الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ليوناردو دينى يكتب: فنلندا والسويد.. ما هى العواقب المحتملة لانضمام الدولتين لحلف الناتو؟.. تظل الحرب الوسيلة الأكثر بدائية والأكثر شرًا لحل النزاعات الدولية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما حدث فى الأيام الأخيرة بعد تبديد تحفظات تركيا وبعد إزالة ريبة مجر أوربان بشأن انضمام فنلندا إلى الناتو، لا شك أنه يمثل تحولًا استراتيجيًا. وبعد فنلندا، أصبح يتعين على السويد التغلب على العقبات الأخيرة.
ومع ذلك، فإن المشكلة الحقيقية تكمن فى العواقب المباشرة وغير المباشرة لهذا الدخول على المستوى الدولى وما يسمى "هيكل الأمن الأوروبي" الذى هو فى طريقه إلى النور. فقد أدت معاهدة تارتو واتفاقية عدم الاعتداء المتبادلة بين الاتحاد السوفيتى وفنلندا التى أُبرمت فى عام ١٩٠٠، إلى صراع محدود عام ١٩٣٩. فى ذلك الوقت، قال ستالين حرفيًا: "لا يمكنك تغيير الجغرافيا، ولا يمكننا تغييرها أيضًا، إذ أنه لا يمكن نقل لينينجراد إلى مكان آخر، ولكن يمكننا نقل الحدود إلى أبعد من ذلك".. لاشك أن هذه العبارة تناسب بوتين تمامًا اليوم.
تاريخيًا، استطاعت فنلندا، فى القرن الماضى أن تشكل حالة فريدة بين الدول الاسكندنافية، وذلك بالدفاع عن نفسها، حتى ضد هجوم الجيش الأحمر لستالين فى عامى ١٩٣٩ و١٩٤٠، وبالتالى صد العدوان حتى لو أجبرتها معاهدات موسكو على التنازل عن كاريليا ومناطق أخرى.
ولكن تظل الحقيقة هو أنه اليوم، رغم عصر التسليح عالى الدقة التكنولوجى الذى يضمن الأمن، ورغم المظلة الحامية لحلف شمال الأطلسي، فإن الدفاع عن فنلندا ضد روسيا أصبح أمرا أكثر تعقيدًا وصعوبة. ليس فقط لأنها - تمامًا مثل أوكرانيا- ولكن لأنها تقع على حدود روسيا مباشرةً من جهة الشمال، كما أنها - كما حدث فى أوكرانيا - محفوفة بالمخاطر بسبب الإجراءات العسكرية التقنية الروسية الجديدة المعدة استجابةً لعضوية الناتو.
يضاف إلى ذلك، تم تحويل بحر البلطيق وبحر الشمال المجاور منذ سنوات إلى بحر تسكنه الغواصات الروسية التى تمتلك أيضًا صواريخ بوسيدون الذرية والقادرة على التسبب فى تسونامى عريض.. وبذلك استطاع الأسطول الروسى فى بحر البلطيق والبحر الأسود أن يحكم سيطرته حول فنلندا والسويد.
تذكر أن فنلندا كانت تنتمى لأكثر من قرن إلى روسيا منذ قياصرة رومانوف، فى الفترة ما بين ١٨٠٩ إلى ١٩١٧، وأنها كانت وريثة الدوقية الكبرى للعرش الروسى، تمامًا مثل إمارة أستورياس فى إسبانيا أو ويلز فى إنجلترا. وقد أصبحت الحدود بين روسيا وفنلندا منذ فترة طويلة تمثل إشكالية ولذلك أغلقت فى وجه الهجرة الروسية، بما فى ذلك أولئك الذين رفضوا المشاركة فى الحرب.
وقد استطاعت الأغلبية اليمينية بقيادة ريكا بورا وبيترى أوبرو مؤخرًا أن تشكل الحكومة بعد الفوز فى الانتخابات لتحل محل الحكومة التى كانت ترأسها رئيسة الوزراء الشابة المتميزة سانا مارين وهى حكومة تقدمية والجناح اليسارى فى هذه الحكومة يؤيد بقوة الانضمام إلى الناتو وفازت فى الانتخابات من خلال اللعب على هذه القضية وعلى قضايا أخرى، لا سيما تلك المتعلقة بالاقتصاد والهجرة.
الحالة الخاصة للسويد والدنمارك الجارتين
بعد فنلندا، تبدو السويد سياسيًا أكثر اتحادًا فى ما يتعلق بمسألة الناتو ومع ذلك فهى تنادى بدور الحكم الذاتى فى الدفاع، على الرغم من التآزر مع فنلندا. فان التآزر سيمتد لا محالة إلى الدنمارك "الشريك النشط جدًا مع أوكرانيا فى المساعدة العسكرية": يمكننا أن نعطى مثالًا لأنظمة الدفاع الحالية الأكثر فعالية فى أوديسا. الدنمارك لديها جيش جيد، بينما تراهن فنلندا والسويد دائمًا بإصرار على الحياد والسلام.
