الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

سمير الفيل لـ«البوابة»: الجيل الحالى متمرد ولا ينصاع للأوامر ولديه قدرة على الجدل

فى المقهى حالة تناسب مشاغبة الحياة بالكتابة.. ويأتينى الآن أبطال قصصى حيث أجلس

الكاتب سمير الفيل
الكاتب سمير الفيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يرتكز مشروعه السردى حول الحارة المصرية وأصالة الشخصية المصرية، هو من جيل شاهد أحداث مصر الكبرى، بداية من النكسة إلى الانتصار، تطفو تجاربه الإنسانية على سطح أعماله الأدبية القصصية منها والروائية، وفى العمق يتسع عالمه السردى ليستوعب شمولية مفهوم الكتابة الإنسانية. منذ سنوات يتخذ من المقهى مجلس له تروح وتجئ فى هذه المساحة أجيال من الكتاب المجاليين له حتى الشباب منهم، فى حواره لـ«البوابة» يحدثنا ابن مدينة دمياط الأديب سمير الفيل عن مقهى العسوى والفارق بين جيله والكتاب الشباب، كما تحدث عن أجواء رمضان الأدبية وأشياء أخرى.. وإلى نص الحوار:ـ 

ما هى الأجواء التى تسيطر على مقهى العيسوى؟.. وكيف تشكل متنك القصصى؟ 

لم أكن من زبائن المقهى، ولكننى ترددت فى العقدين الأخيرين على المقهى فوجدت فيه ونسا، وحالة تناسب مشاغبة الحياة بالكتابة، فحين تجلس على طاولة، يمر بك أشخاص من كافة الطبقات والشرائح حاملين متاعبهم على كاهلهم، فسوف تعثر حتما على مادة طيعة للسرد، إضافة إلى تلك الأجواء الشعبية التى تعطيك نفسا حلوا للكتابة بقدر كبير من الأريحية حيث تتشكل الأحداث أمام عينيك دون ساتر أو حاجز. فى المقهى ذاته تتناهى إلى سمعك نداءات الباعة، وانطلاق طلاب المدارس ذهابا وإيابا إلى مدارسهم، ويمر عليك من يمنحك نكتة حلوة أو يطلق مداعبة تمنحك البهجة. هكذا وجدت نفسى أعثر على كنزى الخاص إضافة إلى صندوق سحرى خبأته، قادم من عالم الطفولة، ثم تجربتى فى الانخراط بإحدى كتائب الجيش المصرى، المنتشرة على حافة قناة السويس، وتجربة السفر، والشعور القوى بالاغتراب. كل هذه عناصر ساهمت فى تشكيل مجموعاتى القصصية الأخيرة، ومنها «حذاء بنفسجى بشرائط ذهبية»، و«فك الضفيرة»، و«ليمون مر»، و«المعاطف الرمادية»، و«دمى حزينة»، ولا تخلو مجموعة قصصية لى من تأمل الحارة المصرية، لأرصد تلك التحولات التى تعترى الواقع فى حركته المستمرة والدائبة، أتناول تلك الأحوال، محاولا البحث عن المسكوت عنه، أتصور أن هذا المقهى وغيره يمنحنى قماشة مناسبة للسرد. ولكننى فى نفس الوقت أقوم بعملية حذف وإضافة، وتعديل النسب، والأخذ بنظرية الاحتمالات. أبنى قصصى فى الغالب من خلال حالة التأمل، مع النفاذ إلى جوهر الأشياء، فلا أكتفى بالأفعال وردودها، بل أبحث عن الخبايا والجذور، يهمنى هنا أن أؤكد على قابلية النص السردى للكشف عن الأسرار الخفية للمجتمع، والولوج إلى الداخل، الكامن، السرى، بعثا لتيار سردى طازج ومؤثر. 

هل معنى هذا أن أشخاصك فى الغالب أشخاص تعرفهم أو قابلتهم؟ 

فى حالة التأمل، ستدرك بكل سهولة أن تيار الحياة لا يتوقف، عليك فقط أن تكون صبورا لنزع الغلالة الرقيقة التى تعلو الأشياء، وهذا رهن الوعى والفهم والاستبصار، أبطال قصصى فى الغالب لهم صلة بحارتى أو مجالى الحيوى، مع إتاحة مساحة للتخييل لأننا لا ننقل حرفيا من الواقع، ولكننا نتعامل مع المادة الخام للكتابة بفهم وقدرة على استبطان الداخلى الذى لا يظهر بسهولة. وبناء على ذلك فكل تجربة تحمل تكنيكها ونسيجها الجمالى المنبثق من خصوصيتها، وهو ما يتطلب يقظة الكاتب حتى لا يظل خاضعا للنزعة المثالية أو مستسلما للواقع بحيث يسقط فى ظلال الأشياء، وهناك مساحة ممنوحة للحدس والصفاء الروحانى، وحميمية استدارة الحياة، وهو ما تجده فى صينية الشاى حيث تصطف الأكواب بمنطق لا يخلو من الترتيب والتصنيف بشكل ما. 

