الخميس 19 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

خاص بالفيديو| جفاف دجلة والفرات.. العراق يئن تحت شُح المياه والتغير المُناخي.. مسئول: بلاد الرافدين الأكثر جفافًا عالميًا.. وخبراء: خزانات السدود «صفر» والشح المائي أفقدنا ثلثي المساحة الخضراء

جفاف دجلة والفرات
جفاف دجلة والفرات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

باتت أزمة شُح المياه والتناقص المُتزايد لمناسيب المياه العذبة بنهري دجلة والفرات؛ أبرز الأزمات التي تُهدد حياة نحو 42 مليون عراقي، في ظل تصاعد مُؤشرات الجفاف ونقص الأمطار وتهديد التغيرات المناخية وتراجع حصص المياه الواردة من دول المنبع لبلاد الرافدين؛ ما يُهدد استقرار العيش والبيئة؛ بعدما جفت وتصحرت روافد «دجلة والفرات» والتي كانت لا تنضب بالمياه العذب. 

وفي خضم تزايد القلق الشعبي الذي يسود العراق خلال الآونة الأخيرة؛ بشأن أزمة ملف المياه ومواسم الجفاف المستمرة لـ 3 سنوات وانهدار المخزون المائي من 60 مليارمتر مكعب لما يُقارب الـ 8 مليارات. أجرت «البوابة نيوز» 3 لقاءات الأول مع الدكتور خالد شمال المُتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية العراقية، والثاني مع الأستاذ بجامعة دهوك العراقية وخبير الاستراتيجيات والسياسات المائية الدكتور رمضان حمزة؛ والثالث مع الخبير المائي والبيئي العراقي أيمن قدوري؛ للاطلاع على آخر الأوضاع والإحصائيات بشأن أزمة المياه في العراق والمتراكمة لأكثر من 4 عقود زمنية.

 

المُتحدث باسم وزارة الموارد المائية: العراق أكثر البُلدان جفافًا فى العالم.. ويصلنا 30% فقط من حصتنا فى المياه

أكد الدكتور خالد شمال المُتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية العراقية؛ أن العراق بات أكثر البُلدان جفافًا في العالم؛ فمقياس الجفاف عالميًا من 5 درجات وسجلت بلاد الرافدين 3.07 على مقياس الجفاف وهو خطر كبير؛ كان سببهُ الانحباس الحراري وقلة الأمطار والتغيرات المُناخية؛ بالإضافة إلى تسلم العراق 30% فقط من حصته في المياه الطبيعية.

وأضاف "شمال" أن تعزيز الخزن الاستراتيجي للمياه في أي دولة يبدأ بموسم الشتاء والربيع، والعراق يبدأ فيه المُوسم منذ منتصف شهر نوفمبر وحتى مايو؛ ويتم الاستفادة من مياه الأمطار التي ترد إلى العراق سواء كانت من العراق أوسوريا أوإيران أوتركيا؛ فتُملأ السدود والخزان من الإيرادات المائية للمياه السطحية الوارد للعراق من نهري دجلة والفرات وروافدهم. 

وأوضح المُتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية؛ أن بلاده حتى عام 2019 كانت تعيش سنوات مائة فيضانية ولكن مرت بـ 3 سنوات من الجفاف وهم (20 – 21 – 22) فكانت سنوات شحيحة؛ وبالتالي تم استنزاف الخزن المائي بشكل كبير لينحدر من 60 مليارمتر مكعب لما يُقارب 8 مليارات؛ وهو الأمر الذي جعل الخزن المائي في العراق بحالة حرجة؛ ولكن في الفترة الحالية (مارس 2023) لا تزال إيرادات المياه مُستمرة ولا نخشى نفاد الخزن الاستراتيجي من المياه؛ ولكن ما يخشاه العراق هو عدم تحقيق خطط زراعية صيفية للعام المُقبل إذا استمرت الإيرادات المائية مُتدنية لهذا الحد. 

