للعقيدة الإسلامية أثر بالغ في نفوس معتنقيها لسماحتها وملائمتها للنفس البشرية، وهو الذي انعكس بشكل كبير على الفنون في شتى مجالاتها، كان أبرزها العمارة الإسلامية، حيث سجلت عبر التاريخ صورة صادقة للفنان المصري ومهارته، ولعل جدران المساجد ومنابرها أبرز دليلًا على دقة وحرفية الصانع والفنان المصري ومهارته، فعلى مدار شهر رمضان المبارك تأخذكم جريدة "البوابة" في رحلة بين مساجد مصر وأضرحتها، لنتعرف على تاريخ نشأتها، وتأثيرها الروحاني في قلوب مُرتاديها.
السيدة زينب تعيش في وجدان الشعب المصري، إذ يحتفي بها المصريون في كل عام بمولدها باحتفالات شعبي كبير يتم التجهيز له قبلها بشهور، حيث يتوافد الموردين والمحبين من كل مكان في أرض مصر المحروسة.
ويرتبط المصريون بمسجد السيدة زينب ارتباطًا وثيقًا، فالمسجد لم يكن مكانا للعبادة فقط، حيث يذهبون إليه وكأنهم يذهبون لزيارة صاحبته والتكلم معها، والتقرب منها والدعاء بجوار ضريحها.
فالسيدة زينب هي بنت السيدة فاطمة البتول، والدها سيف الله الغالب سيدنا عليُّ بن أبي طالب، وجدتها السيدة خديجة بنت خويلد، حفيده أشرف الخلق أجمعين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخواتها الإمام أبي محمد الحسن، والإمام أبي عبد الله الحسين رضي الله عنهم جميعًا.
وُلدت بعد مولد الحسين بسنتين، أمَّا هي ففي السنة الخامسة أو السادسة للهجرة، فعاصرت إشراق النبوة عِدَّةَ سنوات، وسَمَّاهَا الرسول ﷺ «زينب»؛ إحياءً لذكرى ابنته (السيدة زينب) ومعنى زينب: الفتاة القوية المكتنزة الودودة العاقلة.
وعُرفت السيدة زينب بتحليها بالعلم والتقوى، والشجاعة والإقدام، والبلاغة وقوة البرهان، ولها كنايات كثيرة منها «أم هاشم» وكنيت بأم هاشم لأنها حملت لواء راية الهاشميين بعد أخيها الإمام الحسين.، و«صاحبة الشورى» لأن كثيرا ما كان يرجع إليها أبوها وإخوتها في الرأي، كما لقبت بــ«عقيلة بنى هاشم» ولم توصف سيدة في جيلها أو غيره أو في آل البيت بهذا إلا السيدة زينب رضى الله عنها.
كما أطلق عليها «أم العواجز» كنيت بهذه الكنية عندما شرفت مصر بقدومها وساعدت العجزة والمساكين، ولقبت بــ «رئيسة الديوان» لأنها عندما قدمت مصر وكان الوالي وحاشيته يأتون إليها وتعقد لهم بدارها جلسات للعلم فيتفهموا الأمور الدينية في ديوانها وهى رئيسته، كما لقبت أيضًا بـ «الطاهرة» فقد أطلقه عليها الإمام الحسن أخوها عندما قال لها: «أنعم بك يا طاهرة حقا إنك من شجرة النبوة المباركة ومن معدن الرسالة الكريمة».
جامع السيدة زينب بنت الإمام على بن أبي طالب عقيلة بني هاشم بميدان السيدة زينب، فهي أول سيدة في الإسلام لعبت دورًا ذا شأن، فقد اقترن اسمها في التاريخ الإسلامي والإنساني بمأساة "كربلاء" أحد المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي عامة وتاريخ أحد الشيعة خاصة.
ولم يجحد دور السيدة «زينب» في المأساة، بل أن منهم من سماها "بطلة كربلاء" لأنها السيدة الأولى التي ظهرت في اللحظة الحرجة تأسو المكلوم وتثور للضحايا الشهداء.
كما أخذت على عاتقها حماية السبايا من الهاشميات ورعاية غلام مريض هو على زين العابدين بن الحسين، ومن هنا جاءت كنيتها "بأم هاشم"، وقال عنها بعض المؤرخين:"أن موقف السيدة زينب بعد المعركة هو الذي جعل من "كربلاء" مأساة خالدة".
ولدت السيدة زينب في السنة السادسة للهجرة في بيت النبوة، وتمضى بالمدينة المنورة، فباركها جدها النبي واختار لها اسم زينب، احياء لذكر ابنته التي توفيت في السنة الثانية للهجرة متأثرة بجراحها، فقد لقيها أحد المشركين بعد غزوة بدر، في طريقها إلى المدينة فنخسها في بطنها، وكانت حاملا فأسقط حملها وماتت. وظل الرسول صلى الله عليه وسلم يجد في قلبه لوعة الحزن حتى إذا ما ولدت أختها "الزهراء" ابنتها الأولى. سماها زينب، تلك التي تلاقى فيها أعز ما عرفت قريش والعرب من كريم الأصول ونقى السلالات.
ونشأت زينب تحوطها رعاية جدها العظيم وعطف سابغ من ألها الكرام، ولكنها تبلغ من عمرها حتى لبى جدها صلى الله ربه، ودفن في غرفة السيدة عائشة مسجد المدينة المنورة، بعد أن فتح مكة وطهر الكعبة من الأوثان، من الأيام كئيبة حزينة بعد وفاة الرسول وزينب جالسة إلى فراش أمها العليلة الحزينة، فما يذكر التاريخ أن فاطمة ضحكت بعد وفاة والدها حتى لحقت به.