هناك شيء معنوي محسوس يلمس القلب وتزداد قوته وصلابته كلما تصالح العقل مع القلب، نتذكر الضمير في كثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، فحينما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم وسألهم مبتدأ بسيدنا ابي بكر: ماذا تحب من الدنيا؟ فقال ابي بكر (رضي الله عنه) أحب من الدنيا ثلاث: الجلوس بين يديك – والنظر اليك – وأنفاق مالي عليك. وانت ياعمر؟ قال: أحب ثلاث: أمر بالمعروف ولو كان سرًا – ونهي عن المنكر لو كان جهرا – وقول الحق ولو كان امرا.
وانت يا عثمان؟
قال: أحب ثلاث: اطعام الطعام – وإفشاء السلام – والصلاة باليل والناس نيام. وانت يا علي؟ قال احب ثلاث: اكرام الضيف – الصوم بالصيف – وضرب العدو بالسيف.
وحينما نحلل كلام الصحابة وبالتحديد كلام الفارق رضى الله عنه، حينما قال أحب قول الحق ولوكان مرًا، ونتأمل قوله: ( لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها: لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر )، نجد في تلك الكلمات أسمى معاني لقيم الضمير الإنساني.
الضمير هو كما يؤكد المفكر والأديب الفرنسي فيكتور هوغو، هو حضور الله في الإنسان، فكلما تذكرت الله في أعمالك وأقوالك، كلما نمى هذا الجهاز الراقبى داخلك، أصحبت أكثر إيمانيًا وأكثر إنسانية وأكثر صلابه.
دعني عزيزي القارئ، أوضح لك لماذا شغلتني مسألة الضمير الإنساني ؟، والتي سأفرغ لها سلسة مقالات، بعد أن استللت قلمي من غمده.
إن غياب الضمير عن معاملات البشر كغياب الضوء عن كاشفات الظلام، فمثلًا للتوضيح حينما أضحى الكذب والتسويف لغة كثير من المسؤولين مما أدى إلى تقلص نسبة الظهير الشعبي للعديد العديد من الحكومات والنظم، وأصبح مبدأ التشكيك والتربص مادة فعالة تتحول إلى لهب يحرق أي سبيل للتقدم والاستقرار حينما يختلط بتصريحات مسؤول ما كان أو وزير او …الخ.
عزيزي القارئ، أن الأمر تحول إلى أن غياب الضمير عن بعض من يحلمون لقب علماء الدين، وبعض من يحلمون لقب التربويين، وهم بمثابه ” دماء الأمم ”، مهد السبيل لتربة الجهل والضلال أن تنبت أفكار مسمومة تغذى طيور الظلام، والإرهابيين، والعملاء والخونة، الذين انجرفوا إلى طريق الضلال نازعين عقولهم، بعد أن فقد ” طريق الحق ” قوته في غياب الضمير في المعاملات والثقافة والقدوة الحسنه.
وتأكيدًا لكلامي هذا، أستشهد بقول المفكر والعالم الجليل الدكتور مصطفى محمود: إن كل ما بالعالم من كوارث وأزمات ومحن وحروب ومجاعات ينبع من أصل واحد وهو أزمة الضمير الإنساني وما أصابه.
إذا فلابد من وقفة كأفراد لإعادة إحياء الضمير الإنساني في مجتمعنا ومعاملاتنا، كالصدق وعدم شهادة الزور، وعدم اتباع الأهواء في القرارات كمسؤولين، وغرس قديم العدالة الاجتماعية كحكومات، كل ذاك وذاك، ركائز لبناء دولة الضمير داخل دولة الأمم والشعوب.
وحينما نبدأ بالحديث عن حلول لذلك على المستوى الفردي، فعلى كل فرد أن بفرغ لنفسة مساحة من الوقت يحدث فيها ضميره: فعلت ذاك …وذاك …ذاك، فإن وجد ما يفعله مع غيره يتفق مع مايريد أن يفعله الغير معه، او ينسجم مع عقله متصلا بقلبه، فذاك يعاني أنه متصالح مع ضميره ومع ذاته، أما عن ما يناقض ذلك، فيعنى أن الضمير يحتاج إلى أعادة إحياء، وآسف أن أقول لك يا عزيزي: أن نفسك ضعفيه تحتاج الى أن تتصالح معها …فمن منا فكر في يوم ما أن يتحدث مع ضميره ؟!
ثمرات الفكر:
الضمير هو نقطه الالتقاء بين القلب والعقل، فاذا أردت أن تحيى ضميرك،فعليك أن تصالح قلبك على عقلك !
وللأفكار ثمرات مادام في العقل كلمات وفى القلب نبضات..مادام في العمر لحظات.