وعن الأسباب الرئيسية التي دفعت العراق لفقدان جزء كبير من المياه والخزن الاستراتيجي؛ أكد "شمال" أن قلة إيرادات المياه الواردة للعراق هي السبب الرئيسي؛ مُشيرًا إلى أن 70% من إيرادات المياه للعراق تأتي من الخارج؛  50% من تركيا و15% من إيران و5% من سوريا؛ لافتًا إلى أن الإيرادات المائية للعراق باتت مرهونة بأمرين رئيسيين، الأول: قيام تركيا بإنشاء سدود مائية كبيرة على المجاري المائية دون الأخذ بالحقوق المائية التاريخية للعراق ونهري دجلة والفرات؛ ودون مُراعاة تأثير السدود على العراق ومصالحها، والثاني: تنفيذ تركيا لمشاريع استصلاح أراض زراعية كبرى واستنزاف مياه الأنهار المُشتركة بين البلدين، إلى جانب سياسة تشغيل تلك المشاريع .

وتوقع خبير المياه ومُدير عام الهيئة العامة لمشاريع الري والاستصلاح بوزارة الموارد المائية العراقية، أن مُوسم الجفاف سيكون قاسيا جدًا في الصيف المُقبل؛ وسيكون أكثر تأثيرًا على المُحافظات الجنوبية؛ فهي الأكثر تضرارًا، كما أن أي تجاوز إضافية على حصتي نهري دجلة والفرات؛ سيؤثر على المُحافظات الجنوبية رغم وجود الأهوار المائية ومخرات السيول؛ ومن المُتوقع أن تتضرر مُحافظة البصرة، وهي المُحافظة الاقتصادية الأهم والأولى في العراق. 

وحول اتجاه العراق بشأن مُعالجة مياه الصرف الصحي؛ قال "شمال" للأسف العراق ليس على المسار الصحيح لمُعالجة مياه الصرف الصحي؛ ولكن يُكمن محاولة الإستفادة منها في ري الحدائق، مُؤكدا أن العراق يخشى زيادة مصادر التلوث بفعل إطلاق مياه الصرف الصحي بشكل مباشر عبر القناوات الفرعية دون مُرورها بمحطات المُعالجة. 

وعن الاستفادة من الأمطار التي شهدتها العراق خلال الأشهر القليلة الماضية؛ لفت "شمال" إنها كانت قليلة جدا وليست بالمُعدلات الطبيعية؛ ورغم ذلك استفاد العراق منها عبر زيادة الموارد المائية من خلال 3 أمور أساسية؛ فالأمطار التي سقطت في شمال العراق وُجهت لبُحيرات الخزين في مقدمة سدي الموصل وسامراء وسدود أخرى؛ والأمر الثاني وهوتحقيق عددٍ من مُعدلات الري الزراعي مما أدى لتحفيز مخزون المياه في العراق مُنذ 4 أشهر؛ أما مياه الأمطار التي سقطت على الأهوار فعززت جزءً صغيرًا جدًا من تواجد المياه في الأهوار وغمرها مرة أخرى بعد الجفاف؛ لكن كمية الماء المُنهمر على الأهوار كانت قليلة؛ وأنعشت الأهوار فقط، وأعادت الأهالي مرة أخرى ومُربي الماشية؛ وأعادت مرة أخرى بعض ملامح الحياة البرية ذات الطبيعة المُميزة للأهوار. 

وأكد المسئول العراقي، أن أزمة المياه في بلاده ليست بسبب تراجع مناسيب الخزين المائي وسوء إدارة للموارد المائية؛ ولكن المُشكلة الأكبر هي عدم وجود إيرادات مائية لعدم وجود اتفاقيات مُلزمة لدول الجوار المائي تركيا وإيران لمنح العراق حصتها المائية باعتبار العراق دولة المصب لنهري دجلة والفرات والحقوق التاريخية والسياسية للعراق باعتبارها دولة مُعرفة منذ فجر التاريخ حتى أن العراق تعرف ببلاد ما بين النهرين أوبلاد الرافدين. 

