تقدم «البوابة» فى هذه النافذة على مدار شهر رمضان كل يوم رائدا من رواد التنوير فى مصر، للتعرف على دورهم فى محاربة الظلام والفكر المتطرف وإنارة طريق العقل والتنوير للسير فى درب التقدم والتطور ومواكبة العالم الحديث.
محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف المصرى السابق وداعية إسلامي، ولد بقرية الضهرية التابعة لمركز شربين بمحافظه الدقهلية عام ١٩٣٣ حصل علي الإجازة العالمية من كلية اللغة العربية بالأزهر - عام ١٩٥٩. والشهادة العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية بالأزهر - عام ١٩٦٠. ودكتوراه الفلسفة من جامعة ميونخ بألمانيا - عام ١٩٦٨.
عين مدرسًا للفلسفة الإسلامية بكلية أصول الدين جامعة الأزهر - عام ١٩٦٩، كما عمل أستاذ مساعد - عام ١٩٧٤، وعمل أستاذ - عام ١٩٧٩، ثم وكيلاً لكلية أصول الدين بالقاهرة ورئيس قسم الفلسفة والعقيدة (١٩٧٨- ١٩٨٠).
انتمى د.زقزوق إلى مدرسة التجديد التى أنتجها الأزهر على يد العلامة محمد عبده، توجت بجلوسه على مقعد وزير الأوقاف بعد لقاء تليفزيونى ناقش خلاله قضايا فكرية رشحته بقوة إلى منصب الوزير فيما يزيد علي عقد ونصف من الزمان وحتى عام ٢٠١١.
توفى الأربعاء ١ أبريل ٢٠٢٠، عن عمر يناهز الـ٨٩ عاما.
يؤكد دكتور زقزوق في كتابه "الفكر الديني وقضايا العصر" على الخلل الذى أصاب الفكر الديني منذ وقت بعيد، فهو على حد قوله ليس وليد اللحظة فيقول: "لا جدال في أن هناك خللاً ما في الفكر الديني المعاصر، ولكن هذا الخلل ليس وليد اليوم، فهو خلل يمتد لقرون عديدة سابقة شهدت تراجع الحضارة الإسلامية. وقد انعكس هذا التراجع على الفكر الديني إن لم نقل إن تخلف الفكر الديني كان أحد أهم أسباب هذا التراجع. ويدل على ذلك أن جهود العديد من المصلحين على مدى القرون الماضية قد انصبت على إصلاح الفكر الديني اقتناعاً منهم بأن إصلاح الفكر الديني هو السبيل إلى إصلاح الفكر بصفة عامة، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس بدوره على أحوال الأمة في شتى أنحاء العالم الإسلامي، ولأول مرة نجد عالماً من المؤسسة الدينية الرسمية يعترف بحقيقة التراجع والخلل الذي أصاب الفكر الديني على مدار قرون سابقة.
ويستطرد "د. زقزوق" مناقشة الفكر الديني بالفصل الأول والذي عنونه بـ "الفكر الديني والحقائق الغائبة" حيث يتضمن معنى "تجديد الفكر وأهميته من ناحية ثم يشتبك مع هذا التيار الذي يصر على الثبات ويعتبر كل تجديد إنما هو نوع من التخلي عن الديني وأن ما قدمه الأولون لا يستطيع الآخرون الإتيان به، وأن أسلافنا قد امتلكوا الحقيقة كاملة، وما علينا سوى أن ننهل من علمهم، فيقول "ولكن التيار الأعظم من علماء المسلمين على مر العصور وقف عقبة في طريق أي تجديد، ناهيك عن أي اجتهاد. ومن هنا تجمد الفكر الديني وتجمد الاجتهاد، ووقف الفكر الديني عند فترات التراجع الحضاري يجتر من تراثها ويعود باستمرار إلى ما أفرزته من جمود فكري متحجر، فالدين في عرف هذا التيار ليس في حاجة إلى تجديد أو اجتهاد جديد، وذلك في تحد واضح للمأثور النبوي..، وترسيخاً لهذا الفهم المتخلف في الفصول انتشرت بين المسلمين مقولات تقول: "ليس في الإمكان أبدع مما كان"، "ولم يترك الأول للآخر شيئاً" ويستكمل د.زقزوق خطابه في هؤلاء العلماء فيقول: "وتقنع الغالبية العظمى من علماء الدين في عالمنا العربي والإسلامي بما لديهم من علم قديم وثورة على الأسلاف، وينامون خريري الأعين يغطون في سُبات عميق لا شأن لهم بما يدور في عالم اليوم، يسخرون من دعاة التجديد ويعتبرونهم مارقين خارجين عن جادة الصواب، أما غيرهم ممن يحتكرون "الإسلام" لأنفسهم ويقصون غيرهم من ساحته فكل همهم هو الحصول على مكاسب سياسية تصل بهم إلى كراسي الحكم. وهكذا يتجنى هؤلاء وأولئك على الإسلام أكثر من جناية خصومه عليه".
