إذا فكرت فى الأمر، فإن إعادة التسلح البحرى غير المسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة تشير إلى عودة قوية للبحر كمساحة للمواجهة والقتال المحتمل.
أصبحت فرضية القتال عالى الكثافة فى البحر الآن معقولة مرة أخرى. يبدأ القرن الحادى والعشرون بتحدى التوازنات القديمة خاصةً فى "المساحات المشتركة" التى يعتبر البحر جزءًا منها. إذ يعود التنافس بين القوات البحرية، وقد يظن البعض أن هذا التنافس عفا عليه الزمن إلا أنه يثير العديد من التساؤلات حول الأساليب التى يتم تطبيقها لتحقيق السيطرة على البحر!.
وعلى عكس كل التوقعات، تعود احتمالية المواجهة البحرية إلى أذهان الجميع ولا يوجد حتى الآن عمل حديث يناقش الأساليب التكتيكية فى هذا المجال.
كتاب "النصر فى البحر فى القرن الحادى والعشرين.. التكتيكات فى العصر الخامس من القتال البحرى" يملأ فراغًا حقيقيًا خاصةً أنه لم يكن هناك توليفة تاريخية ومستقبلية حول القوات البحرية فى القتال. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى التفكير فى هذا المجال لم تكن ملحة فقط بل حيوية.
فى الوقت الذى أصبحت فيه كتب التكتيكات البحرية الأمريكية والبريطانية يعاد إصدارها بانتظام تحت مسمى "كلاسيكيات عظيمة" لا يوجد نظير حديث لذلك فى فرنسا. وهذه هى الطريقة التى تعرف بها البحرية الملكية التكتيكات على أنها هى التى تحدد "من يعيش ومن يموت" فى المعركة. باختصار، التكتيكات هى فن المعارك.
وتلاشى بالفعل الأثر الذى حققته الأطروحات الفرنسية حول التكتيكات البحرية فى القرن العشرين، وهنا نتحدث عن: أعمال الأب هوست (1691)، فيسكونت بيجو دى موروج (1763)، كونت دورفيلييه (1779)، نائب الأدميرال كونت دى جويدون (1868)، الأدميرال دافيلوى (1909)، أو حتى الملازم بودرى (1912).. كل هؤلاء ظلوا بدون وجود خلفاء معاصرين لهم.
بناءً على هذه الملاحظة، انطلق ضابطان بحريان فى كتاب "النصر فى البحر فى القرن الحادى والعشرين" لكى يقوما بإحياء هذا التراث وإحياء الفكر البحرى الفرنسى.
وفى هذا السياق، فإن محاولة سد فجوة فى المشهد الفرنسى من خلال اقتراح معاهدة تكتيكات بحرية مستمدة من التاريخ، ومتكيفة مع حاضر أساطيل القتال، والتحول بحزم نحو مستقبل الصراع فى البحر هى بالتأكيد تمثل تحديًا.
واتخذ ذلك التحدى من قبل تيبو لافيرنه الذى يشغل الآن المرتبة الثانية فى طاقم قيادة حاملة الطائرات النووية شارل ديجول، وفرانسوا أوليفييه كورمان اللذين نشرا كتاب "الابتكار والاستراتيجية البحرية" (حصل على جائزة التاريخ العسكرى 2021، جائزة دافيلوى 2022، ميدالية الأكاديمية البحرية)، حيث قاما بتحليل ظروف النصر، وفى نفس الوقت جعل التاريخ البحرى أمرًا مثيرًا. وقد كتب مقدمة الكتاب الأدميرال بيير فاندييه، وهو من إصدار دار إكواتور.
طوال هذه المسيرة، حدد الكاتبان عصرًا خامسًا من الصراع البحرى، أكثر فتكًا وسرعةً وتكنولوجية، حيث ستكون الإرادة البشرية والشجاعة والذكاء مفتاح النجاح أكثر من أى وقت مضى.
ويؤكد الكاتبان: "يجبرنا العصر الخامس للقتال البحرى على تفضيل الخبرة القوية والصلبة على الخبرة الرائعة، وأيضا تفضيل الخبرة النظرية والواقع على الفكرة. وقبل كل شىء، يجب التنبيه دائمًا على ألا ننسى العنصر البشرى، الذى يظل فى قلب إعداد وتسيير العمل التكتيكى البحرى. فى الواقع، إذا كان عدد المقاتلين أقل فى البحر، فسيكون محاطًا بآليات تكنولوجية متطورة تساعدهم على اتخاذ القرار".
كما يضيف المؤلفان "فى الواقع، يظهر الصراع الحديث إلى أى مدى لم تعد الميزة التكنولوجية هى العامل المحدد الوحيد حيث يشير كل شيء بشكل متناقض إلى أن "العامل البشرى" سيظل حاسمًا، سواء كان الأمر يتعلق بالفهم الدقيق لنوايا الخصم، واتخاذ القرار دون تسرع أو تباطؤ، أو امتصاص الصدمات من خلال إظهار المرونة المستمدة من قوة الروح المعنوية لكل المقاتلين".
وفى الحقيقة، هذا الكتاب مخصص فى المقام الأول للبحارة، بحيث يكون لديهم عمل يركز فى المقام الأول على التكتيكات البحرية التى من المحتمل أن تخرجهم من روتينهم اليومى، لإعادة اكتشاف معنى التزامهم، وصقل تفكيرهم وإثارة رغبتهم فى تطوير مهاراتهم دائمًا كمقاتلين بحريين، وهكذا لاحظ ونستون تشرشل فى عصره أن "التقنيات البحرية والعلمية لمهنة البحرية تفرض مثل هذه المتطلبات الشديدة على تدريب البحارة، خاصةً أنه نادرًا ما يكون لديهم الوقت أو الفرصة لدراسة التاريخ العسكرى وفن الحرب بشكل عام".. ولكن دعونا نقول لأنفسنا أن هذا الكتاب يستهدف فى الواقع جمهورًا أوسع بكثير، ذلك أنه يستهدف أيضًا "أى قارئ مهتم بالمسائل البحرية والبحرية".
بالنسبة إلى "البحرية الفرنسية، القوة البحرية المسلحة لدولة تتمتع بقوة نووية عليها أن تطور من دفاعاتها وقوتها فى المحيط وأيضا فى الجو، ومن الأهمية إعادة التفكير من أجل توقع المواقف التى قد تجد قواتنا نفسها فى أى وضع أو تحت أى ظرف. وعلى المدى القصير، يجب تطوير التكتيكات ذات الصلة، وطرح مفاهيم جديدة ووضع الأسس لتحضير متجدد لتنفيذ العمليات، مع مراعاة هذه المتطلبات الجديدة"، هذا ما صرح به الأدميرال بيير فاندييه، رئيس أركان البحرية، الذى قدم هذا التصور.. من المفهوم أن هذا الكتاب، الذى كتبه ضابطان يتمتعان بماضٍ غنى يساهم بشكل فعال لسد هذه الحاجة فى الوقت المناسب.
معلومات عن الكاتب:
أوليفييه دوزون.. مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يعرض، فى مقاله، لكتاب فرنسى مهم حول الحرب فى البحار والسبيل نحو الانتصار فيها.