الأربعاء 20 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

عبد الرحيم على يكتب: الملك العظيم.. ماذا يعنى وجود رمسيس الثانى فى باريس للمرة الثانية خلال نصف قرن؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لدينا تجاربنا التى تحتاجها فرنسا والغرب كله فى مواجهة الإرهاب والأفكار المتطرفة
فرصة ذهبية لاستعادة ما انقطع فى مسار العلاقة المصرية الفرنسية والبحث عما يقربنا لا ما يفرقنا 

إن عودة رمسيس الثانى ملك مصر العظيم إلى باريس بعد ٤٧ عامًا من وجوده لأول مرة فى عام ١٩٧٦، هو إيذانٌ بعودة لحمة ذلك الحبل السُرى الذى ربط لعقود طويلة بين البلدين، مصر وفرنسا.. إن ولع الفرنسيين بمصر الذى أطلق عليه هنا مصطلح (إيجيبتوماني) كان يقابله دومًا ولعًا بفرنسا، والطريق دائمًا ما كان مُعَبدًا وصالحًا للسير بين البلدين فى كل العصور السياسية رغم اختلافاتها باعتبار أن كلًا البلدين الكبيرين ركيزة أساسية فى محيطه الإقليمى.
وإذا كانت مصر لدينا هى «فجر الضمير» كما أطلق عليها عالم المصريات الشهير هنرى بريستد، فإننا كمصريين نعتبر فرنسا هى «عصر الضمير» بما مثلته الثورة الفرنسية فى التاريخ البشرى وما رسخته من قيم فى الضمير الإنسانى.
ودعونى أقول لكم لماذا نعتقد نحن المصريين أن فرنسا بالتحديد هى عصر الضمير؟
واستدعى هنا مقولة المستعرب الفرنسى الشهير جاك بيرك حول دوافعه الأولى التى قادته إلى الاهتمام بالشعوب العربية والتى أوردها فى كتابه «مذكرات الضفتين» عام (١٩٨٩).
يقول بيرك: «فى ذلك الحين، - أى عند بداياته فى خمسينيات القرن الماضى- كان يهيمن على علم الاستشراق علم أعراقٍ يستمد جذوره من المدرسة المنتمية إلى جيمس فريزر، علمٌ يرى هؤلاء الأقوام من خلال الطقوس السحرية التى تغمر حياتهم.
.. ولم تكن تلك النظرة سوى وسيلة للتعبير عن تفوق المراقب (أى الغرب) على الشعب الخاضع للمراقبة (أى الشرق)، ورفض كل تاريخية يمكن إلصاقها بتلك الشعوب المدروسة (أى الشعوب الشرقية).. أما أنا (فى إشارة إلى نفسهِ باعتباره مُعبرًا آنذاك عن رؤية فرنسية خاصة بتحليل تلك المجتمعات)، فإن هذه التاريخية هى، بالتحديد، ما كنتُ أريدً إعادتها إلى تلك الشعوب».
 


تلك الرؤية لجاك بيرك وللفكر الفرنسى من بعدهِ هى ما جعلت بيننا وبين فرنسا هذه العلاقات والوشائج التاريخية الدائمة على مر العصور. باختصار هى علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والفهم المتبادل لحضارة وقيم كلٍ منا ووجوده التاريخى وحضارته على هذه الأرض.
إن عودة رمسيس الثانى إلى فرنسا بعد أقرب من نصف قرن هى فرصة ذهبية لاستعادة ما انقطع فى مسار تلك العلاقة لأسباب عديدة لا سبيل لذكرها هنا، لأننا نبحث عما يقربنا وعما نتعاون بشأنه، لا ما يفرقنا.. ولعل المبادرة التى قام بها عددٌ من الكتاب والسياسيين الفرنسيين والمصريين فى القاهرة منذ أسابيع قليلة لفتح باب الحوار المجتمعى، تكونُ بادرةً لحوار مجتمعى معمق وجديد بين مفكرى وصانعى الرأى العام فى البلدين، يكون مفتاحًا لفهم ما انغلق فى السنوات الاخيرة.
إن لدينا تجاربنا الخاصة فى مواجهة الإرهاب والأفكار المتطرفة وجماعات الإسلام السياسى.. تلك التجارب تحتاجها فرنسا بشدة بل يحتاجها الغرب كله بقدر حاجتنا نحن إلى تجارب فرنسا والغرب فى بناء مجتمعات ديمقراطية وليبرالية حديثة. إن المشاركة هنا على أرضية ما أكده جاك بيرك من الاعتراف بتاريخية كلٍ منا وقيمه وحضارته الخاصة، هو ما سيعود بالنفع المؤكد على مجتمعاتِنا جميعها.
وأختتمُ أيضًا بمقولة أخرى لجاك بيرك؛ ذلك الرجل الذى لم يمنعه حبه للإسلام وتبجيله للحضارة العربية والإسلامية من أن يظل كاثوليكيًا، كما أن تعلقه بالعرب لم يمنعه من أن يظل فرنسيًا حتى النهاية. يقول بيرك عن نفسه حين سئل كيف يحب أن يُصَنَف: 
«أنا مناضل فى سبيل التقريب بين الضفتين، فرنسا والعالم العربى، وفى سبيل أن يعرف قرائى، من الفرنسيين بشكل خاص، ما هى حقيقة الإسلام وما هى حقيقة تلك المجتمعات بعيدًا عن الكليشيهات والتعصب والأفكار الجاهزة».. وأنا استعير تلك العبارة منه وأقول: وأنا كذلك.