وقال "شمال" إن العراق لديه مُشكلة أساسة كبير تتعلق بمنهجية وآليات الزراعة في العراق؛ فرغم الأزمة لا تزال الزراعة تنتهج أسلوبًا مُغايرًا للواقع وهو أسلوب التعامل على أساس وفرة المياه؛ ولكن الأمر مُختلف تمامًا فالعراق يُعاني الأن من قلة وندرة المياه وشح المياه؛ وهو الأمر الذي يتطلب ضروة التعامل بنظرية شح المياه وأقل مساحة زراعة ممكنة وأقل كمية مياء ممكنة مع الحفاظ على أعلى إنتاج ممكن. مشيرًا إلى أنه حتى الآن يتم الري بنظام الغمر وهو الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في أسلوب ونظام الزراعة للري المميكن؛ لافتًا إلى أنه تم اتخاذ قرارات في عامي 22 و23 بشأن التحويل لنظام الري المُغلق باستخدام الأنابيب.  

وفي خضم الأزمة المائية وتوالي مواسم الجفاف التي يشهدها العراق؛ أكد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية اتخاذ عددٍ من الإجراءات والقرارات للحفاظ على المياه والمخزون المائي في العراق؛ كان أولها تمكين حملة كبيرة لرفع التجاوزات بشأن الحصص المائية واتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد ملوثي المياه؛ أوالمتجاوزين على حرم الأنهار والممرات المائية. إلى جانب إصدار قرارات بتوزيع حصص مائية عادلة بين المحافظات؛ وتطبيق نظام الاسترشاد والمُناوبة في استخدام المياه أيمن وأيسر نهري دجلة والفرات؛ فضلا عن مُناورة الخزين الموجود بمُختلف السدود. 

وأكد أن وزارة الموارد المائية في العراق تضع أزمة المياه على أجندة أبرز أولويات الدولة والحكومة في الوقت الحالي؛ لافتًا إلى أنه في زيارة رئيس وزراء العراق لتركيا كان ملف المياه على رأس أولويات الملفات التي نوقشت؛ وتم إطلاع تركيا على الوضع الحالي لأزمة نقص المياه في العراق؛ وبناءً عليه وافق الرئيس التركي بشأن زيادة إطلاقات المياه الواردة إلى العراق من تركيا لمدة شهر؛ وذلك لتعزيز إيرات العراق من المياه؛ ورفع مناسيب المياه في نهر دجلة؛ وإمكانية استثمار هذه المياه في خزان سد الموصل. 

 

رمضان حمزة: العراق على شفى كارثة إنسانية.. والمياه في خزانات السدود «صفر»

علق الأستاذ في جامعة دهوك العراقية وخبير الاستراتيجيات والسياسات المائية، رمضان حمزة؛ على قرار انضمام بلاده مؤخرًا لاتفاقية "هلسنكي" لحماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود؛ قائلًا: إن انضمام العراق لأي اتفاقية دولية بشأن المياه في صالح العراق؛ خاصة وأنه سيكون هناك جزء إلزام على الدول التي تتشارك في الأنهار الدولية سيكون هناك نوع من العدالة والإنصاف؛ لا سيما في ظل الأزمة المائية الخانقة التي يعيشها العراق. 


 

وأكد في حديثه لـ "البوابة نيوز" أن العراق تخطى مرحلة الأزمة والمُعضلة المائية وبات على شفى كارثة إنسانية، تزامنًا مع استمرار مواسم الجفاف وتحكم الجارتين إيران وتركيا بحصص المياه الواردة للعراق دون وجه حق؛ مشيرًا إلى أن التحكم بملف المياه جعل الوضع المائي في العراق كارثيًا؛ فقبل أيام جفت الأهوار من المياه؛ مما أدى لزيادة كبيرة في نفوق الثروة الحيوانية والسمكية؛ ومن الصعب جدًا أن يكون مُوسم الشتاء ناجحًا؛ ومُتوقعًا صعوبة الموسم الصيفي المقبل من حيث الجفاف. 

