كشف المحلل السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ ومُدير الإدارة العامة للشئون السياسية والأخبار بالهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون السوداني في حكومة حمدوك، خلال حديثه لـ "البوابة نيوز" كواليس الصراع المسلح في بلاده.
وأشار إلى أن السبب الرئيسي للصراع مُرتبطُ في الأساس في التباين السياسي بين قائد الجيش البرهان وقائد الدعم السريع حميدتي؛ والذي بدأ مُبكرًا بعد أحداث أكتوبر 2021؛ ثم تطور الصراع بسبب تقارب وتحالف حميدتي مع روسيا؛ إلى جانب تباين الأفكار في ملف الحرب الإثيوبية بين الحكومة وجبهة تيجراي إذ ساند الدعم السريع الحكومة الإثيوبية فيما تعاطف البرهان مع تيجراي.
"دمج" الدعم السريع في صفوف الجيش "هرم الخلاف"
لكن على المستوى الداخلي؛ فإن نقاط الخلاف التي قصمت ظهر التعايش بين طرفي الأزمة؛ كان حول إجراءات وسنوات دمج قوات الدعم السريع في الجيش؛ فالجيش كان يري اقتصارها على عامين ونصف؛ ولكن الدعم السريع اشترط إصلاح القوات النظامية وأن يتم الدمج خلال 10 أعوام؛ بالإضافة إلى الخلاف حول قيادة الجسم القيادي المُشترك.. هل سيكون للجيش أم للرئيس المدني؟.
المواجهات العسكرية لن تحسم الأزمة في السودان
وبشأن رؤيته حسم الأزمة في السودان عسكريًا أم سياسيًا؟ يقول "أبو الجوخ" تاريخيًا الوضع في السودان يختلف عن غيرها؛ فالحروب والمواجهات المسلحة لا تنتهي عسكريًا ولكن تنتهي عبر المُفاوضات؛ لأن مُسببات تلك الحروب هي سياسية؛ ولكن قد تؤثر المُواجهات العسكرية على موازين القوة بين الأطراف؛ لكنها لا تحسم الصراع بشكل نهائي، مثلما حدث في حربين جنوب السودان الأولى والثانية وصراعات دارفور؛ مؤكدًا أن المُعضلة الحالية تحتاج لإجراءات سياسية سريعة لمُعالجتها بشكل نهائي.
شبح الانهيار والحرب الأهلية في السودان يلوح في الأفق
وفند مُدير الإدارة العامة للشؤون السياسية والأخبار بالهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون السوداني؛ في حديثه لـ "البوابة نيوز" أبرز المخاطر التي تواجه بلاده في الوقت الحالي؛ وهي قابلية الدولة للانهيار نظرًا لتراكم عوامل ضعفها، وتدهور الأداء العام، وضعف سيطرتها وإمكانية تحول الصراع الحالي بين الجيش والدعم لصراع أهلي، بسبب إمكانية حدوث تداخلات وتحالفات على أسس قبلية، إلى جانب صعوبة إقرار نظام حكم شمولي أوعسكري على الناس سواء كان مُعبرًا عن النظام السابق أو نظام جديد؛ يأتي ذلك بالإضافة إلى وجود مشاكل اقتصادية أساسية جراء تراجع الإنتاج الاقتصادي وزيادة نسبة الفقر وتنامي الفساد التي قادت لزيادة نسبة الفقر وهروب الاستثمارات بسبب التقلبات السياسية.
وأوضح أن تلك المُهددات يُمكن تلخيصها في "شبح انهيار الدولة كُليًا" بسبب ضعف الثقة في المؤسسات العامة، وعدم القبول بها، وعجزها في تحقيق مطالب الناس وفقدانها لإرادة مكافحة ومحاربة الفساد واحتماء الناس بحواضنهم الاجتماعية، مما يؤدي لتنامي وتمد سلطة القبيلة على حساب الدولة في مسار عكسي للتطور بالعودة للخلف عوضًا عن التقدم نحو الأمام.
