الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

د.على الدين هلال يكتب: زيارة ماكرون للصين.. إحياء مفهوم الاستقلال الاستراتيجى الأوروبى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ظلت السياسة الخارجية الفرنسية رمزا للنزعة الاستقلالية فى أوروبا والتى جسدها بجلاء الرئيس شارل ديجول فى حقبة الستينيات من القرن الماضى، وللرغبة فى أن يكون لها ولأوروبا مواقفها الخاصة النابعة من مصالحها دون أن يعنى ذلك بالضرورة الصدام مع الولايات المتحدة.

أتت زيارة الرئيس ماكرون إلى الصين فى بداية شهر أبريل 2023 لتؤكد هذه الرمزية، خاصةً وأنها تمت فى لحظة مهمة من تطور النظام الدولى وإعادة توزيع الأدوار بين القوى الكبرى، نتيجة تداعيات الحرب الروسية فى أوكرانيا، وإعادة التموضع العالمى للصين فى ضوء تطور علاقاتها مع روسيا فيما بدا أنه "جبهة مناهضة للغرب"، وبروز دورها كقوة سياسية وعسكرية لا يمكن تجاهلها.

 ويدل على ذلك، تعاقب زيارات القادة الأوروبيين لها والتى شملت زيارة المستشار الألمانى ورئيس المجلس الأوروبى فى 2022، وزيارة رئيس وزراء إسبانيا فى مارس 2023. يدل عليه أيضا، أنه فى نفس توقيت زيارة ماكرون كان وزيرا خارجية السعودية وإيران فى بكين للإعلان عن إجراءات عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين التى تمت بوساطة صينية، وبعدها بأيام وصل الرئيس البرازيلى دى سلفا الصين.

لعل أول هدف لماكرون من هذه الزيارة، هو تأكيد أن فرنسا هى فاعل دولى موثوق به له مكانته ودوره فى السياسة العالمية، وأنها تؤمن بنهج الحوار الاستراتيجى مع الصين لأن المصالح المشتركة بين أوروبا والصين تستوجب اتباع هذا النهج. يختلفُ هذا النهج عن سياسة أمريكا تجاه الصين والتى تتسمُ بالاستقطاب والاحتواء والسعى إلى حصارها اقتصاديًا وسياسيًا. مما دفع بعض المعلقين إلى وصف الزيارة بأنها رفعت شعار "لا" للسياسة الأمريكية.

 وفى هذا السياق، ناقش ماكرون فى الصين قضايا جيواستراتيجية عالمية كالحرب فى أوكرانيا ومصادر الطاقة المتجددة وتحديات البيئة وتغير المناخ، وقضايا اقتصادية ثنائية أبرزها تشجيع الاستثمارات والتجارة، وتم توقيع العديد من العقود والصفقات بين الشركات الصينية والفرنسية. 

أعادت هذه الزيارة طرح موضوع العلاقة بين أوروبا وأمريكا، وإلى أى مدى يظل الدفاع عن الأمن الأوروبى مسألة "أطلسية" يكون للولايات المتحدة فيها اليد العليا، أم أنه من الضرورى أن تقوم الدول الأوروبية بتحمل قدر أكبر من هذه المسئولية بشكل مسُتقل. كانت فرنسا من الأصوات المؤيدة للرأى الثانى ودافعت عن إقامة مؤسسات عسكرية وأمنية أوروبية مشتركة، وهى الآراء التى يطلق عليها تعبير سياسة "الاستقلال الاستراتيجي" Strategic Autonomy، ولكن تطورات الحرب الأوكرانية أدى إلى تراجع هذه الآراء وتكريس الدور الأطلنطى. 

كما انشغل الرئيس الفرنسى بتأثير العلاقات بين أمريكا والصين على المصالح الأوروبية. وخلال زيارته لواشنطن فى نوفمبر 2022، أعرب علنًا عن خشيته أن تصبح أوروبا ضحية للتنافس بين البلدين. أكد ماكرون هذا المعنى بعد زيارته للصين فصرح أن أوروبا غارقة فى أزمات هى "ليست أزماتنا"، ودعا أوروبا إلى عدم الانجرار إلى مواجهة بين أمريكا والصين بشأن تايوان، مُشيرًا إلى أن "معركة أوروبا" الحقيقية هى تحقيق استقلالها الاستراتيجى، وأنه بدون ذلك "سنصبح تابعين". وفى المُقابل، إذا ركزت أوروبا الوقت والجهد والمال فى السنوات القادمة على تأسيسه، فإنها ستصبح "القطب الثالث".

تُفصح مواقف الرئيس ماكرون عن إدراكه بضرورة "تفكيك الأزمات" الراهنة فى العالم، وعدم الربط بين بعضها والبعض الآخر وذلك من منظور براجماتى واقعى. ومن ثم، فإنه لا يجد تعارضًا بين موقف الصين المدعم لروسيا، وموقف فرنسا الرافض للغزو العسكرى الروسى فى أوكرانيا، وتوسيع دائرة التعاون الاقتصادى بين فرنسا والصين، أى باختصار الفصل بين استمرار الحرب فى أوكرانيا والعلاقات الصينية-الفرنسية والأوروبية. بالطبع، لم يكن هذا التصور محل تقدير لدى العديد من الصحف الأمريكية والبريطانية التى وجهت انتقادات لاذعة للرئيس ماكرون ولزيارته للصين. 

لم تؤد الزيارة إلى اختراق دبلوماسى بشأن أوكرانيا ولم يكن من المتصور أن تحقق ذلك لحجم التباعد بين مواقف أطراف النزاع، وأكد البيان المشترك عن الزيارة أن الصين وفرنسا يدعمان إنهاء الحرب وتسوية النزاع بما يتوافق مع مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وأعلنت بكين استعدادها لدعم أى مبادرة سلام تُقدمها فرنسا. 
مازالت ردود الفعل الأوروبية والأمريكية على الزيارة تتوالى ما بين مؤيد ومُعارض ومُترقب. ولكن أيًا كان الأمر، فإن التاريخ سوف يُسجل أن زيارة ماكرون للصين فى أبريل 2023 كانت إحدى محطات الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب.