الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

رولان لومباردي يكتب: الحرب في أوكرانيا.. محاولة فرنسا الفاشلة للعودة إلى التاريخ!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى حين أنه فى بداية الأزمة الأوكرانية فى يناير ٢٠٢٢ وحتى بعد الغزو الروسى الذى بدأ فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، بدا أن إيمانويل ماكرون، الذى تولى آنذاك رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبى، يريد الحفاظ على الحوار مع موسكو بحيث تفرض فرنسا نفسها كوسيط للسلام. حتى أنه أعلن حينها، فى مواجهة موجة "الهستيريا الوليدة" المناهضة لروسيا والتى أطلقها حلفاؤه الغربيون، أن "فرنسا ليست فى حالة حرب مع روسيا"! ومع ذلك، وبسرعة كبيرة، تبين أن تصريحات وزراء الخارجية والقوات المسلحة والاقتصاد تتعارض مع هذه الرغبة الظاهرة. وانتهى الأمر بالرئيس الفرنسى نفسه إلى الخضوع، ضد مصالح فرنسا، للاستراتيجية غير المتسقة وغير الواقعية للاتحاد الأوروبى وخاصةً الولايات المتحدة.. هكذا أضاع إيمانويل ماكرون للأسف فرصة عظيمة لإعادة فرنسا إلى التاريخ.
فى نهاية يناير ٢٠٢٢ وبينما تتفاقم التوترات حول أوكرانيا، وعلى الرغم من الاتصالات الهاتفية الأولى بين الرئيس الفرنسى وفلاديمير بوتين وكذلك مع نظيره الأوكرانى، زيلينسكى، أعلنت وزيرة القوات المسلحة فى ذلك الوقت فلورنس بارلى أن "فرنسا مستعدة، إذا قرر الناتو، نشر عناصر عسكرية فى رومانيا"، فى إشارة إلى "عدة مئات" من الرجال، لتكون قادرة على المساهمة فى "إعادة التأمين" فى هذا البلد المتاخم لأوكرانيا وهذه المنطقة المهددة من قبل روسيا.
فى اليوم التالى لخروج الوزير الفرنسى، على خطى نظيره عبر نهر الراين من الخضر الألمانى، أكد وزير الخارجية الفرنسى آنذاك جان إيف لودريان فى مقابلة مع جورنال دو ديمانش بكل وضوح وحزم: "أى هجوم جديد على وحدة أراضى أوكرانيا سيكون له عواقب وخيمة. لا يمكن أن نكون أوضح من ذلك، وهنا قالت لى زميلتى الألمانية "لا يتم اتخاذ خطوة واحدة".. وهنا أنا سأستخدم نفس التعبير الذى قالته زميلتي!. كما أشار الرئيس السابق للدبلوماسية إلى الاستراتيجية الفرنسية القائمة على ثلاثة محاور: الحزم مع روسيا، والتضامن مع أوكرانيا، والحوار. بينما يؤكد بأن أى فشل لفلاديمير بوتين سيؤدى إلى "عواقب وخيمة" وسيؤدى إلى "عقوبات واسعة النطاق".
بعد أيام قليلة من اندلاع الصراع، وعلى الرغم من استمرار التبادلات بين الإليزيه والكرملين، أعلن وزير الاقتصاد الفرنسى فى ذلك الوقت، برونو لومير: "سوف نتسبب فى انهيار روسيا وتحديدا الاقتصاد!".. التصريحات العنيفة التى تبدو بعد ذلك منفصلة تمامًا عن الواقع، ستبقى قبل كل شىء فى سجلات الأخطاء الفادحة لموظفينا السياسيين الذين يسخرون من أنفسهم بطريقة سريعة من خلال تلك التصريحات المتسرعة!.
لماذا إذن هذه الحملات الدعائية لأهم أعضاء الحكومة والتى تتعارض بشكل كامل مع محاولة الحوار والوساطة التى قام بها الرئيس الفرنسى مع بوتين، والتى كانت لا تزال ذات صلة فى ذلك الوقت؟ هل هى إجراء من جانب السلطة التنفيذية أم تنفيذ أدوار وتكتيكات الدبلوماسية التى تحدد مهمة "الشرطى الصالح والشرطى السيئ" أم حتى مبادرات شخصية بسيطة للوزراء فى "القطاعات التى تسير فيها الأمور "قوى غامضة" أكثر نفوذًا وتأثيرا من الحاكم الذى يقيم بالإليزيه؟.
 


من المستحيل أن تعرف!.. ما هو مؤكد هو أن موقف فرنسا كان، على أقل تقدير، غير متماسك، ويبدو على الأرجح أن الرئيس الروسى استمر فى تذكير إيمانويل ماكرون بكل ذلك خلال محادثاتهما الهاتفية الأخيرة العام الماضى.
