موت الموت: قيامة المسيح حياة وحرية
د. ق. أندريه زكي
رئيس الطائفة الإنجيلية
النص الكتابي: الرسالة إلى العبرانيين 2: 14 – 15:
"فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ".
1- مقدمة:
أ-الموت قبل القيامة:
حينما نحتفل بعيد القيامة كثيرًا ما ننتقل سريعًا للقيامة دون التركيز على ما حدث يوم الجمعة العظيمة حينما مات السيد المسيح على الصليب. كذلك ننسى سريعًا ظلام وسكون يوم السبت، وكيف مر على محبِّي السيد المسيح وتلاميذه وأتباعه.
ب- الموت المعاصر:
في كثير من الأحيان نظن أن قيامة السيد المسيح حدثٌ وقع في الماضي منفصلًا عن عصرنا الراهن. لكن في حقيقة الأمر توجد حولنا أشكال متعددة ومختلفة من الموت، وتوجد أيضًا فترات من الصمت المرعب تجتاح حياتنا تماثل الطريقة التي عاش بها أتباع السيد المسيح يوم السبت.
ج-الموت الجسدي:
وهو أوضح صور الموت التي نراها من حولنا. الموت الجسدي يفصلنا عن من نحبهم ومن نريد أن نبقى بالقرب منهم. كما أنه يسبب حزنًا وخوفًا كبيرين؛ لأننا لا نعرف متى سنموت أيضًا. ولقد عشنا هذه الخبرة المؤلمة بشكل خاص في أثناء انتشار وباء كورونا.
د- الموت الداخلي:
لكن معنى الموت لا ينحصر في مفهومه الجسدي فقط، بل نموت حينما نتوقف عن الرغبة بالحياة بداخلنا، وحينما نشعر بانعدام الهدف وفقدان الأمل واليأس من الحياة. وهذا الموت صعب للغاية، ويجتاح البعض من شبابنا بشكل خاص اليوم.
ه-الموت الاقتصادي:
فحالة التضخم والكساد والركود الاقتصادي التي تجتاح العالم بالكامل نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية والتي لا يعلم مداها إلا الله وحده، تسببت في حالة من الموت الاقتصادي، حركة التجارة العالمية تأثرت، ورأس المال بطبيعته يخاف المخاطرة فينسحب، وأصبحنا نسمع عن بنوك عالمية في كبرى عواصم العالم تفلس.
2- الاحتفال بالقيامة وسط الموت المعاصر:
ثمة أسئلة مهمة يجدر بنا اليوم أن نطرحها على أنفسنا:
كيف يمكننا أن نحتفل بعيد القيامة وسط أشكال الموت هذه؟
هل من رجاء في واقعٍ أفضل؟
وهذا هو ما أريد أن نوجه أنظارنا نحوه اليوم، حيث نفهم جوهر وسر القيامة وتأثيره علينا.
3- مشاركة المسيح للإنسانية في ظرفها:
أ- مبدأ المشاركة:
* تشارك لحما ودما
وفقًا لما قرأناه في النص المقدس، نفهم أن أول خطوة أخذها المسيح نحو الإنسانية هي أنه تشارك معها في اللحم والدم.
*المسيح يغير الإنسانية
النص المقدس يعني بذلك أن السيد المسيح أصبح متحدًا بالإنسانية في ظروفها لكي يغيرها.
* انقاذ الإنسانية من الموت
إن رغبة المسيح كانت واضحةً ومباشرةً: هو يريد أن ينقذ الإنسانية من كل ما بها من موت بأشكاله المتعددة.
*تضامن وتشارك
لقد أراد كاتب الرسالة إلى العبرانيين بقوله "تشارك في اللحم والدم"، أن يؤكد على التضامن الكامل من السيد المسيح وتوجُّهه نحو الإنسانية. تشارك كلي في كل شيء، ماعدا الخطية.
ب- هدف المشاركة:
*المسيح اختار الموت
أمنت الكنيسة المسيحية عبر التاريخ أن المسيح اختار هذا الاختيار، لأنه الوحيد الذي كان قادرًا على أن يغلب الموت.
