لا يرسو إبداعها على شاطئ، بينما هي دائما تبحر في الحياة وكل حواسها الإبداعية نشطة وباحثة تحت القشور عن معنى جديد أو دلالة هاربة تحت أكوام العمر، يناقش سردها إشكالات المجتمع المسكوت عنه، وكثيرا ما دق ناقوس الخطر، في حوارها مع "البوابة" تحدثت الروائية والباحثة والمترجمة سهير المصادفة عن طقوسها الأدبية في شهر رمضان الكريم كما تعود لانطباعاتها عن معرض القاهرة الدولي الكتاب وعن مشاركتها دعوة جائزة نوبل أثناء فوز "أورهان باموق"، كما تحدثت عن أطول شهادة روائية لها في كتاب "عواصف غرفة الكاتب"، وعن مفهوم فوضى النشر وأشياء أخرى.. وإلى نص الحوار
■ ما هي طقوس القراءة والكتابة لديك في شهر رمضان وما تحمل من ذكريات؟
رغم أن شهر رمضان يكون رائعًا في القاهرة، فإنني منذ سنوات أقضيه خارجها، بعيدًا عن زحامها. هو بمثابة إجازة لي، أحاول أن تكون من الكتابة أيضًا، وعادة أفشل وأعود لها من آنٍ لآخر، أبتعد هذه الأيام عمَّا كتبته في مخطوط روايتي الجديدة، لأعود إليه بعد شهر رمضان وأقرأ ما كتبت، بنية مواصلته أو تمزيقه. أحيانًا أكتب خمسمائة كلمة فقط، وفي أيام أخرى أكتب ألف كلمة، تتحدد حالة الكتابة بنمو أبطالها ووفقا لحركتهم، وصخبهم أو استكانتهم، أحيانًا أخرى أتأملهم وأتأمل ما كتبت ولا أحتفظ بكلمة واحدة بل أمزق كل ما كتبت وأبدأ في اليوم التالي من جديد. كتابة رواية تجبرك على التمرد على أي جدول زمني، فهي تتطور أحيانًا بنفسها وتتسع أحداثها، وتأخذ مسارات لم تكن ضمن خرائطك الأولى، بعد فترة من الاستغراق في الكتابة أجد أن الرواية تكتب نفسها، وتتحرك وفق اكتمالها في يومي.
وأقرأ في شهر رمضان كثيرًا، أبحث عن أعمالٍ جديدة جيدة، وهي على كل حال قليلة، أتأمل الشوارع والوجوه الملهمة، وأسير إلى جوار الحكايات الملقاة على الطريق، أهرب من مطاردة شخوص روايتي قليلًا، لأتأكد بعد فترة من إصرارهم على مواصلة أحداث حياتهم. أختار مسلسلًا أو مسلسلين على الأكثر لمتابعتهم مع عائلتي، وهذا والله كثير في ظل ما تمرّ به الدراما المصرية مؤخرًا، فهي تحتاج إلى معجزة كبرى لتعود رائدة مرّة ثانية، فالمنافسة صارت شديدة ومنصات وسماوات العرض أصبحت مفتوحة، والمشاهد المصري ذهب ليتابع دراما جيدة من جميع أنحاء العالم؛ دراما مكتوبة بشكل جيد، وسقف حرية التعبير فيها مرتفع، ومتطورة على مستويات الإنتاج والديكور والموسيقى التصويرية والكاست التمثيلي، ونأمل أن نرى الدراما والسينما المصرية هكذا أيضًا.
■ الندوات والأمسيات التي تقام في المعرض منزوعة الدسم الفكري والثقافي".. ما هي الأسباب وكيف نعيد بريق معرض القاهرة الدولي للكتاب؟
في الحياة الثقافية لا توجد ندوات فكرية وأدبية دون حرية تعبير، أو مع حجب أكبر عدد ممكن من أسماء الأدباء الكبار لأسباب لا تمت بصلة للأدب والفكر والفن، ولذلك قلت إنها ندوات منزوعة الدسم الفكري والأدبي والثقافي، ربما لأنني شهدت فترات مزدهرة، حين كان المعرض قادرًا على جذب عشرات المبدعين من كافة أنحاء العالم، حتى أنني شاركت في دعوة بعض الفائزين بجائزة نوبل في عام فوزهم نفسه، وعلى سبيل المثال وليس الحصر: "أورهان باموق". باختصار شديد، من المستحيل إقامة حوار بين طرفين بوجهة نظر واحدة، فهذا سيؤدي بالضرورة إلى إعادة المحتوى المطروح آلاف المرات دون تطويره أو التوصل لنتائج جديدة أو الصعود لدرجة أعلى. تمامًا مثل كوميديا أن يكلم أحدهم نفسه بجدية شديدة.