وحول خطورة الاستخدام الخاطئ للمياه الجوفية في العراق؛ أكد مُدير مركز دراسات الطاقة والمياه أن بلاده ليس لديها دراسات تفصيلية حتى الآن؛ بشأن حجم مخزون المياه الجوفية؛ ولكن يُشاع أن هناك بحار من المياه الجوفيه تحت الصحراء الغربية؛ وهذا نوع من المُبالغة؛ فلا بد أن تستند هذه الأقاويل إلى دراسات دقيقة تحتوي على أرقام ودلائل حول الأعماق والاحتاطي وطُرق تغذية وإنعاش هذه المياه. مُحذرًا من اعتمد العراق بشكل رئيسي على المياه الجوفية، فقد يكون هذا خطيرًا على الأمن القومي العراقي مُستقبليًا.

وحذر الأكاديمي العراقي من إهمال المُشكلة الأساسية بشأن الحقوق المائية لنهري دجلة والفرات؛ واللجوء إلى المياه الجوفية فهذا أمر قاتل يُهدد الأمن القومي العراقي مُستقبليًا، وهي ما تحُاول الحكومة العراقية في الموسم الصيفي القادم الاعتماد على زراعة حوالي 5 ملايين دونم زراعة من المياه الجوفة. مُشيرًا إلى أن المياه الجوفية مثل النفط لا يمكن أن تخضع لاستغلال جائر؛ ولكن يمكن الاعتماد على المياه الجوفية في بعض المناطق كجزء مُساعدًا وليس رئيسيًا. 

وعن نفاد الخزن الاستراتيجي من المياه؛ أكد "حمزة" أن نفاد الخزين الاستراتيجي أمر واقعى فخزانات السدود باتت فارغة وتُقارب من "الصفر"؛ وما يستخدم هو جزي من الخزين الميت من مياه بحيرة الثرثار شمال غرب محافظة تكريت؛ وهي مياه مالحة تغذي جزءا من نهر الفرات؛ وهذه ليست عملية صحيحة؛ ولكن العراق اضطر للجوء إليها ليكون هناك مياه في الفرات؛ ولكنها تؤثر في المُستقبل على التربة الزراعية. 

وأكد خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية،  أن العراق ليس بمعزل عن التغيرات المناخية التي طالت عدد من دول الشرق الأوسط؛ ولا يمكن أن نُحمل التغيرات المناخية السبب الرئيسي في أزمة مياه العراق؛ فالعراق لديه مُشكلة وضعف كبير في إدارة الموارد المائية الموجودة بشكل علمي؛ فلا يزال هناك ري الزراعة بطريقة تقليدية قديمة وغير مُحدثة؛ مما يؤدي إلى استهلاك كبير للمياه تزامنًا مع قلة الموارد المائية قلقلة وتوالي موسم جفاف؛ يأتي ذلك إلى جانب سيطرة إيران وتركيا على منابع دجلة والفرات؛ فإيران غيرت مجاري المياه وأعادت الروافد إلى داخل أراضيها؛ أما تركيا قننت المياه التي تصل إلى العراق وهي بالأساس لا تكفي ؛ في ظل معاناة العراق من الزيادة السكانية التي تصل لـ 2.3% سنويًا وهو أمر خطير؛ مؤكدًا أن كل هذه المعطيات مُجتمعة جعلت العراق 5 دولة هشاشة حسبما حددت الأمم المتحدة، ومن الممكن أن تصبح من الدول الأولى هشاشة عالمًا. 

