أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلًا جديدًا استعرض خلاله المدن الذكية ودورها في تعزيز المجتمعات بشكل عام والاقتصاد بشكل خاص، بالإضافة إلى توضيح أبرز العناصر الضرورية اللازمة لازدهار المدن الذكية باستخدام تكنولوجيا المعلومات.
وأشار المركز إلى أن ظهور جائحة فيروس كورونا (COVID-19) في عام 2020 أدى إلى اندلاع أزمة ثقة في مستقبل المدن، وأصبح هناك توجه كبير نحو التحضر في القرن الحادي والعشرين، حيث تبين أن البلدان والمدن جيدة التخطيط ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة، وبناء المرونة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مما أدى إلى ظهور شعور بالتفاؤل بأن الأزمة قد توفر لنا الفرصة لإعادة بناء المدن بشكل أكثر شمولًا، واخضرارًا وأمانًا، ومن ثم أصبح التقدم في التكنولوجيا ومستقبل المدن مرتبطين ببعضهم ارتباطًا وثيقًا، وسوف يعتمد مستقبل المدن على المعرفة، وسيكون مدفوعًا إلى حد كبير بالابتكار والاستخدام الواسع النطاق للتقنيات الجديدة ورقمنة جميع جوانب الحياة الحضرية.
وأضاف مركز المعلومات أن الابتكارات التكنولوجية سوف تحدد ملامح القرن الحالي؛ حيث تمر المدن بموجة من الرقمنة تعيد تشكيل حياة سكان الحضر وعملهم وتعلمهم ولعبهم، فالتكنولوجيا تحمل وعدًا كبيرًا بتحسين سبل العيش في المناطق الحضرية، وبالرغم من ذلك فإن هناك أيضًا مخاطر لتكنولوجيا المدن الذكية تتعلق بالخصوصية على الرغم من الأهمية الاقتصادية التي تحققها.
وأشار المركز في تحليله إلى كيفية تعزيز المدن الذكية للاقتصادات، ففيما يتعلق بـ "دعم الاستثمارات" أشار المركز إلى أن المدن الذكية تؤثر على الاستثمارات والاقتصادات تأثيرًا إيجابيًا، فوفقًا لدراسة أجرتها (ABI Research)، من المتوقع أن تحقق المدن الذكية تنمية اقتصادية تقدر بحوالي أكثر من 20 تريليون دولار أمريكي خلال العقد المقبل، وذلك من خلال توظيف تكنولوجيا المدن الذكية عبر مجموعة متنوعة من القطاعات، فعلى سبيل المثال تساعد المدن الذكية في التسويق الفعال والعمليات التجارية، من خلال البيانات التي تم جمعها بواسطة تقنيات المدن الذكية، حيث تستطيع الشركات المحلية تقديم خدمة أفضل لعملائها، من خلال تحليل البيانات الديموجرافية وعادات الشراء لدى عملائها، بالإضافة إلى ذلك يمكن لتجار التجزئة ترقية أساليبهم التسويقية بسهولة لحملات أكثر قوة تعزز من المشاركة مع العملاء.
وفيما يتعلق بـ "إدارة التنقل"، تعد البنية التحتية للطرق السريعة والازدحام المروري من أهم الصعوبات التي تواجهها المدن المتنامية، ولكن مع ظهور خيارات مشاركة الرحلة (rideshares)، يمكن لهذه التقنيات أن تقلل بشكل كبير من عدد السيارات على الطرق، والازدحام العام، وذلك عند دمجها مع إشارات المرور الذكية التي تعمل على تحسين مسارات الطرق بناءً على بيانات حركة المرور في الوقت الفعلي، فتصبح الطرق أكثر أمانًا، ويقل الوقت اللازم لتسليم البضائع، ويقل وقت الاستجابة للطوارئ بنسبة من 20٪ إلى 35٪، وفقًا لمعهد ماكينزي العالمي (McKinsey Global Institute). علاوة على ذلك، يمكن أن توفر المدن الكبيرة ما يصل إلى 800 مليار دولار أمريكي سنويًّا عن طريق استخدام تقنيات النقل الذكية.
أما بشأن "خلق فرص عمل"، فتساهم منصات التوظيف عبر الإنترنت في ربط الموظفين الموهوبين بأصحاب العمل المناسبين، مما يُحَسِّن من معدلات البطالة في سوق العمل، فوفقًا لمعهد ماكينزي العالمي، يمكن لهذه البرامج بحلول عام 2025 أن تضيف 2.7 تريليون دولار أمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي، كما يمكن استخدام البيانات التي تم جمعها في هذه الأنظمة لتحديد دورات التعليم المناسبة، والتي يمكن أن تجهز المتقدمين بشكل أفضل للوظائف المطلوبة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للسلطات التي تستخدم تكنولوجيا المدن الذكية رقمنة وأتمتة عمليات الإيداع بسهولة أكبر، مما يزيل الحواجز الشائعة أمام رواد الأعمال، من خلال تبسيط العملية الإدارية، وتقليل الوقت اللازم لها وتوفير المزيد من الوقت للمساهمة في اقتصادهم المحلي.
وبخصوص "تحسين الإسكان"، أشار المركز إلى أن المدن الكبرى في العالم تواجه مشكلة نقص المساكن، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنازل وتكاليف الإيجار، في حين أن توسيع المعروض من المساكن هو وسيلة رائعة للتخفيف من الأزمة، كما يمكن أن تسهل عملية الرقمنة فرص الحصول على الأراضي والتصاريح والموافقات على التصميم وتبسيط إجراءات بناء المنازل الجديدة بمقدار كبير، وعلاوة على ذلك يسمح استخدام عدادات الطاقة الذكية لأصحاب المنازل والشركات بمراقبة استهلاكهم للطاقة بشكل أفضل، ويمكن أن يساعد تزويد السكان بهذه البيانات في تحسين كفاءة الطاقة وتقليل الاستهلاك الإجمالي للطاقة، فعلى سبيل المثال، توفر برشلونة أكثر من 75 مليون يورو عن طريق أتمتة موارد المياه والكهرباء، وفقا للمجلة الدولية للصحة والجغرافيا.
واستعرض مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في التحليل بعض العناصر الضرورية اللازمة لازدهار المدن الذكية باستخدام تكنولوجيا المعلومات، ومنها: "التخطيط الأخضر للأماكن العامة": ويتمثل ذلك في إنشاء مساحات عامة خضراء في المدينة، حيث أن عدم وجود مساحة طبيعية يخلق بيئة معيشية حضرية غير صحية، كما يستوجب أن تقود المدن عملية إزالة الكربون لتحقيق مرونة النظام الإيكولوجي، وضمان أن التخطيط الحضري للمدن قادر على التعامل مع ضغوط تغير المناخ، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ومن العناصر الهامة لازدهار المدن الذكية "إنشاء مجتمعات صحية ذكية": وذلك عن طريق تطوير أنظمة بيئية للرعاية الصحية للمدن، بحيث لا تركز فقط على التشخيص وعلاج المرض، ولكن أيضًا بدعم الصحة الجيدة من خلال التدخل والوقاية في وقت مبكر، والاستفادة من التقنيات الرقمية، فقد كشفت الأزمة الصحية أثناء الوباء أن هناك دورًا للمجتمع في خلق بيئة صحية أفضل، وتحتاج المدن إلى إيلاء المزيد من الاهتمام بالصحة الجيدة لمواطنيها.