السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

في ذكراه.. تعرف على القديس فرنسيس دي باولا الناسك

ارشيف
ارشيف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحتفي الكنيسه الكاثوليكيه اليوم بالقديس فرنسيس دي باولا الناسك حيث وُلِد فرنسيس بمدينة پاولا، بمقاطعة كوزنسا – كالابريا - جنوب إيطاليا، في 27 مارس 1416م.
ولجأ والديه التقيين، بعد أن ظلاّ بلا أطفال لعدة سنوات بعد زواجهما، إلى الصلاة وكرّسا نفسيهما بشكل خاص لشفاعة القديس فرنسيس الأسيزي. فلما أنجبوا طفلهما البكر أسمياه "فرنسيس" تيمُناً بالقديس فرنسيس، ومن بعده جاء طفلان آخرا.
يُذكَر أنه بينما كان فرنسيس لا يزال في المهد، عانى من التهاب شديد، عَرّض بصر إحدى عينيه للخطر. لجأ والديه مرة أخرى إلى شفاعة القديس فرنسيس الأسيزي، وندرا أن يمضي ابنهما عاماً كاملاً مرتدياً زي الرهبنة الفرنسيسكانية الصغير، وهي ممارسة كانت شائعة في العصور الوسطى وحتى اليوم.

شُفيَ الطفل بعد ذلك وبدأت حياته التعليمية.
 

تلقّى تعليمه الأساسي على يد الرهبان الفرنسيسكان في پاولا، وكان الوالدان يتمنيان أن يصير راهباً فرنسيسكانياً.
وبالفعل بعمر الثالثة عشر، التحق فرنسيس بدير الابتداء الفرنسيسكاني، بعدما أخبره أحد الرهبان برؤية روحية تُفيد أنه سيصير راهباً وقديساً.
أخذاه الوالدين في رحلة حج روحي نحو أسيزي (مسقط رأس القديس فرنسيس)، وأيضاً إلى روما استعداداً لتكريس الإبن.
لدى عودته إلى پاولا، لم يعد فرنسيس إلى دير الابتداء الفرنسيسكاني، لكنه اختار كهفًا منعزلاً في نطاق أملاك والده وعاش هناك في عزلة، ثم وجد فيما بعد كهفاً أكثر عزلة على ساحل البحر، فانتقل للعيش فيه.
عاش الشاب فرنسيس في الكهف الجديد مدة ست سنوات، واهباً حياته للصلاة والتأمل والإماتات الروحية والجسدية، ليتحرر ويصبح عالم الروح أكثر وضوحاً بالنسبة له.
بحلول عام 1435م، انضم إليه طالبي نُسك، فأوجد لهما قلاّيتين مجاورتين له وكنيسة صغيرة، وكانت هذه هي نواة جماعته الرهبانية.
في العام التالي، بدأ يتبلور شكل الجماعة الرهبانية ليُصبح تحت اسم "نُسّاك القديس فرنسيس الأسيزي"، والذي سيُسمىَ لاحقاً "الإخوة الأصاغر".
يشير اسم جماعتهم إلى دورهم كـ "الأقل من بين جميع المؤمنين"، وهو اسم يدل على عزم أكيد لعيش حياة الصِغر والتواضع، على مثال المسيح، ومن بعده القديس فرنسيس الأسيزي، والذي اختار هذا الاسم يوماً ما لجماعته الرهبانية القديمة.
كأي جماعة رهبانية كان الفقر والطاعة والعفة، هم النذور الرئيسية. 

أما الامتناع عن أكل اللحوم والأسماك وجميع المنتجات الحيوانية مدى حياتهم، فقد كان يُعدّ كـ "نذر رابع" تختص به رهبنتهم، ويهدف إلى الوداعة والتحكم في الطاقة الجسدية، والرزانة، وعدم التعصب والقسوة وعدم الميل للعنف وإلحاق الأذى بأي مخلوق، بل العيش بتواضع تام والتخلّي عن الكبرياء الذي يدفع الإنسان للغضب ويجعله مجرد رد فعل لاستفزازات الآخرين. كما كان مُشاركة تامة للفقراء في معيشتهم وأطعمتهم البسيطة.
أسس فرنسيس هذا التقيد الغذائي المستمر على مدار العام في محاولة لإحياء تقليد الصوم الكبير، والذي توقف العديد من الكاثوليك عن ممارسته بحلول القرن الخامس عشر.
رؤية فرنسيس للإماتات الكبيرة التي أقرّها لرهبنته، أنها السبيل الأقوى والأكثر فاعلية للنمو الروحي، الذي هو طريقهم نحو عيش الغير معروف والمَخفي عن العالم وعيون الجسد.
بحلول عام 1454م، ومع ازدياد عدد طالبي رهبنته، تم بناء دير أكبر وكنيسة، بعد استئذان رئيس أساقفة كوزنسا.
كان بناء هذا الدير مناسبة لمزيد من الحماس والغيرة الروحية لدى الناس، والتي تولّدت بفعل تقوى الأخ فرنسيس وشهادة حياته، كذلك لمعجزات كثيرة تمت بفعل صلاته. كان الجميع يحترم تقواه وقداسته ويريد مساعدته، حتى النبلاء لم يكتفوا بمجرد التبرع بالمال أو الأرض، بل حملوا الحجارة بأنفسهم وانضموا إلى البنائين.
في عام 1474 م، منحه البابا "سيكستوس الرابع"، الإذن بتقديم قانونه الرهباني للكنيسة حتى تعتمده، فتقدم به تحت اسم "نُسّاك القديس فرنسيس الأسيزي". تم اعتماد قانونه الرهباني رسمياً من قِبل البابا "ألكسندر السادس"، الذي فضّل تسمية الرهبنة بسم "الإخوة الأصاغر".
بعدها أسس الأخ فرنسيس عدّة أديرة جديدة في كالابريا وصقلية. كما أسس أديرة للراهبات، ورتبة ثالثة من التكريس للعلمانيين، على غرار ما فعل القديس فرنسيس الأسيزيز
إتصف بصدقه وشجاعته، وكان يحترم كل البشر وأولهم الفقراء والمهمشين، بينما لم يكن يُعطي احتراماً زائداً أو زائفاً لأصحاب النفوذ والأثرياء.
ومن أشهر المواقف التي أكدت ذلك هو انتقاده العلني لملك ناپولي على أفعاله البغيضة، مما تسبب في تعرُّضه للإضطهاد.
عُرف عن الأخ فرنسيس بأنه كان مُميزاً بموهبة النبوءة، وقد شهد أكثر من شخص بنبوءته عن سقوط القسطنطينية على يد الفتح الإسلامي، وعن مقتل إمبراطورها.
وهو ما حدث فعلياً عام 1453م، عند غزو السلطان العثماني "محمد الثاني" (محمد الفاتح) للقسطنطينة، ومقتل "قسطنطين پاليولوچوس" آخر إمبراطور مسيحي للقسطنطينية أثناء المعركة.
كذلك تنبأ باستيلاء العثمانيين على مدينة أوترانتو الإيطالية، واستشهاد عدد من أبناءها على اسم المسيح، وهو ما حدث فعلياً عام 1480م، وتنبأ أيضاً باستعادتها لاحقاً على يد ملك ناپولي، وقد كان.
تنبأ أيضاً لدوقة فرنسية تُدعى "لويز من ساڤوي"، أنها ستلد ملك فرنسا القادم (لاحقاً الملك "فرانسوا الأول"). كان يبدو لك بعيداً، لكن ما حدث أن "لويس الثاني عشر" ملك فرنسا توفيَّ دون أن يُنجب وريثاً ذَكَر للعرش، فانتقل المُلك لفرع آخر من العائلة وهو " ڤالوا أنجوليم"، الذي تنتمي له الدوقة لويز وزوجها دوق مدينة أنجوليم، فكان من نصيب ابنهما، الذي كانا قد أسمياه "فرانسوا" لإكرام الراهب القديس، وأصبح فيما بعد "فرانسوا الأول" ملك فرنسا.
بعد وفاة إبن شقيقته، توسلت الشقيقة أن يظل معها لمواساتها. فما كان بعد أن تمت الصلاة لراحة نفس الفتى، أن طلب الأخ فرنسيس ، أن يُنقل جثمانه إلى قلايته بدلاً من الدفن. لم يفهم أحد الطلب، لكن أطاعوه نظراً لقداسته. ظل الأخ فرنسيس يصلّي في قلايته أمام الجثمان، حتى عاد الصبي للحياة! وسط ذهول والدته وجميع الحاضرين. 
تكرَّس الفتى ويُدعى "نيكولا أليسّو" في رهبنة الإخوة الأصاغر، ورافقه في رحلته إلى فرنسا، وقد اشتهر مثله بالتقوى والأعمال الصالحة.
يُذكر عنه أيضاً رفقه الشديد بالحيوانات، وصداقتها ودعوتها بأسماء. حيث كان يدعو حَمَلاً يربيه بسم "مارتينيلو"، وعندما قام عُمال الدير بذبحه لأكله، أعاده هو للحياة مرة أخرى. كذلك فعل مع أسماك سلمون في بحيرة، كان يُلقي لها فُتات لإطعامها وكان يدعوها بسم "أنتونيلا"، فعندما علم بأن أحد الكهنة قام بصيدها وقليها، ذهب إليه ليستعيدها، ولما غضب الكاهن وألقاها أرضاً بعد تسويتها وتمزقها، دعاها فرنسيس للحياة وألقاها في مياه البحيرة، فإذا بها تعود للحياة والسباحة في البحيرة بفرح!
عندما حلّ بـ "لويس الحادي عشر" ملك فرنسا، مرضه الأخير، أرسل سفارة إلى پاولا، لاستدعاء الأخ فرنسيس ، لكنه رفض أن يترك ديره وفقراءه من أجل دعوة الملك. إلى أنه طاعةً لأمر البابا إضطر للذهاب.
وفي طريقه إلى فرنسا، أتمّ معجزات شفاء كثيرة بسم الرب، لمرضى الطاعون، ثم ذهب إلى الملك ورافقه روحياً في استعداده للحياة الأبدية، وعزّى نفسه، وجلب له سلام المسيح ، ولم يتركه حتى وفاته.
كان لويس الحادي عشر قد بنى أديرة للإخوة الأصاغر في فرنسا قبيل وفاته. كما كان لزيارة الأخ فرنسيس أثر كبير على كثير من أبناء الكنيسة الفرنسية، وتسببت في تشكيل دعوتهم لرهبنة الإخوة الأصاغر.
كان فرنسيس الآن حريصاً على العودة إلى إيطاليا، لكن ملك فرنسا الجديد "شارل الثامن" لم يسمح له، ولم يرغب في أن يفقد نصائحه وتوجيهاته.
حتى وفاته ظل الأخ فرنسيس في فرنسا، وقد قضى الأشهر الثلاثة الأخيرة من حياته في عزلة تامة، يستعد للانتقال من العالم.
في خميس العهد لعام 1507م، جمع أعضاء رهبنته من حوله، وحثّهم بشكل خاص على أن يكون لديهم إحسان وحب متبادل فيما بينهم وأن يحافظوا على تقشفهم وقناعتهم وتعففهم عن كل شيء.
في اليوم التالي، الجمعة العظيمة، دعاهم مرةً أخرى وأعطاهم توصياته الأخيرة، وعيّن نائباً عاماً للرهبنة يخلفه. ثم تلقى المناولة الأخيرة، وطلب أن يُقرأ له إنجيل آلام المسيح من بشارة يوحنا، وأثناء القراءة رقد الأخ فرنسيس في الرب، بعد حياة مِلئها الشبع بالرب، والاستغناء به عن كل ما في الأرض.
كان ذلك يوم 2 إبريل 1507م، عن عمر ناهز الحادية والتسعين عاماً في بليسيس بفرنسا. وقام البابا ليون العاشر بإعلانه طوباوياً في 28 يوليو 1513م . وبعد ستة سنوات إعلنه قديساً في 1 مايو 1519م 
تم إعلان قداسته عام 1519م، عن يد البابا "لاون العاشر".  وفي عام 1562م قام هيوغيونوتس بكسر وفتح قبره واجداً إياه دون فساد فعمد على حرقه. ثم استطاع الكاثوليك إنقاذ ما تبقى من عظامه وتوزيعها كذخيرة على كنائس متعددة. وهو شفيع البحارة والملاحون والمسافرون.