قال الراحل البابا بندكتوس السادس عشر في كتابه يسوع الناصريّ، الجزء الثاني: من دخول أورشليم إلى القيامة:
"لقد نقل هذا التهليل الإنجيليون الأربعة، وإن في شيء من الاختلاف. لسنا في حاجة إلى أن نهتم هنا بهذه الاختلافات التي لا تخلو من معنى بالنسبة إلى تاريخ نقل البشارة وإلى الرؤية اللاهوتية الخاصّة بكلّ إنجيليّ.
إنّما نحاول أن نفهم الخطوط الأولى قد تبنّت هتاف السلام هذا وفسّرته وفق إيمان الكنيسة الفصحيّ.
هناك أوّلًا هتاف: «هوشعنا». في الأصل كانت هذه الكلمة تحم معنى التوسّل، من مثلٍ: «آه، ساعدني!» وقد ردّدها الكهنة اليوم السابع من عيد الخيام، وهم يطوفون سبع مرّات حول مذبح البخور، بأصوات رتيبة، متوسّلين نزول المطر. ولكن، كما تحوّل عيد الخيام من عيد توسّل إلى عيد للفرح، كذلك أضحى هتاف التوسّل يحمل أكثر فأكثر معنى التهلّل والابتهاج.
ربّما اكتسبت هذه الكلمة أيضًا معنى ماسيويًّا منذ زمن المسيح. ففي هتاف: «هوشعنا»، يمكننا أن نعثر على مشاعر كثيرة، عبّر عنها الحجّاج الذين رافقوا يسوع والتلاميذ: إنّها تحمل مديحًا فرحًا لله، ورجاءً بأن تأتي ساعة الماسيّا، وفي الوقت عينه ابتهالًا ليتحقّق مُلكُ داود، ومعه مُلك الله على إسرائيل.
أمّا العبارة الثانيّة من المزمور 118: «مبارك الآتي باسم الرّب»، فكانت في البداية، كما سبق ذكره، جزءًا من الليتورجيا الإسرائيلية الخاصّة بالحجّاج، وهي عبارة تحيّة وسلام، تقال في استقبال هؤلاء، لدى دخولهم المدينة أو الهيكل.
وهذا ما يشير إليه الجزء الثاني منهما: «نبارككم من بيت الرب». وكان الكهنة هم الذين يتوجهّون بهذا التبريك إلى الحجّاج القادمين.
لكن، مع الزمن، اكتسب عبارة "الآتي باسم الرب" معنى ماسيويًّا، أو بالأحرى، أصبحت تعني مَن وعدنا به الرب. وهكذا، تحوّلت من تبريك للحجّاج إلى مديح ليسوع، الذي يُحيا على أنّه الآتي باسم الرّب، فهو المنتَظر الذي تحدّثت عنه جميع النبوءات.
إن الطابع الداوديّ الخاصّ الذي لا نجده إلّا في نصّ مرقس قد يشير، في شكل أصليّ، إلى انتظار الحجّاج لتلك الساعة. أمّا لوقا، الذي يكتب للمسيحيّين الآتيين من خلفيّة وثنيّة، فقد حذف كليًّا عبارة "هوشعنا" والإلماح إلى داود، واستعاض عنهما بهتاف الميلاد وتهليله: "السلام في السماء! والمجد في العلى!" (19: 38؛ 2: 26