ارتفعت الأصوات فى الآونة الأخيرة مناديةً بتجديد الخطاب الدينى، وبعد صراع طويل بين المنادين بتجديد الخطاب الديني والمؤسسات الدينية الرسمية من ناحية ومن ناحية أخرى تلك الجماعات التى تعتمد التقليد والماضوية منهجًا فكريًا، حتى أصبح الفكر العربى بصفة عامة يغط فى حالة من النوم الطويل، وفي آخر الأمر ومع أول كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي، مناديًا بتجديد الخطاب الدينى، بعد ما هددت مصر تلك الجماعات التي تتخذ من الدين ستارًا للقضاء على الدولة المصرية أو تسيطر عليها، فأصبحت المعركة عالية الوطيس، تُفقد فيها كل يوم أرواح جديدة، تُضم إلى شهداء الوطن فى محاربة هذا الإرهاب، الذى يستند فى غالبيته العظمى إلى تلك الفتاوى القديمة والتى تخرجها تلك الجماعات من سياقاتها التاريخية.
وربما أن هذا ما دعانا إلى العودة لكتابات د. محمود حمدى زقزوق المفكر الإسلامى ووزير الأوقاف المصرى السابق خصوصا كتابه «الفكر الديني وقضايا العصر»، ورغم أن الكتاب صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى سنة ٢٠١٢، وأن مياهًا كثيرة جرت فى مسار الإرهاب ولم تكن ظهرت على السطح تلك الجماعة التى تُسمى نفسها تنظيم الدولة فى العراق والشام «داعش»، إلا أن ما خطه د. زقزوق فى هذا الكتاب جدير بالقراءة والتدبر.
انتمى د زقزوق إلى مدرسة التجديد التى انتجها الأزهر على يد العلامة محمد عبده، توجت بجلوسه على مقعد وزير الأوقاف بعد لقاء تلفزيونى ناقش خلاله قضايا فكرية رشحته بقوة إلى منصب الوزير فيما يزيد عن عقد ونصف من الزمان وحتى عام ٢٠١١. وتوفى الأربعاء ١ أبريل ٢٠٢٠، عن عمر يناهز الـ٨٩ عاما.
الفكر الديني وقضايا العصر
وبداية من مقدمته المختصرة إلى حد بعيد يبدأ الدكتور زقزوق الاشتباك مع الفكر الدينى وليس الخطاب، إذ يؤكد على الخلل الذي أصاب الفكر الدينى منذ وقت بعيد، فهو على حد قوله ليس وليد اللحظة فيقول: «لا جدال فى أن هناك خللًا ما فى الفكر الدينى المعاصر، ولكن هذا الخلل ليس وليد اليوم، فهو خلل يمتد لقرون عديدة سابقة شهدت تراجع الحضارة الإسلامية. وقد انعكس هذا التراجع على الفكر الدينى إن لم نقل إن تخلف الفكر الدينى كان أحد أهم أسباب هذا التراجع. ويدل على ذلك أن جهود العديد من المصلحين على مدى القرون الماضية قد انصبت على إصلاح الفكر الدينى اقتناعًا منهم بأن إصلاح الفكر الدينى هو السبيل إلى إصلاح الفكر بصفة عامة، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس بدوره على أحوال الأمة فى شتى أنحاء العالم الإسلامى، ولأول مرة نجد عالمًا من المؤسسة الدينية الرسمية يعترف بحقيقة التراجع والخلل الذى أصاب الفكر الديني على مدار قرون سابقة.