مخاوف من اندلاع حرب شواع في السودان
ويرى المحلل السياسي، أن تصاعد الأحداث الحالية يمكن أن ينتقل لمرحلة حرب شوارع في ظل الظرف الراهن، وذلك من واقع وجود المُنشآت الاستراتيجية علي مقربة من الأحياء السكنية وداخلها؛ إلى جانب تمركز أطراف النزاع وانتشارها داخل المناطق السكنية، وهو الأمر الذي يجعل المرحلة القادمة لهذا الصراع إذا استمر؛ هو خوض حرب الشوارع؛ ولكن ستكون أبرز نتائجها سقوط ضحايا كبيرة من المدنيين وتعرضهم لأضرار اقتصادية بالغة في الممتلكات؛ ومع ذلك يعتقد "أبو الخوخ" أن هذا السيناريو المُخيف يعتبر أحد أبرز الأسباب لإيقاف هذه الحرب قبل زيادة وتنامي خسائرها وتقليل الآثار المُترتبة عليها والاستفادة من دروسها وعدم تكرارها.
دور الأطراف السياسية يقتصر حتى الآن على المناداة بوقف الحرب
وعن الوساطة السياسية لإنهاء الأزمة؛ يقول المحلل السياسي السوداني: حتى اللحظة فإن دور الأطراف السياسية والحزبية يقتصر على المناداة بوقف الحرب والوصول لهدنة؛ ولكنها فعليا لاتمتلك أي أدوات ضغط فعلية على أرض الواقع لإجبار أي طرف على الالتزام بوقف إطلاق النار أوالوصول لهدنة؛ مشيرًا إلى أن ورقة الضغط الأقوى لدى الهيئات المدنية تكمن في "الحركة الجماهيرية والشعبية" ولكن في ظل المُوجهات العسكرية الحالية فإن المُطالبة بتنظيم أي فعاليات جماهيرية؛ يعني تعريض المشاركين للمخاطر.
وأوضح أنه رغم انحسار دور القوى السياسية والحزبية في كبح جماح الصراع المسلح، منذ الساعات الأولى من اندلاعه؛ ولكن سيكون لديها تأثيرات أساسية في مسألة تضميد الآثار الناتجة عن الصراع؛ مُعتقدًا "أن بيان الجيش الصادر فجر ١٧ أبريل ولغته المُتسامحة والبعيدة من العدائية تجاه منسوبي الدعم السريع هو فعليا نتاج ارتفاع الأصوات الداعية لوقف الحرب والتي كبحت جماح الأصوات المتطرفة المُحرضة للحرب"، مشيرًا إلى وجود دور أكبر للقوى السياسية بعد وضع المُواجهات أوزارها، ومن الواضح أن خطابها المُنادي بحل الأزمة والوصول لحل سياسي سلمي قائم على التسامح والقبول بالآخر هو الذي سيسود في خاتمة المطاف وحينما تضع المواجهات أوزارها.
مخاطر استمرار الصراع المسلح في السودان
على الجانب الآخر؛ يرى "أبو الجوخ" إذا استمر الصراع المسلح دون جلوس على طاوله الحوار فقد يشهد السودان حركة نزوح كبيرة جدًا من مناطق الحرب ويعني ذلك تنامي وتزايد ضجر الناس؛ وخاصة مع طوال أمدها دون حل وهو ما سينتج ضغوطًا أكبر على أطراف النزاع لإيقافها والبحث عن حل، إذا ارتفعت الأغصان في وجه البنادق واعتقاد الناس بأن الحياة رغم قسوتها أفضل من الموت المجاني، وهذا سيفتح الطريق أمام تأسيس جديد للوطن.
ولكن على الجانب السلبي إذا استمرت الحرب؛ يرى "أبو الجوخ" أنه ستكون هناك زيادة في التباينات الإثنية والثقافية وتكريسها لمطالب انفصالية؛ لتعيد تكرار تجربة جنوب السودان التي انتهت بعد عقود من الحروب لتعزيز وتحقيق خيار الانقسام والانفصال من الدولة الأم وتكوين دولة جديدة؛ ولكن خطورة هذا السيناريو أنه لن ينتهي بانفصال بقعة واحدة؛ ولكن سيُكرس هذا المنهج ليفتح الباب أمام انقسامات انشطارية وتفتيت ما تبقي من السودان لدويلات مُتعددة.