*بقيامته يهزم ابليس
لكن هناك سببًا آخر لموت المسيح أشار إليه نص رسالة العبرانيين؛ هو أنه بقيامته يهزم إبليس مصدر كل شر وموت ويحرر البشر من قبضة الشر والشرير، لذلك فهناك سبيل للحرية.
*الخوف من الموت
كان البشر خائفين من الموت، مثلما نخاف نحن اليوم، فعاشوا طوال حياتهم في العبودية.
*العبودية للخطية بسبب الخوف من الموت
بالنظر في نص رسالة العبرانيين، نجد أن الكاتب يشير للعبودية للخطية التي يسببها الخوف من الموت. فإن كان لا يوجد لدى الإنسان سوى هذه الحياة فقط، ولا يوجد حياة بعد الموت، فلماذا لا يحيا الانسان كما يريد دون التزام بناموس أو أي أخلاقيات؟ إن كان في النهاية الكل سوف يموت ولا شيء بعد هذا الموت، فلماذا لا يحيا الانسان ممارسًا كل أنواع الشرور دون اعتبار لله او الآخرين؟
4- القيامة حرية:
* القيامة رجاء
جاءت القيامة لتعطي حياة جديدة، فالقيامة حرية ورجاء. إننا نحتفل في القيامة بحب جديد ورجاء جديد وتوجهات جديدة.
*حرية من العبودية والذات
القيامة حرية من عبودية الخطية والتمركز حول الذات والأنانية، ودعوة إلى مراجعة الذات والعبور إلى الآخر.
*حرية من الخصومة والعداوة
القيامة حرية من الخصومات والعداوات ودعوة إلى المصالحة والمحبة التي تخدم الإنسانية فتجعل الأرض مكانًا أفضل.
*حرية من الخوف واليأس
القيامة حرية من الخوف واليأس ودافع للأمل في غدٍ أفضل، حتى لو كان ما يبدو أمامنا هو طريق آلام وموت.
5- قيامة المسيح تضامن وانفتاح نحو الإنسانية:
*اشكال الموت
أدعوكم اليوم ونحن نفكر في القيامة أن نتأمل في أشكال الموت من حولنا.
*الفقير والمظلوم
هل هناك فقير من حولنا؟ هل هناك مظلوم من حولنا؟
*المسكين والمنسحق
هل نعرف مسكينًا سحقت به الحياة للدرجة التي يأس منها فأصبحت الأخلاقيات مجرد رفاهية؟
*الجائع
هل نعرف جائعًا لا يجد قوت يومه فلا توجد لديه الفرصة أن يفكر في ملكوت الله؟
*السعي لتغيير المجتمع
إن احتفالنا الحقيقي بالقيامة ليس فقط بترديد العبارات الدينية، بل هو سعي لتغيير المجتمع نحو الأفضل.
*مد يد العون
أدعوكم أن نمد يد العون لكل من يقاسي صعوبات التحديات الاقتصادية.
*روح الوصية
في كل مرة تمتد أيدينا لإنقاذ إنسان فنحن ننفذ روح الوصية الإلهية.
*اعلان التضامن
لهذا فإن قيامة المسيح هي إعلان تضامن عظيم بين الإنسان وأخيه الإنسان، مبني في الأساس على
تضامن إلهي مع الإنسانية.
*العهد الجديد
التضامن بين الإنسان وأخيه الإنسان يبني الحياة، ويحفظ الكرامة، ويؤسس لعهد جديد لا فرق فيه بين رجل وامرأة، غني وفقير، قوي وضعيف.
6- أداة في يد الله:
*أدوات في يد الله
أحبائي، إننا نؤمن أننا أدوات في يدي الله، يستخدمنا الله لكي نعيش ما نؤمن به، ونترجم إيماننا لحياة عملية.
*كيف أكون إيجابيا؟
أدعوكم احبائي اليوم وأنتم تحتفلون بقيامة المسيح أن تتساءلوا: كيف يمكن أن أكون أداةً في يد الله اليوم؟ كيف يمكن أن أكون إيجابيًّا نحو أخي الإنسان؟ …..….. آمين.