الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

مجددون.. علي مبروك.. نقد «القداسة» في التراث

 الدكتور على مبروك
الدكتور على مبروك
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تقدم «البوابة» في هذه النافذة على مدار شهر رمضان كل يوم رائدًا من رواد التنوير فى مصر، للتعرف على دورهم فى محاربة الظلام والفكر المتطرف وإنارة طريق العقل والتنوير للسير في درب التقدم والتطور ومواكبة العالم الحديث.

 
لم يكن أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة بل كان مشروعًا فكريًا وثقافيًا لم يمهله الوقت ليكتمل، فكان يفكر فى قضايا وإشكاليات علمية خاصة بالمرحلة الراهنة فهو امتداد لمدرسة تشق طريقها فى الفكر العربى بصعوبة شديدة، وهى مدرسة مساءلة التراث بالعقل، فهو يربط القضايا التراثية بالواقع، فضلا عن عدم إغفاله للبعد التاريخى لهذه الظواهر.
ولد الدكتور علي مبروك فى ٢٠ أكتوبر عام ١٩٥٨م، حصل “مبروك” على درجة الماجستير فى الفلسفة الإسلامية - علم الكلام عام ١٩٨٨، وعلى درجة الدكتوراه فى الفلسفة عام ١٩٩٥، من جامعة القاهرة.
عمل الدكتور علي مبروك فى العام ٢٠٠٣ أستاذا مساعدا للدراسات الإسلامية، بقسم الدراسات الدينية، بكلية الإنسانيات فى جامعة كيب تاون، بجنوب أفريقيا، كما شغل منصب عضو مجلس تحرير مجلة «أدب ونقد»، والتى تصدر فى القاهرة، بالإضافة إلى مقالاته بجريدة الأهرام.
وللدكتور علي مبروك الكثير من الآراء الجديرة بالالتفات والمناقشة؛ حيث يرى أن العقل العربى الراهن يعيش أزمات اقتصادية وسياسية وثقافية لكونه عقلا غير فاعل، وعاجزا عن إبداع حلول لمشكلات واقعه‏، كما أن الفكر العربى صار ناقلا مقلدا مكررا بغير فهم لأفكار السلف‏،‏ فلم يأت بحلول جديدة لمشاكل واقعنا العصري‏،‏ وهو ما يتطلب تغيير البنية العقلية لثقافة المجتمع من خلال وسائل إعلامية وتعليمية جديدة‏.
كما تميز “مبروك” بما يعرف بـ«نقد النقد»، إذ قدم مراجعات وملاحظات على مشروعات نظرائه على طريق الفكر، ورؤيتها فى إطار نقدى، اجتهد خلاله فى كشف التناقضات والتباينات الفكرية فى التراث والمشروعات الفكرية التى تناولته بالنقد والتحليل.
فى كتابه «ثورات العرب»، قال إنه من الضرورى ترسيخ خطاب التأسيس للحداثة العربية الذى يبدأ بقراءة وإدراك الواقع وتجنب التعميم والتلفيق ومعالجة الانقسام الذى تعيشه الدول العربية وخاصة مصر، وضرورة التحرر ليس برفض الدين أو الحداثة بل بتجاوز «خطاب القوة» الذى استبد بهما والانتقال إلى «خطاب الحق» الذى جرى تغييبه عنهما.
وأكد، أن تجديد الخطاب الدينى هو إصلاح الفكر الدينى، أى المنتج البشرى لفهم الدين والنصوص، الذى قد يكون صحيحا أو تشوبه أخطاء‏.