ويستطرد «د. زقزوق» مناقشة الفكر الدينى بالفصل الأول والذى عنونه بـ"الفكر الدينى والحقائق الغائبة» حيث يتضمن معنى «تجديد الفكر وأهميته من ناحية ثم يشتبك مع هذا التيار الذى يصر على الثبات ويعتبر كل تجديد انما هو نوع من التخلى عن الدينى وأن ما قدمه الأولون لا يستطيع الآخرون الإتيان به، وأن أسلافنا قد امتلكوا الحقيقة كاملة، وما علينا سوى أن ننهل من علمهم، فيقول «ولكن التيار الأعظم من علماء المسلمين على مر العصور وقف عقبة فى طريق أى تجديد، ناهيك عن أى اجتهاد. ومن هنا تجمد الفكر الدينى وتجمد الاجتهاد، ووقف الفكر الدينى عند فترات التراجع الحضارى يجتر من تراثها ويعود باستمرار إلى ما أفرزته من جمود فكرى متحجر، فالدين فى عرف هذا التيار ليس فى حاجة إلى تجديد أو اجتهاد جديد، وذلك فى تحد واضح للمأثور النبوى..، وترسيخًا لهذا الفهم المتخلف فى الفصول انتشرت بين المسلمين مقولات تقول: «ليس فى الامكان أبدع مما كان»، «ولم يترك الأول للأخر شيئًا» ويستكمل د. زقزوق خطابه فى هؤلاء العلماء فيقول: «وتقنع الغالبية العظمى من علماء الدين فى عالمنا العربى والإسلامى بما لديهم من علم قديم وثورة على الأسلاف، وينامون خريرى الأعين يغطون فى سُبات عميق لا شأن لهم بما يدور فى عالم اليوم، يسخرون من دعاة التجديد ويعتبرونهم مارقين خارجين عن جادة الصواب، أما غيرهم ممن يحتكرون «الإسلام» لأنفسهم ويقصون غيرهم من ساحته فكل همهم هو الحصول على مكاسب سياسية تصل بهم إلى كراسى الحكم. وهكذا يتجنى هؤلاء وأولئك على الإسلام أكثر من جناية خصومه عليه».
وينتقل د.زقزوق من الفكر الدينى إلى مفهوم آخر أولى بالإيضاح لهؤلاء العلماء وتلك الجماعات ألا وهو «مقاصد الشريعة» حيث إن إيضاح هذا المفهوم يعد عاملًا مهما، بل يكاد يكون العامل الرئيس الذى يحدد الإنسان بناء عليه علاقته مع العالم.
فيقول: «الاسلام ليس هو هذا الجانب الشعائرى فقط، انه اكبر من ذلك بكثير، فهذه الشعائر – فى حقيقة الأمر – تعد وسائل لغاية كبرى. فمن المعلوم أن الإنسان لا يعيش وحده فى هذا الكون، ومن هنا فإن علاقته فى هذا الوجود تدور فى دوائر ثلاث تنحصر فى علاقته بنفسه، وعلاقته بالآخرين من بشر وكائنات حية وغير حية، وعلاقته بخالق الكون وهو الله سبحانه وتعالى، وعلى الإنسان أن يبذل جهده فى سلامة هذه العلاقات واستقامتها وتحقيق المصالحة مع ذاته والآخرين ومع الله سبحانه وتعالى، ومن شأن الشعائر الدينية أن تدرب الإنسان على تحمّل مسئولياته فى هذا الصدد، فإذا لم تفلح فى ذلك فلا خير فيها».
