العيد يحمل تجلّيات وقدسيّة لدى المسلمين لما يحمله من محبّة وتآلف، وهو مادة خصبة للشعراء للتغني به عبر العصور في بلاط السلاطين والأمراء والخلفاء، واتخذوا منه نافذة إلى الملوك والأمراء ليشدوا بإنجازاتهم وليكرموهم بعطاياهم، كما تغني به كبار وفطاحل الشعراء، وكتب عنه كبار المؤرخين والكتاب فاكتظت الدواوين بتلك الأشعار، وتناولها وحفظها الناس عبر العصور.
فمنهم من رأه حزينًا مثل قول المتنبي «عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ/ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ/ أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ/فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ/لَولا العُلى لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها/ وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ/ وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً/ أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ/ لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي/ شَيْئاً تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جيدُ/ يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما/ أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ».
وتغني به أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال: «العيد هلّل في ذُراك وكبّرا/وسعى إليك يزف تهنئة الورى/ وافى بعزك يا عزيز مهنئا /بدوام نعمتك العبادَ مبشِّرا/ نظم المني لك كالقلادة بعدما/ نشر السعود حيال عرشك جوهرا/ لاقى على سعد السعود صباحه/ وجه تهلل كالصباح منوِّرا/ سمحا تراه ترى العناية جهرة/ والحق أبلج في الجبين مصوَّرا/ والله توَّجه الجلالة والهدى/ والعز والشرف الرفيع الأكبرا».
وتغزل فيه إيليا أبو ماضي إذا نجده يقول: «يا شاعِرَ الحُسنِ هَذي رَوعَةُ العيدِ/فَاِستَنجِدِ الوَحي وَاِهتُف بِالأَناشيدِ/ هَذا النَعيمُ الَّذي كُنتَ تُنشِدُهُ/ لا تَلهُ عَنهُ بشيء غَيرِ مَوجودِ/ مَحاسِنُ الصَيفِ في سَهل وَفي جَبَلٍ/ وَنَشوَةُ الصَيفِ حَتّى في الجَلاميدِ/ وَلَستَ تُبصِرُ وَجهاً غَيرَ مُؤتَلِقٍ/ وَلَستَ تَسمَعُ إِلّا صَوتَ غِرّيدِ».
كما أبكاه أيضًا في قوله: «أَقبَلَ العيدُ وَلَكِن لَيسَ في الناسِ المسرة / لا أَرى إِلّا وُجوهاً كالِحاتٍ مُكفَهِرَّه/ كَالرَكايا لَم تَدَع فيها يَدُ الماتِحِ قَطرَة/ أَو كَمِثلِ الرَوضِ لَم تَترُك بِهِ النَكباءُ زَهرَة / وَعُيوناً دَنَقَت فيها الأَماني المُستَحَرَّة / فَهيَ حَيرى ذاهِلاتٌ في الَّذي تَهوى وَتَكرَه / وَخُدوداً باهِتاتٍ قَد كَساها الهَمُّ صُفرَه/ وَشِفاهاً تَحذُرُ الضِحكَ كَأَنَّ الضِحكَ جَمرَه/ لَيسَ لِلقَومِ حَديثٌ غَيرُ شَكوى مُستَمِرَّة».
فما بين الفرحة والبكاء على حال الأمة أنشد إيليا أبو ماضي عن العيد بأشعار علقت بوجداننًا، فقد يأتي العيد علينا ونحن نفقد عزيز أو نعاني سوء الأحوال، لكننا نسعد ونحيا بالرغم من كل تلك الأحزان.
أما شاعر النيل حافظ إبراهيم فقد كان له العديد من القصائد التي ذكر فيها العيد ومنها قوله: «ماذا اِدَّخَرتَ لِهَذا العيدِ مِن أَدَبِ/ فَقَد عَهِدتُكَ رَبَّ السَبقِ وَالغَلَبِ/ تَشدو وَتُرهِفُ بِالأَشعارِ مُرتَجِلاً/ وَتُبرِزُ القَولَ بَينَ السِحرِ وَالعَجَبِ/ وَتَصقُلُ اللَفظَ في عَيني فَأَحسَبُني/ أَرى فِرِندَ سُيوفَ الهِندِ في الكُتُبِ/ هَذا هُوَ العيدُ قَد لاحَت مَطالِعُهُ/ وَكُلُّنا بَينَ مُشتاقٍ وَمُرتَقِبِ/ فَاِدعُ البَيانَ لِيَومٍ لا تُطاوِلُهُ/ يَدُ البَلاغَةِ في الأَشعارِ وَالخُطَبِ/ إِنّي دَعَوتُ القَوافي حينَ أَشرَقَ لي/ عيدُ الأَميرِ فَلَبَّت غُرَّةَ الطَلَبِ/ قَد تَساوى عِندَهُم لِليَأسِ نَفعٌ وَمَضَرَّه».
وقال أيضًا: «في عيدِ مَولانا الصَغيرِ وَعيدِ مَولانا الكَبيرِ/ إِشراقُ عيدِ الفِطرِ وَالأَضحى عَلى عَرشِ الأَميرِ».
