أسهب الخبير المائي والبيئي العراقي أيمن قدوري، خلال حديثه مع «البوابة نيوز» في شرح كواليس الوضع المائي والمناخي في العراق؛ مؤكدًا أن الأزمة المائية في بلاده ليست وليدة اللحظة؛ وتعود لتراكُمات من سوء الإدارة المائية لأكثر من 4 عقود زمنية؛ بدأت بالسماح لدول المنبع لنهري دجلة والفرات بإنشاء المشاريع المائية التي قلصت حصص العراق المائية لأقل من 20%، بالإضافة إلى غياب كلٍ من تركيا وإيرن عن اتفاقية نيويورك عام 1997 التي نظمت حق التشاطؤ والتقاسم؛ بالإضافة إلى تراكم أزمة التغير المناخي والتي نشهد تسارع مراحلها في الوقت الحالي؛ كل هذه الأسباب جاءت مُجتمعة ليصل حال الأزمة المائية في العراق لما هو عليه الآن.
وأضاف «قدوري» أن شهري مارس وأبريل هم أشهر الحصاد المائي في العراق؛ بفعل ذوبان الثلوج وقدوم السيول من دول الجوار؛ ولكن في موسم الحصاد المائي يفقد العراق نحو 60% من الأجزاء الجنوبية لنهري دجلة والفرات؛ مُشيرًا إلى أن هذا كان مُتوقع منذ 2013 حين صدر تقرير للأمم المتحدة أشار إلى إقبال العراق على خسارة نهري دجلة والفرات بحلول عام 2040؛ لكن المؤشرات الحالية تُشير إلى خسارة المياه بالنهرين بوقت أقرب من المُتوقع سابقًا.
وأوضح الخبير المائي العراقي، أن العراق واقعيًا خسر ما يقرب من 60% من المجاري المائية؛ وتراجع الخزين المائي الاستراتيجي في عدد من البحيرات خلف السدود لما يقرُب من 7 ونصف مليار متر مكعب؛ بعدما كان 65 مليار متر مكعب عام 2019؛ مُشيرًا إلى أن هذا الانهدار الهائل في الخزين الاستراتيجي من مياه العراق يُنذر بكارثة أكبر؛ خاصة وأن العراق لن يتمكن من تزويد المجاري المائية إذا ضربتها موسم جفاف أعنف من الموسم الحالي؛ خاصة وأن الخزانات وصلت لما دون الحد الأدنى من الخزين المائي الطبيعي.
وعن خزين المياه الجوفية في العراق، أكد «قدوري» أنها تضررت بشكل كبير؛ فأولًا الخزين الضحل يكون على عمق أقصاه 20 مترًا؛ ويكون محل تجاوزات المُواطنين بحفر آبار غير شرعية؛ وحسب إحصائيات لوزارة المواد المائية فإن أكثر من 50 ألف بئر غير شرعية تم حفره؛ وهو بحد ذاته استنزاف فج للخزين الضحل. أما آبار الخزين الجوفي تم التجاوز عليهت وتغيرت مواصفاتها وباتت تُعاني الآن من رداءة النوعية وهو الأمر الذي يجعلها غير قادرة على تعويض العجز في المياه السطحية؛ ولكن يمكن استخدامها في الزراعة ولكن لن تعوض مياه الشرب.
وكشف «قدوري» عن أسباب نضوب المياه في الخزانات الجوفية؛ والتي يتم تزويدها عبر الأمطار والمجاري المائية؛ ولكن مُنذ 4 سنوات يُعاني العراق من قلة الأمطار والجفاف في أغلب محافظاته؛ مما أدى لانحسار المياه السطحية وانخفاض مستواها دون القنوات التي تنقل المياه إلى الخزانات الجوفية؛ وبالتالي فخلال الـ 4 سنوات الماضية لن تعوض مياهها فضلًا عن التجاوزات وسحب كميات كبيرة منها.
وأكد أن التغيرات المُناخية كان لها النصيب الأكبر في أسباب الأزمة المائية في العراق؛ خاصة وأن بلاد الرافدين تصنف كـ 5 دولة هشاشة من حيث التجهيز للتعامل مع التغيرات المناخية؛ فارتفاع درجات الحرارة أدى إلى زيادة نسب التبخر وفقدان كميات كبيرة من الخزانات والمجاري المياه السطحية؛ والتي تتزامن مع قلة الاطلاقات المائية من دول المنبع وتجاوزهم على الحصص المائية في العراق؛ مشيرًا إلى أن تركيا خفضت الاطلاقات المائية لأقل من الربع؛ وبالنسبة للمياه التي تصل للعراق من إيران هي مياه سول فقط وتبلغ نحو 12% بعد أن حرفت إيران نحو أكثر من 45 رافدًا ومجرى نهريا وأعادته لداخل أراضيها، ومنها نهر كارون الذي كان يصل لمحافظة ميسان والبصرة ويصب في شط العرب.