ويستطرد د.زقزوق للوصول إلى تعريف المقاصد بقوله: «ويمكن إجمال المقاصد الشرعية من الأحكام التى جاءت بها الشريعة الإسلامية فى كلمة واحدة تعد عنوانا على الإسلام ذاته، وتعنى بذلك قيمة «الرحمة» التى جعلها القرآن الكريم الهدف الأسمى من الرسالة الإسلامية كلها، وذلك فى قوله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» والتى تعد قمة منظمة القيم الإسلامية» والتى تصل بنا هذه القيمة إلى ثلاثة أمور تؤكد عليها مجمل الأحكام الإسلامية أولها العبادات التى شرعها الله تهذيبًا للنفس الإنسانية لتجعل من الفرد مصدر خير للجميع وثانيها إقامة العدل بين الناس دون استثناء حتى مع الأعداء وثالثها تأكيد المصلحة الحقيقية للناس فى دنياهم وأخراهم ومن هذه الأمور الثلاثة شرع الاسلام من الأحكام ما يحمى هذه المصالح التى تبلغ الحاجة إليها مبلغ الضرورة ولا تقوم حياة الناس بدونها. وهذه المقاصد الضرورية تتلخص فى خمسة مبادئ هى حماية النفس والعقل والدين والنسل والمال. وحياة الانسان فى هذه الدنيا تقوم على هذه الأمور الخمسة التى تعد ضروريات لازمة للإنسان من حيث هو انسان، كما تعد اصولًا راسخة لحقوق الانسان العامة التى ينادى بها المجتمع الانسانى فى العصر الحديث والتى لا تتوافر الحياة الانسانية الرفيعة إلا بها.
وينتقل بنا د.زقزوق إلى مفهوم من ضمن المفاهيم الهامة التى يناقشها فى كتابه الا وهى (الاجتهاد والتقليد وفقه الواقع) اذ يؤكد على أهمية الاجتهاد بالنسبة للدين والحياة، كذلك يبين اهمية الفروق والاختلاف فى القضية الواحدة لدى الفقهاء اذ يقول: «... ومن المعروف ان النصوص التى يرجع إليها الفقهاء محدودة، ولكن وقائع الحياة ومستجدات كل عصر، ومن أجل ذلك فإن انزال النصوص على وقائع الحياة يتطلب عقلًا راجحًا وأفقًا واسعًا وفقها واعيًا. وقد أدرك علماء الأمة وفقهاؤها ذلك جيدًا منذ الصدر الأول للإسلام، وأعملوا عقولهم فى فهم النصوص من جانب، وفى إنزالها على وقائع الحياة من جانب آخر، والتمكن من هذين الجانبين يعد أمرًا ضروريًا للتوصل إلى رأى فقهى سديد».
ونظرًا لأن العقول تتفاوت والأفهام تختلف فى ادراكها وتصوراتها كان من الطبيعى أن يكون هناك اختلاف فى الآراء بين المجتهدين على مر العصور.. ومن هنا نشأت مذاهب الفقه الإسلامى المتعددة. وكان ذلك تيسيرًا على جمهور المسلمين، وانتشرت بينهم عبارة «اختلافهم رحمة».
وهكذا كان مبدأ الاجتهاد فتحًا جديدًا فى تاريخ التشريع الإسلامى، ويستطرد د.زقزوق مبينا استمرارية الاجتهاد وأهميته وأضرار التخلى عنه فيقول: «والاجتهاد فى الإسلام مبدأ مستمر على مدى الأزمان، وليس خاصًا بفترة زمنية معينة، والفقهاء فى كل العصور مطالبون بالاجتهاد دون توقف. وإذا كان صاحب الشريعة قد فتح لنا باب الاجتهاد على مصراعيه فليس من حق أحد كائنًا من كان أن يغلق هذا الباب. فإغلاقه يعد إغلاقًا لرحمة الله، وإغلاقًا للعقول ومصادرة على حقها فى الفهم والتفكير. وهذا يعنى ترك الأمور للتقليد: تقليد الأسلاف فيما توصلوا إليه من فهم كان ملائمًا تمامًا لعصورهم وملبيًا لحاجاتهم. ومن الحقائق التى لا مراء فيها أن الحياة متجددة، فالتجديد سنة الحياة وقانون الوجود، ولا يوجد شيء يبقى على حاله، فحتى خلايا جسم الإنسان تتجدد بصفة مستمرة. وقد أراد الإسلام لنا أن نمارس الاجتهاد لنواكب متغيرات كل عصر».