وعن جدية الاتفاقية الدولة بشأن حلحلة أزمة المياه في العراق؛ يرى "حمزة" أن الاتفاقيات الدولية تأخذ وقتًا طويلًا جدًا؛ وقد تكون سند أن يتحرك بمجال أوسع للحفاظ على حقوق العراق المائية؛ ولكن إذا عول العراق على الاتفاقيات الدولية فقط، فإن الخسارة ستكون فادحة؛ فعلى العراق أولًا أن يُحاول إصلاح الملف المائي من الداخل بتقليل الفساد وإعادة النظر لإصلاح منظومة الري للحداثة؛ وسيكون هناك مردودًا كبيرًا للعراق من المياه؛ بالإضافة إلى مُعالجة التربة الزراعية؛ وإعادة مُعالجة مياه الصرف الصحي والمُستهلكة في غير محلها وتكون إما للزراعة أو إعادتها لشحن وتغذية آبار المياه الجوفية. 

وعن قرارات وزارة الزراعة العراقية بشأن تقنين زراعة المحاصيل المُستهلكة للمياه مثل الأرز، يقول "حمزة" من الصعب أن تُجبر الحكومة الفلاح على ترك زراعة "الشلب - الأرز" وهي الزراعة الوحيدة في جنوب العراق؛ ولكن يُمكن تدريجيًا الاعتماد على استيراد بذور زراعية؛ والتي لا تحتاج لكميات كبيرة من المياه مثل "الأرز الصيني والهندي". 

 وتعليقًا على مُوافقة تركيا على مُضاعفة الإطلاقات المائية لدجلة والفرات لمدة شهر؛ يرى "حمزة" أن قبول قبول الحكومة العراقية هذا القرار خطأ كبير؛ مؤكدًا أن بلاده صحابة حق تاريخي وسياسي بشأن الملف المائي؛ خاصة وأن هذه الموافقة جاءت في خضم موسم الأمطار ومشروطة بمُدة زمنية مُعلمة ومُحددة؛ ولكن كان بالأحرى أن يكون هناك أسُس عادلة ومعلومة للعراق بشأن الإطلاقات المائية على مدار السنة وأن يكون هناك تقاسم للمنفعة بين البلدين على مدار العام تُقرن بمواسم الجفاف والأمطار ويشرف على ذلك خُبراء المياه من حيث الجوانب الفنية والهندسية. 
 

خاص بالفيديو| أيمن قدورى: 50 ألف بئر مياه غير شرعى فى العراق.. والشح المائى أفقدنا ثلثي المساحات الخضراء.. والعراق خسر ما يقرب من 60% من المجاري المائية

أسهب الخبير المائي والبيئي العراقي أيمن قدوري، خلال حديثه مع «البوابة» في شرح كواليس الوضع المائي والمناخي في العراق؛ مؤكدًا أن الأزمة المائية في بلاده ليست وليدة اللحظة؛ وتعود لتراكُمات من سوء الإدارة المائية لأكثر من 4 عقود زمنية؛ بدأت بالسماح لدول المنبع لنهري دجلة والفرات بإنشاء المشاريع المائية التي قلصت حصص العراق المائية لأقل من 20%، بالإضافة إلى غياب كلٍ من تركيا وإيرن عن اتفاقية نيويورك عام 1997 التي نظمت حق التشاطؤ والتقاسم؛ بالإضافة إلى تراكم أزمة التغير المناخي والتي نشهد تسارع مراحلها في الوقت الحالي؛ كل هذه الأسباب جاءت مُجتمعة ليصل حال الأزمة المائية في العراق لما هو عليه الآن.

