رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

بيير ليلوش يكتب: زيارة الصين.. الحصيلة باهتة.. وماكرون يعود إلى باريس خالى الوفاض

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لقد كان الترحيب  فخمًا: حيث جرى فى القاعة  العملاقة بقصر الشعب، وتم إطلاق 21 طلقة مدفع، وفى المنزل "المتواضع" لوالد شى جين بينج فى كانتون تم تناول عشاء ودى بدون ربطة عنق وكان عائليًا تقريبًا، بين قائدى الدولتين. 

لقد نجحت حمله الإغراء التى قادها النظام الصينى أمام فرنسا ورئيسها بشكل مذهل، حتى أن شى جين بينج كان لبقًا لدرجة أنه انتظر إلى حين مغادرة ضيفه لإطلاق مناورات جوية وبحرية واسعة، بالذخيرة الحية، باتجاه تايوان.

هذا بالنسبة للشكليات، أما بالنسبة للمضمون، فيمكن القول أن الحصيلة جاءت باهتة.

لقد حصل "شى" على ما كان يريده، وهو دق إسفين بين الأوروبيين الحريصين على الحفاظ على علاقاتهم الاقتصادية والسياسية مع الصين، والأمريكيين الذين، على العكس من ذلك، يسعون إلى "فك العلاقة"، بهدف عزل الإمبراطورية الصينية تمامًا، وبالخصوص على الصعيد التكنولوجى.. بذلك أكد ماكرون، الذى اتصل ببايدن قبل رحلته إلى بكين، فى الواقع أنه لن يمتثل لاستراتيجية الاحتواء الجديدة التى تريدها واشنطن، مما أثار استياء البيت الأبيض والصحافة الأمريكية.. بل وأكثر من ذلك، سمح ماكرون لشركة توتال، ولأول مرة، بإبرام عقودها الهيدروكربونية مع الصين، باليوان، وليس بالدولار. وهو ما يعد مكسبًا كبيرًا بالنسبة لبكين، التى تسعى جاهدة إلى إزاحة الدولار من التجارة الدولية فى مواجهة هيمنة العملة الأمريكية والعقوبات المرتبطة بها. والأفضل من ذلك،  حصل "شى" من فرنسا، التى تعتبر قوة فى المحيطين الهندى والهادئ، على حد تعبير ماكرون رسميًا، وبالتالى معنية بشكل مباشر بحرية الملاحة فى مضيق فورموزا وبحر الصين الجنوبى، على صمت صارخ بخصوص تايوان. ولدى سؤاله عن الموضوع، قال الرئيس ماكرون، الذى يكون عادة أكثر إسهابًا فى الردود، "يجب ألا نخلط بين كل شىء".

بصرف النظر عن تسليم مصنع إيرباص ثانٍ للصين بدلًا من بنائه فى فرنسا، ما هى المكاسب التى حصلت عليها فرنسا فى أعقاب هذه الرحلة؟.

 

أوكرانيا؟

لأسباب غامضة تخصه، وضع ماكرون فى رأسه فكرة جعل الصين صانعة السلام فى أوكرانيا. ويجرى الحديث فى دائرة الرئيس الفرنسى أن شى جين بينج هو الوحيد القادر على التأثير على بوتين. وحده فقط قادر على أن يكون "مغير قواعد اللعبة".

فكرة غريبة حقًا، تلك التى تجعل من الصين  فى موضع الحكم، وفى نفس الوقت مهندس السلام، فى القارة الأوروبية! بالخصوص عندما نمتنع، على الجانب الفرنسى، عن فعل الشىء نفسه فى تايوان.

وتظهر الفكرة الأكثر فضولًا فى كون الصين محايدة، وبالتالى احتمال  أدائها دور الوساطة  فى الصراع الأوكرانى. ومع أنها لا تعتبر حليفًا  عسكريًا مع روسيا (على الأقل حتى الآن)، فإن الصين هى "صديقة" بوتين، الذى تشترى منه المواد الخام الخاضعة للحظر فى الغرب، والذى تزوده بالمكونات الصناعية والإلكترونية الأساسية لأعماله الحربية. ما لا يريد ماكرون رؤيته هو أن الصين كانت تبنى منذ شهور، مع روسيا، جبهة معادية للولايات المتحدة ومعادية للغرب، تهدف إلى وضع حد للنظام الأمريكى الثابت منذ عام 1945 مرة واحدة وإلى الأبد. وبالتالى فإنها لن تسعى ولو للحظة إلى هزيمة موسكو أو فشلها، باعتبارها الشريك الذى تنوى معه استغلال التغييرات فى ميزان القوى فى العالم، "الأهم منذ مائة عام"، بحسب شى جين بينج.