وحول العلاقة بين الدين والفلسفة واستخدام العقل يقول «والفهم الصحيح للإسلام لا يمكن أن يؤدى إلى رفض الفلسفة أو يحرم التفلسف الذى يعنى استخدام العقل الإنسانى. ومن هنا حرص الفلاسفة المسلمون على التوفيق بين العقل والدين وإزالة ما قد يبدو من تناقض بينهما». وينطلق د.زقزوق من هذه العلاقة بين الدين والفلسفة إلى العقل الانسانى ودوره فى التقدم الحضارى متحدثًا عن التفكير النقدى وأهميته للتطور الحضارى وقضية الكم والكيف فى ميزان العقل والدين إلى الحرية وضوابطها الأخلاقية معرجًا على قيمة الوقت فى حياتنا. وهذا ما تضمنه الفصل الثانى من الكتاب.
وفى الفصل الثالث يتناول الكتاب قضايا معاصرة فى ضوء تعاليم الإسلام، اذ يؤكد فى هذا الفصل على ان الفهم الصحيح للمعاصرة يعنى أنها امتداد زمنى للتراث تستمد منه مقوماتها وترتكز عليه وتضيف إليه وتبنى على قواعده الراسخة، أما المعاصرة التى تبنى قواعدها على الرمال فإنه لن يكون لها ثبات ولا استقرار. وصولًا إلى الفصل الرابع من الكتاب والذى خصصه د. محمود حمدى زقزوق، لواحدةٍ من القضايا التى تشغلنا الآن، وهى قضية الإسلام والغرب والحوار بينهما، حيث يناقش الإسلام والغرب، والحوار الإسلامى المسيحى، ثم حوار التسامح والحوار بين الأديان منتهيًا إلى مناقشة ظاهرة الإرهاب فى أبعادها ومخاطرها وآليات معالجتها
«أزمة الفكر الإسلامى المعاصر بين الجمود والتجديد
قامت مجلة الازهر فى نوفمبر ٢٠١٨ بتوزيع كتاب «هوامش على أزمة الفكر الإسلامى المعاصر: نظرة نقدية» من تاليف الاستاذ الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الاوقاف الاسبق وعضو هيئة كبار العلماء.كهدية مجانية مع المجلة وهو كتاب بالغ الاهمية على صغر حجمه وعمق اسلوبه وافكاره
والكتاب يقع فى ١٣٦ صفحة من الحجم الصغير.ويتضمن ثلاثة فصول الفصل الاول بعنوان مقدمات عامة ويشمل تحديد معنى الفكر والعقل الانسانى والطابع الانسانى للفكر الاسلامى وملامح ازمة الفكر الاسلامى المعاصر والاسلام والفكر الاسلامى والتجديد والاجتهاد اما الفصل الثانى فجاء تحت عنوان من مظاهر الجمود فى الفكرالاسلامى المعاصر وتعرض للدراسات الفقهية والاجتهاد والتقليد وفقه الواقع والقضايا التى فى حاجة الى اجتهاد جديد ومجالات الدراسات العقدية والتفسير وعلوم القران والحديث النبوى والفكر الاسلامى والتيارات المعاصرة والاسلام والعولمة واحتوى الفصل الثالث على الجانب الحضارى فى الاسلام والفرائض الغائبة ودور الاسلام فى تطوير الفكر الحضارى لدى المسلمين من خلال الحضارة فريضة اسلامية ومفهوم العلم فى الاسلام ودور العقل فى الابداع الحضارى والمسلمون والحضارة فى عالم اليوم والعطاء القرانى متواصل واستعادة الثقة بالنفس