أما زكي مبارك فقد ربط بين العيد والحب في قصيدة عتاب تحدث فيها عن لوعة فراق حبيبته لنجده يقول: «ليلة العيد ماذا أنت صانعة / إني أخاف الجوي يا ليلة العيد/ أتقبلين وما لي فيك من أمل / غير اللياذ بأطياف المواعيد / مضت سنون ومرت أعصرٌ وأنا/ في ليلة العيد ألهو بالعناقيد/ فكيف صارت حياة اليوم مقفرةً / مقدودة من تجاليد الجلاميد / إن الذين بأمر الحب قد ملكوا/ لم يتقوا الحب في أسرى وتصفيدي».
ويتابع: «عيد بعد غدٍ ما العيد بعد غدٍ/ العيدُ أنتم فدلّوني على عيدي/ سئمتُ بهجة أيامي ونضرتها/ أنتم قضيتم بتغريبي وتشريدي/ العيد آتٍ وإن القلب منتظرٌ/ أقباس أنواركم في ليلة العيد/ لكم معاذيرُ من وجدى وصولته/ محبوبُ روحي طعامي ليلة العيد/ إسكندرية دعها دع حماك بها/ إن كنتَ تشتاقني في ليلة العيد/ يا ليلة العيد ماذا أنت صانعة/ إني أخاف الجوى يا ليلة العيد».
ومن العصر العثماني إلي العصر المملوكي يليه العصر الحديث، تغني الشعراء بالعيد ما بين المناجاة ولوعة الحب والعشق وبين استرجاع الأماني وأيام السعادة والهناء، للاحتفاء بالأمراء والسلاطين والملوك.
وتغني «ابن نباته المصري» أحد شعراء العصر المملوكي بالعيد في قصيدة حملت عنوان «العيد أنت وهذا عيدنا الثاني» فنجد يقول: «العيد أنت وهذا عيدنا الثاني.. ما للهنا عن قلوب الخلق من ثاني/ عيدانِ قد أطربا ملكاً فراسلها.. بمطرباتٍ من الأقلام عيدانِ/ فاهْنأ به وبألفٍ مثله أمماً.. وأنتما في بروجِ السعد إلفانِ/ مفطّراً فيه أكباد العدَاة كما.. فطرت أفواهَ أحبابٍ بإحسانِ / في عمر نوح لأن الفال أفهمنا.. لما أتى جودك الأوفى بطوفانِ/ تجرِي بأمداحك الأقلام نافذة.. بالمبدعات لأسماعٍ وآذانِ / يا ناصر الدِّين والدنيا لقد نفذتْ.. أقلام مدحك في الدنيا بسلطانِ / مقام ملكك في عزٍّ ومنتسب.. كسرى بنسبته من آل ساسانِ / فضلته بأوانينٍ ومعدلةٍ.. زادت فكيف بتوحيدٍ وإيمانِ / لك المفاخر في عجمٍ وفي عربٍ.. وهيبة الملك في إنسٍ وفي جانِ».
أما في الأدب
مصطفى صادق الرافعى: العيد صوت القوة يهتف بالأمة
ويقول أستاذنا الجليل مصطفى صادق الرافعي، في مقالة حملت عنوان «المعني السياسي للعيد»: «ما أشد حاجتنا نحن المسلمين إلى أن نفهم أعيادنا فهماً جديداً نتلقاها به ونأخذها من ناحيته فتجيء أياماً سعيدة عاملةً تنبه فينا أوصافها القوية وتجدد نفوسنا بمعانيها، لا كما تجيء الآن كالحةً عاطلةً ممسوحةً من المعنى، أكبر عملها تجديد الثياب، وتحديد الفراغ، وزيادة ابتسامة على النفاق».
ويتابع: «فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في اليوم لا اليوم نفسه، وكما يفهم الناس هذا المعنى يتلقون هذا اليوم؛ وكان العيد في الإسلام هو عيد الفكرة العابدة، فأصبح عيد الفكرة العابثة؛ وكانت عيادة الفكرة جمعها الأمة في إرادة واحدة على حقيقة عملية، فأصبح عبث الفكرة جمعها الأمة على تقليد بغير حقيقة، له مظهر المنفعة وليس له معناها».
وكان العيد إثبات الأمة وجودها الروحاني في أجمل معانيه، فأصبح إثبات الأمة وجودها الحيواني في أكثر معانيه؛ وكان يوم استروح القوة من جدها، فعاد يوم استراحة الضعف من ذله؛ وكان يوم المبدأ، فرجع يوم المادة!
العيد والقدرة على تغيير الأيام
ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوة تغيير الأيام، لا إشعارها بأن الأيام تتغير؛ وليس العيد للأمة إلا يوماً تعرض فيه جمال نظامها الاجتماعي، فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحدة في ألسنة الجميع؛ يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام، لا القدرة على تغيير الثياب.. كأنما العيد هو استراحة الأسلحة يوماً في شعبها الحربي.
وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص مستعلنةً للجميع، ويهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.
وليس العيد إلا إظهار الذاتية الجميلة للشعب مهزوزةً من نشاط الحياة؛ ولا ذاتية للأمم الضعيفة؛ ولا نشاط للأمم المستعبدة. فالعيد صوت القوة يهتف بالأمة: أخرجي يوم أفراحك، أخرجي يوماً كأيام النصر!.