الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

خرائط العمق الإستراتيجى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تتجاوز خرائط العمق الإستراتيجى للدول حدودها السياسيه والجغرافيه سواء البريه أو البحريه وحتى الجويه؛ وتمتد إلى آخر نقطة حيث مصالحها الإستراتيجية ومقتضيات أمنها القومى وتتباين تلك الخرائط بين الدول بحسب حجمها وقوتها وامتداد مصالحها الحيويه، فمنها مايمتد إلى المحيط الإقليمى والدول المجاوره ومنها ماهو عابر للقارات وأعالى البحار.
وهذا النوع من الخرائط معروف منذ تأسست الدوله المصريه أقدم دوله فى التاريخ فمبكرا أدرك ملوك المصريين القدماء أن عمق مملكتهم الإستراتيجى يمتد من الحبشة جنوبا وحتى بلاد العراق وفارس شرقا والأناضول شمالا وداخل أعماق الصحراء فى ليبيا غربا وبمرور الزمن اتسعت الخريطه لتضم شرق البحر المتوسط وشماله وحتى الآن مازالت هذه الخريطه تمثل امتداد العمق الإستراتيجى للمصالح الحيويه المصريه .
ذات الخرائط رسمتها دول أوروبا الإستعماريه من الهند والصين شرقا إلى محيطنا الإقليمى فى الشرق الأوسط وأعماق إفريقيا وصولا الى نيوزيلاندا واستراليا.
وفى عصرنا الحديث تقاسم الإتحاد السوفيتى السابق والولايات المتحده الأمريكيه تلك الخرائط بعد نهاية الحرب العالميه الثانيه عام ١٩٤٥ وحتى تفكك الأول عام ١٩٨٩ عندما اعتبرت أمريكا نفسها شرطى العالم كونها القوة الأعظم اقتصاديا وعسكريا.

انطلاقا من هذا المفهوم تعاملت واشنطن مع العالم بإعتباره عمقها الإستراتيجى وتحت ذريعة حماية أمنها القومى احتلت العراق فى عام ٢٠٠٣ وأطلقت حاملات الطائرات لغزو ليبيا وآسقاط معمر القذافى وقبل ذلك احتلت أفغانستان لمدة عشرين عاما كاملة.

وطالما سوق الإعلام الأمريكى انتشار جيوش الولايات المتحده فى مختلف بقاع العالم بذات الذريعه "الأمن القومى"، حتى فرنسا صاحبة التاريخ الإستعمارى الطويل احتفظت بقوات عسكرية لها فى بعض دول القارة السمراء وإحيانا  أجبرتها الظروف للتدخل بعمليات عسكريه أيضا دفاعا عن مصالحها الحيويه وأمنها القومى وكانت من أبرز المحرضين على غزو ليبيا عام ٢٠١١ طمعا فى ثرواتها النفطيه والغازيه.

 كل ذلك بعيدا عن قواعد القانون الدولى ومواثيق الآمم المتحده، بل وتلاعبا بها باالتضليل والتدليس والكذب، كما أظهر الإرشيف البريطانى الأسبوع الفائت حيث كشف فضيحة جديده للتحالف الغربى الذى قام بغزو واحتلال العراق عام ٢٠٠٣ فاضحا تجاهل رئيس الوزراء البريطانى آنذاك تونى بلير بوثائق تؤكد عدم امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وتعمد إخفائها عن البرلمان والرأى العام البريطانى تنفيذا للرغبه الأمريكيه.
وتمثل الأزمة الإوكرانيه نموذجا آنيا واضحا لمفهوم العمق الإستراتيجى، بتحريك روسيا الآتحاديه جيوشها لشن عملية عسكريه خاصه فى أوكرانيا ليس فقط لتحرير إقليم الدونباس وانما لمواجهة المسعى الأمريكى لضم كييف إلى حلف الناتو حتى لاتجد أمنها القومى فى مواجهة مباشرة مع صواريخ الحلف النوويه التى كان يخطط لنشرها فى العمق الإستراتيجى المباشر للدوله الروسيه.

العمق الإستراتيجى الأمريكى يمتد من وجهة نظرها حتى أعماق المحيط الهادى فى بحر الصين الجنوبى حيث تمر ثلث تجارة النفط والغاز ونحو ٤ تريليون دولار من حجم التجاره العالميه.