يقول الكاتب حول ملامح أزمة الفكر الإسلامى المعاصر من الامور التى لاتخفى على كل غيور على مسيرة الاسلام ان الفكر الاسلامى فى عالمنا المعاصر يعيش حالة من الركود ويعانى ازمة خانقة وتتجاذبه تيارات متناقضة يزعم كل منها انه يسعى لانقاذه من هه الازمة فهناك تيارات فكرية تحاول أن تشد هذه المجتمعات إلى الوراء متعامية عن مستجدات العصر وما طرأ على العالم من تغيرات جوهرية، وهناك فى الوقت نفسه تيارات تحاول أن تجذبها من وهدتها بطريقة قد تفقدها توازنها وتقتلع معها جذورها بل وتفقدها هويتها، ويبدو الأمر وكأنه خيار بين تيارين متطرفين يمثلان إفراطًا فى جانب وتفريطًا فى جانب آخر. وفى هذا المعنى يقول شكيب أرسلان، «من أكبر عوامل انحطاط المسلمين الجمود على القديم فكما ان افة الاسلام هى الفئة التى تريد ان تلغى أى شيء قديم بدون نظر فيما هو ضار منه او نافع كذلك افة الاسلام هى الفئة الجامدة التى لا تريد أن تغير شيئًا ولا ترضى بإدخال أقل تعديل على أصول التعليم الإسلامى ظنا منهم بان بأن الاقتداء بالكفار كفر وأن نظام التعليم الحديث من وضع الكفار». ولاشك فى ان المظلوم فى ظل هذا الصراع هو الاسلام ذاته الذى يدعى كل فريق انه يريد انقاذه والحفاظ عليه وهكذا اصبحنا نحن المسلمين سببا فى توقف العطاء الحضارى للاسلام
وقدم الكاتب توضيح فرق فيه بين الاسلام والفكر الاسلامى مؤكدا ان الاسلام يقوم على اصلين اساسيين هما القران الكريم والسنة النبوية الصحيحة اما الفكر الاسلامى فهو اجتهادات المسلمين فى مختلف مجالات العلوم والامور الدينية والدنيوية وهى اجتهادات بشرية غير معصومة من الخطا ويؤكد الكتاب على ان العلوم الإسلامية يعرف أنها لم تتطور كثيرًا عما كانت عليه منذ قرون ولا تزال تعيش فى عصر وإذا كان هذا هو الواقع المر بما يشتمل عليه من جمود فكرى عقيم، فإن الضرورة تقتضى تجاوزه، تلبية لمتطلبات العصر. ومن أجل تنشيط الفكر الإسلامى وتجديده، وتحت عنوان التجديد والاجتهاد، يؤكد الكاتب ان هناك سوء فهم كل فريق لحديث التجديد الوارد عن النبى «ص » الذى يقول فيه » ان الله يبعث لهذه الامة على راس كل مئة سنة من يجدد لها دينها » فكلا الفريقان على مايبدو لايعترضان على صحة هذا الحديث ويقران بضرورة التجديد ولكن كلا منهما يفهم التجديد فهما مختلفا تماما عن الاخر فالفريق المحافظ يفهم التجديد فى الحديث المشار اليه بانه يعنى احياء السنة واماتة البدعة واما الفريق الاخر فانه يفهم التجديد هنا بانه يعنى التغيير
فالفريق الاول يغفل الحاضر والمستقبل والثانى يغفل ثوابت الدين التى لا تتغير بتغير الازمان
وفى مجال الدراسات الفقهية قدم الدكتور زقزوق نماذج حول الاجتهاد والتقليد وفقه الواقع فكتب يقول ومن المعروف أن النصوص التى يرجع إليها الفقهاء محدودة، ولكن وقائع الحياة ومستجدات كل عصر لا تنتهى، ومن اجل ذلك فان انزال النصوص على واقع الحياة عقلًا راجحًا وأفقًا واسعًا وفقها واعيا فى فهم النصوص. وقد ادرك علماء الامة وفقهاؤها ذلك جيدا منذ الصدر الاول للاسلام واعملوا عقولهم فى فهم النصوص من جانب وفى انزالها على واقع الحياة من جانب اخر والتمكن من هذين الجانبين يعد امرا ضروريا للتوصل الى فقهى سديد وهكذا كان مبدا الاجتهاد فتحا جديدا فى تاريخ التشريع الاسلامى وهذا ما جعل المفكر الإسلامى المعروف محمد إقبال يصف الاجتهاد بأنه مبدأ الحركة فى الإسلام.
الاسلام والعولمة
ناقش الكتاب موقف فريقين ايضا من العولمة الفريق المحافظ الذى يخشى على الاسلام باعتباره غزو فكرى وثقافى وفى المقابل فريق اخر فى عالمنا الاسلامى يتقبل كل ما ياتى من الشرق أو من الغرب دون تمحيص ويتحمس له ويتهم الرافضين بالجهل والتخلف والرجعية
اما الكاتب فيقول لسنا مع أو ضد العولمة ولكننا مع النظرة النقدية الواعية للعولمة ولغيرها من التيارات الوافدة، وكتب ملاحظات مهمة
اولا أن الاسلام كدين ليس تيارًا فكريًا أو ظاهرة وقتية حتى يخشى عليه من التيارات الوافدة مهما كانت قوتها أنه دين له جذور ضاربة فى أعماق الكيان الاسلامى واصول راسخة لا تستطيع أن تنال منها التيارات الوافدة
ثانيا العولمة واقع لا يجدى معه أسلوب الرفض. أنه تيار بدأ بالمجال الاقتصادي وامتد الى المجال السياسي والمجال الثقافي وهذا الواقع يعد حقيقة ماثلة أمامنا لا مجال لانكارها وهو واقع يمثل حقيقة ماثلة أمامنا ولا مجال لإنكارها.
ثالثا لايجوز لنا ان نتجاهل أننا لا نعيش وحدنا فى هذا العالم وأننا نعيش فى عصر ثورة الاتصالات والمعلومات والثورة التكنولوجية وفى عصر السماوات المفتوحة وهذا يعنى انه لامجال للانعزال او التقوقع
ويضيف قائلا أن العولمة تمثل بالنسبة للمسلمين دعوة غير مباشرة لممارسة النقد الذاتى ليعيدوا النظر فى حساباتهم ويعيدوا ترتيب البيت من الداخل. وهذه الدعوة تاتى بطبيعة الحال دون قصد من أصحاب العولمة وقد يرى البعض أن العولمة تمثل استفزاز للمسلمين، ونرى أنه استفزاز مفيد إذا أحسن المسلمون التعامل معه بأسلوب عقلاني، بعيدًا من التشنج والانفعال. مؤكدا على أن الإسلام حرص على التعدد السياسي وحقوق الإنسان كما ان دعوة الإسلام دعوة عالمية وقد اعتبر الكتاب ان الحضارة والعلم من الفرائض الغائبة الأن فقال ان مشكلة الإسلام فى عالم اليوم مشكلة حضارية فى المقام الأول فكل الدول الاسلامية التى يشكل سكانها حاليا اكثر من خمس سكان العالم مندرجة تحت عنوان الدول النامية والقشرة الحضارية لا تعني التحضر فالتحضر الحقيقي ينبع من الداخل ولا يمكن استيرادها فالحضارة الإسلامية لا تقل أهمية عن فريضة الصلاة والصوم فالقرآن الكريم يتحدث عن التمكين للمسلمين فى الأرض وهذا فى رأي الدكتور زقزوق يعنى تحقق الحضارة.
نظرًا لأن العقول تتفاوت والأفهام تختلف فى إدراكها وتصوراتها.. كان من الطبيعى أن يكون هناك اختلاف فى الآراء بين المجتهدين على مر العصور.. ومن هنا نشأت مذاهب الفقه الإسلامى المتعددة، وكان ذلك تيسيرًا على جمهور المسلمين، وانتشرت بينهم عبارة «اختلافهم رحمة».
الاجتهاد فى الإسلام مبدأ مستمر على مدى الأزمان.. والفقهاء فى كل العصور مطالبون بالاجتهاد دون توقف