الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

حكايات شهرزاد| حكاية الصبية والتفاح وريحان العبد (1)

حكايات شهرزاد
حكايات شهرزاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى كل ليلة، تنسج شهرزاد من وحى خيالها باقة من أروع القصص والحكايات.. ما يجعل زوجها الملك شهريار.. يتلهَّف إلى سماع النهايات. تتوالى الليالي، وتتنوع الشخصيات فى حكايات شهرزاد العجيبة والمميزة ما بين جنٍّ وسلاطين وقرَدة وغيرها من الكائنات الغريبة، فيزداد شوق الملك إلى سماع المزيد. 

تدور القصة الكبرى «ألف ليلة وليلة» حول شهريار وشهرزاد، عندما يكتشف شهريار فى بداية الحكاية أن زوجته الأولى لم تكن مخلصة، فيرى أن كل النساء خائنات ويقرر الزواج بعروس جديدة كل يوم وقتلها فى صباح اليوم التالي. راقب النساء وحشية شهريار وقتله بناتهم أمام أعينهم. لكن شهرزاد، ابنة الوزير، تقنع والدها أن يقدمها إلى شهريار، وتقوم شهرزاد بحكاية قصة لشهريار، ولكنها توقف قصتها فى لحظة حاسمة، لذلك يؤجل شهريار قتلها إلى الليلة التالية، وهكذا تستمر شهرزاد برواية القصص لمدة 1001 ليلة. وخلال شهر رمضان الكريم، تقدم «البوابة نيوز» للقارئ 30 حكاية من تلك الحكايات

 

قالت شهرزاد:

قال الخليفة لجعفر فى ليلةً من الليالي: إنى أريد أن ننزل فى هذه الليلة إلى المدينة، ونسأل عن أحوال الحكام المتولِّين، وكل مَن شكا منه أحدٌ عزلناه. فقال جعفر: سمعًا وطاعةً. فلما نزل الخليفة وجعفر ومسرور وساروا فى المدينة، ومشوا فى الأسواق، مروا بزقاق فرأوا شيخًا كبيرًا على رأسه شبكة وقفة، وفى يده عصًا، وهو ماشٍ على مهله.

قال لجعفر: انظر هذا الرجل الفقير وانظر هذا الشعر؛ فإنه يدل على احتياجه. ثم إن الخليفة تقدَّمَ إليه وقال له: يا شيخ، ما حرفتك؟ قال: يا سيدي، صياد وعندى عائلة، وخرجت من بيتى من نصف النهار إلى هذا الوقت ولم يقسم الله لى شيئًا أقوت به عيالي، وقد كرهت نفسى وتمنَّيْتُ الموتَ. فقال له الخليفة: هل لك أن ترجع معنا إلى البحر، وتقف على شاطئ دجلة، وترمى شبكتك على بختي، وكل ما طلع أشتريه منك بمائة دينار؟ ففرح الرجل لما سمع هذا الكلام، وقال: على رأسى أرجع معكم. ثم إن الصياد رجع إلى البحر، ورمى شبكته، وصبر عليها، ثم إنه جذب الخيط وجر الشبكة إليه، فطلع فى الشبكة صندوق مقفول ثقيل الوزن، فلما نظره الخليفة جسَّه، فوجده ثقيلًا، فأعطى الصياد مائة دينار وانصرف، وحمل الصندوق مسرور هو وجعفر، وطلعَا به مع الخليفة إلى القصر، وأوقد الشموع والصندوق بين يدى الخليفة، فتقدَّمَ جعفر ومسرور وكسروا الصندوق، فوجدوا فيه قفة خوص مخيطة بصوف أحمر، فقطعوا الخياطة فرأوا فيها قطعة بساط، فرفعوها فوجدوا تحتها إزارًا، فرفعوا الإزار فوجدوا تحته صبية كأنها سبيكة فضة، مقتولة ومقطَّعة، فلما نظرها الخليفة جرَتْ دموعه على خده، والتفت إلى جعفر وقال: يا كلب الوزراء، أتُقتَل القتلى فى زمني، ويُرمَوْنَ فى البحر، ويصيرون متعلِّقين بذمتي؟ والله لا بُدَّ أن أقتصَّ لهذه الصبية ممَّن قتلها وأقتله. وقال لجعفر: وحق اتِّصال نسبى بالخلفاء من بنى العباس، إن لم تأتنى بالذى قتل هذه لأنصفها منه، لَأصلبنَّك على باب قصرى أنت وأربعين من بنى عمك. واغتاظ الخليفة، فقال جعفر: أمهلنى ثلاثة أيام. قال: أمهلتك. ثم خرج جعفر من بين يدَيْه، ومشى فى المدينة وهو حزين، وقال فى نفسه: من أين أعرف مَنْ قَتَلَ هذه الصبية حتى أحضره للخليفة؟! وإنْ أحضرْتُ له غيره يصير معلَّقًا بذمتي، ولا أدرى ما أصنع!