لندن اعتبرت هى الأخرى أن مصالح أمنها القومى تمتد الى تلك المنطقه البعيده من العالم ودخلت مع الولايات المتحده واستراليا فيما يعرف بتحالف "ايكوس" العسكرى والذى   يهدف إلى تحجيم نفوذ الصين فى بحرها الجنوبى؛ ورغم بعد استراليا عن تلك المنطقه، إلا أن ماتعتبرها مصالحها الإقتصاديه  والأمنيه دفعتها أيضا لدخول هذا التحالف.

 فى المقابل يزدحم بحر الصين الجنوبى بالسفن الحربيه الصينيه ويكاد لايهدأ من ضجيج المناورات العسكريه سواء التى تقوم بها الصين أو تلك التى تقوم بها الولايات المتحده وكان آخرها باالإشتراك مع الفلبين؛ ناهيك عن مساعيها لتأجيج الصراعات بين الصين والدول التى تشاطئها فى الجزء الجنوبى من البحر وأبرزها فيتنام وماليزيا والفلبين.

ضجيج المناورات لايكف فى منطقة المحيطين الهندى والهادى ليمتد غربا إلى بحر اليابان الشمالى؛ ومؤخرا أعلنت روسيا الإتحاديه رفع جاهزية اسطولها البحرى فى المحيط الهادى عبر تفتيش مفاجئ ومناورات يشارك فيها ٢٥ ألف مقاتل وعشرات القطع البحريه والغواصات النوويه ناهيك عن عشرات المقاتلات من الطائرات الحربيه بطرازاتها المختلفه؛ بالإضافه الى ماقامت وتخطط للقيام به من مناورات بحريه عسكريه ضخمه بالإشتراك مع الصين فى منطقة المحيطين الهادى والهندى.

كل ذلك دفاعا  عن امتدادات العمق الإستراتيجى لتك الدول والتكتلات مع تباين المسافات التى تفصلها عن  تلك المنطقة التى باتت تشهد نشاطا عسكريا محموما .

وفى محيطنا الإقليمى احتلت تركيا الشمال السورى بجنودها وآلياتها العسكريه بعد اندلاع إحداث الفوضى عام ٢٠١١ دفاعا عما تعتبره أمنها القومى الملاصق لحدودها الجنوببه وبين الحين والحين تشن عمليات عسكريه ضد شمال العراق بإقليم كردستان تحت نفس الذريعه؛ التى استخدمتها أيضا لإرسال مرتزقه وقوات عسكريه إلى أقصى غرب ليبيا.
مفهوم العمق الإستراتيجى تجسد أيضا فى الخطوط الحمراء التى رسمتها مصر على سطح مياه البحر المتوسط دفاعا عن مصالحها الاقتصاديه، وعلى بعد ١٠٠٠ كيلو داخل الحدود الليبيه فى منطقة سرت والجفره عبر تقوية ترسانة البحريه المصريه بسفن وغواصات ومن خلال قواعد عسكريه لها اليد الطولى فى مياه المتوسط  شرقا وغربا وعلى امتداد حدودها البريه متمثلة فى قاعدتى "محمد نجيب وجرجوب". وإلى الشرق والجنوب عززت أسطولها البحرى فى البحر الأحمر بحاملات الطائرات وقاعدة برنيس العسكريه التى يمتد ذراعها الجوى والبحرى الى آخر نقطة فى العمق الإستراتيجى المصرى .

غير أن استراتيجية السياسه الخارجيه المصريه وأدواتها الديبلوماسبه تمثل أذرعا أخرى لاتقل بأسا وقوه عن ذراعنا العسكرى فى الدفاع عن مصالحنا فى مناطق نفوذنا الحيوية التاريخيه وعمقنا الإستراتيجى ومقتضيات أمننا القومى بكل معانيه السياس والعسكريه يه والاقتصاديه والمائيه.

بيد أن مايميز امتدادات العمق الإستراتيجى المصرى إنه قائم على مصالح وحقوق تاريخيه تجاوز عمرها الـ٧ الاف عام وليس فيها شبهة طمع أو تجنٍ.