الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

فرانسيس ماتيو يكتب: استراتيجية جديدة.. أمريكا اللاتينية تحمل من جديد شعلة «الحياد النشط»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بينما تشكك العديد من الدول الأوروبية فى استراتيجيتها الحيادية فى مواجهة الحرب فى أوكرانيا، تجد أمريكا اللاتينية إجماعًا معينًا فى موقفها المتمثل فى «عدم الانحياز النشط». وتعد هذه طريقة لتأكيد استقلاليتها الجيوستراتيجية.
لطالما كانت أمريكا اللاتينية «ساحة اللعب» الجيوسياسية للدول الكبرى. غالبًا ما تعتبر الولايات المتحدة هذه المنطقة محمية ضد القوى المعارضة، بما فى ذلك الإمبراطوريات الاستعمارية السابقة. هذا ما يفسر إلى حد كبير اضطرابات الثورات والثورات المضادة. وأدت الحرب الباردة إلى استقطاب هذه المواجهة الجيوسياسية بين القوى العظمى على حساب دول أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى، وقامت بتغذية إحجام حكومات هذا الجزء من القارة عن الانخراط فى المزيد من الصراعات العالمية. كما أدى صعود القوة الاقتصادية للبرازيل واندماجها فى البريكس (مع الصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا) إلى تقوية معسكر هذه الدول التى تم «تحجيمها». وقد سلط مؤتمر ميونيخ الأخير حول الأمن والحرب فى أوكرانيا، الضوء على الخليج الذى يفصل الآن الغرب عن الجنوب وبقية حلفائه التقليديين. خلال هذه القمة، مثلت أمريكا اللاتينية بشكل ملحوظ بوزير الخارجية البرازيلى، ماورو فييرا، ونائبة الرئيس الكولومبى فرانسيا ماركيز، التى دافعت عن نفس الموقف المتمثل فى «عدم الانحياز النشط». ظهر هذا الحياد الراديكالى (أو «الحياد النشط»، وفقًا لتعريف دينيس دى روجيمونت) خلال التصويت فى ٢٣ فبراير فى الأمم المتحدة لإدانة «الانسحاب الفورى والكامل وغير المشروط لروسيا».
لم تكن خيارات الحكومات «البوليفارية» مفاجئة: فقد صوتت نيكاراجوا ضدها، بينما استقبل نيكولاس مادورو فى ذلك اليوم فى كاراكاس نيكولاى باتروشيف، أحد أقارب بوتين (فنزويلا محرومة مؤقتًا من حقها فى التصويت بالأمم المتحدة بسبب ديونها الهائلة) ولكن البعض الآخر فضل الامتناع عن التصويت: بوليفيا والسلفادور وحتى كوبا، التى هى بالرغم من حالة الاختناق الاقتصادى يمكن هنا الحصول على بعض التعهدات من «الأخ الأكبر» السابق. من جهته، عبر الكولومبى السابق - والحائز على جائزة نوبل للسلام - خوان مانويل سانتوس فى خطابه عن وجهة نظر جزء كبير من الأمريكيين اللاتينيين، مؤكدًا أنه من الضرورى «أحيانًا التفكير أكثر فى كيفية انهاء الحرب عن كيفية كسبها».. فى أمريكا اللاتينية، ينظر جزء كبير من الرأى العام إلى العدوان الروسى على أنه أجنبى. يفسر هذا إجماعًا معينًا بين الزعماء الذين يُنظر إليهم على أنهم متنافسون. لم يتردد الرئيس المكسيكى أندريس مانويل لوبيز أوبرادور فى انتقاد المستشار أولاف شولتز لإرساله دبابات ليوبارد إلى كييف «ضد إرادة الألمان».
 


حرية الرأي
الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات هنا.. شيلى والبرازيل لديهما دبابات ليوبارد كما تمتلك كولومبيا وبيرو والمكسيك والأرجنتين والبرازيل والإكوادور طائرات هليكوبتر من طرازميج وصواريخ روسية مضادة للدبابات وصواريخ أرض جو متوافقة مع تلك الموجودة فى الجيش الأوكرانى، بينما تمتلك القوات الجوية البيروفية مقاتلات ميج وسوخوى..لكن رفض إرسال المعدات العسكرية يأتى بالإجماع. حتى أن الرئيس الكولومبى جوستافو بيترو تجرأ على القول إنه يفضل «أن تنتهى هذه الأسلحة بالصدأ فى مكبات النفايات بدلًا من استخدامها لإطالة أمد الحرب». لذلك عاد أولاف شولتز خالى الوفاض من رحلته إلى سانتياجو وبوينس آيريس وبرازيليا فى نهاية يناير الماضى. ولم يكنلولا دا سيلفا استثناءً من هذه القاعدة، حيث رفض صراحة بيع قذائف المدفعية إلى برلين بغرض إعادة تصديرها إلى أوكرانيا.
منذ إعادة انتخابه، يبدو أن الرئيس البرازيلى ملتزم بالحفاظ على موقف رئيس دولة على مسافة واحدة من الجميع فى علاقاته الدولية، إلى درجة إزاحة زيلينسكى وبوتين إلى الوراء فى البداية، قبل الاعتدال والتأهيل لوجهة نظره أمام جو بايدن خلال زيارة للبيت الأبيض. لكن مع الحفاظ على حريته فى الرأى والحرص على عدم خدش روسيا. قبل مغادرته إلى بكين (المقرر أن يكون هذا الأسبوع لكنه تأخر بسبب التهاب فى الرئة)، قال لولا إن لديه خطة سلام لأوكرانيا لتقديمها إلى نظيره الصينى. من المؤكد أن فرصة نجاح المبادرة ضئيلة، لكنها تؤكد استراتيجيتها القائمة على «عدم الانحياز النشط». صحيح أن البرازيل فى علاقاتها مع روسيا، هناك مصالح أخرى أكثر خطورة وعلى المحك: بفضل واردات الأسمدة الروسية، زادت الصادرات الزراعية البرازيلية بنسبة ٣٦.١٪ فى عام ٢٠٢٢، لتصل إلى ٧٥ مليار دولار. وبذلك أغلق الميزان التجارى البرازيلى العام الماضى بفائض قياسى بلغ ٦١.٨ مليار دولار. مثل غيره من رؤساء دول أمريكا الجنوبية، لا يرى لولا أيضًا وجهة نظر سلبية بشأن التعزيز الدبلوماسى مع بكين. لأنه إذا كانت حكومات المنطقة تقاوم الضغوط الجيوسياسية بشكل أفضل من ذى قبل، فإن ذلك يرجع أيضًا، على وجه التحديد، إلى الصين، الشريك التجارى الرئيسى حاليًا للاقتصادات الرئيسية لأمريكا اللاتينية (باستثناء المكسيك). بعد عدة سنوات من الركود أو حتى التراجع، عادت الاستثمارات الصينية أيضًا إلى النمو، لا سيما فى البرازيل، حيث زادت بنسبة ٢٠٠٪ فى عام ٢٠٢١.
من الواضح أن استراتيجية الحياد الراديكالى ليست بالتأكيد متنزهة أو خالية من المصالح.
 

معلومات عن الكاتب: 
فرانسيس ماتيو.. من كبار الصحفيين، نشر كتابًا بعنوان «كوبا.. الوطن والحياة» الذى يرسم فيه صورة للمجتمع الكوبى الحالى.. فى هذا العدد يرسم لنا خريطة متكاملة لموقف دول أمريكا اللاتينية من الحرب فى أوكرانيا.