وعن كتابه «الخطاب السياسى الأشعرى» والذى طرح فيه الكثير من الأسئلة على العقل العربى يقول: «كيف يتحكم فينا التراث لهذا المدى العميق؟ كيف يحتل، وبقوة، الوعى الجمعى العربى المسلم للدرجة التى يبدو معها وكأن هذا التراث هو أمر طبيعى، أمر كونى لا نملك سوى أن نسير وفقا لصيرورته، لا نملك سوى الانقياد خلفه، فلا شيء وراء هذا التراث المهيمن ولا ثقافة غيره.. إن ما نفعله حتى الآن ليس إلا العيش على محض الأمانى أملا فى تجاوز ما نحن فيه من استبداد دون أن ندرك أن بنية الاستبداد عندنا تتجاوز المستبدين كأشخاص لتصل للاستبداد كأساس فى الثقافة التى هيمنت ورسخت طوال قرون من التاريخ العربى الإسلامى؛ فإذ هو الانتقال - ابتداء من أن كل ممارسة تكون مشروطة بخطاب يؤسس ويوجه - من عالم الممارسة إلى نظام المعنى والخطاب، فإن التعاطى مع ظاهرة الاستبداد لا بد أن يتجاوز مجرد السعى إلى إزاحة سلالة المستبدين، رغم الأهمية القصوى لذلك، إلى إزاحة الثقافة التى تنتج الاستبداد، فتنتجهم. وهنا يلزم التنويه بأن إزاحة ثقافة ما، لا يعنى أكثر من أن تصبح موضوعا لهيمنة الوعى، على نحو يقدر معه على تجاوزها، وذلك بدل أن يكون هذا الوعى هو الموضوع لهيمنتها، فتبقى مؤبدة التأثير والحضور».
وتابع: «من هنا فالاستبداد راسخ فى تراثنا الذى هيمن، وبالتالى فهو راسخ فى وعينا الذى يبدو أنه قد اكتفى بالنقل والترديد والافتخار بالمقدرة على الحفظ دون أى محاولة لإعمال العقل أو للفهم، والحق أن تفكيكا لظاهرة الاستبداد العربى لا يمكن أن يتحقق خارج فضاء الأشعرية، كخطاب وثقافة، وليس كمذهب وعقيدة».
وفى كتابه «لاهوت الاستبداد» يستعرض مبروك فى بداية كتابه الصراع الدائم فى الحضارة العربية بين العقل والنقل فى إطار المدارس الفكرية، أو الكلامية العربية بداية من المعتزلة والأشاعرة، تلك الثنائية التى أنتجت ثنائيات متعددة فى إطار هذا الصراع والتى يتمثل بعضها فى ثنائية الإنسان كفاعل ومسئول عن أفعاله والإنسان كمفعول به، أو بين الإنسان الحر المسئول عن حريته واختياره، وبين الإنسان المجبر الخانع المستكين، وتلك الثنائيات لا تبتعد كثيرا عن علاقة الإنسان بالحاكم فالخليفة أو الإمام أو الملك، أيا كان المسمى فى الفريق الأول «النقل»، هو ظل الله فى الأرض لا يجب الخروج عليه فهو ممثل السلطة الدينية والزمنية فى نفس الوقت، أما الفريق الثانى فالإمام لديه بشر يصيب ويخطئ ويحاسب إن أخطأ، وان كان ظالما يجب الخروج عليه، تلك الجدلية التى تجسدت فى صراعات كثيرة فى الحضارة العربية، ويلخصها على مبروك فى مفتتح كتابه.
ويؤكد مبروك ارتباط «اللاهوت» بـ«الناسوت»، حيث إنه عند دعاة النقل أنفسهم «الأشاعرة» فإنه لا قول فى الغائب إلا قياسا على الشاهد، وبالتالى فان الاختلاف فى صفة الله وفعله لا يمكن أن يكون ناشئا عن معاينتهم لله، بل إنه ناشئ عن التباين بينهم حول الإنسان والعالم المتعين. ويقول علي مبروك: «رغم أن اللاهوت يقصد وبالأساس إلى بناء تصور لله يحوز فيه كل صفات الإطلاق والتعالي والجلال، فإنه ولكونه يبقى فى العمق خطابا بشريا حول الله يظل مسكونا بكل ضروب التحيزات والتحديات التى تنطوي عليها عالم البشر».