وأضاف «قدوري» أن شهري مارس وأبريل هم أشهر الحصاد المائي في العراق؛ بفعل ذوبان الثلوج وقدوم السيول من دول الجوار؛ ولكن في موسم الحصاد المائي يفقد العراق نحو 60% من الأجزاء الجنوبية لنهري دجلة والفرات؛ مُشيرًا إلى أن هذا كان مُتوقع منذ 2013 حين صدر تقرير للأمم المتحدة أشار إلى إقبال العراق على خسارة نهري دجلة والفرات بحلول عام 2040؛ لكن المؤشرات الحالية تُشير إلى خسارة المياه بالنهرين بوقت أقرب من المُتوقع سابقًا. 

وأوضح الخبير المائي العراقي، واقعيًا العراق خسر ما يقرب من 60% من المجاري المائية؛ وتراجع الخزين المائي الاستراتيجي في عدد من البحيرات خلف السدود لما يقرُب من 7 ونصف مليار متر مكعب؛ بعدما كان 65 مليار متر مكعب عام 2019؛ مُشيرًا إلى أن هذا الانهدار الهائل في الخزين الاستراتيجي من مياه العراق يُنذر بكارثة أكبر؛ خاصة وأن العراق لن يتمكن من تزويد المجاري المائية إذا ضربتها موسم جفاف أعنف من الموسم الحالي؛ خاصة وأن الخزانات وصلت لما دون الحد الأدنى من الخزين المائي الطبيعي.

وعن خزين المياه الجوفية في العراق، أكد «قدوري» أنها تضررت بشكل كبير؛ فأولًا الخزين الضحل يكون على عمق أقصاه 20 مترًا؛ ويكون محل تجاوزات المُواطنين بحفر آبار غير شرعية؛ وحسب إحصائيات لوزارة المواد المائية فإن أكثر من 50 ألف بئر غير شرعية تم حفره؛ وهو بحد ذاته استنزاف فج للخزين الضحل. أما آبار الخزين الجوفي تم التجاوز عليهت وتغيرت مواصفاتها وباتت تُعاني الآن من رداءة النوعية وهو الأمر الذي يجعلها غير قادرة على تعويض العجز في المياه السطحية؛ ولكن يمكن استخدامها في الزراعة ولكن لن تعوض مياه الشرب. 

 وكشف «قدوري» عن أسباب نضوب المياه في الخزانات الجوفية؛ والتي يتم تزويدها عبر الأمطار والمجاري المائية؛ ولكن مُنذ 4 سنوات يُعاني العراق من قلة الأمطار والجفاف في أغلب محافظاته؛ مما أدى لانحسار المياه السطحية وانخفاض مستواها دون القنوات التي تنقل المياه إلى الخزانات الجوفية؛ وبالتالي فخلال الـ 4 سنوات الماضية لن تعوض مياهها فضلًا عن التجاوزات وسحب كميات كبيرة منها. 

وأكد أن التغيرات المُناخية كان لها النصيب الأكبر في أسباب الأزمة المائية في العراق؛ خاصة وأن بلاد الرافدين تصنف كـ 5 دولة هشاشة من حيث التجهيز للتعامل مع التغيرات المناخية؛ فارتفاع درجات الحرارة أدى إلى زيادة نسب التبخر وفقدان كميات كبيرة من الخزانات والمجاري المياه السطحية؛ والتي تتزامن مع قلة الاطلاقات المائية من دول المنبع وتجاوزهم على الحصص المائية في العراق؛ مشيرًا إلى أن تركيا خفضت الاطلاقات المائية لأقل من الربع؛ وبالنسبة للمياه التي تصل للعراق من إيران هي مياه سول فقط وتبلغ نحو 12% بعد أن حرفت إيران نحو أكثر من 45 رافدًا ومجرى نهريا وأعادته لداخل أراضيها، ومنها نهر كارون الذي كان يصل لمحافظة ميسان والبصرة ويصب في شط العرب. 