مهما كان الأمر، فقد كانت قبل كل شيء أفضل طريقة لاستعداء الروس وتجاهل حبهم التاريخى للفرانكوفونية، وتعزيز إحباطهم وإثارة اشمئزازهم فعليًا بشأن فرنسا وما أصبحت عليه.
الفرصة الضائعة لفرنسا للعودة إلى التاريخ
ومع ذلك، إذا كانت فرنسا تريد حقًا أن تلعب دورًا وتعيد الاتصال بعظمتها وتقاليدها فى الاستقلال الدبلوماسى (المعترف بها منذ فترة طويلة للأسف)، يمكنها ذلك ولا يعد هذا خيالا علميًا بقدر ما قد يبدو الأمر بسيطًا ومذهلًا، كان من الممكن أن تكون صانع السلام العظيم فى هذه الحرب الجديدة فى قلب أوروبا؛ لذلك، كان يكفى أن تعلن باريس موقفها رسميًا، كعضو فى الناتو وليس أى شيء آخر!.. وكما هو منصوص عليه فى نظام المنظمة الأساسى، فقد عارضت رسميًا انضمام أوكرانيا، بينما كانت تعمل من أجل هذا البلد للحصول على وضع الحياد. علاوة على ذلك، هناك نقطة فى ميثاق المنظمة تنص أيضًا على إمكانية رفض اندماج عضو جديد فى حالة توترات أو صراعات إقليمية.. كما هو الحال بالنسبة للانضمام المحتمل إلى الاتحاد الأوروبى.
موسكو، التى لم تتصور بشكل معقول غزوًا شاملًا لأوكرانيا، كانت تتراجع بالتأكيد (فى غضون أسابيع قليلة، احتل الجيش الروسى بالفعل ٣٠٪ من الأراضى الأوكرانية)، إذا تم الاعتراف بمطلبها الرئيسى. من المسلم به أن فرنسا كانت تثير غضب بروكسل وواشنطن، لكن كان من الممكن أن يتم الاستماع إليها مرة أخرى وتأخذها على محمل الجد من قبل الروس و٥/٣ من العالم الذين رفضوا اتباع الأمريكان لمعاقبة روسيا.
فى الوقت نفسه، لطمأنة وتهدئة بلدان أقصى شرق الاتحاد الأوروبى والمخاوف بشكل مشروع من روسيا، مثل بولندا، يمكن لفرنسا أيضًا القيام بثورة كوبرنيكية من خلال تقديم دعمها الصريح والواسع فى سياستها المتعنتة والواقعية المناهضة للهجرة، وهو موقف أبعد ما يكون عن الحال الآن.
بدلًا من ذلك، شهدنا خضوعًا جديدًا من نخبنا لأسيادهم الأمريكيين الذين ضحوا بأرواح الأوكرانيين حتى الآن من أجل مصالحهم الخاصة (تخريب أى محاولة دبلوماسية لحل النزاع) وكنا على استعداد للقيام بدور بسيط لجنودنا العناصر المساعدة فى صراع حيث كان علينا أن نخسر أكثر من أن نكسب وفوق كل شيء ليس لدينا مصلحة حيوية ندافع عنها. لقد جعلنا هذا التابع الأطلسى الأعمى نفقد بالفعل كل رصيدنا لدى روسيا، الحليف التاريخى والذى كان أحد أهم شركائنا التجاريين (انظر فقط، من بين أمور أخرى، الضرر الذى لحق بزراعتنا بعد تصويت العقوبات الغربية ضد موسكو فى ٢٠١٤). ولكن أيضًا، حتى لو لم يفهمه قادتنا أبدًا، فهى حليفنا الاستراتيجى والحقيقى ضد الإسلام السياسى والإرهاب الجهادى فى البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، حيث تكمن تحدياتنا الجيوستراتيجية الحقيقية. ونقوم كل مرة بـ"عض" يد الروس المدودة لنا فى جميع المجالات، وذلك ببساطة لإرضاء واشنطن، وليس من المستغرب أن نراهم، على سبيل المثال اليوم، يدفعوننا بعيدًا عن مربعنا الأفريقى الذى كنا متواجدين فيه بقوة.
مرة أخرى، بدا أن قادتنا قد نسوا أن الناتو، الذى حكم عليه الرئيس الفرنسى منذ وقت ليس ببعيد بأنه "ميت دماغيًا" خاصةً أنه لم يحرك ساكنًا عندما تعرضت فرنسا وقبرص واليونان لهجوم فى ٢٠١٩/٢٠٢٠ من قبل تركيا العضو فى التحالف!