العودة إلى فنلندا فى عملية "إلغاء الحياد"
لطالما كانت فنلندا، من الناحية الجيوسياسية، مرادفة لدولة محايدة، بحكم التعريف، لدرجة أنه قبل الحرب الروسية الأوكرانية، تكهن الكثيرون بحل دبلوماسى لأوكرانيا على غرار فنلندا، بما يعنى "فنلندة" الأراضى الأوكرانية، ولذلك أصبحت مكانًا محايدًا فى أوروبا. ولكن اليوم تلاشت هذه الفرضية، إذ نشهد ظاهرة معاكسة: "إلغاء حياد" فنلندا. فى رقعة الشطرنج الجيوسياسية المعقدة هذه، يبدو أن دور دول البلطيق السوفيتية أصبح دورًا محوريًا (بالإضافة إلى جيب كالينينجراد الروسى)، لأنهم أكثر عرضة بشكل موضوعى للأهداف التوسعية الروسية، لدرجة أنهم يكادون يمثلون بديلًا للتوسع الروسى فى جميع أنحاء أوكرانيا وبحدود بولندا. على الرغم من أنها فرضية نظرية بحتة، يمكن أن تكون فنلندا يومًا ما موضوع مطالبات من جانب الروس، سواء بسبب الأمن العسكرى لروسيا أوبسبب قربها من سانت بطرسبرج وانتمائها السابق لروسيا فى الماضي.
 


تهديد بوتين باتخاذ "إجراءات عسكرية تقنية ضد فنلندا الأطلسية الجديدة
وعندما نجد روسيا تتحدث عن "الإجراءات الفنية العسكرية" التى يتعين اتخاذها ضد فنلندا والسويد، فإذا بنا نجد أنفسنا أمام نفس المفردات التى استخدمتها روسيا قبل وقت قصير من غزو أوكرانيا.. فى الواقع، اتخذت روسيا بالفعل خطوات لتعزيز دفاعاتها وقوتها العسكرية فى الجزء الشمالى من البلاد، على الحدود مع فنلندا، ولا سيما من خلال زيادة قواتها الجوية والصاروخية. ولكن من الناحية الموضوعية، أصبح الوضع الآن متناقضًا، إذ يتعين على روسيا التحكم فى نظامها الأمنى الذى يتسرب فى كل مكان ولم شتات نفسها أكثر بكثير مما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا، فهى محاطة بدول الناتو وحدود الناتو. كل هذا يزيد أيضًا من مخاطر الحوادث العسكرية العشوائية القادرة على التسبب فى عواقب لا يمكن السيطرة سواء بالنسبة للناتو أوالروس.
لقد تغيرت التوازنات بشكل جذرى ذلك أن من خلال الرغبة فى الانضمام إلى الناتو، تخلت فنلندا والسويد عن دورهما التاريخى فى حفظ السلام وعن كونها دولًا محايدة راغبة فى الابتعاد عن الحروب. وبالتالى، فإن تداعيات توسع الناتو تخلق مشاكل أمنية إضافية لم تكن متوقعة من قبل لروسيا، وحتى فى البحار، لأنه فى الجنوب، أصبح للأسطول الروسى الآن وجود واسع وبشكل يومى فى البحر الأبيض المتوسط، مما غير جميع التوازنات الإستراتيجية، خاصةً وأن الجيش الروسى "استولى" على بحر آزوف وتقريبًا أحكم كل سيطرته على البحر الأسود، باستثناء منطقة أوديسا والمنطقة التركية، بحيث أصبح بحر الشمال بحر البلطيق الآن يشهد وجودًا روسيًا موسعًا يتوازن مع توسع الناتو. يمكن أن يكون للعبة الشطرنج هذه نتائج خطيرة للغاية. إذ تؤكد هذه الأمور عبثية الصراع العسكرى المتزايد بين الشرق والغرب،وبالتالى بين أمريكا وأوروبا وروسيا وحلفائها.
الرهانات الحقيقية لهذه الحرب العالمية الثالثة المستمرة
فى الحقيقة أن المجتمع المدنى الفنلندى والسويدى لم يتغير ولا يزال سلميًا ومسالميًا بشكل أساسي، لكن السيناريوهات الدولية تغيرت كثيرًا.
هكذا، من ناحية، يعتمد الناتو بشكل أساسى على القوة العسكرية الأمريكية ثم البريطانية والفرنسية جنبًا إلى جنب.
ومن ناحية أخرى، لا تزال روسيا بإمكانها الاعتماد على المساعدات العسكرية المتقلبة للغاية من حلفائها، أى المرنة وغير الواضحة، حتى لو وضعنا جانبًا سيناريوهات الأزمة المتزامنة فى أوكرانيا وبحر الصين، فان وضع فنلندا والسويد، جنبًا إلى جنب مع دول البلطيق وأوكرانيا يظهر على الخط الفاصل بين الشرق والغرب. باختصار ليس كستار حديدى جديد، بل فى شكل حرب تستقر فى المنظور الاستراتيجى لتقرير التوازن العالمى الجديد بين أمريكا والصين، المنافسين الحقيقيين وراء الكواليس رغم الإرادة شبه الهامشية لأوروبا وروسيا.

معلومات عن الكاتب: 
ليوناردو دينى مفكر وفيلسوف من أصل إيطالى.. كانت أطروحته للدكتوراه حول نظرية السياسة وفلسفة القانون، له العديد من الكتب والدراسات، كما كتب الرواية إلى جانب القصائد الفلسفية.. يستعرض، من وجهة نظره، تداعيات تخلى فنلندا والسويد عن حيادهما والانضمام إلى حلف الناتو ومخاطر ذلك على روسيا وعلى الحلف أيضًا.