ما هى الخصائص المغايرة بين جيلك وكتاب اليوم؟ 

تعرض جيلنا إلى صدمات مرعبة، فقد تلقينا هزيمة 5 يونيو 1967، وتسللت إلى أرواحنا حالة الانكسار، فزلزلتنا الأحداث بكل معنى الكلمة، بعدها بست سنوات حدثت حرب أكتوبر 1973، ثم جاء الانفتاح الاستهلاكى الذى شبهه أحمد بهاء الدين بأنه «انفتاح سداح مداح»، سارت الأمور فى سياقات مختلفة، عبر جيلنا عن تلك التحولات دون أن يفقد قدرته على الفهم والوعى بما يحدث، لكن الجسد نفسه امتلأ بالندوب، وإن ظل هناك إيمان بالقيمة فثمة معايير يتم اللجوء إليها وقت الأزمات، وقد كان جيل الستينيات والسبعينيات قادرا على حل معضلة الهوية واستيعاب تحولات اللغة وهو ما ظهر فى كتاباته، تخلى الجيل الحالى عن القناعات السابقة، فأصبحت الذات هى محور العالم، وصار من الطبيعى أن يهتم بالتكنولوجيا بصورة متزايدة، وتخلى عن الارتباط القوى بالمبادئ التى أرساها مفكرون تخطوا المحنة بثبات. إنه جيل متمرد، لا ينصاع للأوامر الفوقية، ولديه قدرة على الجدل، واللعب مع السلطة، يحلم بعالم جديد مختلف، هو جيل مظلوم، يختلف فى تكوينه؛ فقد تحرر من الضوابط التى لازمت تجارب الكتابة عند الأجيال السابقة، وإن ظلت أسماء بعينها تعنى له الكثير مثل: طه حسين، وعبد الرحمن الشرقاوى، وصلاح عبد الصبور، وأمل دنقل، فى الشعر، ويحيى الطاهر عبد الله، وصبرى موسى وعبد الحكيم قاسم وبهاء طاهر فى القص. هو جيل طموح بلا سقف للتوقع، وهو ماهر جدا فى توظيف التقنيات لخدمة مشروعه الإبداعى، مولع بالسينما، مهتم بالفن التشكيلى، لديه قدرة على التجاوز والتخطى وهذه هى فضيلته الكبرى، وبالفعل توجد مشتركات بين الجيلين: القراءة المستوعبة للأدب العالمى، والرغبة فى تقديم إنتاج مرتبط بالناس والأرض، والصدق مع الذات فى طرح معاناة تلك الكتلة الصامتة التى تتعامل مع الأحداث بحياد موجع. 

ما تقييمك لتلك الكتابات المعاصرة؟ 

لا يمكننى إصدار حكم قيمة، بعض الكتابات الروائية متسرعة، بعضها فى طور التكوين والتشكل، وفى نفس الوقت هناك طفرة فى كتابات هذا الجيل من حيث استيعاب المتغيرات وإدراك ما فى الحياة من نسبية يعرفها كل من اقترب من فكرة الكتابة الجادة، الواعية بأسرار لم يكن من المتوقع معرفتها، والتعامل معها فى أزمنة سابقة. أرى أن حالة الشعر بحاجة إلى المراجعة، والرواية فيها ازدحام مربك مع غياب المتابعات الموضوعية، وقد تيسر لى التحكيم فى عدة مسابقات خاصة بالقصة القصيرة فدهشت لهذه الكتابات التى تتعامل بوعى وفهم مع أدوات الكتابة وتقنياتها الجمالية. 

ماهى طقوس القراءة والكتابة لديك فى شهر رمضان، وما تحمله من ذكريات الطفولة؟ 

كنت سعيد الحظ أن أعمل فى ورش الأثاث فى طفولتى، كان التسامح هو السمة المميزة فى دروب المدينة الحرفية، العمل فى النهار بطيء مثقل بالوخم وبعد انطلاق مدفع الإفطار وراحة قصيرة يبدأ دولاب العمل فى السير بقوة، فتعمل الورش وبنوك النجارين بكامل طاقتها. كان الأسطى والصبيان يعملون بإخلاص حتى ساعة السحور فيجتمع الكل على صينية من النحاس يتناولون الطعام بهمة ونشاط. وكانت الفوانيس تعلق فى الطرقات ويكثر سماع القرآن الكريم خاصة الشيخ محمد رفعت، أول يوم من رمضان لابد أن تكون الوجبة الرئيسية بط مرجان محشو بالبصل والزبيب، وكلنا نقف عند كورنيش النيل لمشاهدة مدفع الإفطار الذى يرج المدينة رجا. يمثل لى شهر رمضان مساحة زمنية للكتابة القصصية، ففيها أجواء مريحة ومساحة مناسبة للكتابة، فيها كتبت مجموعاتى القصصية: «شمال.. يمين»، و«صندل أحمر»، و«هوا بحرى»، والمجموعة الأخيرة كتبتها فى منطقة جغرافية تصل بين عزبة البرج وبين رأس البر. 

وماذا عن كتاباتك القادمة؟ 

أنا غزير الإنتاج فى الوقت الحالى، وسوف تصدر لى ثلاث مجموعات قصصية متتالية هى حسب الترتيب: «ذئاب مارقة»، و«أرصفة قديمة»، و«ملح على المائدة» أظن أن مهمتى فى الفترة القادمة من عمرى أن أقترب من فكرة «التجريب»، وأن أحافظ على لياقتى الفكرية فى مواجهة دعاوى الظلام والرجعية التى تحاصر بلدنا رغم كل محاولات التنوير والنظر بقوة نحو المستقبل.