السياسية في السودان مُنقسمة على الاتفاق الاطاري والتسوية السياسية لمجموعات عديدة؛ وباتت هذه القوى في الأساس جزءًا من الأزمة التي أدت للصراع المسلح ولم يسمع لها صوت منذ الساعات الأولى لاندلاع الأزمة؛ بالتالي لايمكن أن تكون وسيط في أزمة الصراع الحالي الذي يشهده السودان؛ ولكن يمكن أن تكون جزءًا في التسوية القادمة بعد دخول أطراف جديدة على مسار الأزمة السودانية؛ مُؤكدًا أنه تم التحذير بشدة من الحل الخارجي وأن تنتهي الأزمة داخليًا؛ ولكن في الوقت الحالي يمكن أن يكون الحل خارجيًا وفقًا للبند السابع في ميثاق الأمم المتحدة.
كل الاحتمالات مفتوحة إذا لم تتوقف الحرب
واستطرد العسكري السابق بالقوات المسلحة، أنه من الصعب التنبؤ بسيناريوهات مستقبل السودان في الوقت الراهن، إذا لم تتوقف الاشتباكات المسلحة ولم يجلس الأطراف على طاولة الحوار؛ فكل الاحتمالات مفتوحة فربما يتأجج الصراع ويصل إلى حرب أهلية وربما تنهار الدولة؛ وربما نشهد تشرذم وتفكك الدولة السودانية والتي في الأصل تُعاني من القبلية والتفرقة العنصرية؛ وبالتالي فإن التفكك سيؤثر على دول الجوار ذات القومية؛ أما دول الجوار الشرقي والغربي تُحاول إيجاد حاضنة ولو مساحات قليلة في السودان؛ وبالتالي يحدث التفكك بطريقة دراماتيكية للمنطقة بأكملها وهو ما تخشاه دول الجوار الآن وتحاول التوسط في السودان لإنهاء الأزمة.
السياسة اختلطت بالعسكرية في السودان
وأثنى الخبير الأمني على قرار الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالعفو عن كل من يضع السلاح؛ قائلًا: إن الخطاب مُوجه لضباط وجنود الدعم السريع وهم بالأساس مُمكن أن يكونوا أفرادًا في القوات المسلحة؛ مشيرًا إلى أن قرار "البرهان" جاء ليرفع عنهم الحرج والمسؤولية القانوية بشأن تورطهم في الأحداث؛ باعتبار أن إنشاء الدعم السريع كان على أسس خاصة وكلفت بمهام خاصة في دارفور؛ ولكن دارت الدوائر وجاء إلى الخرطوم وتم اختيار قائد الدعم السريع نائبًا لرئيس مجلس السيادة السوداني، ومن هنا اختلطت السياسة بالعسكرية. واكد أن هذا النداء لأبناء الدعم السريع يُحاول الفصل ما بين الطموحات السياسية والعسكرية وإنهاء وجود الدعم السريع كقوة مُسلحة؛ ولكن تبقى الإشكالية فيما حدث والمسؤولية وكيفية المُحاسبة وإدارة الصراع؟ إذا لم يتم الجلوس على طاولة المفاوضات.