الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

مجددون .. عبد الوهاب عزام.. الدبلوماسى الأديب

عبد الوهاب عزام
عبد الوهاب عزام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تقدم «البوابة» فى هذه النافذة على مدار شهر رمضان كل يوم رائدا من رواد التنوير فى مصر، للتعرف على دورهم فى محاربة الظلام والفكر المتطرف وإنارة طريق العقل والتنوير للسير فى درب التقدم والتطور ومواكبة العالم الحديث.
كان عبد الوهاب عزام نسيج وحده بين كتاب عصره، نموذجا حيا للإنسان الذي يجمع بين العلم الواسع والخلق النبيل داعية للثقافة وبكل لغاتها الكبرى العربية والفارسية والتركية والأوردية.
ولد عبد الوهاب عزام في ٢٨ أغسطس عام ١٨٩٤م بقرية تابعة لمركز البدرشين تسمى قرية الشوبك الغربي بمصر، لأسرة لها باع طويل ودور كبير في الفكر والسياسة ومقاومة الاحتلال الأنجليزي، فوالده الشيخ محمد حسن بك عزام كان يشغل منصب عضو مجلس شورى القوانين ثم الجمعية التشريعية، وانتخب بعدها في أول مجلس نيابي بعد دستور ١٩٢٣م.
وكان والد عبد الوهاب عزام حريص على التعليم الديني فأرسل ابنه للكتاب حيث حفظ به القرآن الكريم والتحق بعده بالأزهر ليلتحق بمدرسة القضاء الشرعي بعد أن أنهى دراسته الأزهرية، وقد تخرج منها عام ١٩٢٠م وكان أول الخريجين فعين مدرسًا بها، وفي عام ١٩٢٣م حصل عبد الوهاب عزام على درجة الليسانس في الآداب والفلسفة من الجامعة المصرية، اختير عبد الوهاب عزام بعد تخرجه ليكون إمامًا في السفارة المصرية بلندن، وهناك اطلع على ما يكتبه المستشرقون عن الإسلام والعالم الإسلامي وقرر أن يدرس اللغات الشرقية الإسلامية فالتحق بمدرسة اللغات الشرقية بلندن وحصل منها على درجة الماجستير في الأدب الفارسي في العام ١٩٢٧م وكان موضوعها التصوف وفريد الدين العطار.
ويتفق "عبد الوهاب عزام" مع "رفاعة الطهطاوي" في أن كلا منهما سافر إلى أوروبا إماما للبعثة التعليمية التي ترسلها الدولة للنابغين من أبنائها، ولم يكتفِ كل منهما بأداء ما كُلِّف به من عمل وبمهام الوظيفة التي سافر من أجلها، بل تجاوزها إلى آفاق أرحب وعوالم أفسح من الفكر والثقافة، وعادا يملآن الحياة العلمية في مصر حركة ونشاطا، ويتصدران قائمة من نهضوا بأمتهم الإسلامية، وإن اختلفا في الوسيلة والتخصص.
فقد اختير عبد الوهاب عزام في السنة التي تخرج فيها في الجامعة إماما في السفارة المصرية بلندن، وكان ذلك الإجراء متبعا في السفارات المصرية في ذلك الوقت، وانتهز عبد الوهاب هذه الفرصة للمعرفة، فالتحق بمدرسة اللغات الشرقية بجامعة لندن، وكان يزامله في الدراسة العالمان الجليلان "محمد مهدي علام" و"حامد عبد القادر" عضوا مجمع اللغة العربية، ونال منها درجة الماجستير.
وبعد عودته إلى القاهرة عُيِّن مدرسًا بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وفي أثناء عمله حصل على الدكتوراه بأطروحته "شاهنامة الفردوسي" في الأدب الفارسي سنة ١٩٣٢م، وظل يعمل في الكلية حتى أصبح رئيسًا لقسم اللغة العربية واللغات الشرقية، ثم عميدا للكلية في سنة ١٩٤٥م.
ثم ترك العمل الجامعي وانتقل إلى العمل الدبلوماسي فعمل وزيرًا مفوضًا لمصر في المملكة العربية السعودية سنة ١٩٤٧م، ثم سفيرا لمصر في باكستان سنة ١٩٥٠م، ثم عاد ليعمل سفيرًا لمصر في السعودية، ثم اختارته السعودية ليؤسس جامعة الرياض ويديرها، فظل بها حتى لقي ربه.
وإلى جانب هذه الوظائف الرفيعة شغل عدة مراكز علمية، فكان عضوًا بالمجلس الأعلى لدار الكتب، واختير عضوًا عاملاً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة ١٩٤٦م، وعضوًا مراسلاً بالمجمعين العلمي العربي بدمشق وبغداد.
كان عبد الوهاب عزام عميق الثقافة العربية والإسلامية والأدبية؛ فقد درس بالأزهر دراسة منظمة، واطلع على الثقافة الأوربية، فقد كان يجيد الإنجليزية والفرنسية، ووقف على أدب الشعوب الإسلامية، فقد كان متمكنًا من الفارسية والتركية والأوردية ينقل عنها إلى العربية، وأتاحت له رحلاته المتعددة إلى كثير من دول العالم واتصاله بأدبائها أن يضيف إلى أدبه زادًا قويا وتجارب غنية وفكرًا عميقًا.
وجاء إنتاجه الفكري ممثلا لنشاطه الدائب وفكره العربي الإسلامي؛ فهو أديب شاعر له مقالات رائعة في كثير من المجلات، وشعر ندي، وهو باحث دارس له دراسات وفصول في الأدب والتاريخ والتصوف، وهو أيضا رحالة طاف كثيرا من البلاد كتب عن مشاهداته ورحلاته، وهو مترجم حاذق نقل عن الفارسية آثارا خالدة من روائع الأدب.
يعد عبد الوهاب عزام واحدًا من أساطين الأدب العربي الحديث، له نتاج راق من المقالات الأدبية المتفرقة في بطون الدوريات القديمة، جمع بعضها في كتاب، وكثير منها لا يزال حبيسا ينتظر النور، وهو فيما يكتب داعي إصلاح لم تبهره الثقافة الغربية مثلما بهرت غيره، وإنما كان صاحب قلم مؤمنا صادقا ومصلحا حكيما وكاتبا بليغا.
لعبد الوهاب عزام دراسات وبحوث في التاريخ والتصوف والأدب، فكتب عن المتنبي شاعر العربية الكبير دراسة بعنوان "ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام"، ودرس شخصية المعتمد بن عباد أحد ملوك الطوائف الأندلسي فكتب عن مأساته، وله دراسة عن محمد إقبال والأدب الفارسي.
وله مجموعة بحوث في اللغات الشرقية، قدمها إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة عن الصلات بين اللغة العربية والألفاظ الفارسية والتركية في اللغة العامية المصرية، والألفاظ العربية في اللغات غير العربية وغيرها.
وشارك في تحقيق التراث العربي فنشر "الشاهنامة" التي نقلها البنداري إلى العربية، وحقق ديوان المتنبي، واشترك مع آخرين في تحقيق كتاب "الورقة" لـ محمد بن الجراح، و"مجالس الصاحب بن عباد".