بداية هل ثم تعارض بين العقل والنقل نقطة خلافية دار حولها جدل كبير بين فلاسفة الإسلام إلى الآن، وكل من هو مهموم بهذه القضية الشائكة.
لكن إن جاز لي أن أدلي بدلوي في هذا المشكل، فسأقول منهجنا هو الاعتبار وإذا كان الأمر كذلك فينبغي علينا أن نتأمل وندرس هذه الفكرة من جميع زواياها، أقصد من خلال وجهة النظر العقلية وفي نفس الوقت من خلال رأي الدين في هذه القضية، فهكذا تكون المعالجة. العقل هبة من عند من، من عند الله تعالى. والوحي ممن، من الله، والوحي يخاطب من، عقل النبي وقلبه (وما صاحبكم بمجنون) إذن العقل هبة من عند الله ويخاطب عقل النبي، والوحي من عند الله، فهما أثران من آثار الكامل فكيف يتعارضان؟ يقول ابن رشد: الحق لا يضاد الحق بل يشهد له ويؤيده، هذه واحدة، أما الثانية فثم آيات كثيرة دلل خلالها الله تعالى على التعرف عليه من خلال إعمال العقل، الذي بدوره يستخدم منهج الاعتبار، فاعتبروا يا أولي الألباب، فاعتبروا. أولي الأبصار. أفلا يعقلون، أفلا يتدبرون القرآن. قل انظروا ماذا في السموات والأرض. والنظر هنا بمعني التأمل والتدبير والاعتبار عقلا، فما خلق الله خلقا أحب إليه أكثر من العقل لذلك حفظه من كل ما يغيبه ويعبث به، فحرم شرب المسكرات حتى لا يغيب.
كذلك من نواظر اهتمامات الله بالعقل منحه القدرة على دراسة الوجود دراسة ميتافيزيقية ودراسة فيزيقية أي دراسة الطبيعة مستخدما الاستدلالات الفقهية عن طريق إستخدام القياسي العقلي الذي هو إعمال للعقل، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالاجتهاد (بضوابط وشروط فقهية)، حينما بعث معاذا قاضيا على اليمن قال بما تحكم يا معاذ قال بكتاب الله، وإن لم تجد قال بسنةرسول الله، وإن لم تجد، قال أجتهد رأيي يا رسول الله، دلالة قطعية الحجية والثبوت على أهمية العقل. فالترسيمة الكونية التي لا تخفى إلا على جاحد أو مكابر أو معاند، أو من ران الله على قلوبهم، هذه الكون بما حوى دلالة قاطعة شاهدة على وجوده. فلنفترض جدلا أن من يناقشك ملحد مثلا أو لا يعتنق دينا يدين به، كيف تقنعه. قل له هل أنت موجود ككيان وجودي بشقيه المادي والمعنوي، قل له من أوجدك. ثم انظر لزومية الدلالة على وجوده ورق التوت يأكله ثلاثة أنواع من الحيوانات، تأكلها دودة القذ فتنتج من بطنها حريرا، تأكلها الظبية فتنتج مسكا، تأكلها باقي الحيوانات فتنتج روسا. من الذين يفعل ذلك. ثم هاتيكم بقوله تعالى (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) هذا خطاب عقلنقلي على وجود الله.
أعتقد أن هذا الطرح سلسل وبسيط حتى يتيسر فهمه للجميع بعيدا عن المصطلحات الفلسفية مستغلقة الفهم.