ثم إن جعفر جلس فى بيته ثلاثة أيام، وفى اليوم الرابع أرسل إليه الخليفة يطلبه، فلما تمثَّلَ بين يدَيْه قال له: أين قاتل الصبية؟ قال جعفر: يا أمير المؤمنين، هل أنا أعلم الغيب حتى أعرف قاتِلَها؟! فاغتاظ الخليفة، وأمر بصلبه على باب قصره، وأمر مناديًا أن ينادى فى شوارع بغداد: مَن أراد الفرجة على صلب جعفر البرمكى وزير الخليفة، وصلب أولاد عمه على باب قصر الخليفة فَلْيخرج ليتفرج. فخرجت الناس من جميع الحارات ليتفرجوا على صلب جعفر، وصلب أولاد عمه، ولم يعلموا سبب ذلك، ثم أمر بنصب الخشب فنصبوه، وأوقفوهم تحته لأجل الصلب، وصاروا ينتظرون الإذن من الخليفة، وصار الخلق يتباكَوْن على جعفر، وعلى أولاد عمه، فبينما هم كذلك وإذا بشاب حسن نقى الأثواب يمشى بين الناس مسرعًا إلى أن وقف بين يدَيِ الوزير، وقال له: سلامتك من هذه الوقفة يا سيد الأمراء، وكهف الفقراء، أنا الذى قتلتُ القتيلةَ التى وجدتموها فى الصندوق، فاقتلنى فيها واقتصَّ لها مني. فلما سمع جعفر كلام الشاب وما أبداه من الخطاب، فرح بخلاص نفسه وحزن على الشاب.

 

فبينما هم فى الكلام وإذا بشيخ كبير يفسح الناس، ويمشى بينهم بسرعة إلى أن وصل إلى جعفر والشاب، فسلَّمَ عليهما ثم قال: أيها الوزير، لا تصدِّق كلامَ هذا الشاب، فإنه ما قتل هذه الصبية إلا أنا، فاقتص لها مني. فقال الشاب: أيها الوزير، إن هذا شيخ كبير خرفان لا يدرى ما يقول، وأنا الذى قتلتها، فاقتصَّ لها مني. فقال الشيخ: يا ولدي، أنت صغير تشتهى الدنيا، وأنا كبير شبعت من الدنيا، وأنا أفديك وأفدى الوزير وبنى عمه، وما قتل الصبية إلا أنا، فبالله عليك أن تعجِّل بالاقتصاص مني.

 

فلما نظر إلى ذلك الأمر تعجَّبَ منه، وأخذ الشاب والشيخ وطلع بهما عند الخليفة، وقال: يا أمير المؤمنين، قد حضر قاتل الصبية. فقال الخليفة: أين هو؟ فقال: إن هذا الشاب يقول أنا القاتل، وهذا الشيخ يكذِّبه ويقول: لا، بل أنا القاتل. فنظر الخليفة إلى الشيخ والشاب وقال: مَن منكما قتل هذه الصبية؟ فقال الشاب: ما قتلها إلا أنا. وقال الشيخ: ما قتلها إلا أنا. فقال الخليفة لجعفر: خذ الاثنين واصلبهما. فقال جعفر: إذا كان القاتل واحدًا فقتل الثانى ظلم. فقال الشاب: وحق مَن رفع السماء وبسط الأرض إنى أنا الذى قتلتُ الصبية، وهذه أمارة قتلها. ووصف ما وجده الخليفة، فتحقَّقَ عند الخليفة أن الشاب هو الذى قتل الصبية؛ فتعجَّبَ الخليفة وقال: ما سبب قتلك هذه الصبية بغير حق، وما سبب إقرارك بالقتل من غير ضرب، وقولك اقتصوا لها من؟

 

قال الشاب: اعلم يا أمير المؤمنين أن هذه الصبية زوجتى وبنت عمي، وهذا الشيخ أبوها وهو عمي، وتزوَّجْتُ بها وهى بِكْر، فرزقنى الله منها ثلاثةَ أولاد ذكور، وكانت تحبنى وتخدمني، ولم أرَ عليها شيئًا، فلما كان أول هذا الشهر مرضت مرضًا شديدًا، فأحضرت لها الأطباء حتى حصلت لها العافية، فأردتُ أن أُدخِلها الحمام، فقالت: إنى أريد شيئًا قبل دخول الحمام لأنى اشتهيته. فقلتُ لها: وما هو؟ فقالت: إنى أشتهى تفاحةً أشمها، وأعضُّ منها عضة. فطلعت من ساعتى إلى المدينة، وفتَّشْتُ على التفاح ولو كانت الواحدة بدينار فلم أجده، فبِتُّ تلك الليلة وأنا متفكِّر، فلما أصبح الصباح خرجت من بيتى ودرتُ على البساتين واحدًا واحدًا، فلم أجد فيها، فصادفنى خولى كبير فسألته عن التفاح، فقال: يا ولدي، هذا شيء قَلَّ أن يوجد لأنه معدوم، ولا يوجد إلا فى بستان أمير المؤمنين الذى فى البصرة، وهو عند الخولى يدَّخره للخليفة.

 

وهنا.. أدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح..