كل عام وأنتم بخير بمناسبة شهر رمضان المبارك، الشهر الكريم صاحب الأجواء المختلفة تمامًا عن باقى شهور السنة، يتزاور الأهل والأصدقاء وتقترب المسافات بينهم بعد أن تباعدت بسبب دوامة الحياة والسعى المكثف طوال السنة فى العمل لستر البيوت وقضاء التزاماتها، هدنة نفسية وروحية فى شهر رمضان يحصل عليها الناس حتى يتمكنوا من إعادة تشغيل بطاريات حياتهم من جديد.
والمهم فى شهر رمضان هو أن ملامحه لا تؤثر فى الأفراد الطبيعيين فقط ولكنها تنسحب على المنشآت وحركة التجارة والمواصلات بل وعلى الأجهزة التنفيذية ذاتها.
الموظف داخل المصلحة الحكومية فى رمضان مختلف عن ذات الموظف فى ذات المصلحة باقى شهور السنة، لن نكتب هنا عن تكاسل بحجة الصيام لأننا نحتفل فى مقالنا بالشهر الكريم ولا داعى لمنغصات بسبب الفهم الخاطئ للصيام من البعض.
ولكن هل يسمح لى عزيزى القارئ أن أرصد منغصات أخرى.. سوف تسمح بإذن الله لأننا فى شهر كريم والقارئ هو أبوالكرم كله، وسوف أذهب معك مباشرة إلى الأنشطة الثقافية والفنية التى تنظمها الوزارات المعنية فى البيوت الأثرية وما أكثرها لدينا.
خذ عندك مثلًا بيت السحيمى بالجمالية وقبة الغورى بالأزهر وبيت الهراوى وبيت الست وسيلة وقصر الأمير بشتاك وبيت العينى وغيرهم الكثير فى كل هذه المنشآت برامج وضيوف ومنشدون وفن وإبداع وتألق حقيقي، وكلهم بالمجان إكراما للجمهور المحب للفنون والارتقاء، كل الأنشطة من ميزانية الدولة التى تجاهد معنا نحو الستر.
هذه الخريطة الرائعة يمكن اعتبارها شكلًا من أشكال الدعم للمواطن المصرى وللضيف العربى الذى ترك بلاده وجاء مشكورًا إلينا بل وإلى الضيوف الأجانب كرسالة نقدمها للعالم بأن قلب مصر النابض لم ولن يتوقف عن الخفقان.
كل هذا جميل ومقدر ولكن ماذا يقول القارئ إذا عرف أن الموتوسيكل الصينى قد هزم كل تلك المفردات بالضربة الفنية القاضية، نعم ولا تتعجب أقصد الموتوسيكل المجرد الذى تراه يرمح فى الطرق السريعة والبطيئة فى رقصة الموت الخالد.
وهنا أشرح بهدوء لك ما يحدث، شارع المعز فى حى الحسين هو الشارع المؤدى لمعظم مواقع النشاط الفنى هناك، وفى أول شارع المعز بوابة من ناحية شارع الأزهر تسمح بدخول الأفراد ليسعدوا بالمشى الهادئ فى هذا المتحف المفتوح، لم يقتنع البعض ولا أعرف من هم على وجه التحديد بأن المشى الهادىء للوصول إلى البيوت الأثرية والتأمل الممتع لجدران المساجد والأسبلة على طول الطريق هما سياحة مدهشة وممتعة ونادرة تخصنا نحن بإمتياز فى مواقعنا الأثرية.
قام هذا البعض بفتح تلك البوابة على مصراعيها لتندفع سيول الموتوسيكلات الرخيصة بأصواتها المزعجة تخبط هذا وتحك فى ذاك، كما بدأت تتهادى السيارات ليلتصق الناس بالجدران، ليس هذا فقط جيوش الباعة السريحة ببضائع تافهة تكاد تشغل كل المكان وإذا أضفت لذلك توسعات المقاهى غير المبرر على الأرصفة واحتلال الحوارى بل وعلى الأسطح الأثرية سوف تعرف أن البعض منا صار محترفا فى الخسارة والتخريب.
إن قدسية المزارات السياحية تحتاج إلى ضبط الأجواء سواء فى حركة السير أو مقياس الضوضاء بالديسبل أو تدريب الباعة على الابتسام، كل هذه المفردات لا تقل روعة عن آثارنا الإسلامية الفريدة فى حى مثل الحسين والجمالية والأزهر.
زيارة حى الحسين فى رمضان لا تقتصر على المسجد الذى شهد أعمالا مهمة من التطوير والتحديث ولكن حى الحسين بكامله محمية أثرية ومشروع قومى كبير نحن فى أمس الحاجة إليه.
وكل عام وبلادنا بألف خير