نسى الناتو أيضًا أن "انقلاب ترافالجار" وما فعلته الولايات المتحدة مع فرنسا، فى سبتمبر ٢٠٢١، إنهاء العقد العجيب ٩٠ مليار دولار أسترالى أو ٥٦ مليار يورو بما فى ذلك طلب ١٢ غواصة من طراز صف باراكودا للمجموعة الفرنسية (Naval Group) وقامت أمريكا بتوقيع العقد مع كانبيرا لتحل محل باريس ببساطة!
قطعًا، على الرغم من ذلك فى عدة مناسبات، فى بداية غزوهم وعلى قوة نجاحاتها العسكرية الأولية على الرغم من بعض الأخطاء التكتيكية فى التقييم، كانت موسكو قد قبلت - حتى اليوم! - جميع الوساطات (التركية، الإسرائيلية، السعودية، الصينية، إلخ)، وفضل مسؤولونا، بصفتهم تابعين جيدين وضد مصالح فرنسا الخاصة، الوقوف مع "حلفائها" الأقل ثقة والالتزام بسياسة أيديولوجية مناهضة لروسيا فى أوكرانيا كما فى أماكن أخرى.. إنه أمر مثير للشفقة ومروع.
تراجع المكانة الدولية المحزنة والتى لا ترحم فرنسا
لطالما إدعى إيمانويل ماكرون أنه يريد إعادة الاتصال بالتراث الديجولى، لا سيما فيما يتعلق بروسيا، لكنه لم يمنح نفسه أبدًا الوسائل للقيام بذلك. هل كانت لديه على الأقل الحرية أو حتى الرغبة والإرادة؟ غير متأكد.
وفى النهاية، من المؤكد الآن أن مبادرة الرئيس الفرنسى فيما يتعلق بأوكرانيا ستكون مجرد إيماءة أخرى عقيمة لمشهده الدبلوماسى الأسطورى (فى فبراير ٢٠٢٢، خلال حملته الانتخابية) وبالتأكيد فشل جديد.. هذا الفشل سيخرجنا بالتأكيد من التاريخ والقضايا الدولية الكبرى بالفعل مثل الشرق الأوسط، فى سوريا، فى ليبيا، فى لبنان، فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، فى البحر الأبيض المتوسط والآن فى أفريقيا.
آخر دليل على إهمال فرنسا وخفض مكانتها على الساحة الدولية، الزيارة الأخيرة للرئيس ماكرون للصين. لقد سمح لنفسه بتقديم درس أخلاقى جديد للقادة الصينيين بتحذيرهم من أن دعم "المعتدى" الروسى سيجعل الصين بمثابة الشريك فى هذا الاعتداء!.. وهناك إشارة محزنة أخرى وهى: أثناء زيارته لبكين، بالإضافة إلى وجود كبار المسؤولين الفرنسيين إلى جانبه، رافق الرئيس الفرنسى معه أورسولا فون دير لاين!
أحد أمرين: إما جاء طلب إيمانويل ماكرون، من منطلق الضعف والاعتماد على وجود رئيسة المفوضية الأوروبية إلى جانبه، أو فرضت الأخيرة نفسها من أجل مراقبة ماكرون. فى كلتا الحالتين، يعتبر فرض ذلك على الرئيس الفرنسى هو أمر غير مسبوق. لذلك من الواضح أن فرنسا اليوم تحت الوصاية ولم يعد لها رأى فى الشؤون العالمية!.
ومع ذلك، يذكرنا التاريخ بأن فرنسا لا تتمتع بالعظمة والاحترام والاستماع إلى ما كانت عليه عندما تكون متمردة بحنكة. للأسف لهذا يجب على قادتها أن يكونوا شجعانًا ومستقلين! لقد بات ذلك الصنف من القادة صنفًا معرضًا للانقراض.
لا يوجد شىء يمكن توقعه من السياسيين، ذوى الأيدى والعقول المقيدة، الذين يحكموننا. بدون شجاعة، متورطًا فى صراعات متعددة للمصالح الشخصية، دائمًا تحت تأثيرات مختلفة، تخضع لـ"سلطة المال" وأوامر "الدولة العميقة" الأطلسية في وزارة الخارجية (وفقًا لماكرون فى عام ٢٠١٩)، وهكذا فإنهم "فى واشنطن أو بروكسل سيضعون دائمًا المصالح العليا للفرنسيين والأمة فى الصفوف الخلفية.. كل ذلك يضر بشكل قاطع بصورة فرنسا ومكانتها على الساحة الدولية.

معلومات عن الكاتب: 
رولان لومباردى حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق األوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. رئيس تحرير موقع "لو ديالوج" يخصص افتتاحية العدد عن موقف فرنسا من الحرب فى أوكرانيا، مدللًا على تبعيتها بلا منطق للولايات المتحدة.