للعقيدة الإسلامية أثر بالغ فى نفوس معتنقيها لسماحتها وملاءمتها للنفس البشرية، وهو الذى انعكس بشكل كبير على الفنون فى شتى مجالاتها، كان أبرزها العمارة الإسلامية، حيث سجلت عبر التاريخ صورة صادقة للفنان المصرى ومهارته، ولعل جدران المساجد ومنابرها أبرز دليل على دقة وحرفية الصانع والفنان المصرى ومهارته، فعلى مدار شهر رمضان المبارك تصطحبكم «البوابة نيوز» فى رحلة بين مساجد مصر وأضرحتها، لنتعرف على تاريخ نشأتها، وتأثيرها الروحانى فى قلوب مرتاديها. وفوق قبة الشافعى مركب صغير مثبت فى هلال القبة منذ إنشائها وقد عاينها الإمام البوصيرى صاحب البردة المتوفى عام ٦٩٥ هـ - ١٢٩٥ م وأنشد فيها:
بقبة قبر الشافعى سفينة.. رست فى بناء محكم فوق جلمود
وقد غاض طوفان العلوم بقبره.. استوى الفلك من ذاك الضريح على الجودى
قبة الإمام
تعد قبة الإمام الشافعى الشاهقة واحدة من أهم المعالم الدينية والمعمارية فى القاهرة، ويعتبر ضريحه من أكبر الأضرحة على الإطلاق، على الرغم من أن محمد بن إدريس الشافعى، وهو مؤسس المذهب الشافعى، أمضى أربع سنوات فقط فى الفسطاط قبل وفاته فى عام ٢٠٤هـ - ٨٢٠م، إلا أن إرثه فى مصر لا يوجد له مثيل – حيث إنه أكمل أشهر أعماله بها. عقب وفاته، دفن الشافعى فى قرافة عائلة العلامة المصرى عبدالله بن عبد الحكم وفاة ٢١٣هـ / ٨٢٩م.
وسرعان ما تحول قبره إلى موقع مشهور للزيارة ومكان يعتقد البعض أن به بركة وشفاعة، أما الضريح الحالى، فقد شيده السلطان الأيوبى الكامل محمد فى عام ٦٠٨هـ / ١٢١١م، لكن الضريح ليس أول بناء تم إقامته فوق قبر الشافعى.
قبة الإمام هى مسجلة أثر برقم ٢٨١، أنشأها الملك الكامل أيوب فى عام ٦٠٨هـ /١٢١١م، وتقع فى شارع الإمام الشافعى بالخليفة.
الضريح الفاطمي
يتكون ضريح الشافعى المنقب عنه من مبنى مقبب يتصل بحوش، وهو من نفس طراز الأضرحة الفاطمية التى تنتمى إليها قبتا يحيى الشبيه والسيدة رقية، مما يعنى أن القبة التى علت مقام الشافعى فى العصر الفاطمى كانت محمولة على أعمدة مزدوجة ومحاطة بممشى مسقوف من ثلاث جهات.
وتم العثور على أجزاء من القبة بها مقرنصات مضلعة وفتحات مفصصة تشبه تلك الموجودة فى ضريح السيدة رقية، من الجنوب، ألحق بالقبة صحن مفتوح محاط بالعقود من جميع الجهات وبالجهة الجنوبية جدار به محراب تجاه القبلة وبقايا قواعد لمحرابين آخرين فى تكوين ثلاثى شبيه بالمحاريب الثلاثة فى الضريح الحالى. تكشف أجزاء من الزخارف الجصية التى عثر عليها بين الركام عن أن الضريح كان مزينا بالكثير من الزخارف المورقة والأرابيسك والنقوش الكوفية، مما يعد دليلا على مكانة الإمام الشافعى عبر العصور. وفى عام ٥٧٢هـ / ١١٧٦-٧٧م، وبناء على طلب من شيخ الصوفية نجم الدين الخبوشانى، أمر صلاح الدين الأيوبى ببناء مدرسة متخصصة فى المذهب الشافعى بجوار الضريح.
وتعد الزخارف الجصية الخارجية امتدادًا أيوبيا للطراز الفاطمى فى الزخرفة، وتتمثل فى الحنايا الجصية الزخرفية المتبادلة مع الجامات، وأسوار الشرفات ذات النقوش الهندسية المتداخلة والأركان المشطوفة على هيئة مقرنصات.
كذلك تضم الواجهة عناصر شمال أفريقيا عديدة، خاصة فى العناصر الزخرفية النباتية والكتابي، ويعد نقش الشهادة المتماثل المتواجد فى الركن الشمالى الشرقى من الطابق الثانى الموضح أعلاه هو أقدم مثال معروف للكتابة النسخية المغربية فى القاهرة.
وتوجد بلاطة وحيدة من القيشانى الأسود داخل التصميم النجمى بإحدى الشرافات الشمالية الشرقية، والتى تم الكشف عنها أثناء أعمال فحص العناصر الجصية التى قامت بها مبادرة الأثر لنا. لم ينج إلا عدد قليل من الشرافات الأصلية، لكن من الغريب أن أيا منها لا يحتوى على بلاط مماثل. ويبلغ القطر الداخلى للقبة ١٥.٣م، وبذلك تكون قبة الإمام الشافعى الخشبية هى الأكبر فى القاهرة، وصفائح الرصاص التى تغطى القبة تخفى تحتها عددا من بلاطات القيشانى الأخضر بالقرب من القمة.
وقال عنه البوصيرى
بقبة قبر الشافعي سفينة.. رست من بناء محكم فوق جلمود
ومذ غاض طوفان العلوم بقبره.. استوى الفلك من ذاك الضريح على الجودى
تحكى الخرافة العجيبة أن الوزير السلجوقى نظام الملك طلب نقل رفات الشافعى إلى مدرسته فى بغداد بنيت ١٠٦٧ م وعلى الرغم من غضب الناس واحتجاجاتهم، وافق الخليفة وأصدر الوزير بدر الجمالى أمرا بحفر القبر، ولكن عند بدء الحفر، فاحت من القبر رائحة عطرية مسكرة أغمت جميع الحاضرين، وتم التراجع عن استخراج الجثمان بينما ازدادت زيارات الإمام الشافعى حيث استمرت أربعين يوما وليلة.