■ حدثينا عن شهادتك في كتاب "عواصف غرفة الكاتب"؟
"عواصف غرفة الكاتب"، هو كتابٌ يجمع عشر الشهادات الروائية لروائيين وكُتاب من أقطار العالم العربي جمعه وعكف عليه لعامين كاملين الكاتب السوري المبدع: "رواد العوام". كتبتُ فيه أطول شهادة روائية لي حتى الآن بعنوان: "على حافّة الأرض أهذي"، عن الكتابة وهمومها وجحيمها وفردوسها، عن كيف تحوّلت غرفة مكتبي ــ التي أنفقت جهدًا ووقتًا طويلًا في تأثيثها لتخصني وحدي ــ هي منفاي الاختياري، أخذت أدرّب نفسي تدريبات قاسية؛ لاستغنى عن الانخراط الكامل في متع الحياة، وأوَّلها العلاقات الاجتماعية والمناسبات العائلية التي لا نهاية لها، اختفيت من حفلات الزفاف والختان والجلوس مع نسوة اخترن السير إلى جوار رصيف الحياة دون خوض مغامرة عبور الطريق أو اختبار حتفهنّ عشقًا وولعًا بمحاولة طرح أسئلة وجودية كبرى أو النوم في العراء دون سندٍ ودون اتكاء على تمثيل ضعف سامهنّ سوء العذاب، كان الخيار محددًا أمامي منذ البداية بصرامة: أن أعيش الحياة أو أن أكتبها، واخترت أن أعيش الحياة لأكتبها، أمر بتجارب ومشاهد وأماكن من أجل الكتابة، بل باتت تفاصيل يومي تدشينًا لكتابة جديدة، وبت أشك أنني أتنفس من أجل الكتابة، وأعي في الوقت نفسه أنني أتحول يومًا بعد يوم إلى عبدة للسيدة/ الكتابة.
■ ماذا عن مفهوم "فوضى النشر"؟
في مجال النشر، وكل عام تُطرح عشرات العناوين، وخصوصًا الروائية، ما اتفق الجميع على تسميته بفوضى النشر. هذه الفوضى هي مسئولية الناشر والكاتب على حدّ السواء، فالكاتب يدفع بكتابه للنشر بسرعة ودون أن يتأمل ولو قليلًا موقعه بين الكتب المنشورة فيما بعد، وبالنسبة للناشر، يرى بعض الناشرين أنهم مثل أي تاجر يستثمرون أموالهم ولا يريدون الخسارة، وهذا بالطبع حقهم، وهي رؤية مَن عملوا في مجال الطباعة والنشر منذ قديم الزمن وقبل أن نُولد، ولكن كان القُدامى يختارون ويتعبون على المادة المنشورة مع المؤلف، بل محفوظ وناشره "مكتبة مصر"، لم يكن مكسب الناشر في المقام الأول، وإنما رغبته في القيام بدور مهم في الحياة الثقافية والأدبية وإثراء المكتبة العربية بأصوات مهمة. كان الناشر يقوم بأدوار كثيرة أصبحت تقع الآن على عاتق المبدع؛ سواء في الدعاية للكتاب أو توزيعه أو الاهتمام به.
■ ما هي أزمة النقد؟
بالتأكيد الناقد هنا في أزمة، فعددٌ كبير من الكتب يصدر كل يوم، وهو لا يعرف ماذا يقرأ، وبماذا بالضبط يحتفي، ومن ثم ظهرت قوائم لبعض المعروفين سلفًا، يتم تناول أعمال أصحابها في الدوريات الأدبية والجوائز والمؤتمرات والمحافل السنوية، وسرعان ما يخرج من هذه القوائم المغضوب عليهم سياسيًّا أو فكريًّا. والأمر برمته أصبح مثل مزحة سمجة، خصوصًا في السنوات الأخيرة، حين أصبح الأداء أشبه ما يكون بلعبة الكراسي الموسيقية. صرنا أيضًا تحت رحمة المنصات الإلكترونية وصخب دعاية البوكتيوبر، ودعوات لقراءة روايات بعينها بقوائم كُتّاب جاهزة ومكررة وكأنها وصفات الطبخ، مجموعات تدشين روائيين لا تستطيع قراءة ربع رواياتهم بأخطائها المروعة، آلاف الأسماء الإلكترونية المزيفة القابعة على مواقع شهيرة مثل "الجودريدرز" للإجهاز حتى على كُتّابٍ كلاسيكيين مثل "ماركيز" – مثلًا – وللاحتفاء بكتابة تافهة لأسبابٍ أيدلوجية أو ببساطة "شللية". كما أن الصورة، مع الأسف، أقوى من الكلمة الآن، ولذلك تخضع الكلمة لها، وينساق الجميع خلفها.
ثقافة
سهير المصادفة: أقرأ فى شهر رمضان كثيرًا وأبحث عن أعمالٍ جيدة.. وأهرب من مطاردة شخوص روايتي فى الشهر الكريم.. وأتابع المسلسلات الدرامية مع عائلتي
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق