الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

نجوم التنوير| عبد المتعال الصعيدى.. الاجتهاد الشفرة التى تحرك العقل

عبد المتعال الصعيدي
عبد المتعال الصعيدي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ضرورة تطوير نظام التعليم بما يلائم روح العصر لتخريج جيل من الأزهريين المجددين والمبدعين والبعيدين عن الجمود والتقليد والتعصب.
عبد المتعال عبد الوهاب أحمد عبد الهادى  الصعيدى  عالم لغوي من علماء الأزهر الشريف وعضو مجمع اللغة العربية وواحد من أصحاب الفكر التجديدى  بالأزهر ومن المنادين بالمنهج الإصلاحى  فى  التعليم والفكر المعاصر والعلوم الإسلامية.
ولد فى  ٧ مارس عام ١٨٩٤م بكفر النجبا، مركز أجا بمحافظة الدقهلية، عندما بلغ التاسعة التحق بكتاب القرية النظامى  وتعلم هناك قواعد الخط والنحو وحفظ القرآن الكريم. بعد التحاقه بالمدارس الابتدائية النظامية التحق بالجامع الأحمدى  بطنطا، وحصل على شهادة العالمية فى  عام ١٩١٨م، ودرس علم المنطق وكان الأول على طلاب معهد طنطا فتم تعيينه مدرسًا بالجامع الأحمدى  بطنطا، وفى  عام ١٩٣٢م انتقل للتدريس بكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف بالقاهرة.
كان الصعيدى  محبًّا للقراءة فكان يقرأ مجلة المقتطف والهلال والمنار والأستاذ والبلاغ، ورغب فى  دراسة الفلسفة وتاريخ العلم وأصول النقد وتاريخ الحضارة الإنسانية وقرأ مختارات جورجى  زيدان. أعجب بفلسفة ابن رشد وموسوعة يعقوب صروف فى  تثقيف الرأي  العام وكتابات عبد الله النديم.
عرف الشيخ الصعيدى بآرائه الثورية والتجديدية، فكان يرى نظام التعليم فى  الأزهر مصابًا بالعقم والجدب، ورأى ضرورة تطويره بما يلائم روح العصر، لتخريج جيل من الأزهريين المجددين والمبدعين والبعيدين عن الجمود والتقليد والتعصب، والذين كان يراهم المذنب الحقيقي  وراء ما يظهر من كتابات المتجرئين من حين لآخر، وواكب هذا دعوته إلى تطوير فقه الحدود فى  الشريعة الإسلامية، وذلك فى  مقالة نشرت فى جريدة السياسة الأسبوعية عام ١٩٣٧م.
وفى  عام ١٩١٩م شرع فى  تقديم كتابه "نقد نظام التعليم الحديث للأزهر الشريف" ونُشر فى  عام ١٩٢٤م، وقد ألف الصعيدى  ٤٩ كتابًا مطبوعًا و٢٠ كتابًا مخطوطًا أهداهم للأزهر مثل "تاريخ الإصلاح فى  الأزهر"، "حكماء اليونان السبعة"، "قضايا المرأة"، "الفن القصصى  فى  القرآن"، ومن أشهر كتبه "المجددون فى  الإسلام" وهو أحد أهم الكتب التى  ألقت الضوء بالنقد والتحليل على  أهم الشخصيات المجددة فى  الفكر الإسلامى  منذ القرن الأول الهجري  حتى نهاية القرن الثالث الهجري.
وشارك الصعيدى فى العديد من المساجلات والمناقشات على صفحات الجرائد اليومية والمجلات حول قضايا الأدب وتاريخه، والإعجاز البيانى فى القرآن، وضرورة الاجتهاد فى الأصول، وخصائص الإجماع والوحدة الإسلامية، مع كبار رواد الكلمة من أمثال محمد حسنين هيكل، وطه حسين، والعقاد، والشيخ يوسف الدجوي، وعلى عبد الواحد وافي، والشيخ عيسى منون، وخالد محمد خالد، وأحمد فؤاد الأهواني.
آثاره الفكرية
لقد تجسدت ملحمة المعانى  الإسلامية فى  تلك المناظرات الخطرة التى  انبرى لها الشيخ عبد المتعال الصعيدى فى بدايات القرن الفائت ضمن بصماته الفكرية الرائدة والتى  مثلت حصنًا حصينًا للمسلم المعاصر ودرعًا منطقيًا صارمًا فى التصدى لجولات الجنون العقائدى الغربى فكانت معالجاته الشائقة لقضايا الحرية الدينية فى الإسلام، القضايا الكبرى فى الإسلام، النظم الفنى فى القرآن، حرية الفكر فى الإسلام، القرآن والحكم الاستعماري، الوسيط فى تاريخ الفلسفة الإسلامية، ومفاتيح كنوز القرآن. وكان ختامها: لماذا أنا مسلم؟ والذى جاء فى  إطار نحو عشرين مناظرة فكرية متألقة بُهت على أثرها الكثيرون وظل بريقها شاهدًا للإسلام فى عبقرية صموده وتصديه واحتشاده لكل ما تجود به الفطرة الذهنية فى أطوارها المختلفة.
ولعل أبرز هذه المناظرات كانت فى ما يتعلق بكيفية الإصرار على أصول الإسلام بجانب التساهل والتهاون فى  فروعه وجزئياته، ولعل أبسط مقابل أو معادل معرفى  يمكن أن يؤكد أن مرجع ذلك إنما يعود إلى قوة هذه الأصول وقوتها هذه ترجع إلى ملاءمتها للفطرة الإنسانية بحيث لا يمكنها النزوع عنها، فهذه الأصول هى التى تضمن له الظهور والقوة ولو أصاب أهله من الضعف أضعاف ما يصيبهم الآن وما بعد ذلك بأشواط زمنية، وتنقسم هذه الأصول إلى اعتقادية وتشريعية، من ثم فالإيمان بالأولى هو ملزم للقناعة بالأخرى، فالأولى هى البؤرة والأساس ولا ضرورة للثانية دونها، وعلى ذلك يتجلى أصل التوحيد. فالله واحد فى  ذاته وصفاته وأفعاله ولا شريك له فيها ولا واسطة بينه وبين عباده، وهو ما يرفع من شأن كل مسلم ولا يجعل فى  الإسلام هيئات كهنوتية تتحكم فى  عقائد المسلمين.
وينطلق الصعيدى فى مناظرته هذه إلى دخائل قضية التوحيد وتفصيلاتها مستدلًا بهذا الكون وإحكام نظامه ومسجلًا لتناقضية صارخة إزاء الذين يردون هذا الإحكام لمنطق المصادفة، بينما هو فى  الرؤية المستقيمة منطق اللا منطق لأنه لا يرد الأسباب لمسبباتها ولا المقدمات لنتائجها. فالمصادفة هى  منطق احتمالى نادر الحدوث، من ثم لا يمكن التعويل عليه، أو الركون إليه فى تسبيب الظواهر والمعطيات، إذ إنه يتجاهل العقل الذى اعتمده كآلية للإنكار.
أما جدلية الزمان والمكان فكانت موضع مناظرة أخرى يستخلص منها أن الإسلام لم يُشرع لشعب خاص أو زمن خاص حتى يراعى فيه مصلحتهما المكانية أو الزمانية، وإنما شُرع لجميع الشعوب ومختلف الأزمان، إذ إن المصالح دائمًا ما تختلف باختلاف عنصرَى  الزمان والمكان، وانبنى على ذلك الأصل أن يكون الاجتهاد هو الشفرة التى تحرك العقل وتفك طلسم المتغيرات المتلاحقة لكنها تعتمد على معيار التوسط بين الإفراط والتفريط، فالإسلام راعى فى أحكامه مطالب الروح والجسد وحقوق الدنيا وحقوق الآخرة، كما راعى فى  ما وضعه لتهذيب النفوس اعتدال القوة الفكرية والقوة الشهوية والقوة الغضبية، بل إنه حافظ على ذلك الاعتدال فيما سنَّه من التعبد. وامتدت هذه الاعتدالية لتكون معيارًا محددًا بين مطالب الروح والجسم ولم تغلب واحدة على الأخرى، إذ إن النعيم والعذاب فى  الإسلام للجسم والروح معًا، وإن النعيم الروحى  أجلُّ شأنًا وأعظم قدرًا لأن السعادة الروحية هى  السعادة الحقيقية الكاملة. أما عن المناظرة الخاصة بوضعية الدولة فى الإسلام فقد أكد الصعيدى أن الإسلام يريد أن يجمع الناس تحت مظلة دين واحد ولا يريد أن يجمعهم تحت مظلة دولة واحدة، ولا أن يجعل منهم جنسًا واحدًا ولا من لغتهم لغة واحدة. فلا يهم الإسلام أن تبقى لكل شعب خصائصه ومميزاته من لغات وعادات، وإنما يهمه أن تتعارف الشعوب ولا تتناكر وأن تتحاب ولا تتخاصم ليعيش الضعيف آمنًا بجانب القوي، فلا يطمع فى وطنه ولا تمتد عيناه إلى ماله ولا يسخّره فى  قضاء مآربه ولا يسعد من شقائه ولا يغتنى من فقره، ذلك أن الدولة المثالية فى الإسلام ذات صبغة عامة ليست بعربية ولا فارسية ولا رومية ولا غيرها وليس رئيسها عربيًا أو فارسيًا أو غيرهما، إنما هو مسلم من أى  شعب كان.
أما عن المناظرة المتعلقة بتناقضية العلم والفلسفة مع الدين الإسلامى فتتجه رؤية الصعيدى إلى أن الدين يقصد منه الوصول إلى معرفة الحق بطريق الوحي، والعلم والفلسفة يقصد منهما الوصول إلى معرفة الحق بطريق النظر والعقل، فهما إذن يتفقان فى الغاية ويختلفان فى  الوسيلة، واختلافهما فى الوسيلة لا يمكن أن يجعل كلًا منهما يقف من الآخر موقف عداء لأن الغاية الواحدة قد يكون لها وسيلتان تؤديان إليها، وقد يكون لها وسائل متعددة، والوسائل التى تؤدى إلى غاية واحدة تتعاون فى  الوصول إليها ولا تتنافر، والدين يعترف بأن العقل وسيلة من وسائل المعرفة، والعلم والفلسفة يعترفان بأن الوحى  وسيلة لها أيضًا، وحينئذ لا يصح أن يقف الدين موقف عداء من العلم، ولا يصح أن يقف العلم والفلسفة موقف عداء مع الدين، لا من حيث الغاية، ولا من حيث الوسيلة.
ومن الكتب المهمة الخطيرة التى تقرؤها له باهتمام وتمعن، كتابه «الحرية الدينية فى  الإسلام»، الذى  صدرت منه طبعة جديدة عن مكتبة الأسرة عام ٢٠١٢، وهو من أجلّ كتبه وأخطرها، على صغر حجمه، وقلة عدد صفحاته، جنبا إلى جنب كتابه الآخر الفريد «حرية الفكر فى  الإسلام»، وهو الذى عرض فيه لموقف الدين من الحريات بأنواعها العلمية والسياسية والدينية، مبينا أن الإسلام كفل هذه الحريات للإنسان، فقد ميزه بالأمانة أى العقل دون بقية المخلوقات لكى يستخدمه فى التفكير والبحث، وإذا أهمل الإنسان فى استخدام العقل لم يكن هناك معنى لخلقه فينا، و"الله سبحانه وتعالى  منزه عن العبث".
طبع كتاب «الحرية الدينية فى الإسلام» لأول مرة عام ١٩٥٥، وهو من أهم مصنفات الشيخ عبد المتعال الصعيدي، ويرجع ذلك إلى مضمونه الذى  يحوى  جوهر مشروعه الذى جاهد فيه لتفعيل واستمرارية باب الاجتهاد، وتجديد علم أصول العقيدة، وتحديث آليات الدعوة، والمواجهة والنقد، فضلًا عن جدَّة وأهمية القضايا والموضوعات التى تناولها، وهي: تجديد فقه الحدود، والحكم على المُرْتَدّ، تلك القضية التى  ما زالت أصداؤها تتردد فى  كتابات المحافظين والمجدِّدين على حد سواء. 
يتناول الصعيدى مفهوم "الحرية الدينية فى الإسلام" بنفس عالم طويل، مطلع، محيط بدقائق المسائل وتفاصيل التفاصيل فى  مدونات الفقه والتاريخ والعلوم الإسلامية النقلية (التفسير والحديث والعقائد.. الخ)، وهو قوى النظر جريء الطرح فيما يرى من رأى أو يجتهد فى اجتهاد، مدعمًا طرحه واجتهاده بأسانيد نقلية وحجج عقلية. يستهل الصعيدى كتابه بحمد الله الذى  "فتح باب الاجتهاد فى  الدين لأهل الاجتهاد، ولم يجعل الجمود سنة فى  الدين ولا فى العلم، بل فتح باب التجديد فيهما على مصراعيه لكل إمام مجدد"، وإدراكًا منه ووعيًا بخطورة ما يقدمه من اجتهاد يعلم أنه قد يثير عليه ثائرة المحافظين الجامدين، يقول الصعيدى  فى مقدمته للكتاب: "فهذا كتاب أتيت فيه باجتهاد دينى  خطير.. إذ أثبت فيه أن الحرية الدينية فى الإسلام عامة فى  دعوة غير المسلم الذى  لم تبلغه دعوة الإسلام وفى دعوة من بلغته واستجاب له ثم ارتد عنه". وعلى مدار صفحات الكتاب الـ١٦٠، عالج الصعيدى عبر فصوله مسائل الحرية الدينية بين التوحيد والوثنية، معرفًا بالحرية الدينية ومقارنًا بين تحققها من عدمه تاريخيًّا بين أهل التوحيد والوثنية، لينتقل بعدها إلى صلب موضوعه وهو "الحرية الدينية فى الإسلام"، من خلال معالجته للآيات القرآنية التى وردت فى الحرية الدينية، خائضا فى  مباحث فقهية دقيقة حول إبطال دعوى النسخ فى  الآيات الواردة فى الحرية الدينية، لا تملك معه إلا أن تعجب بقدرته الهائلة على البحث والاستقصاء والمقارنة ودحض الآراء الواهية، ومراجعة التقليد بل نفيه إذا ما كان يقتضى ذلك. ولا يملك قارئ الكتاب إلا الإعجاب بالملكات العقلية للشيخ الجليل الذى  فصل قولًا رائعًا فى موضوع الحدود، فهو يرى فى كتابه عن الحدود أن السارق يمكن أن يعاقب بعقوبة أخرى غير قطع اليد، منها الغرامة أو رد ما سرق، واستدل على ذلك بآراء معتبرة لأبى حنيفة والشافعى ومالك، ومما استدل به من قول الأئمة المذكورين أن السارق تسقط عنه عقوبة القطع بالتوبة حتى ولو قدر عليه، وبأنهم يقولون بعدم الجمع بين التغريم والقطع وكفاية أحدهما عن الآخر، كما أن القصاص فى القتل يسقط بعفو ولى الدم وهو أولى من السرقة فجاز العفو من المسروق للسارق بعد الغرامة. سياحة عقلية وفقهية ممتعة وشاحذة للتفكير والنظر والتأمل ومناقشة الآراء القديمة منها والحديثة ومعارضتها والترجيح من بينها يصل المؤلف منها إلى ما ارتضاه له بحثه العميق من "إثبات الحرية الدينية للمرتد عن الإسلام، وأن الحرية الدينية فى الإسلام مطلقة لا تقييد فيها، وخالصة لا شائبة تكدرها، وليكون له بها فضل السبق على مشرعى عصرنا فيما شرعوه من حرية الاعتقاد فى  دساتيرهم الحديثة، وهو فضل للإسلام عظيم الشأن فى  هذا الزمان".
العمامة المستنيرة
وفى دراسة حديثة صادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، تحت عنوان "العمامة المستنيرة.. تجديد الخطاب الدينى  فى  فكر عبد المتعال الصعيدي"، للدكتور أحمد سالم، أستاذ الفلسفة الإسلامية فى  القاهرة، طرحت الإشكاليات الكبرى التى  تطرّق لها عبد المتعال الصعيدى  فى  إطار معركته مع دعاة الجمود والغلوّ الدينى والفكري، فضلًا عن معاناته مع محاكم التّفتيش، ومحاولة فصله من الأزهر، وتكفيره علنًا، ومطالبته بالاستتابة كما يُستتاب المرتد.
أشار الدكتور سالم فى  دراسته إلى أن الشيخ الصعيدى  خرج عن الإجماع الأزهرى  فى الكثير من القضايا الفقهية والخلافية، بقول "إنّنى  لا يمكن أن أمضى  مع أولئك الجامدين من الأزهريين، لأجنى  على الأزهر بما يجنون عليه بجمودهم"، فنجده فى  مسألة قتل المرتد، يوضح أن المرتد لا يُكره على الإسلام بقتل أو حبس، وعقابه يُترك لله تعالى فى  الآخرة، وأن إيمان المكره باطل. 
رفض الشيخ الصعيدى، القول بنسخ آيات الحرية فى  القرآن الكريم، موضحًا أن إكراه المرتد على الإسلام بالقتل أو الحبس داخل قطعًا فى  عموم قوله تعالى "لا إكراه فى  الدين" لأن الإكراه فى  الدين كما يكون فى  الابتداء يكون فى  الدوام، وكما لا يصحّ الإكراه على الدين فى  الابتداء لأن الإسلام الذى  يحصل به يكون فاسدًا، كذلك الإكراه على الدين لا يصح فى  الدوام لأن الإسلام الذى  يحصل به يكون فاسدًا.. مدللًا فى  موقفه ورؤيته الى أن إجماع الأئمة الأربعة على قتل المرتد قد خرج عليه ابن حزم، فضلًا عن احتكامه إلى الآيات التى تدعم الحريات الدينية فى الشريعة الإسلامية، مثل قوله تعالى: "إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى  مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، وقوله "لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى  الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ".
كان الصعيدى فى محور رؤيته مؤمنًا بأهمية الحرية الدينية للإنسان واختيار عقيدته، وتحمّله مسؤولية هذا الاختيار، فيقول فى "كتاب الحرية الدينية فى الإسلام": "فلكلّ إنسان أن يعتقد ما يشاء فى  الدنيا، وحسابه على الله تعالى فى الآخرة، وليس من حقّنا أن نحاسبه بشيء على ما يعتقده؛ لأنّه إنسان عاقل يتحمّل مسؤولية اعتقاده، ولا نتحملها نحن عنه".
قدّم عبد المتعال الصعيدي، عام ١٩٣٧ على صفحات مجلة السياسة، وفقا للدراسة البحثية،  اجتهادًا مميزًا فى مسألة الحدود؛ ففى معرض قراءته للنصوص الواردة فى القرآن حول السرقة والزنا، مثل: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍۖ"، يرى الصعيدى أنّ الأمر الوارد فى الآيتين: (فاقطعوا)، (فاجلدوا)، هو للإباحة، وليس للوجوب، كما يعتقد علماء المسلمين، ولا ينبغى أن يكون القطع حدًّا مفروضًا وحده؛ بحيث يجوز العدول عنه فى جميع حالات السرقة، وفى كلّ الظروف، وكلّ الأحوال التى تتغيّر بتغيّر الزّمان والمكان؛ بل يكون القطع فى  السرقة أقصى عقوبة فيها، ويجوز العدول عنه فى بعض الحالات إلى عقوبات رادعة أخرى، ويكون الأمر كلّه، شأنه شأن كلّ المباحات، التى  تخضع لتصرّفات ولى  الأمر. 
أفتى الصعيدى بأن الحجاب عادة وليس فريضة، وأنه نزل فى حق زوجات الرسول ﷺ  وأن الشريعة تركت أمر الحجاب بين الرجل وزوجته وفقًا لمقتضيات المصلحة، وأن الكثير من الرجال يجبرون زوجاتهم وبناتهم على ارتداء الحجاب من باب الغيرة، وليس بهدف التديّن، كما أباح الصعيدى  فنون التمثيل والتصوير، معتبرًا أن القرآن قدّم فى عرضه صورًا تمثيلية جسّدت الكثير من قصص الأنبياء والرّسول من باب العظة والتعليم. 
انتهى الصعيدى فى  مخطوطته "فى ميدان الاجتهاد"، بوجوب أن يكون الطلاق مكتوبًا وليس شفويًا، وينبغى أن يكون عليه شهود، كما هى الحال فى عقد الزواج، وذهب إلى أن تعدّد الزوجات أصبح مفسدة اجتماعية، وعلى الحاكم تحريمه، إذ إن الحكم الشرعى بإباحة التعدّد كان من قبيل إعلاء المصلحة العامة للمجتمع وللأمة، تطبيقًا للاستقامة والعدل، وليس من قبيل إطلاق الشهوات، واتّباع الأهواء، والمتاجرة بالنساء.  
عارضت أطروحات عبد المتعال الصعيدى  الأسس التشريعية التى اتخذتها جماعات العنف المسلح وتيارات الإسلام السياسى مرتكزًا أدبيًا لمشروعها حول فرضية قيام "دولة الخلافة"، فيقول فى  كتابه "من أين نبدأ": يجب أن يعلم الداعون إلى الحكومة الدينية - قاصدا الإخوان المسلمين - أن الحكومة القائمة - عام ١٩٥٠ - حكومة إسلامية، وأنه لا معنى لمطالبتهم بذلك مع قيام هذه الحكومة، لأن صبغتها فى جملتها صبغة إسلامية، وهى كذلك فى  العرف الدولى حكومة إسلامية، لأن رئيسها الأعلى مسلم، ولأن دينها الرسمى هو "الإسلام" ولأن الشريعة الإسلامية تعدّ الأصل الأصيل لكل تشريع فى  مصر، وقد جاء دستورها مقررًا لهذا الأصل. 
اعتبر الصعيدى فى بحوثه التنويرية، أن الإسلام لا يمنع قيام حكومات متعددة، فإذا قامت هذه الحكومات لا يُطلب منها إلا أن تكون متحابّة لا متعادية، وأن تعدّد الحكم فى "الإسلام" قال به بعض العلماء استنادًا إلى اقتراح الأنصار على المهاجرين حين اختلفوا قبل الاتفاق على أبى بكر (رضى  الله عنه)، أن يكون من المهاجرين أمير ومن الأنصار أمير، ولو كان هذا مما لا يجيزه "الإسلام" ما اقترحوه، وأن الدين عقيدة بين الشخص وربّه، والوطن لجميع الناس، مسلمين وغير مسلمين.
نادى الشيخ الصعيدى  بأنه لا يمكن قصر الحكم الإسلامى على الخلافة، لأن النبى ﷺ انتقل إلى الرفيق الأعلى ولم يعيّن شكلًا للحكم، بل ترك تعيينه لاختيار المسلمين، حتى لا يكون هناك حرج عليهم فى اختيار شكل الحكم الذى يلائم ظروفهم وأحوالهم، فلا يهمّ فيه إلا أن يقوم الحكم فيه على أساس الشّورى والعدل، ومتى قام على هذا الأساس كان حكمًا إسلاميًا صحيحًا، سواء أكان القائم به ملكًا أم خليفة أم رئيسًا.
الخلافة فى  نظر عبد المتعال الصّعيدي، رياسة عامة فى  أمر الدين والدنيا، يقوم باختيارها جمهور الأمّة من كل بالغ عاقل، ولو كان أميًا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وأن الدولة العثمانية والعباسية والأموية لم تكن خلافة إسلامية بالمعنى الصحيح، فضلًا عن أن النظام الجمهورى  الحديث يطابق نظام الخلافة الإسلامى  بعينه.
توقف الشيخ عبد المتعال الصعيدى  أمام قضية الجزية، مفسرًا بكونها أمرًا خاصًا لا أمرًا عامًا، وأن الأصل فيها الاعتداء والعدوان، وأنها ليست شاملة لكل أهل الكتاب، وأنها لم توجب من باب الكفر والشّرك، لكنها من باب الغرامة الحربية، لهذا لم تجب على "النساء" وممن لا يصلح للحرب، فلا يكون لها تأثير فى  تركهم لها، ولا يكون فى  فرضها عليهم أدنى وسيلة لحملهم على الإسلام، لأن الإسلام أكبر من أن يغرى  الناس على دعوته بالمال.
كان من الطبيعى أن يُتّهم الشيخ الصعيدى ويعاقَب من جانب المتكلمين التقليديين، الذين انتفضوا ضد أبحاثه حفاظًا على مدرستهم الجامدة، فى  تناول القضايا التشريعية وعلاقتها المتصلة بمناحى الحياة الاجتماعية والسياسية، فعقدوا له محاكمة فى ثلاثينات القرن الماضي، تشكلت من كبار علماء الأزهر الشريف؛ من الشيخ عبد المجيد اللبان (القريب من جماعة الإخوان)، والشيخ محمد مأمون الشناوي، ورئاسة الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام؛ فكفّر الشيخ اللبان الشيخ الصعيدي، وطلب أن يُستتاب كما يُستتاب المرتد، ورأى الشيخ الفحام أنّه لا يستحق هذه العقوبة، وأنّه أراد التخفيف على الناس، ورأى الشيخ الشناوى أن يُنقل من كونه مدرّسًا فى كلية اللغة العربية، إلى قسم المعاهد الأزهرية فى  طنطا، ووقف ترقيته لمدة خمسة أعوام. وقد توفى  الشيخ عبد المتعال الصعيدى  فى  ١٣ مايو عام ١٩٦٦م عن عمر يناهز اثنين وسبعين عامًا.

«الحمد الله الذى فتح باب الاجتهاد فى  الدين لأهل الاجتهاد، ولم يجعل الجمود سنة فى  الدين ولا فى العلم، بل فتح باب التجديد فيهما على مصراعيه لكل إمام مجدد»