وحول انعكاس أزمة المياه على الزراعة في العراق، قال «قدوري» إن ما يقرب من ثلثين المساحات الخضراء فُقدت في جنوب العراق؛ مُشيرًا إلى أنه عاد منها القليل بفعل الأمطار القليلة التي سقطت مؤخرًا؛ ولكن بعد عدة أشهر ستعود هذه المساحات للتصحر وستبدأ هبوب العواصف الغبارية من مطلع شهر مايو؛ مشيرًا إلى أن الشح في مياه الشرب وصل العراق سابقًا وضرب محافظة البصرة؛ وأطلقت محافظات العراق مُبادرة مياه البصرة؛ ولكن الآن ليست البصرة فقط التي تُعاني من شح مياه الشرب؛ فالأزمة تفاقمت ووصلت لمحافظتي ذي قار وميسان؛ وممكن أن تصل لمحافظات الفرات الأوسط؛ بفعل الجفاف والتجاوز على المجاري المائية.
وعن إجراءات الحكومة بشأن المحاصيل المُستهلة للمياه؛ أيد «قدوري» خطة وزارة الزراعة بشأن منعت زراعة المحاصيل المُستهلة للمياه بصفة عامة ومن ضمنها الأرز؛ بالإضافة إلى تقليص المساحات الزراعية لـ الربع من إجمالي المساحة المزروعة والتي تبلغ نحو "140 مليون دونم" بسبب الشح المائي؛ مُشيرًا إلى أن الجهات الرقابية تتتبع المُخالفين والمُتجاوزين؛ ولكن لا يزال إنفاذ القانون لم يأخذ مساره الكامل؛ خاصة وأن هناك تجاوزات كبيرة بشأن بُحيرات الأسماك التي شُقت بشكل غير قانوني على ضفاف المجاري المائية. مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على المجاري المائية وتقليل عملية التبخر من خلال تبطين الترع والقنوات المائية إلى جانب ضرورة وسرعة التوصل لحلول جزرية مع دول المنبع والجلوس على مائدة مُفاوضات وتوقيع اتفاقيات يحفظ للعراق حقوقه المائية القومية.
وأوضح «قدوري» أن تحلية مياه البحر والصرف الصحي هي أحد الحلول المطروحة بشكل كبير في العراق؛ ولكن إذا بقيت أزمة المياه على هذا الوضع يجب أن يتجه العراق لإيجاد بدائل جدية وسريعة لحلحلة الأزمة؛ وفي حال الاعتماد على تحلية مياه البحر والصرف الصحي فيمكن أن يقتصر ذلك على المُحافظات التي تفتقر للموارد المائية مثل البصرة وذي قار؛ لافتًا إلى أنه حسب التقارير الأمية فإن عام 2040 نقطة تحول كبيرة بالنسبة للمجاري المائية في العراق.
ويرى الخبير المائي والبيئي أنه إذا لم يتمكن العراق من الحفاظ على حقوقه المائية؛ فخلال 5 سنوات على أقصى تقدير سيفقد العراق أكثر من 60% من نهري دجلة والفرات وخصوصًا في المناطق الجنوبية. لافتًا إلى أن مياه الأمطار التي سقطت في الفترة الأخيرة على الأهوار؛ لم تُعزز المياه المفقودة، فجفاف الأهوار يحتاج لـ 5 سنوات من وفرة المياه لتعزيزها حسب طبيعة الأرض في الأهوار.
واختتم الخبير المائي والبيئي العراقي أيمن قدوري، حديثه مع «البوابة» مستعرضًا أبرز الحلول السرعة لتدارك أزمة المياه في العراق؛ والمُتلخصة في قيام الحكومة بتتبع المؤسسات الملوثة للمجاري المائية؛ بالإضافة إلى شن حملات توعية على كافة المُستويات لترشيد المياه وآليات الاستخدام الصحيح؛ إلى جانب تشريع قوانين صارمة لردع المُتجاوزين على المجاري والقنوات المائية وتطبيق القانون على الجميع، والجلوس على مائدة المُفاوضات مع دول المنبع وتوقيع اتفاقيات يحفظ للعراق حقوقه المائية والقومية.