الأحد 02 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

مجددون.. أحمد أمين.. والجامعة الشعبية

أحمد أمين أديب
أحمد أمين أديب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أحمد أمين أديب ومفكر ومؤرخ وكاتب مصرى، وهو صاحب تيار فكرى مستقل قائم على الوسطية، عرف بموسوعته «فجر وضحى وظهر ويوم الإسلام»، وهو والد المفكرين المعاصرين حسين وجلال أمين.
ولد أحمد أمين إبراهيم الطباخ فى حى المنشية بالقاهرة فى ١ أكتوبر ١٨٨٦، تدرج فى تعليمه من «الكتاب» إلى «مدرسة والدة عباس باشا الأول الابتدائية»، إلى «الأزهر»، إلى «مدرسة القضاء الشرعى» حيث نال منها شهادة القضاء سنة ١٩١١م. درس بعدها سنتين فى مدرسة القضاء الشرعى، ثم انتقل فى ١٩١٣ إلى القضاء فعمل قاضيا مدة ٣ أشهر عاد بعدها مدرسا بمدرسة القضاء، وفى ١٩٢٦ عرض عليه صديقه طه حسين أن يعمل مدرسا بكلية الآداب بجامعة القاهرة، فعمل فيها مدرسا ثم أستاذا مساعدا إلى أن أصبح عميدا لها فى ١٩٣٩.
أنشأ مع بعض زملائه سنة ١٩١٤ «لجنة التأليف والترجمة والنشر» وبقى رئيسا لها حتى وفاته ١٩٥٤، وشارك فى إخراج «مجلة الرسالة» ١٩٣٦، كذلك أنشأ مجلة «الثقافة» الأدبية الأسبوعية ١٩٣٩، وفى ١٩٤٦ بعد توليه الإدارة الثقافية بوزارة المعارف، أنشأ ما عرف باسم «الجامعة الشعبية» وكان هدفه منها نشر الثقافة بين الشعب عن طريق المحاضرات والندوات، وفى نفس الفترة أنشأ «معهد المخطوطات العربية» التابع لجامعة الدول العربية، ثم منح درجة الدكتوراة عام ١٩٤٨، وكان عضوا فى المجامع اللغوية بدمشق والقاهرة وبغداد.
شغل أحمد أمين وظيفة القاضى مرتين الأولى سنة ١٩١٣ فى الواحات الخارجة لمدة ثلاثة أشهر، أما المرة الثانية فحين تم إقصاؤه من «مدرسة القضاء الشرعى» لعدم اتفاقه مع إدارتها بعد أن تركها أستاذه عاطف بركات، وأمضى فى القضاء فى تلك الفترة أربع سنوات عرف عنه فيها التزامه بالعدل وحبه له، واستفاد من عمله بالقضاء أنه كان لا يقطع برأى إلا بعد دراسة وتمحيص شديد واستعراض للآراء والحجج المختلفة، ولم تترك نزعة القضاء نفسه طيلة حياته بدءا من نفسه حتى الجامعة.
بدأ اتصال أحمد أمين بجامعة القاهرة سنة ١٩٢٦ عندما رشحه الدكتور طه حسين للتدريس بها فى كلية الآداب، ويمكن القول إن حياته العلمية بالمعنى الصحيح آتت ثمارها وهو فى الجامعة فكانت خطواته الأولى فى البحث على المنهج الحديث فى موضوع المعاجم اللغوية، وكانت تمهيدا لمشروعه البحثى عن الحياة العقلية فى الإسلام التى أخرجت «فجر الإسلام» و«ضحى الإسلام».
تولى فى الجامعة تدريس مادة «النقد الأدبي»، فكانت محاضراته أولى دروس باللغة العربية لهذه المادة بكلية الآداب، ورقى إلى درجة أستاذ مساعد، ثم إلى أستاذ فعميد لكلية الآداب سنة ١٩٣٩، واستمر فى العمادة سنتين استقال بعدهما لقيام الدكتور محمد حسين هيكل وزير المعارف بنقل عدد من مدرسى كلية الآداب إلى الإسكندرية من غير أن يكون لأحمد أمين علم بشيء من ذلك، فقدم استقالته وعاد إلى عمله كأستاذ، وهو يردد مقولته المشهورة: «أنا أصغر من أستاذ وأكبر من عميد».
فى الجامعة تصدع ما بينه وبين طه حسين من وشائج المودة إذ كان لطه تزكيات خاصة لا يراها أحمد أمين صائبة التقدير، وتكرر الخلاف أكثر من مرة فاتسعت شقة النفور، وقال عنه طه: «كان يريد أن يغير الدنيا من حوله، وليس تغير الدنيا ميسرا للجميع»، وقد عد فترة العمادة فترة إجداب فكرى وقحط تأليفى لأنها صرفته عن بحوثه فى الحياة العقلية.
فى سنة ١٩٤٥، ندب للعمل مديرا للإدارة الثقافية بوزارة المعارف، وهى إدارة تعمل دون خطة مرسومة واضحة فليس لها أول يعرف ولا آخر يوصف تساعد الجاد على العمل والكسول على الكسل، وفى توليه لهذه الإدارة جاءت فكرة «الجامعة الشعبية» حيث رأى أن للشعب حقا فى التعلم والارتواء العلمى، وكان يعتز بهذه الجامعة اعتزازا كبيرا ويطلق عليها اسم «ابنتى العزيزة»، وهى التى تطورت فيما بعد إلى ما سمى بقصور الثقافة، وكان آخر المناصب التى شغلها بعد إحالته إلى التقاعد منصب مدير الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية.
أشرف أحمد أمين على لجنة التأليف والترجمة والنشر مدة أربعين سنة منذ إنشائها حتى وفاته ١٩٥٤، وكان لهذه اللجنة أثر بالغ فى الثقافة العربية إذ قدمت للقارئ العربى ذخائر الفكر الأوروبى فى كل فرع من فروع المعرفة تقديما أمينا يبتعد عن الاتجار، كما قدمت ذخائر التراث العربى مشروحة مضبوطة فقدمت أكثر من ٢٠٠ كتاب مطبوع.
كانت الثقة فى مطبوعات اللجنة كبيرة جدا لذلك رزقت مؤلفات اللجنة حظا كبيرا من الذيوع وتخطفتها الأيدى والعقول، كما أنشأت هذه اللجنة مجلة «الثقافة» فى يناير ١٩٣٩ ورأس تحريرها، واستمرت فى الصدور أربعة عشر عاما متوالية، وكان يكتب فيها مقالا أسبوعيا فى مختلف مناحى الحياة الأدبية والاجتماعية، وقد جمعت هذه المقالات فى كتابه الرائع «فيض الخاطر» بأجزائه العشرة، امتازت مجلة «الثقافة» بعرضها للتيارات والمذاهب السياسية الحديثة، وتشجيعها للتيار الاجتماعى فى الأدب وفن الرواية والمسرحية، وعنيت المجلة بالتأصيل والتنظير.
كما كان يكتب فى «مجلة الرسالة» الشهيرة وأثرى صفحاتها بمقالاته وكتاباته، وخاض بعض المحاورات مع كبار كتاب ومفكرى عصره على صفحات «الثقافة» ومنها محاورته مع الدكتور زكى نجيب محمود الذى كتب مقالا نعى وانتقد فيه محققى التراث العربى ونشر ذخائره، ورأى أن الفكر الأوروبى أجدر بالشيوع والذيوع والترجمة من مؤلفات مضى زمانها، وأطلق على كتب التراث «الكتاب القديم المبعوث من قبره»، ثم قال: «سيمضى الغرب فى طريقه، وهو يحاول الصعود إلى ذرى السماء، ونحن نحفر الأجداث لنستخرج الرمم». 
أثارت هذه الكلمات المجحفة للتراث أحمد أمين فرد على ما قيل وأكد أن الغرب أسس نهضته ومدنيته على الحضارة الرومانية واليونانية، وأكد أيضا أن المستشرقين هم أول من اهتم بالتراث العربى فنشروا أصوله وذخائره.