وينتقل بنا د.زقزوق إلى مفهوم من ضمن المفاهيم الهامة التي يناقشها في كتابه ألا وهي (الاجتهاد والتقليد وفقه الواقع) إذ يؤكد على أهمية الاجتهاد بالنسبة للدين والحياة، كذلك يبين أهمية الفروق والاختلاف في القضية الواحدة لدى الفقهاء إذ يقول: "... ومن المعروف أن النصوص التي يرجع إليها الفقهاء محدودة، ولكن وقائع الحياة ومستجدات كل عصر، ومن أجل ذلك فإن انزال النصوص على وقائع الحياة يتطلب عقلاً راجحاً وأفقاً واسعاً وفقهًا واعياً. وقد أدرك علماء الأمة وفقهاؤها ذلك جيدًا منذ الصدر الأول للإسلام، وأعملوا عقولهم في فهم النصوص من جانب، وفي إنزالها على وقائع الحياة من جانب آخر، والتمكن من هذين الجانبين يعد أمراً ضرورياً للتوصل إلى رأي فقهي سديد".
ونظراً لأن العقول تتفاوت والأفهام تختلف في إدراكها وتصوراتها كان من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في الآراء بين المجتهدين على مر العصور.
ومن هنا نشأت مذاهب الفقه الإسلامي المتعددة. وكان ذلك تيسيرًا على جمهور المسلمين، وانتشرت بينهم عبارة "اختلافهم رحمة".
وهكذا كان مبدأ الاجتهاد فتحاً جديداً في تاريخ التشريع الإسلامي، ويستطرد د.زقزوق مبينا استمرارية الاجتهاد وأهميته وأضرار التخلي عنه فيقول: "والاجتهاد في الإسلام مبدأ مستمر على مدى الأزمان، وليس خاصاً بفترة زمنية معينة، والفقهاء في كل العصور مطالبون بالاجتهاد دون توقف. وإذا كان صاحب الشريعة قد فتح لنا باب الاجتهاد على مصراعيه فليس من حق أحد كائناً من كان أن يغلق هذا الباب. فإغلاقه يعد إغلاقاً لرحمة الله، وإغلاقاً للعقول ومصادرة على حقها في الفهم والتفكير. وهذا يعني ترك الأمور للتقليد: تقليد الأسلاف فيما توصلوا إليه من فهم كان ملائماً تماماً لعصورهم وملبياً لحاجاتهم. ومن الحقائق التي لا مراء فيها أن الحياة متجددة، فالتجديد سنة الحياة وقانون الوجود، ولا يوجد شيء يبقى على حاله، فحتى خلايا جسم الإنسان تتجدد بصفة مستمرة. وقد أراد الإسلام لنا أن نمارس الاجتهاد لنواكب متغيرات كل عصر".
وحول العلاقة بين الدين والفلسفة واستخدام العقل يقول "والفهم الصحيح للإسلام لا يمكن أن يؤدي إلى رفض الفلسفة أو يحرم التفلسف الذي يعني استخدام العقل الإنساني. ومن هنا حرص الفلاسفة المسلمون على التوفيق بين العقل والدين وإزالة ما قد يبدو من تناقض بينهما".
وينطلق د.زقزوق من هذه العلاقة بين الدين والفلسفة إلى العقل الانساني ودوره في التقدم الحضاري متحدثاً عن التفكير النقدي وأهميته للتطور الحضاري وقضية الكم والكيف في ميزان العقل والدين إلى الحرية وضوابطها الأخلاقية معرجاً على قيمة الوقت في حياتنا. وهذا ما تضمنه الفصل الثاني من الكتاب.
سياسة
مجددون.. محمود حمدى زقزوق.. الاجتهاد فتح جديد فى تاريخ التشريع الإسلامى
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق