روسيا قد تستخدم القنابل النووية للرد على تزويد الغرب لأوكرانيا بذخائر تحوى يورانيوم منضب، لأنه حسب تحليل الخبراء الروس فإن الآثار الإشعاعية لتلك الذخائر لا تختلف كثيرا عن آثار القاء قنبلة نووية!!
بعيدًا عن تحليلات الخبراء الروس والصينيين وغيرهم، كانت العراق وليبيا من أوائل الدول التى استخدمت فيها هذه الذخائر على نطاق واسع، دون رقيب وبلا حسيب، ولم تنل حقها من البحث والتمحيص، لسبب بسيط وهو نظرة الغرب الدونية لنا ونظرتنا نحن لأنفسنا، وضعف بعض حكامنا واستلاب نخبنا!.
ففى عدوان الناتو وحلفائه على ليبيا عام ٢٠١١ والذى استمر ثمانية أشهر كاملة قصفت فيها المدن والقرى الليبيية على مدار الساعة وصبت على رؤوس الليبيين حمم النيران بكل أنواع القذائف حيث القيت عشرات الآلاف من القنابل التى تحتوى اليورانيوم المنضب، وتبجح الغرب بذلك الاستخدام الواسع للسلاح الذرى الذى ساهم حسب آرائهم فى كسر مقاومة القوات المسلحة الليبية والمقاومة الشعبية.
ولقد ظهرت بعض التقارير تتحدث عن الموضوع على استحياء، كتأكيدات كريستوف هورستل الصحفى الألمانى والخبير فى الشؤون السياسية، بأن قوات الناتو استخدمت بعض الأنواع من أسلحة اليورانيوم المنضب لضرب أهداف فى ليبيا. ففى حديث لوكالة «نوفوستى» قال «إن الولايات المتحدة وحلفاءها تملك أسلحة متنوعة، لكن كافة أسلحتها المضادة للدروع تحتوى على اليورانيوم المنضب».
وأضاف هورستل أن وزن بعض القنابل التى سقطت على الأراضى الليبية كان يبلغ نحو طنين، وأوضح أن اليورانيوم المنضب يتحول خلال انفجار القنبلة، الى غاز سام يمكن أن يتسبب فى إصابة الإنسان بالسرطان، مضيفا أن من تسمم بهذه الغازات لا يستطيع إنجاب أطفال سليمين.
وفقًا لمجموعة مستقلة من العلماء العاملين فى ليبيا (مجموعة المسح وجمع العينات والقياس المختبري)، فلقد وجدوا فيها آثارًا لليورانيوم المنضب، وبصفته عضوًا فى مجموعة العلماء، أشار مهدى داريوس نازمروا، إلى أن الأماكن التى أجريت فيها الدراسات تعرضت لهجمات جوية بشكل متكرر وفى أوقات مختلفة.
كان هدف العلماء اكتشاف النظائر المشعة، أجريت الدراسات فى باب العزيزية، حيث يقع مقر إقامة الشهيد معمر القذافى، وفى سوق الأحد، وتم نقل العينات المأخوذة من مواقع القصف إلى مختبر المعهد الليبى للطاقة الذرية، وأظهر التحليل المختبرى باستخدام البلازما المزدوجة أنه فى بعض الأماكن كان مستوى محتوى اليورانيوم أعلى من المتوقع، وتم تسجيل مستوى متزايد من الإشعاع فى الحفر الناتجة عن قنابل الناتو وعلى شظايا القذائف، ومن المعروف أيضًا أن طيران الناتو استخدم قنابل اليورانيوم بنشاط خلال حصار طرابلس وسرت.
وقال الباحث الليبى المتخصص فى الإشعاع الذرى الدكتور نورى الدروقى أخصائى السياسات الإشعاعية والباحث فى مركز البحوث النووية فى ليبيا، إن حلف الناتو قام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق أبناء الشعب الليبى خلال عدوان الحلف العسكرى على ليبيا فى ٢٠١١. وقال «فى شهر سبتمبر ٢٠١٧ تمت دعوتى من المجلس الرئاسى الليبى وتكليفى للتحقق من استخدام حلف الناتو لليورانيوم خلال قصف إحدى المناطق بالعاصمة طرابلس، وتم أخذ عينات من معسكر بالقرب من تمركز الجيش الليبى فى طرابلس والذى تعرض للقصف بأكثر من ١٠٠ قذيفة، وعملت مع المجلس الرئاسى لبحث استخدام الناتو لأسلحة محرمة دوليًا وتأكدنا بعد أخذ عينات من ٥ دشم على استخدام حلف الناتو لليورانيوم، وقدمنا تقريرًا رسميًا بذلك، إلى المجلس الرئاسى الليبى برئاسة فائز السراج فى أكتوبر ٢٠١٧، ولم يقم المجلس الرئاسى بأى تحرك لا إقليميا ولا دوليا، وأخذت على عاتقى توضيح الحقيقة الكاملة للتدمير الذى قام به حلف الناتو واستخدامه أسلحة محرمة دوليا.
المشكلة أن الغبار الناتج عن القصف باليورانيوم تشعب فى التربة بسبب الأمطار الكثيفة فى ليبيا عام ٢٠١٧ وتخزن اليورانيوم فى المياه الجوفية.
وقال الدروقى «بعد أخذ عينات من المعسكر الكبير الذى استهدف من قبل قوات الناتو فى ليبيا، تم إثبات بالبحث العلمى وجود ما يسمى بـالأماكن الساخنة الإشعاعية، وعملنا على قياسات إشعاعية دقيقة، بينت أنها مادة اليورانيوم، ناتجة من أثر الصواريخ التى تم استخدامها من قوات الناتو لضرب الأهداف العسكرية الليبية»، وأكد الدروقى، أن أثر اليورانيوم موجود حتى الآن فى مدينة طرابلس، ولم نتمكن من دراسة الوضع الإشعاعى فى العديد من المدن والمناطق الأخرى خارج طرابلس التى تم استهدافها بقوة، بسبب ضعف امكانيات مركز البحوث النووية، وسيطرة المليشيات المرتبطة بالدول المتدخلة فى ليبيا.
إن العديد من الخبراء الدوليين والليبيين أكدوا حقيقة استخدام اليورانيوم المنضب فى ليبيا كذلك، لكن تلك الدراسات لم تنل حقها من التناول الإعلامى بسبب سيطرة الدوائر الغربية على الإعلام.
وبعيدًا عن ذلك فلقد ظهرت للعيان النتائج الخطرة للإشعاع الذرى على المواطن الليبى، فمستشفيات تونس ومصر والأردن وتركيا وبعض دول أوروبا أفردت أقسامها الخاصة بعلاج السرطان للمرضى الليبيين تقريبًا، خاصةً بعد انهيار القطاع الصحى كليًا فى ليبيا بعد ٢٠١١.
ومع التعاطف مع مئات آلاف المرضى الليبيين وأسرهم المصابين بأمراض السرطان والتشوهات الخلقية والمصابين بعاهات نتيجة الحرب التى أشعلها الناتو، والذين يحتاجون إلى تدخلات تشخيصية وعلاجية متطورة، لم يجدوها فى بلادهم، فإن الحاجة ماسة لرفع الصوت عاليًا وتحميل الناتو وحلفائه نتائج الاستخدام المفرط للذرة فى حربهم على ليبيا، وأدعو المؤسسات الطبية العربية والعالمية إلى تقديم دراسات حول المرضى الليبيين وأن لا يكتفوا بالمطالبة بأموال طائلة مقابل علاجهم، أكثر من نصفها نتاج تزوير ونهب، فكل هذه الدول تتحمل جزءً من المسؤولية لاشتراكها مباشرة فى العدوان العسكرى للناتو على ليبيا.
وفى الواقع مصاب الليبيين مزدوج، أولها أن اليورانيوم المنضب سبب فى إصابات مرضية مباشرة، والثانى ناتج عن تدمير مؤسسات الدولة وفرض عصابات من اللصوص والبلطجية وتمكينهم من السلطة والموارد وحمايتهم، الأمر الذى تسبب فى تبذير منقطع النظير للموارد، وانهيار شبه كامل للخدمات وفى أولها القطاع الصحى !
فلقد كانت الخدمات الصحية المجانية تقدم بشكل انسيابى وبمستوى متطور تشخيصيا وعلاجيا، لكن سياسات العصابات المتحكمة أدت إلى إنهاء القطاع العام وأصبحت مراكز صحية ربما هى الأضخم فى أفريقيا خاوية تمامًا كمركز طرابلس الطبى وبنغازى الطبى ومستشفيات القلب وجراحة الأعصاب والحروق والتجميل وزرع الأعضاء، وتصاعدت معاناة الأطباء والمهنيين ووجدوا أنفسهم فى معركة لا يمتلكون فيها أى سلاح، رغم حجم المصروفات!! ومع هذا يُحملون مسؤولية رداءة الخدمات المقدمة للمواطنين وانعدامها فى أحيان كثيرة.
لهذه الأسباب لا يمكن مطالبة الأطباء الليبيين والمختصين فى الدراسات الاستقصائية بتقديم معلومات دقيقة حول نتائج استخدام الناتو لما يسمونه اليورانيوم المنضب على صحة الناس وآثاره على البيئة.
فى تصورى أن ما جرى فى ليبيا والعراق من حرب غير أخلاقية بكل المعايير يفرض على من يتشدقون بالاهتمام بحقوق الإنسان والحيوان أن يخرجوا ويبحثوا ويقدموا الحقيقة للعالم، رغم معرفتى المسبقة بأن هذا النداء لن يجد آذان صاغية، ذلك أن تلك المنظمات ليست سوى أدوات تعمل لدى المؤسسات الاستخباراتية الغربية، والتى لا هم لها سوى تدمير الآخر مهما كانت النتائج، ولنا فى هيروشيما خبر يقين !
للأسف ما يخرج اليوم من تقارير صادمة حول اليورانيوم المنضب وآثاره مقارنة بآثار تلك القنبلة يثير الرعب وليس فقط الخوف!.
باحث متخصص: تأكدنا من استخدام الناتو لأسلحة محرمة دوليًا وقدمنا تقريرًا رسميًا إلى المجلس الرئاسى الليبى.
معلومات عن الكاتب:
د. مصطفى محمد الزائدى.. سياسى ليبى، تولى سابقًا منصب وزير الصحة، وكان نائب وزير الخارجية 2011، أمين الحركة الوطنية الشعبية الليبية.. يكشف حقيقة استخدام الناتو لأسلحة ذرية محرمة دوليًا فى حربه لتدمير ليبيا، وفق شهادات حية وموثوقة.