وحول انعكاس أزمة المياه على الزراعة في العراق، قال «قدوري» إن ما يقرب من ثلثين المساحات الخضراء فُقدت في جنوب العراق؛ مُشيرًا إلى أنه عاد منها القليل بفعل الأمطار القليلة التي سقطت مؤخرًا؛ ولكن بعد عدة أشهر ستعود هذه المساحات للتصحر وستبدأ هبوب العواصف الغبارية من مطلع شهر مايو؛ مشيرًا إلى أن الشح في مياه الشرب وصل العراق سابقًا وضرب محافظة البصرة؛ وأطلقت محافظات العراق مُبادرة مياه البصرة؛ ولكن الآن ليست البصرة فقط التي تُعاني من شح مياه الشرب؛ فالأزمة تفاقمت ووصلت لمحافظتي ذي قار وميسان؛ وممكن أن تصل لمحافظات الفرات الأوسط؛ بفعل الجفاف والتجاوز على المجاري المائية. 

وعن إجراءات الحكومة بشأن المحاصيل المُستهلة للمياه؛ أيد «قدوري» خطة وزارة الزراعة بشأن منعت زراعة المحاصيل المُستهلة للمياه بصفة عامة ومن ضمنها الأرز؛ بالإضافة إلى تقليص المساحات الزراعية لـ الربع من إجمالي المساحة المزروعة والتي تبلغ نحو "140 مليون دونم" بسبب الشح المائي؛ مُشيرًا إلى أن الجهات الرقابية تتتبع المُخالفين والمُتجاوزين؛ ولكن لا يزال إنفاذ القانون لم يأخذ مساره الكامل؛ خاصة وأن هناك تجاوزات كبيرة بشأن بُحيرات الأسماك التي شُقت بشكل غير قانوني على ضفاف المجاري المائية. مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على المجاري المائية وتقليل عملية التبخر من خلال تبطين الترع والقنوات المائية إلى جانب ضرورة وسرعة التوصل لحلول جزرية مع دول المنبع والجلوس على مائدة مُفاوضات وتوقيع اتفاقيات يحفظ للعراق حقوقه المائية القومية. 

وأوضح «قدوري» أن تحلية مياه البحر والصرف الصحي هي أحد الحلول المطروحة بشكل كبير في العراق؛ ولكن إذا بقيت أزمة المياه على هذا الوضع يجب أن يتجه العراق لإيجاد بدائل جدية وسريعة لحلحلة الأزمة؛ وفي حال الاعتماد على تحلية مياه البحر والصرف الصحي فيمكن أن يقتصر ذلك على المُحافظات التي تفتقر للموارد المائية مثل البصرة وذي قار؛ لافتًا إلى أنه حسب التقارير الأمية فإن عام 2040 نقطة تحول كبيرة بالنسبة للمجاري المائية في العراق. 

 ويرى الخبير المائي والبيئي أنه إذا لم يتمكن العراق من الحفاظ على حقوقه المائية؛ فخلال 5 سنوات على أقصى تقدير سيفقد العراق أكثر من 60% من نهري دجلة والفرات وخصوصًا في المناطق الجنوبية. لافتًا إلى أن مياه الأمطار التي سقطت في الفترة الأخيرة على الأهوار؛ لم تُعزز المياه المفقودة، فجفاف الأهوار يحتاج لـ 5 سنوات من وفرة المياه لتعزيزها حسب طبيعة الأرض في الأهوار. 

واختتم الخبير المائي والبيئي العراقي أيمن قدوري، حديثه مع «البوابة» مستعرضًا أبرز الحلول السرعة لتدارك أزمة المياه في العراق؛ والمُتلخصة في قيام الحكومة بتتبع المؤسسات الملوثة للمجاري المائية؛ بالإضافة إلى شن حملات توعية على كافة المُستويات لترشيد المياه وآليات الاستخدام الصحيح؛ إلى جانب تشريع قوانين صارمة لردع المُتجاوزين على المجاري والقنوات المائية وتطبيق القانون على الجميع، والجلوس على مائدة المُفاوضات مع دول المنبع وتوقيع اتفاقيات يحفظ للعراق حقوقه المائية والقومية.