 

لكن دعونا ندفع المنطق إلى درجة العبثية: حتى لو افترضنا أن الصين وافقت علانيةً على ممارسة الضغط على بوتين لفرض وقف إطلاق النار عليه، لا يمكن للمرء أن يتخيل  لثانية واحدة بالفعل أن بوتين سيوافق على الاستسلام علنًا، وبالتالى الاعتراف بفشله ومكانته كموالٍ لبكين. وكما كان متوقعًا، تجاهل الكرملين، مرة أخرى، مبادرة ماكرون على الفور.

لذلك، ليس من المستغرب أن يعود ماكرون خالى الوفاض إلى باريس: فقد لقيت محاولته للوساطة عبر الصين نفس المصير الذى لقيته المحاولات المتكررة مع بوتين بشكل مباشر. وكان الكوكب بأكمله شاهدًا على ذلك، مما زاد من تقويض مصداقية فرنسا الدولية. بعد فشل المحاولات الخرقاء فى اتجاه موسكو، هل كنا بحاجة إلى انتكاسة استعراضية أخرى فى بكين؟ إن صنع الإثارة من أجل "الظهور" لا يمكن أن يحل محل السياسة الخارجية. 

لإكمال الصورة، دعونا نضيف أن تلك الفكرة الباروكية فى مرافقة السيدة أورسولا فان دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية الخارجة عن السيطرة، كان لها تأثير معاكس تمامًا لتلك التى أرادها ماكرون، فقد أدت إلى تسليط الضوء على الاختلافات الأساسية، داخل الاتحاد الأوروبى فيما يتعلق بالسياسة الواجب اتباعها تجاه الصين، القوة العظمى الصاعدة.

 

أراد الرئيس الفرنسى أن يُظهر أنه ينوى اللعب كفريق واحد، وهو يأخذ برفقته ثقل أوروبا الموحدة، باستثناء أنه فى هذه الحالة، تأتى رسالة فان دير لاين، المرشحة  لمنصب الأمين العام لـ"الناتو"، قريبة بكثير إلى موقف بايدن المتشدد من موقف ماكرون الأكثر تصالحية.

وذهب ماكرون، الذى اقتنع بلا شك بخطاب شى جين بينج حول العالم القادم متعدد الأقطاب (ثلاثة أقطاب: الولايات المتحدة والصين وأوروبا)، إلى حد الإعلان، فى نهاية رحلته، أمام الصحفيين الفرنسيين، عن نيته فى رفض أى  "تبعية" للولايات المتحدة فى مواجهتها مع الصين. كل ذلك باسم ما يسمى "الحكم الذاتى الاستراتيجى الأوروبى"، والذى يزعم ماكرون بفخر أنه أبوه الشرعى. وتكمن المشكلة فقط فى أن ما يسمى بـ"الحكم الذاتي" مفهوم غرق فى الحرب فى أوكرانيا، تحت القيادة المطلقة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى.

نتيجة لذلك، تجد فرنسا، فى نهاية رحلة بكين هذه، نفسها متحالفة تمامًا مع واشنطن فى أوكرانيا، و"فى نفس الوقت"،  نصبت نفسها زعيمة "لقطب أوروبى ثالث" مستقل عن الولايات المتحدة فى تايوان، وبشكل عام عن العلاقات الاقتصادية الدولية. تناقض كبير يعكس بلا شك "الفكر المعقد" للرئيس، ولكن قبل كل شى جين بينجء، ومع الأسف، التناقض فى الدبلوماسية التى أصبحت غير قابلة للقراءة حسب الأحداث والرحلات الرئاسية.

تبقى الحقيقة أنه فى النهاية، بدلًا من عرض "إستراتيجية أوروبية" تجاه الصين، فإن الترادف الذى أراده ماكرون مع فان دير لاين، لم يقدم فى النهاية سوى دليل إضافى على التنافر الأوروبى مع الصين.

ألم نقل لك  أنها تحفة دبلوماسية صغيرة!.

معلومات عن الكاتب: 
بيير ليلوش.. محامٍ فرنسي وسياسي من الجمهوريين. إختاره الرئيس نيكولا ساركوزى فى عام 2009، مبعوثًا خاصًا لأفغانستان وباكستان فى وزارة الخارجية. وزير التعاون الأوروبى السابق "2009-2010"، وظل عضوًا بالجمعية الوطنية "البرلمان" لمدة 25 عامًا.. يتناول، بالتقييم، رحلة الرئيس الفرنسى إلى الصين وانعكاساتها على فرنسا.. والصين أيضًا.