الكتاب يكشف علاقة الإخوان بالتيارات المتطرفة واستغلالها الثغرات الفكرية
الكاتب: الخوارج أفضل من جماعة الإخوان.. ووصفهم بخوارج العصر ليس دقيقًا
صدر مؤخرًا كتاب «بيت العنكبوت.. قراءة فى الأصول العقدية المؤسسة للجماعة» عن دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع بالقاهرة للكاتب الصحفى محمد يسرى صقر، الباحث المتخصص فى الجماعات الإسلامية.
الكتاب دراسة موضوعية عن ماهية جماعة الإخوان المسلمين فى ميزان العقيدة الإسلامية، يقارن بين الجماعة وبين جميع الفرق الإسلامية الرئيسة، فى قراءة متخصصة؛ بحثا عن تصنيف مناسب لها، يمكن وضعها فى إطاره الفكرى والتاريخى بين هذه الفرق والمذاهب المختلفة.
قسم المؤلف كتابه إلى 10 مباحث شرح فيها الجماعة، وأعمل فيها مبضع الجراح حتى يسبر غورها، ويكشف خفاياها، وعلاقاتها المتشعبة بكل التيارات والفرق والمذاهب، فهو يأخذك فى جولة علمية ممتعة، إلى مناطق فكرية داخل الجماعة، قد لا ينتبه لها المنتسب إليها، فيفيق على أنه اختار الطريق الخطأ، لأن غايته من الانتماء للجماعة تخالف ذلك، إضافة إلى أنه يبرز كيف تستغل الجماعة الثغرات الفكرية الموجودة فى الكثير من التيارات والاتجاهات الأيديولوجية المختلفة، وتنفذ منها إليها بصورة ناعمة، تؤدى إلى حدوث تحولات عميقة فى هذه التيارات فيتحول منهجها إلى خليط بين فكرها وأفكار جماعة الإخوان. وضرب على ذلك أمثلة متعددة داخل مصر وخارجها.
ثم يبدأ المؤلف حديثه عن تعريف الإسلام عند الإخوان المسلمين، وكيف ينظرون إليه، وكيف يحرفون ويشوهون صورة الإسلام، بما يتوافق مع رؤية أعدائه على أن الإسلام لم يأت لإقامة أمة تسير فى ضوء وحى السماء، بل يعتبرون هدفه إقامة دولة وأن النبى كان زعيما سياسيا، وهذه إحدى رؤى المستشرقين الذين يستهدفون الإسلام.
ويستشهد المؤلف بما كتبه الإخوان ومفكروها عن ماهية الإسلام باعتباره انقلابا، وأن النبى صلى الله عليه وسلم – حاشاه أن يكون- قد جاء من أجل إحداث انقلاب وفند تلك الافتراءات على الإسلام وعلى مقام النبوة بالأدلة الشرعية، وأقوال أهل العلم القدماء والمحدثين.
ثم بدأ المؤلف فى البحث عن ماهية الجماعة بين الفرق والمذاهب الإسلامية، وفى هذا الإطار يجيب الكتاب عن مجموعة من الأسئلة: هل الجماعة من الخوارج؟ أم من المرجئة؟ أم من المعتزلة؟ أم من الأشاعرة؟ أم طريقة صوفية؟، أم جماعة سلفية؟، أم حزب سياسى؟ أم هى تيار ليبرالى؟ وكيف ولماذا تظهر فى صور متعددة، تأخذ من كل فرقة بسبب، ومن كل جماعة بطرف؟.
وفى الإجابة عن السؤال الأول يضعك الكاتب فى حيرة شديدة، فكثيرون وصفوا جماعة الإخوان بإنها خوارج العصر، لكن الكاتب بما يملكه من ملكة علمية متخصصة فى العقيدة والجماعات والفرق، يصدمك برفضه وصف الإخوان بالخوارج، ويلح على أن هذا الوصف فيه مكرمة لجماعة الإخوان التى تشترك مع الخوارج فى الكثير من الجوانب، كالتكفير-ومنه التكفير اللاإرادى- وإثارة الفوضى ومنابذة السلطات والخروج على الحكام.
ومن هذا المنطلق يكشف المؤلف القدر المشترك والقدر الفارق الذين يجمعان بين الإخوان المسلمين وفرقة الخوارج المعروفة عبر التاريخ الإسلامى، والتى ظهرت فى الصدر الأول للإسلام، ويشير إلى أنه رغم ما يحمله الخوارج الأوائل من صفات سيئة إلا أن هناك نقاطا مضيئة لديهم، وهى الورع والتقوى، وشدة العبادة والزهد فى الدنيا، وهو ما أوضحه النبى صلى الله عليه وسلم حين تحدث عنهم وأخبر الصحابة رضوان الله عليه بحالهم وقال: «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم» وهذه الأشياء ليست لها وجود عند الإخوان، كما أن الخوارج من أصولهم تكفير مرتكب الكبيرة، والكذب لديهم من الكبائر، وبالتالى هم لا يقعون فى هذه الكبيرة المكفرة- بالنسبة لهم-، ولهذا فقد اعتد علماء الحديث برواياتهم، وأخذوا منهم فى أحاديثهم التى رووها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها أحاديث فى صحيح البخارى نفسه من رواية الخوارج، نظرا لأمانتهم وعدم كذبهم.
ويوضح المؤلف أن جماعة الإخوان تفتقد تماما للصدق؛ بل تعتبر الكذب وسيلة ومنهجا ضمن أصول وسائلهم الدعوية، وبهذا يوضح المؤلف أن الخوارج أفضل من جماعة الإخوان وبالتالى يعتبر أن وصفهم بخوارج العصر ليس دقيقا.
ثم تنساب تفاصيل الكتاب فى قراءة ممتعة أشبه بالاشتباكات الفكرية مع الجوانب المشتركة بين جماعة الإخوان والفرق الإسلامية الرئيسة كالمعتزلة والأشاعرة والصوفية والسلفية والمرجئة، وكذا الاتجاهات الفكرية الحديثة كالليبرالية، والأحزاب السياسية.
تتميز هذه الاشتباكات بأنه تدخل مناطق حساسة من الناحية الفكرية والعقدية، وتتناول بالبحث والتنقيب الكثير من الأصول العقدية داخل هذه الفرق، ولا ينسى المؤلف طبيعة تكوينه الفكرى ودراساته فى العقيدة والمذاهب فيدخل على الهامش فى اشتباك مباشر مع أفكار كل فرقة التى تغذت عليها أو سرقتها جماعة الإخوان لتثبت لنفسها امتدادا إسلاميا.
ومع ذلك فقد تجده لا يخفى اتجاهه الفكرى داخل هذا الاشتباك المباشر، فتخرج من القراءة بفوائد متعددة غير فهمك لطبيعة الإخوان. وكيفية اختراقها لجميع التيارات الفكرية.
يتضمن الكتاب أيضا مقارنتين تعتبران فريدتين من نوعهما بين مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، وبين علمين بارزين من أعلام التيارات الإسلامية الإصلاحية والصوفية، فيعقد مقارنة علمية بين كل من حسن البنا وجمال الدين الأفغانى، والعوامل المشتركة بين شخصيتيهما ودعوتهما لإنشاء كيان إسلامى جامع، يتمثل فى الجامعة الإسلامية للأفغانى، وجماعة الإخوان لحسن البنا.
كما تضمن أيضا مقارنة بين حسن البنا مؤسس الإخوان، وبين القطب الصوفى السيد أحمد البدوى وما بينهما من تشابه دقيق فى تفاصيل كثيرة، وما يتميز به الكتاب، أن مؤلفه باحث متخصص فى الجماعات الإسلامية، علاوة على دراساته الأكاديمية والشرعية التى تجعله مؤهلا لمناظرة تلك الجماعات، وتفنيد أفكارها من الداخل.
ويرصد المؤلف الأسباب التى دعته لتصنيف الكتاب فى مقدمته فيقول: «من أعظم الابتلاءات على أمة الإسلام، أن ظهر فيها فى كل العصور من حاول أن يفرق كلمتها من الذين وصفهم النبى صلى الله عليه وسلم بأنهم الأئمة المضلون، كل يدعو إلى طريقته ويزعم أنها صراط الله المستقيم، وأن فى اتباعها النجاة من الهلاك والوصول إلى مرضاة الإله، ببدع ابتدعوها وأحوال تقمصوها، ومسالك درجوها، تبتعد وتقترب عن سبيل الرشاد بقدر ما تحمل من البدع والضلالات.
وأضاف: فى عصرنا الحديث، فى القرن الهجرى الرابع عشر ظهرت جماعة الإخوان المسلمين، فى ظرف سياسى واجتماعى ودينى فريد؛ فانجذب إليها الكثير من خواص الأمة وعوامها، منهم من ظن أنها تقربه إلى الله، ومنهم من أراد غير ذلك، ولما توالت الأحداث وظهرت أخطاء الجماعة احتار الكثيرون فى وصفها، فهل هى مذهب جديد؟، أم فرقة من الفرق؟، أم حزب من الأحزاب؟، أم نحلة من النحل؟، وراحوا يلصقون بها المسميات بقدر علمهم بحالها، وبقدر الموقف الذى استدعى الحكم عليها فيه، وكان أقرب وصف لها لدى أغلب أهل العلم بأنها تمثل خوارج العصر، وهو وصف يقترب كثيرا من حقيقتها، بقدر ما يبتعد عن توصيفها العلمى بشكل دقيق».
وحول وصف الإخوان بخوارج العصر يقول المؤلف: رغم أن وصف الإخوان بخوارج العصر، قد نال شبه إجماع من علمائنا الأكابر فى جميع أنحاء العالم الإسلامى، إلا أننا رأينا أن وصف الإخوان بالخوارج، فيه مكرمة كبيرة لهم؛ لوجود الكثير من الاختلافات بين الخوارج، كفرقة لها صفاتها وسماتها المميزة، وجماعة الإخوان المسلمين، رغم الاتفاق فى الأصل الذى يجمعهما وهو التكفير، وإباحة الخروج على أئمة المسلمين، ولأن هذا الأصل يشترك فيه الكثير من الفرق المنحرفة- إن لم يكن كلها- فقد جعلنى هذا أستأذن شيوخنا الأجلاء من أهل العلم وطلابه فى أن أختلف معهم فى اعتبار أن جماعة الإخوان المسلمين لا تمثل فرقة الخوارج فحسب، وأن أصنف هذا المؤلف المتواضع للبحث عن حقيقة الجماعة من الناحية العقدية، وهى دراسة تبحث فى الأصول العقدية لجماعة الإخوان المسلمين.
ويضيف: «الحقيقة فإن دراسة هذه الجانب لدى الإخوان، من الأمور التى تحير الباحث، إذ تميزت عقيدة الجماعة منذ تأسيسها بالاضطراب وعدم ثبوت الحال، وهو ما اعترف به حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين فى الكثير من المواضع بمؤلفاته المحدودة، ولعل السبب فى ذلك يرجع إلى نزعة الاستحواذ التى تسيطر عليها؛ فجعلتها قابلة لكل صورة كما قال ابن عربى: لقد صار قلبى قابلا كل صورة، فمرعى لغزلان.. ودير لرهـبان، وبيت لأوثان..وكـعــبـة طـائـف، وألواح توراة.. ومصحف قرآن».
فإذا ذكر الخوارج لم تر الجماعة إلا فى ثوبهم، وإذا ذكر الشيعة يهرولون للتقرب منهم، وإذا ذكر المعتزلة اعتزلوا الجميع، وصاروا منهم، وإذا ذكر الأشاعرة صاروا من أئمتها، وكانوا أكثر منهم أشعرية، وإذا ذكر الصوفية، خلعوا كل ذلك وارتدوا الخرقة والعمامة والراية، فهم يضربون فى كل فرقة بسهم ويأخذون من كل نحلة بسبب.
وقد نجحت الجماعة بهذا التلون فى اختراق المجتمعات المسلمة، وهو ما جعل الكثير من المخلصين ينخدعون بها، ويظنون بها الخير، خاصة وأن الجماعة تروج لفكرة أنها تحمل الإسلام وتحمى حماه، وأن ما يحدث لقادتها وأعضائها، من ملاحقات هو نوع من الابتلاء الذى يصيب الأولياء والأنبياء وخاصة الخاصة، من أهل الطريق إلى الله.
ولذلك فقد رأيت فى هذه الدراسة أن أحاول مجتهدا قدر استطاعتى إظهار الانحرافات العقدية لدى الإخوان المسلمين، لإنارة الطريق لمن خدعوا بها وتعبيده أمامهم ليكون سهلا أمام عودتهم عن هذا التيار، الذى لم يحقق أى خير للمسلمين منذ نشأته إلى اليوم، كما لم يحقق لأتباعه إلا المتاعب والمآسى التى ضاعت أعمار الكثيرين منهم خلف القضبان أو على أعواد المشانق بسببه.
ولا شك لدينا أن معرفة طبيعة الجماعة من الناحية الاعتقادية هى أقصر الطرق لوضعها فى ميزان السنة، كى لا يكون لمن يصر على الانتماء لها حجة على إصراره إلا الميل والهوى، وفى الوقت نفسه تجعل من السهل تحليل مواقفها السياسية والدينية فى محيطها وبيئتها التى اتسعت لتشمل ٨٠ دولة إسلامية، كما تيسر معرفة كيفية تطور أفكار الجماعة وظهورها فى شكل جماعات أخرى تتوالد عبر السنين حتى قام بعضها بتكفير الإخوان المسلمين من جملة من كفروا.
وقد قسم المؤلف الكتاب إلى عشرة مباحث تضم:
المبحث الأول: يتناول نظرة الجماعة لطبيعة الإسلام، واعتبارهم أنها الممثل الشرعى للإسلام، والوريث الوحيد للنبوة فى القرن الهجرى الرابع عشر.
المبحث الثاني: ويتناول القدر المشترك بين الإخوان المسلمين والخوارج وكذلك أبرز الفروقات بينهما.
المبحث الثالث: ويشمل أوجه التشابه بين الإخوان والشيعة، ويتناول مقارنة علمية بين حسن البنا وجمال الدين الأفغانى، وجهود الاثنين فى التقريب بين السنة والشيعة، كما يتناول الكثير من الصفات المشتركة بين الفرقة والجماعة، ومنها سرية الدعوة والإمامة والمظلومية، ونظرة أعلام الجماعة للسنة والصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
المبحث الرابع: ويتناول أوجه التشابه بين الجماعة والمرجئة، والرد على الشبهات التى يحاول المنتمون للإخوان إلصاقها بأهل الحديث والأثر ونعتهم بأنهم مرجئة العصر، ومنهم الإمام الألبانى- رحمه الله-، ويخرج المبحث فى نهايته بنتيجة مفادها أن الإخوان هم أقرب ما يكونون فى هذا الباب إلى المرجئة، وأن هذه الصفة من نصيبهم هم.
المبحث الخامس: وفيه مقارنة فكر الجماعة بالمدارس الكلامية، ويتناول أوجه التشابه بين الإخوان والمعتزلة فى باب التوحيد، كما يتناول أيضا الاختراع الجديد الذى ظهر على أيدى المتأخرين من قياداتها وهو "فقه الواقع" وموقف الشرع من هذا اللا علم.
المبحث السادس: ويتناول دراسة مقارنة بين الإخوان والأشاعرة فى باب التوحيد والأسماء والصفات ومفهوم الإيمان، واعتماد الجماعة على التأويل والتفويض فى هذا الباب، والذى انسحب على نظرة الجماعة لكل نصوص الشرع.
المبحث السابع: وفيه عقد المؤلف أول مقارنة علمية بين حسن البنا مؤسس الإخوان والقطب الصوفى السيد أحمد البدوى، وهى مقارنة رغم بساطتها وطرافتها، إلا أنها تعد من النوادر فى هذا البحث، إذ لم يقف المؤلف على مقارنة موضوعية بشكل منهجى بين الاثنين، الذى اشار إلى أنه ربما وصل إليها غيره ولكن لم تصل إليها يده، كما أبرز الأصول الصوفية للجماعة؛ حيث تعتبر الإخوان طريقة صوفية لها نظامها، ومنهجها وعباداتها الخاصة وشيخها وإمامها وأورادها وشعارها، كما هو الحال فى جميع الطرق الصوفية.
المبحث الثامن: الإخوان المسلمون جماعة سلفية، ويلقى الضوء على نموذج من تشويه جماعة الإخوان المسلمين للسلفية، وما وقع من الجماعة فى المملكة العربية السعودية.
المبحث التاسع: ويتناول نظرة الجماعة للأحزاب السياسية منذ تأسيسها إلى اليوم، وكيف كان ينظر حسن البنا إلى الحزبية، ووهم رفضه لها، وتأويل شراح فكر حسن البنا لهذه القضية، والنتائج التى توصلوا لها فى ذلك، والتى أدت إلى اعتماد الحزبية فى أدبياتهم، والتى كانت نهايتها إنشاء حزب الحرية والعدالة فى مصر، وغيره من الأحزاب المماثلة فى الكثير من الدول العربية والإسلامية، ومنها حزب النهضة فى تونس والعدالة والتنمية فى تركيا.
المبحث العاشر: ولعله يكون صادما للمنتمين للجماعة على أساس دينى، حيث أثبت فيه أن الإخوان ليست جماعة دينية، بل تكاد تكون تيارا ليبراليا.
وفى النهاية يخرج المؤلف بنتيجة من خلال تلك الرحلة الطويلة والدقيقة فى تكوين جماعة الإخوان، إلى أن الإخوان المسلمين حالة متفردة لا يمكن وضعها فى إطار فكرى جامع مانع، إذ تعتمد على التلون، بحسب مصالحها، فتظهر فى صورة مختلفة وتتمكن من خلالها من اختراق جميع التيارات والأيديولوجيات وتصبغها بلونها فى النهاية.